قالت: «لا تقل (والداها) بل قل (والدها) فقط.»
فحملق وقال وقد علا صوته: «العلك مجارية لها على قحتها يا سعدى.»
فأجابته بصوت خافت قائلة: «لا لم أجارها في شيء ولكنني خفت عليها الموت فإذا كنت ترى أن تجود بهند فريسة لذلك الرجل زوجها به.» قالت ذلك وأطرقت وقد شرقت بدموعها.
فبهت جبلة عند سماع تلك العبارة ولبث برهة يحسب نفسه في منام ثم قال: «وماذا تعنين يا سعدى ألعلك تتكلمين عن ثقة.»
قالت: «لم اذكر لك إلا ما تحققته بعد جدال طويل وإذا كنت لا تصدق مقالي فهذه هند ادعها إليك وخاطبها وجها لوجه فقد نفذت حيلتي فيها.»
فرجع جبلة إلى صوابه وتذكر حبه هندا وما يعجب به من شهامتها وتعقلها ولكنه ما زال على ما يخافه من عواقب ذلك الرفض فقال لها: «ادعيها إلي لأخاطبها واسمع اعتراضها.»
فوقفت سعدى وهمت بالخروج إلى غرفة هند ولكنها علمت أن مجيئها وجبلة في حال غضبه قد ينتهي إلى عاقبة وخيمة فرأت من الحكمة أن تخفف من غضبه وتهدئ روعه قبل مجيئها فتقدمت منه والدموع ملء عينيها وقالت: «ها أني ذاهبة لاستقدامها ولكنني أنبهك إلى أمر أرجو أن لا يبرح من بالك.»
قال: «وما ذلك.»
قالت: «أنت تعلم شهامة هند ورقة إحساسها وخصوصا بعد ما عانته من الضعف على أثر حديثي معها بشأن ثعلبة وتعلم أيضا أن ثعلبة كما نعرفه نحن ليس كفوءا لها مع ما خبرناه من خساسته وغدره ولا تظنه يحبها بل هو يريد قتلها فإذا علمت ذلك تدبر الأمر بالحكمة وخاطبها بالحسنى ولا تطمع في إكراهها لئلا تسوقها إلى حتفها فنندم حين لا ينفعنا الندم فمن الحكمة أن نأخذها بالين والمطل ريثما نتغلب على عواطفها.»
فقال جبلة: «لقد نطقت بالصواب ولكنني لا أراني قادرا على التخلص من شر أتوقعه بسبب ذلك على أني لم أفهم سبب رفضها إياه وهو ابن عمها ولا اعرف في غسان من هو اقرب نسبا منه ولا أليق بمقامها فما سبب هذا البغض.»
Bilinmeyen sayfa