Farah Antun: Hayatı – Edebiyatı – Eserlerinden Alıntılar
فرح أنطون: حياته – أدبه – مقتطفات من آثاره
Türler
فأجاب سليم وكليم: أمرك يا عم.
وفي هذا الحين هبت ريح شديدة من جهة الشرق، فكنست الضباب عن الجبل ودفعته إلى جهة الأرز، فانجلى المكان للأنظار، فوجد سليم وكليم نفسيهما في واد صغير واسع الأديم، وعليه في جانبه العالي كوخ صغير مستور عن الأنظار؛ لأنه على مساواة الجبل.
فمشى الرجل الهائل نحو الكوخ قائلا: تعالوا لأطعمكم.
فخيل لسليم أنه قال: تعالوا لآكلكم؛ لأنه خاف عاقبة السير معه إلى حيث يقصد، وذكر في تلك اللحظة حكايات الغول والجن التي سمعها في صغره من العجائز والشيوخ، وكيف أنها تأكل الناس، فقال لرفيقه مازحا في إبان الخطر إظهارا للقوة: ما جئنا نسمن أجسامنا في الأرز لكي نجعلها طعاما لوحش كهذا الوحش.
وكان الرجل الهائل قد بلغ كوخه في طرف الوادي ودخله، ثم خرج ومعه بيضتان وكسرتا خبز، فوضعها على حجرين بإزاء الكوخ وأومأ إلى الرفيقين قائلا: تعالوا كلوا.
وكان سليم وكليم لا يزالان جامدين في مكانهما يتشاغلان بإصلاح ملابسهما، فلم يريا مناصا من إجابة الرجل إلى دعوته، فتقدما نحو الحجرين بجانب الكوخ وجلسا. أما الرجل فإنه جلس بإزائهما بعيدا عنهما نحو ثلاثة أمتار.
فحدق إليه الرفيقان هذه المرة جيدا، فذهب عنهما حينئذ شيء من الجزع والخوف، فإن ذلك الرجل كان إنسانا لا يختلف عن باقي البشر إلا بكونه يلبس رداء مصنوعا من جلود الغنم إلى ركبتيه، وليس على جسمه لباس غيره، وكان وجهه محاطا بشعر كثيف طويل شاب أكثره، ولكن في عينيه وملامحه دلائل الهدوء والتأمل والانكسار، وما هذه بعلامات الوحوش أو قطاع السبيل، فسكن حينئذ بال الرفيقين، وقال سليم لكليم: هلم ندخل معه في الحديث؛ فإنني أرى لهذا الرجل شأنا يذكر.
فالتفت إليه كليم وقال: هل مضى عليك وقت طويل في هذا المكان يا عم؟
وكان الرجل حينئذ مطرقا إلى الأرض يتأمل ويفكر بما قام في نفسه لدى مشاهدته هؤلاء البشر القادمين من المدن، فرفع رأسه لسؤال كليم وأدار فيه عينين متحمستين وأجاب: أقيم هنا منذ مجيئي إلى هنا، فقال سليم: ومتى جئت إلى هنا؟ فتنهد الرجل وأجاب: من حين تكوين العالم.
فنظر سليم إلى رفيقه بدهشة، فقال الرجل: ما لك لا تصدقني؟ قلت لك إنني هنا من حين تكوين العالم، فإذا كنت نبيها فافهم، وإلا فاسكت وأرحني.
Bilinmeyen sayfa