قالوا: «كلنا آذان فشنف مسامعنا.»
فقال: «لا يخفى عليكم أن نبينا (
صلى الله عليه وسلم ) لما قام يدعو الناس إلى الإسلام لم يجبه إلا نفر من قريش وظل أعمامه وأكثر ذوي قرابته على دين آبائهم وأكثرهم إنما رغبوا عن هذا الدين القويم خوفا على تجارتهم أن تكسد لما في تأييد الإسلام من احتقار الأوثان وإبطال عبادتها فينحط قدر الكعبة فيقل الحجاج إليها ومعائش قريش وسائر أهل مكة من التجارة ولا تجارة إلا بالحجاج فضلا عما يتمتع به القرشيون من السيادة والنفوذ ببقاء الكعبة فإنهم حجابها ولهم بذلك فخر وسؤدد.
فهذه الأسباب وغيرها حملت بني قريش على مقاومة نبينا (
صلى الله عليه وسلم ) ولكنه لم يحرم أنصارا شدوا أزره وصدقوا بدعوته ومنهم جماعة من خيرة قريش وكبار رجالها على أنهم لم يستطيعوا حمايته من الأذى فهاجر وهاجروا معه إلى مدينتنا يثرب التي كنا بالقرب منها البارحة فاستقبلناه بكل إكرام فنزل بيننا على الرحب والسعة وسررنا بهذا الشرف العظيم.
ولا يخفى عليكم أن المدينة واقعة في الطريق بين مكة والشام فمن أراد تجارة أو سفرا بينهما لا بد له من المرور بها فأخذ (
صلى الله عليه وسلم ) من يوم نزوله المدينة يجمع أصحابه الذين هاجروا معه وهم المهاجرون والمدنيون الذين نصروه وهم الأنصار ويخرج بهم للغزو أو يرسلهم ويقيم فكلما سمع بقافلة لقريش قادمة من الشام أو غيرها بتجارة أو أموال خرج برجاله ليغزوهم وما أصابه من مال أو غيره وزعه على رجاله.
الفصل الرابع والأربعون
غزوة بدر الكبرى
ففي السنة الثانية للهجرة كانت وقعة بدر الكبرى وسببها أن أبا سفيان بن حرب رجل قريش وأكبر زعمائهم كان قادما من الشام في أبل لقريش عليها أموال كثيرة ومعها ثلاثون رجلا أو أربعون من قريش وكلهم من أعداء الإسلام وفي جملتهم عمرو بن العاص وكانت آبار بدر هذه محطة تقف عندها القوافل القادمة من الشام للاستقاء في طريقها إلى مكة فلما علم رسول الله (
Bilinmeyen sayfa