59

Fatwas on Alcohol and Drugs

فتاوى الخمر والمخدرات

Araştırmacı

أبو المجد أحمد حرك

Yayıncı

دار البشير والكوثر للطباعة والنشر

والفعل إذا اشتمل كثيراً على ذلك وكانت الطباع تقتضيه ولم يكن فيه مصلحة راجحة حرمه الشارع قطعاً، فكيف إذا اشتمل على ذلك غالباً؟! وهذا أصل مستمر في أصول الشريعة، كما قد بسطناه في (قاعدة سد الذرائع) وغيرها، وبينا أن كل فعل أفضى إلى المحرم كثيراً: كان سبباً للشر والفساد، فإذا لم يكن فيه مصلحة راجحة شرعية، وكانت مفسدته راجحة: نُهي عنه، بل كل سبب يفضي إلى الفساد نُهي عنه، إذا لم يكن فيه مصلحة راجحة، فكيف بما كثر إفضاؤه إلى الفساد، ولهذا نُهي عن الخلوة بالأجنبية. وأما النظر فلما كانت الحاجة تدعو إلى بعضه رُخص منه فيما (٢٣) تدعو له الحاجة، لأن الحاجة سبب الإباحة، كما أن الفساد والضرر سبب التحريم، فإذا اجتمعا رُجح أعلاهما، كما رُجح عند الضرر أكل الميتة، لأن مفسدة الموت شر من مفسدة الاغتذاء بالخبيث. (والنرد والشطرنج) ونحوهما من المغالبات فيها من المفاسد ما لا يُحصى، وليس فيها مصلحة معتبرة، فضلاً عن مصلحة مقاومة. غايته أن يُلهي (٢٤) [النفس] ويريحها، كما يقصد شارب الخمر ذلك. وفي راحة النفس بالمباح الذي لا يصد عن المصالح ولا يجتلب المفاسد غنى، والمؤمن قد أغناه الله بحلاله عن حرامه، وبفضله عمن سواه ((ومن يتق الله يجعل له مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب)) (٢٥). وفي سنن ابن ماجه وغيره، عن أبي ذر (٢٦): أن هذه الآية لما نزلت قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أبا ذر، لو أن الناس كلهم عملوا بهذه الآية لوسعتهم) وقد بين سبحانه في هذه الآية أن المتقي يدفع عنه المضرة، وهو أن يجعل له مخرجاً من ضاق على الناس، ويجلب له المنفعة ويرزقه من حيث لا يحتسب (٢٧) وكل ما يقتدى به الحي مما تستريح

(٢٣) هكذا في النص المطبوع، والسياق يقتضي أن تكون: فيما.

(٢٤) إشارة من المحقق إلى بياض بالأصل.

(٢٥) آخر الآية ٢، وأول الآية ٣ من سورة الطلاق.

(٢٦) هو أبو ذر: جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد، من بني غفار من كنانة بن خريمة: صحابي جليل، قديم الإسلام، أول من حيا رسول الله بتحية الإسلام، اشتهر بالحرص على إنصاف الفقراء، روى له البخاري ومسلم ٢٨١ حديثاً. مات منفياً في (الربذة) من قرى المدينة (٣٢ هـ).

(٢٧) هكذا القوس في النص المطبوع، لا يستبين أوله.

59