فقال ثعلبة: «أني عامل على ما تريد ولكنني أرجو أن تتمم ما تكلمنا فيه من تأجيل الاقتران.» فوعده بذلك وركب وركبت حوله رجال حاشيته وسار قاصدا البلقاء.
الفصل الخامس والثلاثون
جبلة والحارث
تركنا جبلة في حيرة من أمر الاقتران وتأجيله وهو في طريقه من صرح الغدير إلى البلقاء فلما وصل البلقاء سمع بتحرك الحجازيين من عمان فقال في نفسه (هذا عذر يساعدني على ما أريد فان زحف الأعداء إلينا عذر كاف للاشتغال به عن كل شاغل) فكتب إلى الحارث يستقدمه إليه لأن البلقاء اقرب إلى عمان من بصرى وألح عليه في المجيء وذكر في كتابه انه يريد المداولة معه بشأن الحرب توصلا بذلك إلى تأجيل الاقتران فسار الحارث إليه كما تقدم.
فلما التقيا سلما وأسرعا إلى خلوة تداولا فيها سرا.
فقال جبلة: «قد دعوتك يا ابن العم للبحث في الوسائل التي يجب اتخاذها لدفع هؤلاء القادمين فقد علمت أنهم تحركوا من عمان شمالا فهم بلا ريب يقصدون هذه الديار ولا يلبثون أن يأتونا وقد بعثت العيون يراقبون حركاتهم لينبئونا بمعسكرهم فاعدد رجالك وها أني قد أعددت رجالي.»
فقال الحارث: «قد شاهدت العشائر في الطريق يستعدون للمسير إليكم وأوصيت ولدنا ثعلبة أن يكتب إلى العشائر الأخرى لتجتمع بجوار بصرى فإذا اجتمعوا وعلمنا معسكر الأعداء حملنا عليهم معا ولا أظننا نلقى مشقة في دفعهم لقلتهم وفقرهم فقد علمت أنهم حفاة الأقدام لا يلبسون إلا شملات يلتحفون بها كما يفعل سائر أهل الحجاز لا يكاد يتميز أميرهم من صعلوكهم ويلوح لي أننا إذا رأينا منهم ما أتعبنا أرضيناهم بمال ندفعه إليهم ولا نظنهم جاؤنا إلا طمعا بذلك لعلمهم بخيرات الشام وغنى دولة الروم.»
قال ذلك ليوهم جبلة أن مجيئهم ليس مبنيا على سوء معاملته لحامل كتابهم إليه.
فقال جبلة: «لا نرى أن نعرض عليهم ذلك إلا بعد أن نرى منهم مقاومة ولكنني لا أظنهم يقفون أمام جندنا يوما واحدا.»
ثم تذكر جبلة أمر ثعلبة وهند فقال: «قد ذكرت أن ولدنا ثعلبة يهتم بمكاتبة العشائر فهل هو في بصرى الآن.»
Bilinmeyen sayfa