7 - التعامل مع الجن في العمليات الجراحية
يقول السائل: في مدينتنا شخص يزعم أنه يقوم بعمليات جراحية للمرضى عن طريق الاستعانة بالجن المسلم، وقد توافد عليه أعداد كثيرة من المرضى، وأجرى لهم عمليات جراحية كانت مستعصية على الأطباء، وقد شاهدنا بعض من أجريت لهم العمليات الجراحية ورأينا آثار تلك العمليات كوجود شق طولي في الجلد، فما قولكم في ذلك، أفيدونا؟
الجواب: الجن خلق من خلق الله عز وجل وقد أخبرنا الله جل جلاله أنه قد خلقهم من نار فقال تعالى {وخلق الجان من مارج من نار} سورة الرحمن الآية 15، وقال تعالى {والجآن خلقناه من قبل من نار السموم} سورة الحجر الآية 27، وطبيعة الجن وخصائصهم وقدراتهم تخالف الإنس، قال تعالى مخبرا عن الجن {وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا، وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا} سورة الجن الآيتان 8 -9، وأخبر عز وجل عن تسخير الجن لسليمان عليه السلام فقال تعالى {ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير، يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داوود شكرا وقليل من عبادي الشكور} سورة سبأ الآيتان 12 – 13. والجن مكلفون بعبادة الله سبحانه وتعالى {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} سورة الذاريات 56 وقال تعالى: {يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين} سورة الأنعام الآية 130 وقد أسلمت طائفة من الجن، قال تعالى {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين} سورة الأحقاف الآية 29 وقال تعالى {قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا} سورة الجن الآية 1. فالجن منهم المسلمون ومنهم الكفار كما قال تعالى {وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا} سورة الجن الآية 11. إذا تقرر هذا فإن مسألة استعانة الإنسان بالجان من المسائل التي أثيرت قديما وحديثا، بل إن الناس في الجاهلية كانوا يستعينون بالجن كما قال تعالى {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا} سورة الجن الآية 6، وقد فصل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله استعانة الإنس بالجن حيث قال: [فمن كان من الإنس يأمر الجن بما أمر الله به ورسوله من عبادة الله وحده وطاعة نبيه ويأمر الإنس بذلك فهذا من أفضل أولياء الله تعالى وهو في ذلك من خلفاء الرسول ونوابه. ومن كان يستعمل الجن في أمور مباحة له فهو كمن استعمل الإنس في أمور مباحة له كأن يأمرهم بما يجب عليهم وينهاهم عما حرم عليهم ويستعملهم في مباحات له فيكون بمنزلة الملوك الذين يفعلون مثل ذلك وهذا إذا قدر أنه من أولياء الله تعالى فغايته أن يكون في عموم أولياء الله مثل النبي الملك مع العبد الرسول كسليمان ويوسف مع إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. ومن كان يستعمل الجن فيما ينهى الله عنه ورسوله إما في الشرك وإما في قتل معصوم الدم أو في العدوان عليهم بغير القتل كتمريضه وإنسائه العلم وغير ذلك من الظلم، وإما في فاحشة كجلب من يطلب منه الفاحشة فهذا قد استعان بهم على الإثم والعدوان ثم إن استعان بهم على الكفر فهو كافر وإن استعان بهم على المعاصي فهو عاص إما فاسق وإما مذنب غير فاسق وإن لم يكن تام العلم بالشريعة فاستعان بهم فيما يظن أنه من الكرامات، مثل أن يستعين بهم على الحج أو أن يطيروا به عند السماع البدعي أو أن يحملوه إلى عرفات ولا يحج الحج الشرعي الذي أمره الله به ورسوله وأن يحملوه من مدينة إلى مدينة ونحو ذلك فهذا مغرور قد مكر به] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 11/307 -308. وقد اعتمد كثير من الناس على كلام شيخ الإسلام ابن تيمية السابق في جواز الاستعانة بالجن في العلاج، ولكن المحققين من العلماء يرون أن كلام ابن تيمية لا يفيد ذلك، قال العلامة العثيمين: [وقد اتخذ بعض الرقاة كلام شيخ الإسلام رحمه الله متكئا على مشروعية الاستعانة بالجن المسلم في العلاج بأنه من الأمور المباحة، ولا أرى في كلام شيخ الإسلام ما يسوغ لهم هذا فإذا كان من البدهيات المسلم بها أن الجن من عالم الغيب يرانا ولا نراه الغالب عليه الكذب معتد ظلوم غشوم مجهولة عدالته لذا روايته للحديث ضعيفة فما هو المقياس الذي نحكم به على أن هذا الجني مسلم وهذا منافق وهذا صالح وذاك طالح؟] عن شبكة الإنترنت.
