Farah Antun: Hayatı – Edebiyatı – Eserlerinden Alıntılar
فرح أنطون: حياته – أدبه – مقتطفات من آثاره
Türler
وحدة السياق وتنوع الموضوع: والشرط الثالث في تأليف الرواية «وحدة السياق وتنوع الموضوع»، والمراد بوحدة السياق: رسم طريق للرواية، تبتدئ في أولها وتنتهي في آخرها، دون أن تخرج الرواية عنها في أثناء تقلباتها، فكأنها سلك يمده رجل بين طرق ضيقة وشوارع واسعة فيوغل فيها، ولكن السلك في يده، وهو يعرف من أين ابتدأ وإلى أين ينتهي. والمراد بتنوع الموضوع جعل مواضيع الرواية التي تتفرع من ذلك السياق متنوعة متفرعة؛ لاجتناب ملل القارئ أولا، واستيفاء البحث في أخلاق أشخاص الرواية ثانيا. ومن أقوال الفلاسفة: إن الطبيعة واحدة من حيث مادتها ونواميسها، ولكنها متنوعة من حيث صورها وأشكالها. وهم يسمون هذا باسم: التنوع في الوحدة. وما يقال في الطبيعة يقال في الرواية؛ لأن الوحدة المقرونة بالتنوع أساس قوة كل شيء وجماله في العالم، وبدونهما تكون الحياة مضطربة مضجرة. (4)
قوة السيكولوجيا والسسيولوجيا: يصح أن يقال إن هذه القوة أهم القوات الضرورية للرواية. ولما كانت مواضيع الرواية تشمل جميع الحوادث والحالات التي تطرأ على أشخاصها، وعلى الوسط الذي يعيشون فيه؛ كانت الرواية محتاجة إلى أكثر أصناف العلوم، فهي تحتاج إلى علم الطبيعة لكي تبنى آراؤها ومبادئها وأخلاق أشخاصها على دعامة علمية؛ أي على النواميس الطبيعية، وإلا كانت نسيج أوهام وخرافات، وتحتاج إلى علم تقويم البلدان «الجغرافيا»؛ لمعرفة البلاد التي يكتب عنها، وطبائع أهلها وأهوائها، وتحتاج إلى علم التاريخ، خصوصا إذا كانت تاريخية. وقد تحتاج إلى سائر العلوم إذا كان لمواضيعها اتصال بها، ولكنها إذا احتاجت إلى جميع هذه العلوم أحيانا، وأمكنها الاستغناء عنها جميعها أحيانا، فهناك علمان لا يمكنها أن تستغني عنهما أصلا؛ وهما: علم السيكولوجيا، وعلم السسيولوجيا.
علم السيكولوجيا أو علم النفس والأخلاق: أول شيء يجب على الروائي الاطلاع عليه، وهو قسمان: مصنوع ومطبوع؛ أي: اكتسابي وغريزي؛ فالسيكولوجيا الاكتسابية يستفيدها الكاتب من مصدرين؛ الأول: درس كتب السيكولوجيا، والثاني: مراقبة الطبيعة والبشر لملاحظة أخلاقهم وأحوالهم في جميع أطوارهم. وقد كان موليير الروائي المشهور يصرف مدة من وقته كل يوم في الجلوس في دكان حلاق ؛ حيث يحتشد الناس عادة من طبقات مختلفة، وهناك يراقب أخلاقهم ويسمع أحاديثهم. والسيكولوجيا الغريزية هي قوة غريزية تكون في نفس الدارس، يقدر بها على استنباط مكنونات النفوس، واستنتاج أخلاقها، وتصوير حالاتها دون أن تدري هي بها. وهي هبة من الطبيعة لتلك النفس، وإن كان بعض علماء الأخلاق يقول: إن الدرس والاختبار قد يؤديان إليها.
قال بوفون العالم الطبيعي الفرنسوي: إن نبوغ أعاظم الرجال ناشئ عن تعبهم وصبرهم على الدرس. قلنا: هذا قول صحيح في العلوم الطبيعية التي لا يستلزم الاكتشاف والاختراع فيها قوة نفسية، بل قوة عقلية، وأقرب شاهد على ذلك باستور وسبنسر. وقد عد الفيلسوف نيتشه نفس سبنسر في جملة النفوس الاعتيادية. ولكن علم النفس والأخلاق، وعلم الأدب، والفنون الجميلة لا تقاس بتلك العلوم؛ فإن ملتن وشكسبير وهيغو ورينان وجوت ورانيير لولا أن الطبيعة خصتهم بنفوس كبيرة جميلة راقية؛ لما قدروا أن يبرزوا شيئا مما أبرزوه في تآليفهم من آيات الجمال والكمال ولو قطعوا أعمارهم درسا. وهل يصير غير الشاعر شاعرا حقيقيا بمجرد الدرس وقرض الشعر؟
فالسيكولوجيا الاكتسابية والغريزية أهم ضروريات الرواية؛ لأنها تصون المؤلف من الوقوع في الأغلاط الفاضحة بشأن أخلاق الأشخاص الذين يتكلم عنهم، وتمكنه من تصوير أخلاق بشرية حقيقية منطبقة على أخلاق البشر في الدنيا سيكولوجيا. وكم من مرة تصفحنا بعض الروايات التي تنشر بالعربية، حتى أهمها وأشهرها، فرأينا الكاتب يصور أخلاق أشخاصه في أول الرواية تصويرا لا ينطبق على أخلاقهم في آخرها من الجهة السيكولوجية! فإنه مثلا يجعل مزاج الشخص في البدء عصبيا، ثم تراه في الخاتمة يجعله يسلك مسلك ذي مزاج دموي محض.
