ولقد ألف هايدن أيضا أوبرا للأمير الذي كان يعمل عنده، وظل يكد سنوات عديدة لكي يكتب أوبرات تضارع رباعياته وسيمفونياته، بل كان يعتقد بالفعل أنها أفضل من مؤلفاته الموسيقية الصرف، ولكن أوبراته لم تصل أبدا إلى مستوى الأوبرات السابقة في عصر الباروك، ولم تقترب فنيا من مستوى أعماله الموسيقية الخالصة. ولم يكن الفيلسوف شيلر
Schiller
يعتقد بأن أوراتوريو «الخلق
Creation » لهايدن هو عمل رفيع، وإنما انتقده على أساس أنه خليط مضطرب لا لون له، وصف هايدن بأنه فنان ماهر يفتقر إلى الإلهام.
أما فولفجانج أماديوس موتسارت
Wolfgang Amadeus Mozart (1756-1791م) فكان أكثر توفيقا مع الفلاسفة من معاصره الأكبر سنا، هايدن؛ فقد أثنى عليه كيركجورد
Kierkegaard ، المفكر الذي يعشق الموسيقى، ووصفه بأنه خالد، كما امتدح أوبرا «دون جوفاني»، فقال عنها إنها من خلق موسيقي ملهم. وإنا لنجد في الكتابات الصوفية لهذا الفيلسوف الدنماركي تبجيلا دائما لشخصية موتسارت التي أحبها إلى درجة العبادة. والواقع أن موتسارت استخدم، في التعبير عن مشاعره وأفكاره ، كل القوالب الإيقاعية والنغمية التقليدية، ولكنه زادها كلها عمقا. وقد ألف موتسارت وهو صبي في الثانية عشرة من عمره مسرحية غنائية بعنوان «باستيان وباستيين
Bastien and Bastienne » استخدم فيها حوارا كلاميا بين الأجزاء الغنائية، على نمط مسرحية روسو الغنائية التي أحرزت نجاحا كبيرا، «عراف القرية». وعندما أصبح موسيقيا ناضجا ظهر في مؤلفاته تأثير «الرباعيات الروسية» لهايدن، الذي كان له بمثابة الأب. وقد أهدى موتسارت بعض رباعياته إلى هايدن لكي يعرف العالم مقدار ما يدين به لموسيقي فينا الكبير. كذلك تأثر موتسارت بالإصلاحات التي أدخلها جلوك على الأوبرا الفرنسية، ولكنه يرى أن من الواجب أن يظل الشعر ابنا مطيعا للموسيقى لا العكس كما أراد جلوك في البداية. ولقد تعلم موتسارت من جلوك أن تصوير الأحداث الدرامية بطريقة واقعية هو من الضرورات الفنية، ولكنه افتتن أيضا بالألحان الإيطالية المنسابة.
وفي أوبرا «زواج فيجارو» استغل موتسارت الموضوع الذي ألفه «بومارشيه
Beaumarchais » عن الانحلال الخلقي للطبقة الأرستقراطية، وهو موضوع كان من العوامل التي مهدت للثورة الفرنسية. ولقد كان في هذه الأوبرا الهزلية (أوبرا بوفا) نغمة جادة كامنة، لا سيما في شخصية فيجارو، الذي يرمز إلى كل الصراع الذي وجد موتسارت نفسه فيه، والذي كان على الدوام ضحية له. وقد تبدو أوبرا «زواج فيجارو» ظاهريا عملا عابثا، ولكن من وراء السطح الظاهري توجد نغمة سياسية جادة، وسخرية حقيقة معبرة عن اعتقاد موتسارت بضرورة قيام نظام اجتماعي جديد.
Bilinmeyen sayfa