Boş Zamanlarda
في أوقات الفراغ: مجموعة رسائل أدبية تاريخية أخلاقية فلسفية
Türler
كلا. لست أستطيع أن أصف لك هذا المشهد؛ لأنه ليس مكونا من أحجار ولا من صور وتماثيل. ولكنه مكون من ماض عريق في القدم والعظمة، عريق في الجلال والهيبة، عريق في الإبداع والدقة، عريق في كل ما تريد الإنسانية اليوم أن تصل إليه من قوة وعزة وجاه وسعادة. وفيما تنفق في سبيله الجهود الكبار. ثم هي تراه أمامها سرابا قد لا يتحقق على القرون . •••
معابد الكرنك. هياكل آمون وسيتوس وتتموزس وفتاح، وفي مقدمتها طريق آباء الهول، وعلى أبوابها درجات الطول والعرض، لتعرف أين أنت من كرة الأرض. وبينها معابد آلهة الخير والشر تطالعها الشمس ظهيرة كل يوم؛ لتطلعها على آثار الناس وحسناتهم. ومن خلالها تماثيل رمسيس وتحتمس وآل فرعون. وفي غايتها البحيرة المقدسة.
ألست ترى هذا الجمع من كهنة آمون قادمين على شاطئ النيل إله الخير والخصب، وهم ينظرون إلى مياهه الهادئة في موجها نظرة اعتراف بالجميل وتقديس وإجلال؟ ألا تراهم يريدون أن يسلكوا سبيلهم إلى معبد إله الشمس آمون؛ ليرتلوا لمبعث النور والدفء آيات الثناء والحمد. هاهم أولاء انعطفوا في طريق آباء الهول بين تماثيل السباع ركبت عليها رؤوس كباش الغنم، وازدان صدرها بتمثال آمون، فجمعت بين القوة والعظمة والحنان والرقة والقداسة والهيبة. وتتالت كثيرة متتابعة تزيد الجمع بكثرتها خشوعا وبنظام تتابعها رهبة ومهابة. وقام أمام الجمع مدخل المعبد الضخم الرفيع لا تدرك شرفته نظرة الخاشع السائر في هذا المشهد الرهيب. هاهم أولاء تخطوا المدخل، فأحاطت بهم نصب الآلهة وتماثيل الملوك ومن حولها العمد الرفيعة الشاهقة. فلما نادى رئيس الكهنة باسم آمون خروا جميعا سجدا.
كان هذا الجمع يتخطى هذه المشاهد بملابسه الكهنوتية، وقلبه ممتلئ قداسة وإجلالا وإكبارا. أما أنت فتمر في طريق آباء الهول وترى مدخل معبد آمون، وتتخطى إلى داخله، فترى هامات الكباش طائرة عن أجساد السباع. وترى تماثيل آمون القائمة على صدورها أبلاها مر القرون، وترى معبد آمون تحطمت نصبه، وتداعت تماثيله، وتطايرت رؤوس عمده. ثم لا يكون قلبك الذي امتلأ بالقداسة والإجلال والإكبار أقل خشوعا من قلوب هذا الجمع بملابسه الكهنوتية.
وتتخطى بين هذه الآثار مسلات رفيعة وعمد لا تمل العين التحديق بها، ونصب فوقها تماثيل بالغة في الأحكام، وجدران ترى الطير والوحش قد زينت سطحها، وذلك كله وما هو حوله من مثله ومما هو أعظم منه وأبدع فوق متسع من الفلاة، لا يجيء عليه الناظر في مدى نظرته، ولا يتخطى واحده إلى ما بعده من غير أسف على تخطيه.
كيف كانت تنحت تلك التماثيل العظيمة؟ وكيف كانت ترفع فوق تلك النصب؟ وكيف كانت تقام تلك العمد؟ وكيف كانت تصل إلى قممها شرفاتها البديعة النقش؟ وكيف كانت تحمل فوق تلك الشرفات الأحجار الضخمة التي تصل العمد بعضها ببعض؟! أي فن وأي علم وأي مقدرة كانت تقوم بذلك كله؟ وأين من هذا الفن والعلم والمقدرة فننا وعلمنا ومقدرتنا؟ وهل لنا أن نباهي أهل تلك العصور البائدة؟! •••
معابد خونسو. وفتاح. وآمون. آيات المجد والعظمة. آثار الكرنك الخالدة. كلا. لن يحيط بك وصف الواصف إلا إذا وقف عليك من حياته سنين طوالا.
أما أنا فيكفيني ما شهدت. هو يكفيني فخرا بالماضي، ولوعة للحاضر، وأملا للمستقبل.
أبيس
مهداة لسر أناتول فرانس
Bilinmeyen sayfa