هوامش
الفصل الثامن
القادسية
قضت جيوش المسلمين على قوات الروم بفحل، فانصرف أبو عبيدة وخالد يريدان حمص، في حين سار هاشم بن عتبة والقعقاع بن عمرو على رأس جيش العراق مددا لقوات المسلمين فيه، وسار سعد بن أبي وقاص من المدينة مثل مسيرتهما من الشام على رأس جيش تزيد عدته على ثلاثين ألفا وجهه عمر ليقضي على سلطان الفرس في العراق كله.
وكانت إمارة سعد على هذا الجيش نتيجة مشاورة طويلة؛ ذلك أن المثنى بعث إلى عمر بعد غزوة البويب يذكر له اجتماع الفرس وتمليكهم يزدجرد بن شهريار بن كسرى وإرساله الجيوش إثر الجيوش لقتال العرب، وما أدى ذلك إليه من ثورة أهل السواد بالمسلمين، واضطرارهم إياهم للانسحاب إلى ذي قار على تخوم شبه الجزيرة، عند ذلك كتب عمر إلى عماله على الكور والقبائل في بلاد العرب كلها يقول لهم: «لا تدعوا أحدا له سلاح أو فرس أو نجدة أو رأي إلا انتخبتموه ثم وجهتموه إلي، والعجل العجل!» وقال: «والله لأضربن ملوك العجم بملوك العرب!» فلما اجتمع له من الجند بضعة آلاف خرج بهم حتى نزل على ماء يدعى صرارا فعسكر به، ولا يدري الناس أيسير بنفسه على رأس هذا الجيش إلى العراق، أم يقيم بالمدينة ويؤمر على الجيش رجلا غيره، وسأله عثمان بن عفان في ذلك، فدعا الناس للصلاة، فلما اجتمعوا سألهم رأيهم فيمن يسير على رأس الجيش إلى العراق، قال العامة: سر وسر بنا معك، ودخل عمر في رأيهم وكره أن يدعهم إلا أن يخرجوا من هذا الرأي في رفق، ثم إنه دعا أصحاب المشورة فاجتمعوا إليه، فقال لهم: احضروني الرأي فإني حائر، وترادوا القول بينهم، ثم أجمع ملؤهم على أن يبعث أمير المؤمنين رجلا من أصحاب رسول الله على رأس الجيش ويبقى هو بالمدينة يمد هذا الرجل بالجنود، «فإن كان هذا الذي يشتهي من الفتح فذلك ما يريد ويريدون، وإلا ندب جندا آخر يغيظ به العدو حتى يجيء نصر الله.» وكان مما قاله عبد الرحمن بن عوف لعمر في تأييد هذا الرأي: «أقم وابعث جندا، فقد رأيت قضاء الله لك في جنودك قبل وبعد، فإنه إن يهزم جيشك فليس كهزيمتك، وإن تقتل أو تهزم في أنف الأمر خشيت ألا يكبر المسلمون، وألا يشهدوا أن لا إله إلا الله أبدا.» عند ذلك جمع عمر المسلمين فخطبهم، وكان مما قاله لهم: «يحق على المسلمين أن يكونوا وأمرهم شورى بينهم، وإني إنما كنت كرجل منكم حتى صرفني ذوو الرأي منكم عن الخروج، فقد رأيت أن أقيم وأن أبعث رجلا.»
وسأل عمر خاصته عمن يتخيره لإمارة هذا الجيش الذي اجتمع إليه، وإنهم ليعرضون الأسماء فيما بينهم إذ جاء عمر كتاب من سعد بن أبي وقاص، وكان على بعض صدقات نجد، يخبر بأنه تخير له ألف فارس ذوي نجدة ورأي، وسمع القوم ما في الكتاب وعمر يسألهم عمن يؤمره، عند ذلك أجابوه: قد وجدت الرجل! قال: فمن؟ قالوا: الأسد في براثنه! سعد بن مالك! ووافقهم عمر، وبعث إلى سعد فقدم عليه من نجد، فأمره على حرب العراق، ثم كان أول ما أوصاه به قوله: «يا سعد، سعد بني وهيب! لا يغرنك من الله أن قيل خال رسول الله
صلى الله عليه وسلم
وصاحبه؛ فإن الله عز وجل لا يمحو السيئ بالسيئ، ولكنه يمحو السيئ بالحسن! وليس بين الله وبين أحد نسب إلا بطاعته؛ فالناس شريفهم ووضيعهم في دين الله سواء، يتفاضلون بالعافية ويدركون ما عنده بالطاعة، فانظر الأمر الذي رأيت النبي
صلى الله عليه وسلم
يلزمه فالزمه، وعليك بالصبر!»
Bilinmeyen sayfa