الفصل الثامن والعشرون
موقف هائل
فأحبت هند الانتظار برهة ريثما تجف دموعها فلم تمهلها فسارتا حتى وصلتا الغرفة وجبلة متكئ على فراشه وقد استبطأ إمرأته وأحب البقاء متكئا إظهارا لما في نفسه من العتب على هند أما هي فدخلت مطرقة وقد تكسرت أهدابها وذبلت أجفانها واحمرت عيناها وتوردت وجنتاها واسترسل شعرها على ظهرها ومشت حتى اقتربت من سرير والدتها فوقفت وأسندت كتفها إلى الحائط ذليلة كئيبة ولبثت مطرقة.
فلما رآها جبلة على تلك الحال حن لها ونسي غضبه ولكنه ما زال مكبرا عملها فخاطبها قائلا: «ما رأيك يا هند.»
فظلت صامته تتشاغل بأهداب ضفيرتها بين أناملها.
فقال: «ما رأيك بابن عمك ثعلبة.»
فلما سمعت اسمه ارتعدت فرائصها وعاد البكاء إليها فأمسكت نفسها عن الشهيق ولكنها لم تستطع امساك دمعها عن الانحدار فلما شاهد جبلة تلك الدموع تتقطر عن خديها شعر كأن قلبه يتقطر دما عليها.
فقال: «ما بالك لا تجيبينني ونحن إنما بعثنا إليك لنسمع الجواب من فيك قولي ما جوابك على طلب ثعلبة.»
فلم تعد تتمالك عن الشهيق فتحولت من الغرفة وأرادت الخروج فأمسكتها سعدى بيدها وهمت بإرجاعه فألقت بنفسها إلى الأرض وأخذت في البكاء حتى كاد يغمى عليها.
فجعلت سعدى تخفف عنها وأومأت إلى زوجها أن يكف عن السؤال وجاءتها بماء رشتها به وسقتها منه قطرة حتى هدأ روعها وجبلة صامت ينظر إليها وقلبه يكاد يتقطع وقد هان عليه كل صعب فقال لها: «قد فهمت يا هند انك لا تحبين ثعلبة فهل تحبين والدك وعشيرتك.»
Bilinmeyen sayfa