وهي في شتائنا أجمل منها في صيفنا، ولها في كل جمال.
فلها - صيفا - جمال القوة، وجمال القهر، وجمال السفور الدائم، نعظمها ونجلها؛ ونهرب منها ولكن نحبها؛ تقسو أحيانا ولكنا نرى الخير في قسوتها، فهي كالمربي الحكيم، تقسو وترحم، وتشتد وتلين، تلفحنا بنارها، ولكنها نار كنار الحب يكتوي بها قلب العاشق، ثم هو يرجو بقاءها ويخشى زوالها، ترسل علينا شواظا من نار، فتسفع جلودنا، وتكوي جباهنا، حتى إذا غلى جوفنا، ووغر صدرنا، غابت عنا، وأرسلت رسولها اللطيف الوديع (القمر) فخفف من حدتنا، ولطف من سورتنا، وأصلح ما أفسدت، وضمد ما جرحت؛ فإذا خشيت أن نطمئن إليه، أدركتها الغيرة منه فغيبته، وطلعت علينا ببهائها وجمالها وجلالها، وهكذا دواليك. •••
وهي - شتاء - تطلع علينا بوجه آخر، ترينا فيه جمال الحنو، وجمال الدعة، وجمال الرحمة والعطف، وجمال الغادة اللعوب، تشاغلك فتظهر وتختفي، وتسفر وتتحجب، وتخرج من قناعها ثم تتقنع.
وتنتقم من رسولها الذي غارت منه صيفا، فتطلعه علينا في جو بارد لا نطيقه، حتى لا نفكر إلا في دفئها ونعمتها، ولا نشتاق لشيء شوقنا لرؤيتها.
فما أجملها قاسية وراحمة! وما أجملها واصلة وهاجرة!
تتلون بشتى الألوان فتسحر العقول، وتبهر العيون؛ فهي تارة بيضاء، وتارة صفراء، وتارة حمراء؛ ثم لا تستطيع أن تحكم هي في أيها أبهى وأجمل، فهي تزين ثيابها بأكثر مما تزينها ثيابها.
فتحت النافذة قبل أن أكتب مقالتي؛ فتدفقت في حجرتي أشعتها الفضية اللامعة، وملأتها روحا وحياة، وملأتني دفئا، وملأتني معاني، وكانت حياتي في حجرتي قبل زيارتها حياة مظلمة باردة جامدة، لا معنى فيها ولا روح. •••
خلعت من جمالك على الزهر، فكان فتنة للناظرين؛ فجماله من جمالك، ولونه قبس من ألوانك، وحياته مدد من حياتك؛ فأبيضه وأحمره، وأصفره وأزرقه، ليس إلا نعمة من نعمك، وأثرا من فيضك .
فالوردة الحمراء ليست إلا نقطة من دمك، والياسمين الأبيض ليس إلا لمحة من نورك، والنرجس الأصفر ليس إلا تبرا ذائبا من شعاعك.
لقد أبيت على الناس أن يديموا النظر على جمالك، فألهيتهم بالنظر إلى بعض آثارك، ولونت الأزهار بألوانك، وأريتهم قدرة على إبداعك، فشغل الجاهلون به عنك، وشغف به العارفون على أنه قبس منك، يطالعون جمالك فيه، ويقرءون معانيك في معانيه. •••
Bilinmeyen sayfa