امتاز محمد عثمان جلال بأنه يمثل الروح المصرية أتم تمثيل في خفتها، وحبها للنكتة، ومرحها الجم، وقد اختلط كثيرا بالعامة، وعرف أمثالهم ونوادرهم، ومواعظهم، وعرف كذلك ميولهما الفطرية، وحبهم للقصص العربية، وامتاز أيضا بأنه كان أديبا مطبوعا، ثائرا على المدرسة التقليدية التي تحاكي أدب القديم في محسناته وفخامته، وموضوعاته، فكان يعتمد أولا على تجربته الشخصية, يستوحيها ويتسلهمها, ويعبر عما يحسه وعما يهديه إليه فكره، فهو في أدبه يمثل القاهرة والريف المصري، لا بغداد ولا قرطبة, ولا البلاد العربية وصحراءها, وهذا لعمري هو الأدب الصادق، ولولا ما شاب أدبه من إسفاف في اللفظ, وجنوح إلى العامية، إفراطا منه في مصريته، لكان من أفذاذ الأدباء المصريين, وأصحاب المبادئ في الأدب، وقد نقد في كتابه "العيون اليواقظ" هؤلاء الذين يدعون إلى الأدب التقليدي, ولا يستلهمون مشاعرهم الخاصة، وأساليبهم المبتكرة:
يقولون ما هذا الكتاب وما به ... أكاذيب أقوال البهائم في قبح
وقد زعموا أن البلاغة لم تكن ... بأحسن مما قيل في القد والرمح
وتشبيه لون الخد بالورد واللظى ... وتمثيل نور الوجه إن لاح بالصبح1
وقد غالى في مصريته وثورته على الأدب القديم، فأكثر من استعمال العامية، سواء في كتبه الموضوعة, أو في ترجمته للروايات المسرحية.
ومن أشهر كتبه التي تمثل هذه الروح المصرية المرحة، وتدل على شدة تأثره بعامة الشعب في أمثالهم, كتابه الذي أشرنا إليه سابقا، وهو "العيون اليواقظ في الأمثال والمواعظ", الذي ترجم به أمثال "لافونتين" La Fontaine شعرا2، وقد شحنه محمد عثمان جلال بكثير من الأمثال العامية، من مثل قوله:
Sayfa 104