Mısır'ın Araplar Tarafından Fethi
فتح العرب لمصر
Türler
ولكنه أتى إليه بمقدار عظيم من المال، وشيء كثير من القمح مهرا؛ لكي يبيح له الدخول في زمرة رجال الدين. وكان حنا لم يبق لديه إلا كيلان من القمح في خزائنه، ولكنه لم يتردد طويلا، ثم أبى أن يقبل الهبة؛ فجوزي على ذلك بأن أتته بعد قليل أنباء بأن سفينتين من سفن الكنيسة تحملان مقدارا كبيرا من القمح آتيتان عند رأس فاروس مقبلتين من صقلية، وما عتمتا أن صارتا في المرفأ.
ولكن بر البطريق لم يكن مقصورا على مصر، ولم يكن معناه إطعام الجائعين وحده؛ فإنه ما كادت المدينة المقدسة تنهب وتدمر حتى ذهب راهب اسمه «مودستوس»، كان قد نجا من القتل، فجعل يجوب أرض فلسطين في طلب المعونة على إعادة بناء الكنائس المخربة. وقد نجح في سعيه، وعاد إلى بيت المقدس ومعه مقدار كبير من المال، فوجد أن اليهود قد خسروا حباء الفرس وتعضيدهم، وكان الفرس قد بذلوهما لهم في أول الأمر ثمنا لما قدموه من المساعدة، وصار بعد ذلك المسيحيون في مكان الحظوة عند الفرس؛ فجعل «مودستوس» على رئاسة جماعة المسيحيين في الحكم الدنيوي والديني، وأبيح له أن يعيد بناء الكنائس. وأرسل كسرى - كما جاء في «سبيوس» - أوامر خاصة يأمر بالإحسان إلى الأسرى، وأن يعيدوهم إلى حيث يستقرون، وأن يرجعوا بناء بيوت الدولة، ثم أجاز طرد اليهود، فتسابق الناس إلى إنفاذ أمره.
ويذكر لنا المؤرخ نفسه نص خطاب أرسله «مودستوس» إلى «كومتاس» (رئيس الدين في أرمينيا) بعد أن تم العمل في الكنائس، وفيه يقول: «لقد جعل الله أعداءنا أصدقاء، وأنزل الرحمة والرضوان في قلوب غزاتنا، على حين أن اليهود الذين اجترءوا على معاداة هذه الأماكن الشريفة وإحراقها قد شردهم الله من البلد المقدس، وقدر عليهم ألا ينزلوا به ولا يروه، وقد أرجعت فيه بيوت العبادة إلى سابق عزها ومجدها.» ثم جاء فيه بعد ذلك: «لقد عادت كل كنائس بيت المقدس إلى سابق سيرتها؛ تصلي فيها القسوس، ويسود السلام على مدينة الله وما حولها.»
وليس بأقل غرابة من هذا ما رواه الكاتب نفسه عن مجمع عقده المسيحيون وأوحى به كسرى، ولا تزال هذه القصة محفوظة بين طيات خطاب كان أرسله الجاثليق الأرمني ومطارنته ردا على رسالة جاءتهم من قسطنطين خليفة هرقل. وقد جاء في هذا الخطاب أن الملك الأعظم أمر مطارنة الشرق وأشور أن يجتمعوا في بلاطه، وقال لهم: «لقد سمعت أن في المسيحيين فرقتين تلعن إحداهما الأخرى، فمن يدرينا أيهما على الحق؟ فليأتوا جميعا إلى مجلس واحد، فليأخذوا بالحق، وليذروا الباطل.» وقد جعل الطبيب الأكبر للملك ورجلا آخر اسمه «سمباط البجرتوني» عميدين لهذا الاجتماع، وكان بين من جاءوا إليه من الخواص «زكريا» بطريق بيت المقدس، كما جاء سواه من «رجال حكماء كانوا فيمن أخذ أسيرا من الإسكندرية». وكان ذلك المجمع أولا كثير الصخب والاضطراب، فاضطر الملك أن يخرج منه أتباع كل الفرق التي لا تدين للمذاهب التي أقرها أحد المجامع السابقة، وهي مجمع «نيقة» و«القسطنطينية» و«أفيسوس» و«خلقيدونية»، ثم أمر الملك المجتمعين من رجال الدين أن يفحصوا ما تقرر في هذه المجامع، وأن يرسلوا إليه بما يرون في ذلك. فجاءت إلى الملك كتب عدة يبسط فيها أصحابها مختلف الآراء، وجعل هو يفكر فيها ويزنها في عقله، ثم جعل يسائل فيها «زكريا» وأهل الدين الإسكندريين، وكانوا يقسمون له أن يقولوا الصدق؛ فأجمعوا على أن الدين الحق هو ما أقرته مجامع «نيقة» و«القسطنطينية» و«أفيسوس»، وتبرءوا من مجمع «خلقيدونية»؛ وعلى ذلك كان حكمهم ل «المونوفيسيين»، ومذ سمع الملك هذا أمر أن يبحث في خزائنه ومكاتبه عن الصحيفة التي كان مذهب «نيقة» مدونا بها، فوجدوها ورأوا أنها وفق عقيدة الأرمن، فأمر كسرى «أن يؤمن المسيحيون في دولته جميعا بما آمن به الأرمن». وكان ممن رضي عن ذلك «الملكة شيرين التي تحب الله، وسمباط الباسل، وكبير أطباء الملك». وختمت الصحيفة التي كتب فيها المذهب الصحيح كما أقره المجلس بخاتم الملك الأعظم، وجعلت في «ديوان السجلات» بالدولة.
