Faysal Birinci: Seyahatler ve Tarih
فيصل الأول: رحلات وتاريخ
Türler
ما وهن مع ذلك العزم منه، ولا ضعفت ثقته بالله وبنفسه، بل كان دائما يقول: «سنسير بعون الله من معاهدة إلى أخرى، وسنظفر بالتي فيها حقنا بأجمعه، سنظفر بالمعاهدة التي ستدوم.» وبعد بضعة أشهر أنعشت آماله وآمال العراق المعاهدة الثلاثية - التركية العراقية البريطانية - التي عقدت في أنقرة في الخامس من شهر حزيران 1926، فاعترفت تركيا بخط «بروسل»، سلمت للعراق بولاية الموصل.
أدب الملك مأدبة رسمية؛ احتفالا بهذا الحدث وتفاؤلا به، فخطب خطبة أعرب فيها عن رغبته الشديدة بالسلم وجيرانه كلهم، وأنه سيبذل ما في طاقته في هذا السبيل. وقد أشار المندوب السامي في تقريره إلى هذه الخطبة، فقال: إنه «أعرب عن امتنانه للحكومة البريطانية، وتقديره لجهود ممثليها في سبيل العراق.»
الملك فيصل الأول في البلاط أمام العرش.
على أن الحوادث التي تتابعت بعد ذلك وتفاقمت لا تشف عن شيء من روح الامتنان والتقدير، ليصور المندوب صوره السياسية الزاهية الألوان، ليموه وينمق المحال ما شاء وشاءت السياسة، فإن الحقيقة البارزة الناصعة هي أن العراقيين فقدوا الثقة بالإنكليز، فقدوها كلها، وكان احتقارهم لممثلي الحكومة البريطانية يزداد يوما فيوما، احتقروهم ومقتوهم.
وكانت السنة التي عقبت إبرام المعاهدة الأخيرة أظلم ما كان من عهد السر هنري دوبس المظلم؛ فقد توترت العلاقات فيها بين البلاد ودار الانتداب وتكاثفت صفوف المعارضة للسياسة البريطانية، وانتشر في البلاد روح عداء للبريطانيين باصرة عاقلة، فكانت لذلك أبلغ وأسرع في تقويض سياستهم المعنوية والسياسية. لا عجب، وهم هم المخلفون بالوعود، الناقضون للعهود.
أما المعاهدة فما حلت من العقد كلها غير عقدة واحدة؛ هي الحدود التركية العراقية. وظلت الاتفاقات الإضافية، المالية منها على الأخص والعسكرية، مفتوحة للبحث، للمحادثة، للنزاع. بيد أن وزارة السعدون كانت تنتظر على الأقل تسوية المشاكل المالية وتقويمها في اتفاق جديد، فخاب أملها، واستعفى رئيسها عبد المحسن حردا ناقما.
ثابر الملك فيصل وانتدب جعفر العسكري ليؤلف وزارة جديدة، فجاء جعفر يباشر العمل باسم الله، وباسم التفاهم العراقي البريطاني: «هم بليتنا، يا أخي، ونحن بليتهم، فيجب علينا أن نتفاهم لنحدد في الأقل أجل البليتين.»
وكان المندوب السامي، السر هنري دوبس، قد بدأ يشعر هذا الشعور ويدرك هذه الحكمة، ولا سيما أن بليته الشخصية أوجبت عليه الإسراع في العمل؛ إذ كانت أسبابها تتصل بوزارة المستعمرات التي طالما أصمت أذنها لاقتراحاته وآرائه، ولكنه توفق في النهاية إلى شيء من الإقناع، فقبل رئيسه الوزير أن يعاد النظر في المعاهدة لتعديل بعض بنودها.
بدأت المفاوضات فورا في بغداد، ثم فر المتفاوضون هاربين من حر العراق، واستأنفوا العمل في لندن إبان الخريف، وكان الملك فيصل قد تقدمهم إلى أوروبا ينشد العافية، ويستوحي عن كثب مقامات السياسة الدولية. فحط رحاله على مياه «إيكس له بان» المعدنية، وكان اتصاله بوفد العراق في لندن سهلا، على أن المفاوضات كانت سريعة التطور، فرأى الوفد أن يكون الملك أقرب إليهم، فأبرقوا بذلك إليه.
غادر الملك فيصل «إيكس له بان» فعرج على باريس في طريقه إلى لندن. ويوم كان في عاصمة الفرنسيس، قرأ في الصحف، في الصفحة الأولى مطبوعا بالحرف العريض، نبأ جاء من العراق، من كركوك، عاصمة النفط، ينبئ بالحدث الخطير. إلا إن «بابا كركر» لمن المرسلين، «بابا كركر»؟ بكر الآبار، ينطق بالخير، ويبشر بالبركات، فبينما كانت الشركة التركية، التي منحت امتيازها في سنة 1925، تسبر غور «كركر»، وقبل أن بلغت المائة والثمانين قدما إلى قلبه، انفجر انفجارا هائلا، وقذف بخيره عاليا؛ مائة وستين قدما فوق الأرض! «بابا كركر»، «بابا كركر»! تبارك اسمك وتمجد! سيساعدنا نبؤك على حل المشاكل والمعضلات. عبر الملك فيصل بحر المانش، وهو سابح في سماء من أحلام النفط والاستقلال.
Bilinmeyen sayfa