وبعض هذا يحبب إلي البقاء حيث بقيت.
ولكنني لو سئلت: لم بقيت أول الأمر حتى طال بي البقاء، فلست أدري ما أقول، وقد أجيب كما أجبت السؤال الذي سئلته في الصحف: «إنها الكتب وما أعانيه في نقلها وترتيبها من العناء الذي لا يوكل إلى آخرين.»
ثم أقول كما قلت: «وهو سبب وجيه ولا جدال، ولكني أحس كلما أجبت به أنه طبقة من الأسباب وراءها طبقات، ولعلي أوجز الحقيقة كلها ببيت حافظ إبراهيم الذي قاله في مثل هذا المسكن، وإن لم تطل مدته فيه كهذا الطول:
كم مر لي فيه عيش لست أذكره
ومر لي فيه عيش لست أنساه
فهذا البيت قد كتبت فيه خير كتبي وأحبها إلي، وقد عشت فيه تلك الكتب عيشا حيا باقي الآثار قبل أن أنقلها من عالم النفس إلى عالم الأوراق، وهذا المسكن قد صعدت سلالمه ثلاثا ثلاثا ثم صعدتها اثنتين اثنتين، ثم أصعده درجة درجة على غير عجلة ولا اكتراث، وهذا المسكن قد نزلت به والشعرات البيض يتوارين في السواد، وما زلت أنزل به والشعرات السود يتوارين في البياض
1 ...»
وقد استقبلت فيه آمالا، واستحييت فيه ذكريات، ومن غار على ذخيرة آماله وبواطن ذكرياته، فقد يغار على مواطنها أن تستباح بعده لكل من يشاء.
تلك يا صاحبي سياحتي التي أردتها في بيتي، وأردت أن تحيط بما يحوطني فيها من شاغل أو عمل أو مقال، أطلعتك منها على ما يعني الناس، وتتصل فيه حياة الكاتب بين العالم والدار، فأما الذي يعنيني ولا يعني أحدا غيري فلأن أقول أنا إنه لا يعنيهم خير من أن يقرأه قارئ فيسأل قارئا آخر: وما الذي يعنينا نحن من هذا المقال؟ ثم يتفقان على الجواب!
في حجرة المكتب وفي حديث خاطف مع أحد زائريه.
Bilinmeyen sayfa