134

Fatawa of Dr. Husam Afaneh

فتاوى د حسام عفانة

Türler

٥٨ - صلاة الجماعة
لا تبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة الإمام،
يقول السائل: إذا صلى الإمام بالمصلين، ثم ظهر أن الإمام لم يكن متوضأً، فهل يعيد المأمومون الصلاة
أم لا؟ الجواب: هذه المسألة مبنية على أصل مختلف فيه عند الفقهاء، وهو علاقة صلاة المأمومين بالإمام، وهل صلاة المأموم مرتبطة بصلاة الإمام صحة وفسادًا؟ وقد اختلف الفقهاء في هذا الأصل على ثلاثة أقوال: الأول: لا ارتباط بين صلاة الإمام والمأموم، وإن كل امرئٍ يصلي لنفسه، وفائدة الإئتمام في تكثير الثواب بالجماعة، والمأموم يتابع الإمام في الأفعال الظاهرة، أي الإقتداء بالإمام في الركوع والسجود والتكبير والتسليم ونحوها. الثاني: إن صلاة المأموم تابعة لصلاة الإمام ومرتبطة بها، فكل خلل حصل في صلاة الإمام يسري إلى صلاة المأموم، وإذا بطلت صلاة الإمام بطلت صلاة المأموم. الثالث: إن صلاة المأموم مرتبطة بصلاة الإمام ومنعقدة بها، لكن إنما يسري النقص إلى صلاة المأموم إذا لم يكن هنالك عذر، فأما إذا وجد عذر فلا يسري النقص كما فصل ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، مجموع الفتاوى ٢٣/٣٧٠ - ٣٧١. وبناءً على الأصل الذي ذكرت، نرجع إلى السؤال فنقول: إذا صلى الإمام بالمأمومين، ثم ظهر أنه لم يكن متوضأً، فصلاة المأمومين صحيحة، ويطالب الإمام بإعادة الصلاة إن تذكر في الوقت، أو القضاء إن كان التذكر بعد الوقت وهذا على الراجح من أقوال أهل العلم، ويدل على ذلك ما يلي: - روى الإمام البخاري بسنده عن أبي هريرة ﵁، أن الرسول ﷺ قال: (يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطأوا فلكم وعليهم) صحيح البخاري مع فتح الباري ٢/٣٢٩. قال الإمام البغوي: " فيه دليل على أنه إذا صلى بقوم وكان جنبًا أو محدثًا، فإن صلاة القوم صحيحة، وعلى الإمام الإعادة، سواء كان عالمًا بحدثه متعمدًا الإمامة، أو كان جاهلًا " شرح السنة ٣/٤٠٥. وقال ابن المنذر: " هذا الحديث يرد على من زعم أن صلاة الإمام إذا فسدت، فسدت صلاة من خلفه " فتح الباري ٢/٣٢٩. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية معلقًا على الحديث السابق: " فهذا نص بأن الإمام إذا أخطأ كان درك خطئِهِ عليه لا على المأمومين، فمن صلى معتقدًا لطهارته وكان محدثًا أو جنبًا أو كانت عليه نجاسة، وقلنا عليه الإعادة للنجاسة كما يعيد من الحدث، فهذا الإما مخطئ في هذا الإعتقاد فيكون خطؤه عليه فيعيد صلاته، وأما المأمومون فلهم هذه الصلاة وليس عليهم من خطئه شيء كما صرح به رسول الله ﷺ وهذا نص في إجزاء صلاتهم، وكذلك لو ترك الإمام بعض فرائض الصلاة بتأويل أخطأ فيه مثلًا.... أو يحتجم ويصلي، أو يترك قراءة البسملة، أو يصلي وعليه نجاسة لا يعفى عنها عند المأموم ونحو ذلك، فهذا الإمام أسوأ أحواله أن يكون مخطئًا إن لم يكن مصيبًا، فتكون هذه الصلاة للمأموم وليس عليه من خطأ إمامه شيء " مجموع الفتاوى ٢٣/٣٧٢. - عن عقبة بن عامر ﵁، أن النبي ﷺ قال: (من أمَّ الناس فأصاب الوقت وأتم الصلاة فله ولهم ومن نقص من ذلك شيئًا فعليه ولا عليهم) رواه أبو داود وابن ماجة وابن خزيمة وأحمد وابن حبان وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وقال الشيخ الألباني حسن صحيح. - روى ابن ماجة بسنده عن أبي حازم قال: كان سهل بن سعد الساعدي ﵁ يقدم فتيان قومه يصلون بهم، فقيل له تفعل ذلك ولك من القدم ما لك؟ قال: إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: (الإمام ضامن فإن أحسن فله ولهم، وإن أساء يعني فعليه ولهم) قال الشيخ الألباني: حديث صحيح، السلسلة الصحيحة ٤/٣٦٦. - روى البيهقي أن عمر بن الخطاب ﵁ صلى بالناس الصبح ثم ظهر أنه كان جنبًا فأعاد صلاة الصبح ولم يأمر أحدًا بإعادة الصلاة، سنن البيهقي ٢/٣٩٩. وهذا القول منقول عن جماعة من الصحابة والتابعين وكثير من الفقهاء، حتى أن أبا يوسف صاحب أبي حنيفة عمل بهذا القول وهو على خلاف مذهبه، فقد ذُكر أن الخليفة استخلفه في صلاة الجمعة فصلى بالناس ثم ذكر أنه كان محدثًا، فأعاد ولم يأمر الناس بالإعادة فقيل له في ذلك فقال: " ربما ضاق علينا الشيء فأخذنا بقول إخواننا المدنيين " مجموع الفتاوى ٢٠/٣٦٤. وأما ما روي (أنه ﷺ صلى بالناس وهو جنب، وأعاد وأعادوا)، فهو حديث ضعيف جدًا حيث أنه من رواية أبي جابر البياضي عن سعيد بن المسيب وأبو جابر البياضي، اتفق أهل الحديث على تضعيفه، وقالوا: هو متروك وهذه اللفظة أبلغ ألفاظ الجرح، وقال يحيى بن معين: هو كذاب، هكذا ذكره الإمام النووي في المجموع، المجموع شرح المهذب ٤/٢٦١. وروى البيهقي بإسناده عن عبد الله بن المبارك قال: " ليس في الحديث قوة لمن يقول إذا صلى الإمام بغير وضوء أن أصحابه يعيدون، والحديث الآخر أثبت أن لا يعيد القوم هذا لمن أراد الإنصاف بالحديث " سنن البيهقي ٢/٤٠١.
وخلاصة الأمر، أن صلاة المأمومين صحيحة إن كان الإمام على غير وضوء أو ترك الإمام واجبًا من واجبات الصلاة، والمأموم لا يعلم بذلك. *****

6 / 58