Rüya Dünyasında
في عالم الرؤيا: مقالات مختارة لجبران خليل جبران
Türler
رأيت روحا واحدة سماوية متمثلة أمامي بجسدين، يجملهما الشباب ويسربلهما الاتحاد، وقد وقف بينهما إله الحب باسطا جناحيه ليحميهما من لوم الناس وتعنيفهم. وجدت التفاهم الكلي منبعثا من وجهين شفافين ينيرهما الإخلاص ويحيط بهما الطهر، وجدت لأول مرة من حياتي طيف السعادة منتصبا بين رجل وامرأة يرذلهما الدين وتنبذهما الشريعة.
وبعد هنيهة وقفت وودعتهما مظهرا بغير الكلام تأثيرات نفسي، وخرجت من ذلك المنزل الحقير الذي جعلته العواطف هيكلا للحب والوفاق، وسرت بين تلك القصور والمنازل التي أظهرت لي خفاياها السيدة وردة، مفكرا بحديثها وبكل ما ينطوي تحته من المبادئ والنتائج. لكنني لم أبلغ أطراف ذلك الحي حتى تذكرت رشيد بك نعمان، فتمثلت لبصيرتي لوعة قنوطه وشقائه، فقلت في ذاتي: «هو تعيس مظلوم، ولكن هل تسمعه السماء إذا وقف أمامها متظلما شاكيا وردة الهاني؟ هل جنت عليه تلك المرأة عندما تركته واتبعت حرية نفسها؟ أم هو الذي جنى عليها عندما أخضع جسدها بالزواج قبل أن يستميل روحها بالمحبة؟»
فمن هو الظالم من الاثنين ومن هو المظلوم؟ من هو المجرم ومن هو البريء يا ترى؟ ثم عدت قائلا لذاتي مستفتيا أخبار الأيام مستقصيا حوادثها: «كثيرا ما أباح الغرور للنساء أن يتركن رجالهن الفقراء ويتعلقن بالرجال الأغنياء؛ لأن شغف المرأة ببهرجة الملابس ونعومة العيش يعمي بصيرتها ويقودها إلى العار والانحطاط، فهل كانت وردة الهاني مغرورة وطامعة عندما خرجت من قصر رجل غني مفعم بالحلي والحلل والرياش والخدم، وذهبت إلى كوخ رجل فقير لا يوجد فيه سوى صف من الكتب القديمة؟ وكثيرا ما يميت الجهل شرف المرأة ويحيي شهواتها، فتترك بعلها مللا وتضجرا، وتطلب ملذات جسدها بقرب رجل آخر أكثر منها انحطاطا وأقل شرفا، فهل كانت وردة الهاني جاهلة راغبة بالملذات الجسدية، عندما أعلنت استقلالها على رءوس الأشهاد وانضمت إلى فتى روحي الأميال، وقد كان في إمكانها أن تشبع حواسها سرا في منزل زوجها من هيام الفتيان الذين يستميتون ليكونوا عبيد جمالها وشهداء غرامها؟ وردة الهاني كانت امرأة تعيسة، فطلبت السعادة فوجدتها وعانقتها، وهذه هي الحقيقة التي تحتقرها الجامعة الإنسانية وتنفيها الشريعة.»
همست تلك الكلمات في مسامع الأثير، ثم قلت مستدركا: «ولكن أيسوغ للمرأة أن تشتري سعادتها بتعاسة بعلها؟» فأجابتني نفسي قائلة: «وهل يجوز للرجل أن يستعبد عواطف زوجته ليبقى سعيدا؟» •••
وظللت سائرا وصوت السيدة وردة يتموج في مسامعي، حتى بلغت أطراف المدينة والشمس قد مالت إلى الغروب، وابتدأت الحقول والبساتين تتشح بنقاب السكينة والراحة، والطيور تنشد صلاة المساء، فوقفت متأملا ثم تنهدت قائلا: «أمام عرش الحرية تفرح هذه الأشجار بمداعبة النسيم، وأمام هيبتها تبتهج بشعاع الشمس والقمر. على مسامع الحرية تتناجى هذه العصافير وحول أذيالها ترفرف بقرب السواقي. في فضاء الحرية تسكب هذه الزهور عطر أنفاسها وأمام عينيها تبتسم لمجيء الصباح. كل ما في الأرض يحيا بناموس طبيعته، ومن طبيعة ناموسه يستمد مجد الحرية وأفراحها، أما البشر فمحرومون هذه النعمة لأنهم وضعوا لأرواحهم الإلهية شريعة عالمية محدودة، وسنوا لأجسادهم ونفوسهم قانونا واحدا قاسيا، وأقاموا لأميالهم وعواطفهم سجنا ضيقا مخيفا، وحفروا لقلوبهم وعقولهم قبرا عميقا مظلما، فإذا ما قام واحد من بينهم وانفرد عن جامعتهم وشرائعهم قالوا: هذا متمرد شرير خليق بالنفي، وساقط دنس يستحق الموت. ولكن هل يظل الإنسان عبدا لشرائعه الفاسدة إلى انقضاء الدهر؟ أم تحرره الأيام ليحيا بالروح وللروح؟ أيبقى الإنسان محدقا بالتراب؟ أم يحول عينيه نحو الشمس كيلا يرى ظل جسده بين الأشواك والجماجم؟»
يوحنا المجنون
1
في أيام الصيف كان يوحنا يسير كل صباح إلى الحقل سائقا ثيرانه وعجوله، حاملا محراثه على كتفه، مصغيا لتغاريد الشحارير وحفيف أوراق الغصون، وعند الظهيرة كان يقترب من الساقية المتراكضة بين منخفضات تلك المروج الخضراء، ويأكل زاده تاركا على الأخشاب ما بقي من الخبز للعصافير، وفي المساء عندما ينتزع المغرب دقائق النور من الفضاء، كان يعود إلى البيت الحقير المشرف على القرى والمزارع في شمال لبنان، ويجلس بسكينة مع والديه الشيخين مصغيا لأحاديثهما المملوءة بأخبار الأيام، شاعرا بدنو النعاس والراحة معا.
وفي أيام الشتاء كان يتكئ مستدفئا بقرب النار، سامعا تأوه الأرياح وندب العناصر، مفكرا بكيفية تتابع الفصول، ناظرا من الكوة الصغيرة نحو الأودية المكتسية بالثلوج والأشجار العارية من الأوراق، كأنها جماعة من الفقراء تركوا خارجا بين أظافر البرد القارص والرياح الشديدة.
وفي الليالي الطويلة كان يبقى ساهرا حتى ينام والده، ثم يفتح الخزانة الخشبية ويأتي بكتاب العهد الجديد، ويقرأ منه سرا على نور مسرجة ضعيفة، متلفتا بحذر بين الآونة والأخرى نحو والده النائم الذي منعه عن تلاوة الكتاب؛ لأن الكهنة ينهون بسطاء القلب عن استطلاع خفايا تعاليم يسوع، ويحرمونهم من «نعم الكنيسة» إذا فعلوا.
Bilinmeyen sayfa