والذي تطمئن إليه نفسي أنه لا يجوز شرعا الاستعانة بالجن في الطب والعلاج ولا في إجراء العمليات الجراحية لما يلي:
أولا: سلمنا أن للجن قدرات خارقة، وهذا ثابت بالكتاب والسنة، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم – وهو قدوتنا وأسوتنا – لم يستعن بالجن في هذه الأمور ولا في غيرها مع أنه صلى الله عليه وسلم مر في ظروف عصيبة هو أصحابه الكرام فلم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم استعان بالجن، فمن ذلك حادثة الهجرة فقد كان صلى الله عليه وسلم بأمس الحاجة للمساعدة لينجو من كفار قريش، وكذلك فلم يستعن بالجن في غزواته صلى الله عليه وسلم، وكذلك عندما مرض صلى الله عليه وسلم أو عندما سحر، أو عندما مرض أو جرح عدد من الصحابة رضوان الله عليهم في الغزوات وغيرها فلم يثبت أنهم استعانوا بالجن. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [والنوع الثالث أن يستعملهم في طاعة الله ورسوله، كما يستعمل الإنس في مثل ذلك، فيأمرهم بما أمر الله به ورسوله وينهاهم عما نهاهم الله عنه ورسوله كما يأمر الإنس وينهاهم، وهذا حال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وحال من اتبعه واقتدى به من أمته وهم أفضل الخلق، فإنهم يأمرون الإنس والجن بما أمرهم الله به ورسوله، وينهون الإنس والجن عما نهاهم الله عنه ورسوله ... ] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 13/88. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضا: [فلم يستخدم الجن أصلا - أي رسول الله صلى الله عليه وسلم - لكن دعاهم إلى الإيمان بالله، وقرأ عليهم القرآن، وبلغهم الرسالة، وبايعهم كما فعل بالإنس] مجموع فتاوى شيخ الإسلام13/89.
ثانيا: إن الإسلام قد شرع التداوي، فإذا مرض الإنسان فعليه أن يذهب إلى الأطباء للمعالجة وهذا من باب الأخذ بالأسباب ولا ينافي التوكل على الله، وقد جاء في حديث أسامة بن شريك رضي الله عنه قال: قالت الأعراب يا رسول الله ألا نتداوى؟ قال: (نعم عباد الله، تداووا، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء إلا داء واحدا، قالوا يا رسول الله، وما هو؟ قال: الهرم) رواه الترمذي وابن ماجة، وقال العلامة الألباني: حديث صحيح. وقد قرر العلماء أن الذي يتولى المداواة لا بد أن يكون من أهل الطب والخبرة وقد ورد في الحديث، أنه عليه الصلاة والسلام قال: (من طبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن) رواه أبو داود وابن ماجة، وقال الشيخ الألباني: حديث حسن. وجاء في رواية أخرى (أيما طبيب تطبب على قوم لا يعرف له تطبب قبل ذلك فأعنت فهو ضامن) رواه أبو داود، وقال العلامة الألباني: حديث حسن، كما في صحيح سنن أبي داود 3/866 - 867. لا يجوز اللجوء إلى المشعوذين أو الدجالين ونحوهم للمعالجة وإن تحقق على أيديهم شفاء بعض الحالات المرضية فلا يجوز أن ننخدع بصدقهم فإنهم دجالون كذبة.
ثالثا: لو كان الأمر كما يزعم هؤلاء المستعينين بالجن في إجراء العمليات الجراحية، لما كان هنالك حاجة لدراسة الطب، ولا حاجة لإنشاء كليات الطب ولا المستشفيات ولا العيادات ونحوها، ولكان الناس في غنى عن كل ذلك، وإذا كان الأمر كما يزعمون فلماذا لا يستعينون بالجن في أمور أعظم من ذلك!!!
رابعا: إن زعم هؤلاء أنهم يستعينون بالجن المسلم، كلام غير مقبول ولا يقوم على دليل صحيح، لأنهم يعتمدون على خبر الجن بأنهم مسلمون، وخبرهم محتمل للصدق وللكذب، فما الذي يدرينا أنهم مسلمون حقا؟
خامسا: لو سلمنا جدلا بصحة زعم هؤلاء، فيجب إغلاق هذا الباب من باب سد الذرائع، لما قد يترتب عليه من المفاسد، كإيقاع بعض الناس في الشرك، فمن المعلوم عند أهل العلم أن الجن في الغالب لا يقدمون خدمة للإنسان إلا إذا أشرك بالله عز وجل.
سادسا: [الجن خلق من خلق الله يعتريهم الجهل والقصور، ولا يعلمون ما غاب عنهم إلا بالطريقة الخلقية من خبر أو نظر، فكيف تستطيع الجن أن تعرف خبر علة خفية، أو عين نفسية، وهي التي مكثت سنة كاملة بين يدي سليمان عليه السلام تخدمه بكل تعب وعناء، وما علمت بموته؟! قال تعالى: {فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين} سورة سبأ الآية14] تحذير أهل الإيمان من إباحة العبيكان الاستعانة بالجان ص 22.
وأخيرا أنبه على أن كثيرا من أهل العلم المعاصرين قد أفتوا بتحريم الذهاب إلى من يدعون العلاج عن طريق الاستعانة بالجن فقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية ما يلي: [لا يجوز لذلك الرجل أن يستخدم الجن، ولا يجوز للناس أن يذهبوا إليه طلبا لعلاج الأمراض عن طريق ما يستخدمه من الجن ولا لقضاء المصالح عن ذلك الطريق. وفي العلاج عن طريق الأطباء من الإنس بالأدوية المباحة مندوحة وغنية عن ذلك مع السلامة من كهانة الكهان. وقد صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال (من أتى عرافا فسأله عن شيء: لم تقبل له صلاة أربعين ليلة) رواه مسلم. وخرج أهل السنن الأربعة والحاكم وصححه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) . وهذا الرجل وأصحابه من الجن يعتبرون من العرافين والكهنة، فلا يجوز سؤالهم ولا تصديقهم] فتاوى اللجنة الدائمة 1 / 408 - 409.
وخلاصة الأمر أنه لا يجوز شرعا الذهاب إلى من يدعي أنه يقوم بإجراء العمليات الجراحية وغيرها من وسائل العلاج عن طريق الجن، وأن هذا باب شر يجب سده.
Sayfa 7