فأدرك جوهر أنه يشير إلى خلافة العباسيين في بغداد أنها على غير الحق، ولحظ ما وراء ذلك من الأمور، فقال: «كلا يا سيدي إن النبي واحد وخليفته واحد.»
قال: «إلى متى نترك أولئك القوم في ظلمائهم؟»
فأجاب جوهر على الفور: «نتركهم حتى يأمر مولانا أمير المؤمنين.»
فأكبر المعز هذا الجواب الدال على حزم جوهر واستهلاكه في سبيل نصرة العلويين، فابتسم وقد أشرق وجهه - وكان القمر مواجها له بحيث يظهر ذلك لجوهر - وقال: «بارك الله فيك هذا ما كنت أرجوه منك، وقد جال هذا الفكر في خاطري منذ أعوام وأنا أتردد فيه أستطلع المنجمين ولا أبوح به لأحد حتى إذا كانت الليلة رأيت أن أسره إليك وكنت أحسبه جديدا عليك فإذا أنت أكثر تفكيرا به مني. أما وقد اطلعت على سري - وأنت الوحيد الذي اطلع عليه مني - فأرجو أن تشير علي.»
قال: «ليس لهذا العبد أن يشير وإنما عليه أن يطيع ... فوالله لو أمرتني أن أركب الأسنة وأذهب في الأرض فاتحا لفعلت؛ لعلمي أني ذاهب في نصرة الحق.»
قال: «لله درك من قائد باسل وصديق حميم. ولكن الأمور مرهونة بأوقاتها. فالآن اكتم ما دار بيننا وأخبرني عن رأيك في قوادنا.»
قال: «إنهم نعم الرجال يستهلكون في نصرة مولانا ولا سيما شيوخ كتامة؛ فإنهم قاموا بنصرة أمير المؤمنين خير قيام وعليهم المعول في أمرنا ...»
الفصل الرابع
أبو عبد الله الشيعي
فسكت المعز برهة وعاد إلى الاهتمام وأخذ يلاعب قضيب الملك بين أصابعه وهو يتأمله، ثم قال: «ولكنني أخاف عليهم الجنوح إلى الترف فيأخذهم ما أخذ أعداءنا في بغداد من أسباب المدنية حتى صاروا إلى ما صاروا إليه من الذل فغلبهم مواليهم الأتراك والديلم ولم يتركوا لهم من الخلافة إلا اسمها - ولا أخفي عنك أني لم أطمع بهم إلا لما بلغني من ترفهم وانهماكهم واسترسالهم في الملذات، فإذا أصاب رجالنا ما أصابهم صرنا إلى مصيرهم.»
Bilinmeyen sayfa