Fatıma Zehra ve Fatımiler
فاطمة الزهراء والفاطميون
Türler
وقد جرت العادة في كل دولة جديدة أن يكون لها مؤسس وموطد: مؤسس هو رأس الأسرة، وموطد هو خلف له يتناول منه الملك، لما يستقر قراره فيمنعه أن ينهار قبل أن يبلغ التمام، ثم يتمه ويتركه لمن يأتون بعده بناة أو مسترسلين أو هدامين ينقضون ما بناه الأولون.
ولم تكن دولة الفاطميين شذوذا من هذه القاعدة، فأسسها المهدي عبيد الله ووطدها المعز لدين الله، وكان كلاهما على نصيب وافر من الخلائق التي تنبغي لبناة الدول وموطدي العهود، فلو تتابعت أعمال الدعاة ودواعي الزمن دون أن يتاح للدولة هذان البانيان لما برز لها من الأرض ركن ولا أساس.
اتصف عبيد الله بقوة البنية وجمال السمت والهيبة، كما اتصف باليقظة مع سعة الحيلة ورباطة الجأش، وعرف بالحزم وأصالة الرأي وشدة المراس واستعصاء المقاد على المكابرة والعناد، واجتمع له حسن التصريف، فلم يفته قط أن يختار الوقت الملائم والرجل الملائم للعمل المطلوب كما ينبغي أن يكون، وأعان ذلك كله بحب العمارة والتنظيم، فوجدت الدولة الجديدة منه مؤسسا قليل النظراء.
قيل في قوة بنيته: أنه كان بقوة عشرة رجال.
وليست هذه القوة نادرة في أبناء علي من السيدة الزهراء ومن غيرها، فقد روي عن محمد ابن الحنفية أنه جلد الأرض بمصارع الروم الذي جاء إلى دمشق يتحدى الأقوياء في بلاد المسلمين كما تحداهم في بلاده. ولم تزل هذه القوة معهودة فيهم بعد الجيل الخامس، فقيل عن يحيى بن عمر الملقب بالشهيد: أنه «كان له عمود حديد ثقيل يكون معه في منزله، وربما سخط على العبد أو الأمة من حشمه، فيلوي العمود في عنقه فلا يقدر أحد أن يحله عنه حتى يحله بيده.»
وليست قوة البنية شرطا في أصحاب العروش، ولكن مؤسس الدولة يحتاج إليها إذا وجبت عليه الرحلة أحيانا من مكان إلى مكان فجأة وعلى غير استعداد، ووجب عليه أن يصبر على متاعب الاستخفاء ومتاعب الحاجة، وأن يصرع المطارد ويسبق المتعقب ويبرز للقتال، ولا يزال على أهبته لمقاومة أعدائه ومقاومة أنصاره المنشقين عنه، فإذا تصدى لهذا ولم يرزق ضلاعة الأركان أوشك أن ينقطع بالمسعى دون غاية الطريق.
أسعفته هذه البنية الوثيقة في مآزقه وفي أيام سلطانه، وأسعفته معها مهابة يعنو لها المؤمن به ومن يحاربه ولا يضمر مودته، فلما كان أسيرا في المغرب الأقصى كان صاحب «سجلماسة» ينكل بأعوانه ولا يجسر على مجابهته بما يسوءه، وكان يعمل في مغيبه ما لم يكن يجترئ على عمله وهو ناظر إليه.
وقد تمت له المسعفات في مآزق الحرج باليقظة الجريئة والحلة التي لا تفارقها رباطة الجأش وعزة الكرامة. فلما خرج من الشام إلى مصر هربا من خلفاء بغداد سيروا الأدلاء إلى كل بلد في الطريق ينادون على الناس بأوصافه ويبرئون الذمة ممن يراه ولا يدل عليه، ويجعلون لمن يسلمه عشرة آلاف دينار وزلفى تنفعه عند الخلفاء والأمراء. واتفق أنه صلى الصبح يوما في جامع عمرو فعرفه بعض المصلين بوصفه وهو يهم بالخروج من المسجد وضرب بيده على كم الإمام وقال له: «لقد حصلت لي عشرة آلاف دينار.» •••
ولو رجل غيره في مثل ذلك الموقف العصيب لساخت به الأرض من الفزع، ولكنه التفت إلى الرجل غير مكترث وسأله كأنه خلو الذهن من كل خبر: وكيف ذلك؟ قال: لأنك أنت الرجل المطلوب. فضحك المهدي وعاد مع الرجل إلى المسجد وهو يقول له: «عليك عهد الله وغليظ ميثاقه أنني إذا جمعت بينك وبين الرجل الذي تطلبه كان لي عليك ولصديقي هذا خمسة آلاف دينار!» ولعله تفرس في الرجل الغفلة فأخذه إلى حلقة قد اجتمع الناس فيها، وأدخله من جانبها وراغ منه. وأجمع النية في تلك اللحظة على فراق مصر والمبادرة بالمسير إلى المغرب.
وفي مسيره إلى المغرب تعقبه والي مصر وأدركه وتردد في وصفه فأطلقه، ولاح عليه أنه يحدث نفسه بلحاقه إذا تثبت من حقيقته، فما عتم المهدي أن عاد بعد انطلاقه يبحث عن كلب من كلاب الصيد يتعلق به ابنه - وكانت تربيته لابنه كما تقول في مصطلح هذه الأيام تربية رياضية - فوقع في نفس الوالي أن رجلا يعود بعد النجاة في طلب كلب لا يظن به أنه خائف على حياته وأنه خارج في طلب الخلافة، وقال لأصحابه: «قبحكم الله. أردتم أن تحملوني على قتل هذا حتى آخذه. فلو كان يطلب ما يقال، أو كان مريبا، لكان يطوي المراحل ويخفي نفسه، ولا كان رجع في طلب كلب.»
Bilinmeyen sayfa