مُقَدّمَة الْمُؤلف الْحَمد لله الَّذِي لَهُ مِيرَاث السَّمَوَات وَالْأَرْض وَهُوَ على كل شَيْء قدير المبدئ المعيد الْغَنِيّ الحميد الَّذِي يحي وَيُمِيت وَإِلَيْهِ الْمصير وَصلى الله على مُحَمَّد نبيه البشير النذير المبتعث بِالْكتاب الْمُنِير لينذر يَوْم الْجمع لَا ريب فِيهِ فريق فِي الْجنَّة وفريق فِي السعير وَبعد فَإِن علم الْفَرَائِض علم شرِيف قرآني لَا يشْتَغل بِهِ إِلَّا عَالم رباني قَالَ ابْن عَبَّاس ﵁ حِين مَاتَ زيد بن ثَابت ﵀ الْيَوْم مَاتَ رباني هَذِه الْأمة لِأَن رَسُول الله ﷺ قَالَ فِي زيد بن ثَابت

1 / 25

وأفرضهم زيد بن ثَابت وَقَالَ ﵇ الْعلم ثَلَاثَة آيَة محكمَة وَسنة قَائِمَة وفريضة عادلة فَجعل علم الْفَرَائِض ثلث علم الدّين وكال عمر بن الْخطاب ﵁ أَيَّام كَانَ بِالشَّام يكْتب إِلَى زيد بن ثَابت وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ اسْتَخْلَفَهُ عَلَيْهَا فَيبْدَأ باسمه على نَفسه لمكانه من الْعلم وَالْفِقْه فِي الدّين وَحين أشكلت عَلَيْهِ مَسْأَلَة الْجد مَشى بِنَفسِهِ إِلَى منزل زيد بن ثَابت يَسْتَفْهِمهُ عَن رَأْيه فِيهَا

1 / 26

فَانْتهى إِلَى قَوْله وَاسْتحْسن مَا سمع من قِيَاسه فِيهَا وَنَظره ﵃ أَجْمَعِينَ فَإِنَّهُم اجتهدوا للْمُسلمين وتفقهوا فِي الْكتاب الْمُبين وتحروا الصدْق فِيمَا نقلوه من وَحي رب الْعَالمين حَتَّى استقامت قناة الْإِسْلَام فعلى رَسُول الله ﷺ وعَلى أَصْحَابه وَأَهله أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام الْحِكْمَة فِي الْوَصِيَّة بالأولاد ثمَّ إِنِّي نظرت فِيمَا بَينه الله سُبْحَانَهُ فِي كِتَابه من حَلَال وَحرَام وحدود وَأَحْكَام فَلم نجده افْتتح شَيْئا من ذَلِك بِمَا افْتتح بِهِ آيَة الْفَرَائِض وَلَا ختم شَيْئا من ذَلِك بِمَا خَتمهَا بِهِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي أَولهَا ﴿يُوصِيكُم الله فِي أَوْلَادكُم﴾ فآخبر تَعَالَى عَن نَفسه أَنه موص تَنْبِيها على حكمته فِيمَا أوصى بِهِ وعَلى عدله وَرَحمته أما حكمته فَإِنَّهُ علم سُبْحَانَهُ مَا تضمنه أمره من الْمصلحَة لِعِبَادِهِ وَمَا كَانَ فِي فعلهم قبل هَذَا الْأَمر من الْفساد حَيْثُ كَانُوا يورثون الْكِبَار وَلَا يورثون الصغار ويورثون الذُّكُور وَلَا يورثون الْإِنَاث وَيَقُولُونَ أنورث أَمْوَالنَا من لَا يركب الْفرس وَلَا يضْرب بِالسَّيْفِ ويسوق الْغنم فَلَو وَكلهمْ الله إِلَى آرائهم وتركهم مَعَ أهوائهم لمالت بهم الأهوء عِنْد الْمَوْت مَعَ بعض الْبَنِينَ دون بعض فَأدى ذَلِك إِلَى التشاجر والتباغض والجور وَقلة النصفة فَانْتزع الْوَصِيَّة مِنْهُم وردهَا على نَفسه دونهم ليرضي بِعِلْمِهِ وَحكمه وَلذَلِك قَالَ تَعَالَى حِين ختم الْآيَة ﴿وَصِيَّة من الله وَالله عليم حَلِيم﴾

1 / 27

وَقَالَ قبل ذَلِك ﴿فَرِيضَة من الله إِن الله كَانَ عليما حكيما﴾ وَأما عدله فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ سوى بَين الذُّكُور لأَنهم سَوَاء فِي أَحْكَام الدِّيات والعقول ورجاء الْمَنْفَعَة وان صغر السن لايبطل حق الْولادَة وَلَا معنى النّسَب وان كلا مِنْهُم فلق الأكباد وشجا الحساد وَلذَلِك قَالَ تَعَالَى ﴿يُوصِيكُم الله فِي أَوْلَادكُم﴾ وَلم يقل بأولادكم لِأَنَّهُ أَرَادَ الْعدْل فيهم والتحذير من الْجور عَلَيْهِم وَجَاء بِاللَّفْظِ عَاما غير مَقْصُور على الْمِيرَاث أَو غَيره وَلذَلِك قَالَ النَّبِي ﵇ إِنِّي لَا أشهد على جور وَذَلِكَ أَيْضا قَالَه فِي هبة فضل بهَا بشير بن سعد بعض وَلَده على بعض لِأَنَّهُ رأى الله

1 / 28

تَعَالَى قد أَمر بِالْعَدْلِ فيهم أمرا غير مَقْصُور على بَاب دون بَاب وَلذَلِك رأى كثير من الْعلمَاء أَن لَا يفضل فِي الْهِبَة وَالصَّدََقَة ابْن على بنت إِلَّا بِمَا فَضله الله بِهِ للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ وَهُوَ قَول أَحْمد ابْن حَنْبَل وَكَانُوا يستحبون الْعدْل فِي الْبَنِينَ حَتَّى فِي الْقبْلَة وَرَأى رَسُول الله ﷺ رجلا قَاعِدا فجَاء طِفْل لَهُ فأقعده فِي حجره وَجَاءَت بنت لَهُ صَغِيرَة فأقعدها على الأَرْض فَقَالَ لَهُ ﵊ أليست بولدك أَو كَمَا قَالَ قَالَ بلَى قَالَ فاعدل فيهمَا وَهَذَا كُله منتزع من قَوْله سُبْحَانَهُ ﴿يُوصِيكُم الله فِي أَوْلَادكُم﴾ وَأما مَا تضمنته وَصيته من الرَّحْمَة إِلَى مَا ذكرنَا من الْعدْل وَالْحكمَة فَإِنَّهُ جعل للبنات حظا فِي أَمْوَال آبائهن رَحْمَة مِنْهُ لضعفهن وترغيبا فِي نِكَاحهنَّ لِأَن الْمَرْأَة تنْكح لمالها وجمالها ولدينها فَعَلَيْك بِذَات الدّين قَالَ ﷺ اتَّقوا الله فِي الضعيفين يَعْنِي الْمَرْأَة واليتيم فَكَانَ من رأفته بِهن أَن قسم

1 / 29