Farah Antun: Hayatı – Edebiyatı – Eserlerinden Alıntılar
فرح أنطون: حياته – أدبه – مقتطفات من آثاره
Türler
فهنا أغرقت إميليا في البكاء وقالت: نعم، ما الفائدة من الانتقام؟ فإنه لا يرد لي أبي، ولو عثرت على أبي فربما كنت طاوعتك على الانتقام إرضاء له؛ لأنه تعذب كثيرا في أثناء حياته، ومن العدل أن يعذب معذبوه، وإن كنت لا أحب عدلا كهذا العدل، ولكن ماذا كان جواب الباحثين عنه في جهات البرازيل؟
قال: لم يجدوا له أثرا، وأنت تعلمين أنني نشرت منشورا في جميع أقطار الأرض في الشام ومصر وأوروبا وأميركا وآسيا وأفريقيا، ووعدت بدفع مليون فرنك جائرة للذي يجد «الخواجة متى حاروم» ويدلنا عليه. وها قد مر على هذا المنشور سنوات وألوف من الناس يبحثون عبثا ؛ طمعا في الجائزة. فاعتقدي يا حبيبتي بعد الآن أن أباك الكريم قد توفي إلى رحمة الله وسبقنا إلى الآخرة؛ لأنه من المحال أن يكون حيا ولا نعثر عليه بعد كل هذا التفتيش، ولا تنسي أننا كلنا ضيوف في هذه الأرض، وأن وطننا الحقيقي فوق؛ فتعزي ولا تحزني حزن الذين لا رجاء لهم.
فأطرقت إميليا برهة تبكي بسكوت، ثم قالت: ليس بكائي للموت، بل للغلطة العظيمة التي ارتكبتها، وهذا ما يعذبني ويضغط على نفسي وضميري، فإنني تركت أبي في أشد الأوقات عليه، حين تخلت عنه الأرض والسماء، وابتعد عنه الأقربون والأبعدون، فكنت أقساهم عليه وأجحدهم لجميله؛ لأنني كنت أقربهم إليه. وإنني أخشى أن يكون قد مات في الشيخوخة والضعف والفقر والوحدة وهو يلعنني.
فهنا رام كلدن أن يصرف فكر زوجته عن هذه التذكارات المحزنة، فقال ضاحكا: أما أنا فلا أعتبر سفرك من بلادك إلى أميركا غلطة يا إميليا؛ لأنني لولا هذا السفر لما التقيت بك واقتنصتك، فأنا أشكرك لتلك الحدة التي حملتك على السفر. ولا يزال يحلو لي أن أتذكر معك اليوم الذي لقيتك فيه في واشنطون، فقالت إميليا مبتسمة: دعنا من هذه الذكرى، فقال: لا، بل دعيني أتكلم بحياتك؛ فقد خرجت في ذلك اليوم لأعمل «نهار كلدن» ومعي المستر كرنيجي كاتم أسراري، فبعد أن ذهب نصف ما في جيوبي من الأوراق وصلت إلى الساحة القريبة من دار الحكومة، فوجدتك سائرة في طريقك مع إحدى بنات جنسك، فمددت يدي إليك بورقة قيمتها خمسمائة دولار، وقد فعلت في عيناك ما لا يفعله السحر؛ ذلك أنكم أنتم - الشرقيين - لا تعرفون مبلغ التأثير الذي يؤثره فينا الجمال الشرقي الخاص بكم، فكان جوابك أنك رفعت يدك ولطمتني على وجهي لطمة أرتني «نجوم الظهر»، كما يقولون في لغتك؛ لأنك ظننت أنني رجل بذيء يقصد إغواءك بماله، فكبر قدرك منذ ذلك الحين في عيني، وأريتني بهذا الفعل جمالك الأدبي بعد أن رأيت في وجهك جمالك الأنثوي، وأنت تعرفين التتمة. فبالله أخبريني كيف اجترأت على لطم رجل قوي مثلي قادر على سحقك بقبضة واحدة.
فقالت إميليا: تعلمت ذلك من معلمتي في المدرسة، فإنها قصت علينا يوما أن أحد الوقحين عرض عليها في سوق نيويورك مالا، فجاوبته بلطمة على وجهه؛ ففر كالهر المطرود، فقال كلدن حينئذ رافعا رأسه افتخارا: هل من ينكر بعد هذا فضل مدارسنا في الشرق؟
وقد سر المستر كلدن من أجوبة زوجته؛ لأنه قدر بذلك على صرف أفكارها عن موضوعها الأول، ولم يعد يسألها لماذا تكره الإقامة في بيروت والسفر إلى صور وصيدا. (8) الفلسفة والمكاري بطرس
وبينما كان كلدن وزوجته صاعدين مع حاشيتهما إلى الحدث، كان سليم وكليم يتأهبان للسفر منها إلى الأرز؛ لأن أصدقاءهما في أهدن سافروا إلى الأرز وبعثوا يستعجلونهما، فقال كليم لرفيقه: سنتعرف بالمستر كلدن في الأرز؛ فهلم بنا نسافر لأن الإقامة هناك تحت ظل الأرز العظيم أفضل من الإقامة هنا.
ولما دخل كليم وسليم لتوديع صديقهما أمين ظهر الحزن في وجهه، وكان قد ازداد ضعفا وهزالا، فودعهما وهو يقول: أظن هذا الوداع هو الوداع الأخير، فقال كليم متأثرا: لم نعهد قلبك ضعيفا أيها الصديق، فعلام الخوف وأنت متقدم إلى الصحة - إن شاء الله؟ فهز أمين رأسه وقال: هل تظن أنني أخاف الموت؟ كلا! فإن الموت راحة لمن كان مثلي، وإنما أتأسف لأمر واحد.
قال ذلك وانحدرت الدموع من عينيه.
فترقرق الدمع في عيني سليم وكليم، وقال كليم: ما هو هذا الشيء؟ فقال أمين: هو أن أخرج من هذه الحياة قبل أن أنتقم من الظالمين.
Bilinmeyen sayfa