responsory
6
بوصفه أسلوبا جذابا يضيف ألوانا متقابلة شقية إلى الشعائر الجدية. وقد تضمنت كتاباته فقرة تكشف بوضوح عن قيمة غناء المزامير في الحياة المسيحية، وفيها يقول: «عندما رأى الروح القدس أن البشر غير ميالين إلى الفضيلة، وأننا لا نتجه إلى حياة التقوى نظرا إلى ميلنا إلى المتعة، فماذا فعل؟ مزج بين تعاليمه وبين طرب الألحان، حتى نتلقى من خلال جمال الصوت وعذوبته، ما هو مفيد في الكلام دون أن نشعر، وذلك كما يفعل حكماء الأطباء، عندما يعطون الدواء المر للمريض في كوب يغطون حافته بالعسل؛ فألحان المزامير المتآلفة قد صنعت لنا لغرض معين، هو أنه عندما يغنيها الصبية أو الشبان، يغذون في واقع الأمر نفوسهم بالتعاليم المفيدة، وإن كانوا في الظاهر ينشدون؛ ذلك لأننا لا نجد أحدا من بينهم، ومن بين ذوي النفوس الخاملة، يحتفظ في ذاكرته بأي من تعاليم الحواريين أو الرسل، أما نبوءات المزامير فهم يغنونها في بيوتهم ويذيعونها على الملأ، فإذا ما وقع تحت تأثير سحر المزامير شخص يمتلكه الغضب كأنه وحش مفترس، تراه بعد سماعها ينصرف وقد هدأ اللحن سورة نفسه.»
7
وهكذا نظر كل من أوغسطين وباسيليوس وكريسوستوم إلى الموسيقى على أنها وسيلة لنشر الإيمان، كما حثوا الشباب المسيحي على ألا يتخلى عن المزامير في سبيل الموسيقى الوثنية، فالموسيقى في نظر آباء الكنيسة هؤلاء، كما كانت في نظر الفلاسفة اليونانيين، يمكن أن تؤدي إلى تأثيرين متعارضين؛ ففي وسعها أن تجعل النفس تنحط إلى الدرك الأسفل، مثلما تجعلها تسمو إلى أعلى المراتب، إلى هذا الحد وصلت القدرة التأثيرية للموسيقى في نظرهم.
ولقد كانت «مزامير داود» مصدرا زاخرا للشعر في الأدب الموسيقي؛ فلم تكن المزامير شعرا فحسب، وإنما كانت في الأصل أغاني محددة بمصاحبة آلات موسيقية. وحين أدمجت الكنيسة هذا الشعر التقليدي المستمد من التوراة في كيانها اتخذت منه نصا شعريا لموسيقاها. وكانت الطبيعة الشعرية للمزامير مقترنة بالعنصر الغنائي، ملائمة للطقوس الدينية، إلى حد أن الصلوات في الفترة المبكرة من تاريخ الكنيسة كانت تتألف أساسا من غناء المزامير.
ومن الأساليب التي كانت تغنى بها المزامير، الأسلوب المباشر؛ أي الذي يغنى فيه المزمور كله مباشرة دون أية «إضافة أو تعديل للنص ». أما الأسلوب الثاني، وهو الأسلوب التجاوبي
responsory ، ففيه كانت طريقة الإنشاد مماثلة لطريقة أدائها الأصلية في الكنيس اليهودي؛ حيث كان العريف يغني المزمور، ثم تجيب المجموعة بكلمة «آمين». ولقد كان العريف العبراني في غنائه للمزامير يفرط في استخدام الزخرف الغنائي، ولكن المسيحيين عندما أدمجوا المزامير في شعائرهم الخاصة حذفوا التطريب والغناء الزخرفي الذي كان المرتل اليهودي يؤديه، وطبعوا إنشادهم بطابع من الاستكانة التي تناسب عقيدة جديدة قوامها التبتل والخشوع. ومع ذلك فلم يمض وقت طويل، حتى بدأ المغنون المسيحيون، فرادى وجماعات، يغنون بطريقة تطريبية كانت تزداد تعقدا على مر السنين. أما الأسلوب الأخير من أساليب الإنشاد الثلاثة فهو التبادلي
antiphonal ، وفيه يستخدم نصفا مجموعة يتبادلان الغناء. وقد ترك لنا فيلون وصفا حيا جذابا لهذا الأسلوب.
8
Bilinmeyen sayfa