وليس لدينا ما هو أكبر دلالة على ما كان عليه كسرى في معاملته للمسيحيين من هذه الرواية التي بقيت محفوظة للتاريخ في ثنايا خطاب المطارنة الأرمن. وإنا لنلمح الصدق في لهجة الخطاب، وليس بنا ما يدعو إلى الشك في صحته. وكانت كتابته حوالي سنة 638؛ أي بعد نحو عشرين سنة من المجمع الذي جاء ذكره فيه؛ ذلك المجمع الذي انعقد عقده بعد زمن قصير من فتح الفرس بيت المقدس. وهذا الخطاب يصور لنا الملك الأعظم في صورة غير التي ألف الناس رؤيتها؛ فلم يكن الملك الوثني المتعصب يضطهد أصحاب الصليب ويقاتلهم، بل كان على غير ذلك يبيح للمسيحيين حقهم في اعتقادهم، ويبدي غيرة وإقبالا عجيبين على فهم عقائدهم، ويعجب أشد العجب من خلافهم وتطاحنهم وتنابذهم، وهو ما لا يتفق مع روح دينهم، ويظهر الحرص على إزالة ما بينهم من الشقاق والخلاف. ولا ندري أكان ذلك من حدب على ما فيه صلاح أمرهم، أم كان الباعث عليه حرصا على الكياسة في تصريف أمور الدولة. فكان يجلس معهم وهم يتناظرون، ويسائلهم فيما هم فيه، ويتدبر ما يجيبونه به؛ فلما أن استقر رأيه على قرار وحكم حكمه، قيل إنه توعد بعض المطارنة أن يضرب أعناقهم ويهدم بيعهم إذا هم عصوا ما أمر به. على أن القصة تدل في مجملها على هوادة ورفق يقربان من العطف على المسيحية، وهو ميل بدا منه من قبل عندما أمر أن يعيد المشردين من المسيحيين إلى بيت المقدس، والإذن لهم بإعادة بناء ما تهدم من معابدهم. وقد جاء في كتاب «حنا النقيوسي»
20
أن أبا «هرمزداس»، وهو «أنوشروان» الكبير، بقي مدة يضمر الإيمان بالدين المسيحي، ثم عمده أحد المطارنة. ولسنا ندري ما مبلغ هذا من الحق، ولكن أثر نساء الملوك من المسيحيات، وأثر الأطباء والفلاسفة في بلاط هؤلاء الملوك، جعل في قلوبهم عطفا على المسيحية، وجعلهم يعرفون عنها من العلم شيئا كثيرا.
21
وفي الحق إن عجبنا من أن الفرس كانوا في حكمهم على مثل هذا الرفق لا يحيدون عنه في معاملة الكنيسة المسيحية، أشد من عجبنا من سورة البطش التي كانت توقع بتلك الكنيسة في بعض الأحايين.
وخلاصة القول أن «حنا الرحوم» مطران الإسكندرية بذل في سبيل إعادة الكنائس في بيت المقدس إلى سابق عهدها ما يقال إنه بلغ ألف عدل من القمح والخضر، وألف بغل، وألف سفينة من السمك، وألف خابية من الخمر، وألف رطل من الحديد، وألف صانع.
Bilinmeyen sayfa