Mısır'ın Araplar Tarafından Fethi
فتح العرب لمصر
Türler
بدأ حكم «فوكاس» في نوفمبر سنة 602، وفي ذلك اليوم لبس التاج في حفل عظيم حسب الرسوم المعروفة، ألبسه إياه البطريق «قرياقوس» في كنيسة القديس حنا بالقسطنطينية، ودخل المدينة من الباب الذهبي، فسار فيها بين صفوف من العمد الجليلة، وفي الطرق الكبرى تحيط بموكبه الناس يهللون له في سرور كبير. غير أنه ما أتت سنة 609 حتى كانت بلاد الدولة كلها هائجة تتهيأ للثورة، ثم بدأت الثورة في «بنطابوليس»، والرواية المشهورة لتلك الحوادث هي أن «كريسبوس» صهر «فوكاس» - زوج ابنته - استوجب أن غضب عليه الملك غضبا هائلا؛ وذلك بأن أقام تمثاله وتمثال عروسه في ميدان السباق؛ فلما أن فسد بذلك ما بينه وبين الملك، شرع كريسبوس يدبر لحميه ثورة، ودعا هرقل حاكم إفريقية لينفذ ما دبره. أما الحقيقة فهي أن هرقل كان يدبر أمر ثورة لم يكن فيها صادرا عن أمر «كريسبوس»، وقد ذكر تلك الحقيقة «قدرينوس» ذكرا صريحا لا شك فيه، ولم يكن «كريسبوس» صهر الإمبراطور بالرجل الذي يقدر أن ينهض بادئا بأمر؛ فلما أن سمع بما ثار من الاضطراب في «بنطابوليس» قويت نفسه، فأنفذ سرا إلى الثائرين كتبا يحثهم فيها على ما هم فيه، ويعدهم بالمساعدة إذا ما استطاع «هرقل» أن يسير إلى القسطنطينية، وقد كان «هرقل» قد تقدم في السن، فلم يكن قادرا على مثل هذه المجازفة،
7
فما كانت سنه بأقل من خمسة وستين عاما، إلا أنه رأى دونه ابنه وسميه «هرقل»، وكان عند ذلك في مقتبل العمر، ورأى صديقه «نيقتاس»، وكان نائبه ووكيله الأكبر، فما أسرع أن وجد فيهما الأداة الصالحة لإنفاذ خطته.
وقد أساء كثير من الناس فهم خطة الحرب، فذكر «جبون» - وهو حجة فيما يقول - رواية تافهة خلع عليها قوة بذكره إياها، وهي أن هرقل ونيقتاس اتفقا على أن يسير أحدهما بحرا والآخر برا قاصدين إلى العاصمة، فمن سبق إليها كان جزاؤه أن يفوز بالتاج.
8
ولا تنس أنهما ابتدآ من «قيرين»؛
9
فإذا هما قد ابتدآ ومع كل منهما قوة من الجيش مساوية لما مع الآخر، لم تكن قسمة عادلة، وكان سباقهما سباقا لم يكن قبله أكثر منه ظلما وحيفا؛ فإن هرقل لم يكن عليه إلا أن يجوز البحر الأبيض، ثم يساحل بلاد اليونان ومقدونيا، ثم يقذف بعد ذلك بجيشه على العاصمة، في حين أن «نيقتاس» كان عليه - على ما جاء في تلك الرواية - أن يسير إلى مصر، فينزعها من يد «فوكاس»؛ ومن ثم كان عليه أن يسير سيرا طويلا منهكا إلى فلسطين وسوريا وقليقيا وآسيا الصغرى؛ فهب أنه في مثل تلك الحال فاز فوزا مبينا في عدة مواقع باهرة، وهب أن كل مقاومة له خبت نيرانها، وانطفأ لهيبها، هب كل ذلك تجد أنه ما كان مع ذلك ليستطيع أن يتابع سيره في السباق لنيل الجائزة لفوات الوقت عنه إذا لم يكن لشيء سواه؛ ولهذا نرى أن الأمر لم يكن كما جاء في تلك الرواية. وإننا لو صدقنا وجود فكرة مسابقة بين متنافسين يكون التاج فيها لمن سبق - وهذا ما نستبعده ونشك فيه كل الشك - نقول لو صدقنا ذلك لكان خط السير أبسط مما تزعم الرواية، وأقرب إلى أن يكون السباق معه عادلا على سواء. إنه لا شك في أن إقليم «بنطابوليس» لم يكن فيه ما يكفي لما يقوم بحاجة جيش عظيم، فما بالنا بما يكفي جيشين؟ ولم يكن على قائد كل فرقة من الفرقتين أن يكتفي بالذهاب إلى «بيزنطة»، بل كان لزاما عليه أن يرفع علم الثورة حيث يسير، وأن يجمع المؤن والأمداد، ثم يجتمع كل منهما بأخيه حتى يضربا العاصمة ضربة تتصدع لها. فاستقر الرأي على إنفاذ هذه الخطة، بأن يذهب «هرقل» بحرا، وأن يسير «نيقتاس» في البر - لا شك في هذا - ولكن الذي جهله «جبون» ومؤرخو اليونان، ولم يقدروا على الفطنة إليه، هو أن الغرض الذي رمى إليه «هرقل» هو مدينة «سلانيك»، وكان القصد الذي رمى إليه «نيقتاس» هو مدينة «الإسكندرية»، وأن نجاح الخطة المشتركة كان متوقفا على انضمام هاتين المدينتين للثوار، أو خضوعهما لهم.
إنه لا يكاد يكون شك في أن هرقل كانت له صلات وثيقة بأهل «سلانيك» أو بحزب منهم، وأن «نيقتاس» كان يتوقع أن يلقى في مصر ترحيبا وتسهيلا، وأنه إن لقي مقاومة فلن تكون إلا مقاومة يسيرة. على أن توقعه لم يصدق، وفشل حسبانه؛ إذ صمد له عدو شديد المراس لم يكن يتوقعه، فوقف في سبيله. وإني أرى من الواجب علي أن أؤكد مرة أخرى - مفندا لقول جبون - أن «نيقتاس» لم يكن له إلا قصد واحد وهو فتح مصر، وأن مصر كانت من خطة العمل مع «هرقل» بموضع القطب تدور عليه رحاها، وأنها كانت العقبة لا عقبة سواها بينه وبين القسطنطينية؛ فإذا هو فتحها ملك بذلك الفتح أرضا يستطيع أن يجند منها الجنود، وتمكن من «مزرعة النيل» تخرج له القمح والخيرات، ووضع يده على ميناء الإسكندرية وما فيها من السفين؛ فإذا تم له ذلك كان من أشد الحمق أن يقتحم بجيشه الشام وآسيا بدل أن يذهب عامدا نحو الدردنيل فيلتحق بجيوش هرقل. وعلى ذلك فقد كانت الخطة كما يلي:
كان على هرقل أن يبحر بسفنه إلى «سلانيك»، وأن يعد هناك أسطولا قويا وجيشا جرارا، في حين أن «نيقتاس» كان عليه أن يملك الإسكندرية - وهي المدينة الثانية في الدولة جمعاء - فإذا هو ملكها قطع عن القسطنطينية ما كان يبعث إليها من قمحها، ووضع يده على موضع يستطيع فيه أن يجهز سرية بحرية يرمي بها «فوكاس»؛ فإذا لم يتهيأ له ذلك أمكنه على الأقل أن يقطع عن «فوكاس» كل إمداد من ذلك القطر.
Bilinmeyen sayfa