Kadir'in Zaferi
فتح القدير
Yayıncı
دار ابن كثير،دار الكلم الطيب - دمشق
Baskı Numarası
الأولى
Yayın Yılı
١٤١٤ هـ
Yayın Yeri
بيروت
عن ابن عباس في قوله الم وحم ون قَالَ: اسْمٌ مُقَطَّعٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْأَسْمَاءِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا في قوله، الم، والمص، والر، والمر، وكهيعص، وطه، وطسم، وطس، ويس، وص، وحم، وق، ون، قَالَ: هُوَ قَسَمٌ أَقْسَمَهُ اللَّهُ، وَهُوَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ الم قَالَ: هِيَ اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ فِي قَوْلِهِ الم قَالَ: أَلِفٌ مِفْتَاحُ اسْمِهِ اللَّهِ، وَلَامٌ مِفْتَاحُ اسْمِهِ لَطِيفٍ، وَمِيمٌ مِفْتَاحُ اسْمِهِ مَجِيدٍ. وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذِهِ التَّفَاسِيرِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ فِيهِمْ عِكْرِمَةُ وَالشَّعْبِيُّ وَالسُّدِّيُّ وَقَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ. فَإِنْ قُلْتَ: هَلْ يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِأَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ قَالَ فِي تَفْسِيرِ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْفَوَاتِحِ قَوْلًا صَحَّ إِسْنَادُهُ إِلَيْهِ؟ قُلْتُ: لَا، لِمَا قَدَّمْنَا، إِلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ عَنْ عِلْمٍ أَخَذَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَإِنْ قُلْتَ: هَذَا مِمَّا لَا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ وَلَا مَدْخَلَ لِلُغَةِ الْعَرَبِ، فَلِمَ لَا يَكُونُ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ؟ قُلْتُ: تَنْزِيلُ هَذَا مَنْزِلَةَ الْمَرْفُوعِ، وَإِنْ قَالَ بِهِ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ وَغَيْرِهِمْ، فَلَيْسَ مِمَّا يَنْشَرِحُ لَهُ صُدُورُ الْمُنْصِفِينَ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ وَهُوَ التَّفْسِيرُ لِكَلَامِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، فَإِنَّهُ دُخُولٌ فِي أَعْظَمِ الْخَطَرِ بِمَا لَا بُرْهَانَ عَلَيْهِ صَحِيحٌ إِلَّا مُجَرَّدَ قَوْلِهِمْ إِنَّهُ يَبْعُدُ مِنَ الصَّحَابِيِّ كُلَّ الْبُعْدِ أَنْ يَقُولَ بِمَحْضِ رَأْيِهِ فِيمَا لَا مَجَالَ فِيهِ لِلِاجْتِهَادِ، وَلَيْسَ مُجَرَّدُ هَذَا الِاسْتِبْعَادِ مُسَوِّغًا لِلْوُقُوعِ فِي خَطَرِ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ. عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَذْهَبَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ إِلَى تَفْسِيرِ بَعْضِ الْمُتَشَابِهِ كَمَا تَجِدُهُ كَثِيرًا فِي تَفَاسِيرِهِمُ الْمَنْقُولَةِ عَنْهُمْ، وَيَجْعَلَ هَذِهِ الْفَوَاتِحَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُتَشَابِهِ، ثُمَّ هَاهُنَا مَانِعٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْمَرْوِيَّ عَنِ الصَّحَابَةِ فِي هَذَا مُخْتَلِفٌ مُتَنَاقِضٌ، فَإِنْ عَمِلْنَا بِمَا قَالَهُ أَحَدُهُمْ دُونَ الْآخَرِ كَانَ تَحَكُّمًا لَا وَجْهَ لَهُ، وَإِنْ عَمِلْنَا بِالْجَمِيعِ كَانَ عَمَلًا بِمَا هُوَ مُخْتَلِفٌ مُتَنَاقِضٌ وَلَا يَجُوزُ. ثُمَّ هَاهُنَا مَانِعٌ غَيْرُ هَذَا المانع، وهو: أنه لو كان شيء مما قَالُوهُ مَأْخُوذًا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ لَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا كَسَائِرِ مَا هُوَ مَأْخُوذٌ عَنْهُ، فَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي هَذَا عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَأْخُوذًا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، ثُمَّ لَوْ كَانَ عِنْدَهُمْ شَيْءٌ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي هَذَا لَمَا تَرَكُوا حِكَايَتَهُ عَنْهُ وَرَفْعَهُ إِلَيْهِ، لَا سِيَّمَا عِنْدَ اخْتِلَافِهِمْ وَاضْطِرَابِ أَقْوَالِهِمْ فِي مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ الَّذِي لَا مَجَالَ لِلُغَةِ الْعَرَبِ فِيهِ وَلَا مَدْخَلَ لَهَا. وَالَّذِي أَرَاهُ لِنَفْسِي وَلِكُلِّ مَنْ أَحَبَّ السَّلَامَةَ وَاقْتَدَى بِسَلَفِ الْأُمَّةِ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، مَعَ الِاعْتِرَافِ بِأَنَّ فِي إِنْزَالِهَا حكمة لله ﷿ لا تَبْلُغُهَا عُقُولُنَا وَلَا تَهْتَدِي إِلَيْهَا أَفْهَامُنَا، وَإِذَا انْتَهَيْتَ إِلَى السَّلَامَةِ فِي مَدَاكَ فَلَا تُجَاوِزْهُ، وَسَيَأْتِي لَنَا عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ «١» كَلَامٌ طَوِيلُ الذُّيُولِ، وَتَحْقِيقُ تَقَبُّلِهِ صَحِيحَاتُ الْأَفْهَامِ وسليمات العقول.
[سورة البقرة (٢): آية ٢]
ذلِكَ الْكِتابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (٢)
الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ إِلَى الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ بَعْدَهُ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ذلِكَ الْكِتابُ هَذَا الْكِتَابُ وَبِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالسُّدِّيُّ وَمُقَاتِلٌ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَحَكَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ. وَالْعَرَبُ قَدْ تَسْتَعْمِلُ الْإِشَارَةَ إِلَى الْبَعِيدِ الْغَائِبِ مَكَانَ الْإِشَارَةِ إِلَى الْقَرِيبِ الْحَاضِرِ كَمَا قَالَ خُفَافٌ:
أَقُولُ لَهُ وَالرُّمْحُ يَأْطُرُ مَتْنَهُ ... تأمّل خفافا أنّني أنا ذلكا
_________
(١) . آل عمران: ٧.
1 / 38