ثُمَّ إِنَّهُ لِقُوَّةِ الْأَسْبَابِ عِنْدَ الْمَرْءِ فِيمَا يُوَجِّهُ إِلَيْهِ عَزْمَهُ، وَيَجْمَعُ عَلَيْهِ رَأْيَهُ، يَصِيرُ فِي حُكْمِ الْمَوْجُودِ الْحَاضِرِ ; بِحَيْثُ يُنْزِلُهُ مَنْزِلَتَهُ، وَيُعَامِلُهُ بِالْإِشَارَةِ إِلَيْهِ مُعَامَلَتَهُ، وَلِذَا قَالَ مَعَ التَّخَلُّصِ فِي التَّعْبِيرِ أَوَّلًا بِـ " يَقُولُ " عَنِ اعْتِذَارٍ.
(فَهَذِهِ) ; وَالْفَاءُ إِمَّا الْفَصِيحَةُ، فَالْمَقُولُ مَا بَعْدَهَا، أَوْ جَوَابُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: إِنْ كُنْتَ أَيُّهَا الطَّالِبُ تُرِيدُ الْبَحْثَ عَنْ عُلُومِ الْخَبَرِ، فَهَذِهِ (الْمَقَاصِدُ) جَمْعُ مَقْصِدٍ، وَهُوَ مَا يَؤُمُّهُ الْإِنْسَانُ مِنْ أَمْرٍ وَيَطْلُبُهُ (الْمُهِمَّهْ) مِنَ الشَّيْءِ الْمُهِمِّ، وَهُوَ الْأَمْرُ الشَّدِيدُ الَّذِي يُقْصَدُ بِعَزْمٍ، (تُوضِحُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنْ (أَوْضَحَ) أَيْ: تُظْهِرُ وَتُبِينُ (مِنْ عِلْمِ الْحَدِيثِ) الَّذِي هُوَ مَعْرِفَةُ الْقَوَاعِدِ الْمُعَرِّفَةِ بِحَالِ الرَّاوِي وَالْمَرْوِيِّ، (رَسْمُهْ) أَيْ: أَثَرُهُ الَّذِي تُبْنَى عَلَيْهِ أُصُولُهُ.
وَفِي التَّعْبِيرِ بِهِ إِشَارَةٌ إِلَى دُرُوسِ كَثِيرٍ مِنْ هَذَا الْعِلْمِ الَّذِي بَادَ حُمَّالُهُ، وَحَادَ عَنِ السَّنَنِ الْمُعْتَبَرِ عُمَّالُهُ، وَأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إِلَّا آثَارُهُ، بَعْدَ أَنْ كَانَتْ دِيَارُ أَوْطَانِهِ بِأَهْلِهِ آهِلَةً، وَخُيُولُ فُرْسَانِهِ فِي مَيْدَانِهِ صَاهِلَةً:
وَقَدْ كُنَّا نَعُدُّهُمُ قَلِيلًا فَقَدْ صَارُوا أَقَلَّ مِنَ الْقَلِيلِ.
وَ(الْحَدِيثُ) لُغَةً: ضِدُّ الْقَدِيمِ، وَاصْطِلَاحًا: مَا أُضِيفَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ قَوْلًا لَهُ أَوْ فِعْلًا أَوْ تَقْرِيرًا أَوْ صِفَةً، حَتَّى الْحَرَكَاتُ وَالسَّكَنَاتُ فِي الْيَقَظَةِ وَالْمَنَامِ، فَهُوَ أَعَمُّ مِنَ السُّنَّةِ [الْآتِيَةِ قَرِيبًا]، وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ فِي كَلَامِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَمِنْهُمُ النَّاظِمُ، مَا يَدُلُّ لِتَرَادُفِهِمَا.
(نَظَمْتُهَا) أَيِ: الْمَقَاصِدَ ; حَيْثُ سَلَكْتُ فِي جَمْعِهَا الْمَشْيَ عَلَى بَحْرٍ مِنَ الْبُحُورِ الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَ أَهْلِ الشِّعْرِ، وَإِنْ كَانَ النَّظْمُ فِي الْأَصْلِ أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ ; إِذْ هُوَ جَمْعُ الْأَشْيَاءِ عَلَى هَيْئَةٍ مُتَنَاسِقَةٍ.
(تَبْصِرَةً لِلْمُبْتَدِي) بِتَرْكِ هَمْزِهِ، يَتَبَصَّرُ بِهَا مَا لَمْ يَكُنْ بِهِ عَالِمًا، وَ(تَذْكِرَةً لِلْمُنْتَهِي) وَهُوَ الَّذِي حَصَّلَ مِنَ الشَّيْءِ أَكْثَرَهُ وَأَشْهَرَهُ،
1 / 22