Fatıma Zehra ve Fatımiler
فاطمة الزهراء والفاطميون
Türler
المعز لدين الله
واحتاجت الدولة إلى التوطيد بعد التأسيس فقام بالقسط الأوفى من هذه المهمة ابن حفيده الملقب بالمعز لدين الله، وهو الخليفة الذي فتحت مصر وبنيت القاهرة في عهده، ونقل مقر الملك إليها بعد انقضاء أربعين سنة على وفاة جده الكبير، وقيل: إنها كانت نبوءة ممن يحسبون الأوقات في مراحل التاريخ بالأربعينات.
تولى الملك بعد المهدي ابنه «القائم بأمر الله» ثم المنصور بأمر الله، وكلاهما جدير بأمانة ميراثه وإن لم يبلغ من العظمة مبلغ المؤسس من قبله أو مبلغ الموطد من بعده، فعزز القائم الأسطول واحتل الشواطئ الإيطالية حتى ثغر جنوة؛ حماية لبلده من غارة القراصنة، ومات قبل التمكن من صد الخوارج الذين أطمعهم فيه موت أبيه، ولولا اعتصامه بالمهدية لدالت الدولة كلها في عشرة أعوام. وارتقى ابنه المنصور إلى العرش فاجتاح الخوارج أمامه وأسر زعيمهم القوي ابن كنداد وشتت جموعه، ثم تردد بين صد الأمويين الذي أغاروا على مراكش في هذه الأثناء وبين صد الإفرنج الذين خيف منهم على شواطئه، فوزع قواه بين هؤلاء وهؤلاء ليقف زحفهم ولا يخلي الطريق أمام أحدهم. ومات مجهدا في سنة (341 للهجرة)، فارتقى العرش ابنه «معد أبو تميم» المعز لدين الله الذي كان بحق صاحب دور التوطيد بعد انتهاء دور التأسيس. •••
قلنا في كتاب «عبقرية خالد»: «إن ولاية أبي عبيدة على الشام كانت لازمة بعد ولاية خالد؛ لأن الدول تحتاج بعد دور الفتح إلى غصن الزيتون مع السيف.»
وقد كان هذا شأن المعز في المغرب بعد جده. فإنه كان يحسن المجاملة إلى جانب البأس والصرامة، وكانت نشأته نشأة علم وفروسية أو نشأة غلبة بالبرهان وغلبة بالسيف والصولجان.
كان المعز يحضر دروسه على أساتذته والحرب قائمة والمهدية محصورة، فكان يتلقى دروس الفروسية علما وعملا ولما يفرغ من مراجعة الطروس والأسفار، وتعلم لغات الأمم التي تتصل بالخلافة الفاطمية جميعا، فكان يحسن البربرية والرومية والإيطالية والنوبية، ويتوسع في علوم العربية، وكان له شعر ونثر يميل فيهما إلى المحسنات؛ لانتشارها على الألسنة والأقلام في تلك الأيام.
ويروى عن أنفته من الجهل أنه سمع من بعض خدمه كلمة صقلية لا يعرفها واعتقد أنها كلمة شتم ومهانة فحفظها، وأنف أن يسأل عن معناها ولم يبرح حتى أتقن علم تلك اللهجة فإذا بالكلمة من أرذل شتائمها، وقد أنف من جهلها فأصبح يأنف من أن يواجهه أحد بمثلها.
وبويع له بالخلافة وهو في الرابعة والعشرين، فهمه أول الأمر أن يستوثق من أمنع المعاقل التي يعتصم بها الخارجون على الدولة، فصعد إلى جبل أوراس وفيه من القبائل من لم يكن قد دخل في طاعة آبائه فبايعوه، وأسرع إليه المخالفون يتقربون إليه لما أنسوه من مودته وكرمه.
وأظهر ما ظهر من خصال المعز التي يتصف بها بناة الدول أنه كان حريصا على الانتفاع بالتجارب والعبر، وأنه كان يحسن اصطناع الرجال، وأنه كان يجيد الفراسة في أحوال الأمم واغتنام الفرصة من بينها لما يترقبه ويعقد العزيمة عليه.
فلم ينس هزيمة الأسطول في الحملة على مصر، ولم يزل حتى أمن على شواطئه واستطاع بقوته البحرية أن يرد أساطيل الروم عن بلاده وعن جزر البحر الخاضعة لحكمه. ثم جدد حفر الآبار في الطريق إلى مصر؛ ليأمن قطع الزاد والماء عن جيشه.
Bilinmeyen sayfa