ومع كل ما عند قرياقوس من عسل كان يشتهي الحلو في كانون؛ لأنه لا يعف عن شيء، لم أر فمه غير متحرك، وأي فم فم قرياقوس! أدركته في مطلع شيخوخته، وقد سقطت أضراسه وأنيابه وأسنانه، وتجعد وجهه، فكنت إذا رأيته آكلا، تخالك أمام كير دهري؛ فهو ينهش ويلهث، فلا تسمع إلا فحيحا وغطيطا. وإذا دعاك إلى الطعام يومئ إليك إيماء؛ لأن فمه يظل محشوكا.
واشتهى قرياقوس أكلة حلو في بحر السنة الثانية من الحرب الأولى (سنة 14)، فجاء إلى صاحبه جناديوس يسأله أكلة تين يسند بها قلبه الهابط، كما عبر. أفزعت كلمة «الأكلة» عمي جناديوس؛ لأن قرياقوس يأكل رطل تين على الريق، فأطرق عمي كعادته في الخطوب الجليلة ... أما زوجة عمي وهي أسرع من السنونو إلى قول لا، فأجابت ساخطة: من أين التين يا قرياقوس؟! أمس أكلنا آخر نتفة.
20
فصاح قرياقوس، وهو يكاد ينشق من الغيظ: من عينيك، يقبر عيونك تينك ... قال هذا وانصرف مغاضبا.
وتدلى التين القزي كالأكواز الفيروزية، فشرع قرياقوس يصبح التينة ويمسيها، ويناديها متضرعا: عجلي يا مباركة، أنت خير من أوادم الضيعة ...
وانفرجت أزمة الحلو عند قرياقوس حين أقبل الصيف بتينه الأبيض، ومر يوما جناديوس عائدا من «شحواطا»
21
وعلى ظهره سل من تينها الذهبي المعسل، فدعاه قرياقوس وألح جدا ليطعمه قرص عسل «خورية»: يا جناديوس، مثل الشمس عند الغياب، الحبيس
22
يشتهيها.
Bilinmeyen sayfa