على أني قلت: إن هذا الموضوع من جنس الأول، فلو أن أساتذة الأدب رقوا في نقدهم، لرق بائعوا الجرائد في عرضهم، فأعرضت عن هذه إذا أعرضت عن تلك.
3
وجلست في مجلس يجمع طائفة مختارة من الأدباء، فعرضت بعض القصائد والمقالات، فما من قصيدة أو مقالة إلا استحسنها قوم واستهجنها آخرون؛ ورأيت من استحسن لم يستطع أن يقنع من استهجن، ولا من استهجن قد استطاع أن يقيم الدليل على من استحسن؛ ورأيتهم إذا تناقشوا في المعقولات أطالوا حججهم وسددوا براهينهم، وذكروا لقولهم الأسباب والنتائج، وهم أعجز ما يكونون عن ذلك في الفنون والآداب.
فقلت: هذا الموضوع جيد، أليس من الممكن أن يوضع للذوق منطق كما وضع أرسطو للعقل منطقا، فلتكتب في «الذوق الفني»، ولتحاول أن تبين أسباب الخلاف ووجه الصواب ووجه الخطأ، وترسم سلما للرقي في الذوق تعرف به من أخطأ ومن أصاب، وتبين به علة الخطأ في المخطئ والإصابة للمصيب، وكيف تحكم على ذوق بأنه أرقى من ذوق، كما تحكم على عقل بأنه أرقى من عقل.
ولكني رأيت الموضوع عميقا يحتاج أن أفرغ له، وأهجم عليه ابتداء من غير أن أشتت فكري في موضوعات مختلفة، فأرجأته إلى حين.
وقلت: ما الذي يمنع أن أجعل مشروع المقالة مقالة؟ فليكن!
أدب القوة وأدب الضعف
يروون أن جماعة من آل الزبير كانوا يجتمعون إلى مغنية فيسمعون ويطربون، حتى إذا استخف الطرب أحدهم (وهو عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير) قال فيها:
أحلف بالله يمينا ومن
يحلف بالله فقد أخلصا
Bilinmeyen sayfa