نطمع ونرجو منه طاب وقته ان يعتذر عنا ويعفو عن زلاتنا إذ لا يسع لاقدام الأرقام. ولا لألسنة التعبير والأقلام. الاقدام على سرائر الوجود والالتزام. على شرحه وإيضاحه وإفهامه على ما هو عليه في نفسه بل قصارى ما قيل في شانه وقصوى ما يقال في وصفه وبرهانه المتعالي عن مطلق الافهام والأحلام انما هو التنبه والتنبيه على وحدة ذاته وكثرة شئونه وتطوراته المترتبة على أسمائه وصفاته الذاتية والا فمنازل الوصول الى كنهه لا ينقطع ابد الآباد كما لم ينقطع في أزل الآزال. ولعمري انى مع قلة بضاعتي وضعف يقيني وكلال فهمي وتزلزل قدمي وتذبذب عزمي عن درك الوجود ووجده قد رمت وهممت مرارا ان اكتب ما ذقت وفزت من حلاوة فهمه ووجده وما نلت به منه وبسره حسب ما يسر الله لي وكشف على بمقتضى فضله وجوده والله لقد كل لساني وقصر نطقى وبيانى عن تقرير ما في ذوقى ووجداني وانحسر فطنتي وعقلي عن فحص ما في سرى وقلبي وصرت بحيث قد اعتزل عنى حينئذ عموم قواي وآلاتى ومدركاتها بالمرة وانعزل عنها وعن مقتضياتها جميعا في تلك الحالة الغريبة البديعة وقد بقي إذا في سرى سرور. وفي خلدي وروعي وجد وحضور. لا يحوم حوله فترة وفتور. ولا يعتريه غفلة وقصور. ولا شك ان التعبير عن مطلق الوجدانيات على وجهها متعذر عند جمهور العقلاء وذوى الأذواق الصحيحة والعزائم الخالصة من العرفاء الأمناء «٢» بخلاف الانطباعيات الحاصلة بوسائل القوى والآلات فان التعبير عنها على وجهها ميسر لكل من تصدى وقصد التعبير عنها والسر في ذلك والله اعلم ان في الانطباعيات قد تنفعل وتتأثر القوة المدركة المحصلة لها والقوى والآلات المؤدية إليها الممدة إياها فيمكن التعبير عن الصور الحاصلة المنطبعة في القوة العاقلة الحاملة لها وكذا عن جميع ما حصل في سائر المشاعر والآلات من الصور والأمثال بخلاف الوجدانيات فان فيها ومنها تتأثر الروح الذي هو من عالم الأمر الإلهي فكما لا يمكن التعبير عن الروح وعن لميته وكيفيته كذلك لا يمكن التعبير عن الوجدانيات ومطلق اللدنيات والحضوريات ايضا. وبعد ما قد ظهر من سياق ما قررنا لك وسباق ما تلونا عليك ان الوجود الحي القيوم الدائم الثابت ازلا وابدا على صرافة وحدانيته وفردانيته واستقلاله في ذاته وتحققه ووجوده يمكن ادراك انيته ووجدته وحضوره وكشفه وشهوده على الوجه الذي هو عليه وكذا ادراك اتصافه بالأوصاف والأسماء الذاتية وتجليه عليها دائما بلا فترة وتعطيل وبلا انقضاء وتحويل لكن لا يمكن ان يدرك لميته وكيفيته وحقيقته التي هو به هو إذ الخوض فيه وفي إيضاحه وشرحه والغوص في لججه وغوره خارج عن مشاعرنا ومداركنا مطلقا متعال عن طور البشر وفهمه بالمرة إذ البشر عاجز عن معرفة نفسه فكيف عن معرفة ربه «٣» ولهذا قال اصدق القائلين ﷺ في مقام العجز والقصور من عرف نفسه فقد عرف ربه إذ النفس والروح كلاهما من عالم الأمر الإلهي وما لنا اطلاع به على طريق اللمية والحصول بل بطريق الإنية والحضور. وبعد ما ثبت ان الوجود المطلق والحق المحقق والذات المتحقق الثابت ازلا وابدا قد كان معلوم الإنية والحضور مجهول اللمية والحصول ينكشف به الموحدون المكاشفون ويشهده المقربون المخلصون ويفنى فيه الهائمون الحائرون ويبقى ببقائه الوالهون الواصلون ولمثل هذا فليعمل العاملون ثبت ان ظهوره غيبا وشهادة صورة ومعنى دنيا وعقبى ازلا وابدا انما هو من وراء سرادقات آثار الأوصاف والأسماء
_________
(٢) ولهذا لا تصير الوجدانيات دليلا على الخصم ولا يتركب منها الادلة والقياسات وان كانت في أنفسها من أجل العلوم وأجلاها «منه»
(٣) ولقد احسن من قال ما للتراب ورب الأرباب «منه»
1 / 6