وأغرب من هذا أنك تراه يجمع في نفس أشخاصه صفات متقابلة متناقضة تتبرأ السيكولوجيا منها، وأحيانا تراه يجعل شخصه يجيب أجوبة لو اطلع عليها أصغر كاتب ملم بمبادئ السيكولوجيا، بعد اطلاعه على الأخلاق التي صورها المؤلف له؛ لقال: هذا تخريف لا تأليف. والحوادث المستخرجة من تلك الأخلاق قلما تكون لازمة عنها، خارجة منها، بحكم السيكولوجيا، وإنما هي مجذوبة جذبا لتكون نتيجة لها، وما هي بنتيجة لها. وهذه العيوب الفاضحة لا تظهر في الشرق؛ لأنها لا تظهر إلا لعين الناقد البصير؛ ولذلك يعجب بعض القراء السذج بتلك الروايات، ولو نشرت في الغرب حيث يميز الجمهور بين الفاسد والصحيح لكانت في جملة الروايات الضعيفة التي لا يلتفت إليها أحد من أفراد الجمهور الراقي.
وما قلناه في السيكولوجيا نقوله في السسيولوجيا؛ أي علم الاجتماع البشري. وهذا العلم ضروري لمؤلف الرواية لسببين؛ الأول: أن جميع الروايات المهمة في هذا العصر أصبح غرضها اجتماعيا، وإذا كان الفيلسوف أوغست كونت واضع الفلسفة الحسية أو الوضعية قد أثبت ببراعة مشهورة قبل تلميذه سبنسر أن جميع العلوم من أكبرها إلى أصغرها تنتهي إلى السسيولوجيا، وأن السسيولوجيا هي غرض تلك العلوم، فأحر بالروايات أن يكون غرضها السسيولوجيا أيضا؛ أي البحث في حالات المجتمع البشري لترقيته، وإنماء قواته النافعة، وإفناء قواته المضرة. والروايات بعد الصحف أو قبلها من أهم ذرائع هذه الترقية، بل هي في الشرق أشد تأثيرا من الصحف في هذا الشأن؛ لأن ألوفا من عامة القراء لا يقرءون الجرائد، ولكنهم يقرءون الروايات. فهنا للرواية وظيفة اجتماعية عليا، دونها وظيفة جميع الصحف والمدارس والكليات؛ لأنها المدرسة الأولى للشعب الساذج الجاهل. وإننا نشفق من صميم قلبنا على هذا الشعب حين نرى السم الزعاف المدسوس في بعض الروايات العربية التي يقرؤها. (5)
درس هذا الفن: كما أن العالم لا يصير عالما إلا بالدرس والبحث، والصانع لا يصير صانعا إلا بالإكباب على صناعته، فكذلك الروائي لا يصير راويا إلا بدرس فنه. ولكن ليس للروايات مدرسة تعلم فيها أصول هذا الفن، وإنما مدرسته أمران؛ الأول: مطالعة روايات أكابر المؤلفين، والثاني: مطالعة كتابات مشاهير نقادي الروايات.
أما الأمر الأول، وهو مطالعة روايات أكابر المؤلفين، فأظهر دليل على أنه المدرسة الحقيقية لمؤلفي الروايات ما كتبه إسكندر ديماس الكبير عن نفسه، فقد قال ما خلاصته: إنه لما عقد النية في شبابه على أن يكون مؤلف روايات، أخذ يطالع جميع الروايات المشهورة لأكابر المؤلفين، فرنسويين وغير فرنسويين، فصرف وقتا طويلا في درسها، والتأمل بها، وتدبر أغراضها ومراميها، فأتى عليها كلها حتى انطبعت في ذهنه أساليبها وطرقها، واختلطت في فكره وقائعها ومذاهبها، وبعد ذلك شرع في الكتابة، فكتب الرواية الأولى وأحرقها لعدم رضائه عنها، ثم كتب الثانية والثالثة وأحرقهما أيضا، ولما كتب الرابعة دفعها للتمثيل، فكان لها دوي في باريس. وقد حضرها أحد أمراء العائلة المالكة، وكان ديماس مستخدما عنده، فلما ذكر اسم المؤلف للجمهور نهض الأمير من مجلسه ورفع قبعته لمستخدمه ديماس؛ إكراما وتنشيطا له.
فالروايات المشهورة الجيدة هي خير مدرسة لمؤلف الروايات؛ لأنها خلاصة الاختبار والعلم في هذا الفن. ولكن هذه المطالعة وحدها لا تكفي الراغب في التأليف إذا لم يكب على الأمر الثاني - درس أقوال نقادي الروايات - إكبابه عليها.
Bilinmeyen sayfa