فقالت فلورندا: إن أبي مع طارق وأنت ذاهب إليه، فلنذهب معا. فلم تجد عائشة بدا من مرافقتها فامتطتا جواديهما وخلفهما الخدم والعبيد، وما زالتا تغذان السير حتى بلغتا مدينة «أستجة»، وكان طارق قد فتحها، وأقام بها أياما؛ ليستريح جنده.
بلغتا المدينة عند الأصيل، وكانت تموج بالفاتحين، وقد ضربوا حولها خيامهم، وأناخوا إبلهم، وربطوا جيادهم. وزادت عائشة في تنكرها فوضعت على وجهها لثاما على عادة أشراف العرب؛ فالتفتت إليها فلورندا ضاحكة وقالت: كنت أجتهد في أن أختار لك وصفا جميلا أدعوك به يا أسامة، ولكنك كفيتني عناء البحث. فهل تحب أن أدعوك بالفارس الملثم؟ - ادعيني يا فاتنة الإسبان بما تشائين.
ثم أمرت رباحا أن يبحث في حذر وتلطف عن مكان المغيث، فعاد إليها بعد قليل يقول: إنه مع طارق في فناء قصر أمير المدينة.
وصاحت فلورندا: وهل رأيت أبي؟ - لا أعرف أباك، ولكني رأيت معهما علجا مديد القامة طويل الشاربين كان الجنود يسمونه يوليان. - الجنود يسمونه يوليان وأنت تدعوه علجا يا ليلة المحاق؟ ولولاه ...
فأشارت إليها عائشة أن تكف، وقالت: «إن رباحا رجل خشن لا يعرف مواقع الكلام.»
وانطلقت الفتاتان نحو جيوش القائدين، والتقت فلورندا بأبيها فطلب إليها أن تنزل معه، فهزت رأسها في امتناع، وهمست في أذنه قائلة: «لقد أسرت فتى عربيا جميلا.» فدهش يوليان وقال: أسرت عربيا ونحن نحارب في صفوف العرب؟
فضحكت فلورندا وقالت: أسرته بشيء آخر غير الأغلال والقيود.
فابتسم يوليان وهو يقول: غمزة بعين، وابتسامة مغرية، وينتهي كل شيء؟
فهزت فلورندا رأسها في عبث الفتاة المتمكنة من فنونها. فقال أبوها: حسن، وماذا تريدين؟ إن طارقا سيزحف على طليطلة، والمغيث سيذهب لفتح قرطبة غدا. فأي جيش تتبعين؟ - سأتبع الجيش الذي يختاره الفارس الملثم.
ثم شبت على أصابع قدميها وتعلقت بعنق أبيها فأشبعته لثما وتقبيلا، وانفلتت منه كما ينفلت الظبي من الحبالة، تبحث عن فتاها، فألفته قد ضرب خيمته إلى جانب قصر المغيث فأظهرت الدهش وصاحت: أعزمت على النزول هنا يا أسامة؟ - نعم. - سأضرب خيمتي إلى جانب خيمتك. - ألم تري أباك؟ - رأيته، ولكني لا أستطيع أن أفارقك يا حبيبي.
Bilinmeyen sayfa