كلمة لا بد منها
نحو مسرح مصري
رد على المستوردين وبداية التعرف على ملامحنا
تقديم
المحتويات
بعض ملحوظات عن تمثيل الرواية
الأدوار
الجزء الأول
الجزء الثاني
كلمة لا بد منها
نحو مسرح مصري
رد على المستوردين وبداية التعرف على ملامحنا
تقديم
المحتويات
بعض ملحوظات عن تمثيل الرواية
الأدوار
الجزء الأول
الجزء الثاني
الفرافير
الفرافير
تأليف
يوسف إدريس
كلمة لا بد منها
هذه هي الطبعة الخامسة لمسرحية «الفرافير»، تظهر الآن في مايو عام 1977 بينما كتبت لنا الفرافير في شتاء عام 1964. ثلاثة عشر عاما مضت لا بد أن يضعها القارئ في اعتباره، فقد كان المسرح المصري أيام كتابة الفرافير مسرحا «تقليديا» في الشكل والمضمون، معظمه مقتبس أو ممصر، ولم يكن سوى نعمان عاشور وألفريد فرج قد حاولا خلق أشكال يدخلان بها صميم تاريخنا الخاص وواقعنا الخاص. وجاءت الفرافير، بالمقدمة التي آثرت وضعها في أول هذا الكتاب لتثير لدى النقاد والمهتمين بالحركة المسرحية ضجة عارمة عارضني فيها معظمهم: «المرحوم» الدكتور مندور، الدكتور لويس عوض، الدكتور عبد القادر، الدكتور رشاد رشدي، الأستاذ أحمد رشدي صالح، عارضوني على هيئة موضوع كبير نشر في آخر ساعة في ذلك الوقت ينفون فيه تماما وجود ما أسميته ب «المسرح المصري»، بل وبعضهم ينفي حالة «التمسرح» التي أقمت عليها المسرحية.
وإن كان كثير من هؤلاء الأصدقاء النقاد الكبار (مثل الدكتور علي الراعي والمرحوم الدكتور مندور) قد عادوا بعد هذا ببضع سنين وبعد أن رأوا فكرة ازدهار المسرح المحلي في أماكن كثيرة من العالم يسلمون معي بمعظم ما كتبته وما رأيته عن المسرح المصري وحالة التمسرح، إلا أنك وأنت تقرأ هذه المقدمة التي كتبتها لن تحس بالاستغراب لكثير مما جاء فيها وكأنها آراء سبق لك أن قرأتها أو سمعت بها، لكنها لم تكن كذلك عام 1964. كانت شيئا جديدا تماما على المسرح العربي كله، وكأن مجرد المناداة بها عمل جريء يستحق من الكاتب قطع رقبته. الآن كل شيء يبدو عاديا وليس بمستغرب، ذلك أن هذا الرأي الذي كان جريئا عام 1964 سرعان ما أخذ ينتشر ويأخذ به كتاب من المغرب ومن سوريا ومن الكويت وتونس، بل يأخذ به المسرح التجاري كمسرح تحية كاريوكا وأصبحت مسألة التمسرح تزاول بعادية مطلقة، وانطلق المسرح السياسي نابعا من الفرافير ليشمل كافة أرجاء وملامح حياتنا.
لا تؤاخذني أني أتحدث عن عملي بهذه الطريقة، فالواقع أن أحدا من النقاد لم يتتبع دور الفرافير في المسرح العربي ولا يزال دورها إلى حد كبير مجهولا بعض الشيء، حتى التمسرح، أخيرا وأنا في نيويورك رأيت مسرحية غنائية تمسرحية يجلس فيها الممثلون في صفوف المتفرجين وبينهم التمسرح وصل حتى برودواي.
هذه كلمة لا بد منها قبل أن تبدأ رحلتك مع عمل ظهر مجهولا عربيا مستنكرا، والآن، أصبح هو القاعدة.
يوسف إدريس
نحو مسرح مصري
نقرأ دائما في الصحف وفي الكتب ونسمع في الندوات السؤال: هل هناك مسرح مصري حقيقة؟ هل وجد أصلا؟! وأين اختفى إذا كان قد وجد؟ ولماذا اختفى؟
أسئلة غريبة؛ لأنها لو ترجمت لمعناها الحقيقي لكانت مثل أن نسأل: هل هناك شعب مصري حقيقة؟ هل وجد أصلا؟ وأين اختفى إذا كان قد وجد؟ ولماذا؟
والتشبيه فيه مبالغة ولكنه صادق؛ فما دام هناك شعب فمن خصائص الحيوية ولزوميات وجوده أن يأكل وأن يشرب وأن يرقص ويضحك وأيضا أن يتمسرح - إذا صحت الكلمة - تحت أي ظرف وفي كل وقت وما دامت هناك حياة.
كل ما في الأمر أن التساؤل سببه أننا نقصد، حين نتكلم عن المسرح، ذلك المكان العالي ذا القبوة والخشبة والممثلين والروايات، وهذا مسرح صحيح، ولكنه ليس كل المسرح؛ فللمسرح أشكال كثيرة متعددة ليس هذا النوع سوى أحدها فقط، مجرد شكل واحد تطور على يد الإغريق ثم جاء الدين المسيحي في أوروبا فقضى عليه وكبته باعتباره أحد الأشكال الوثنية للعبادة، لكن قبضة الدين حين خفت عاد المسرح الإغريقي مرة أخرى فيما بعد العصور الوسطى وأصبح له شكسبيره ومولييره ... إلى آخر القصة.
أما بقية الأشكال المسرحية، فهي موجودة في حياة كل شعب. ولا بد أن تكون موجودة وحية سرت، ولا تزال سارية، وستبقى سارية إلى الأبد. هذه الأشكال ممكن جمعها تحت ظاهرة واحدة، ظاهرة بيولوجية حيوية تدفع الناس بعد انتهاء العمل واكتفاء غريزتي الوجود وحفظ النوع أو حتى من أجل اكتفائهما إلى غريزة التجمع بلا سبب فردي أو ذاتي، وإنما بتأثير الغريزة الجماعية في كل إنسان وتلبية لها. هذا التجمع يأخذ أشكالا كثيرة، ولكن يحدث فيه دائما وأبدا نفس الشيء، ذلك الشعور بالأمن الجماعي الذي يدفع كل فرد إلى نسيان خوفه الفردي ومنغصاته الذاتية وقلقه على وجوده الخاص، شعور يشبه كثيرا أسطورة البجع المسحور الذي كان يتجمع، وعند البحيرة تخلع كل بجعة غطاءها الخارجي كبجعة، ويلتئم شمل الحوريات الخارجة؛ ليرقصن ويمرحن ويستحممن معا. في التجمعات الإنسانية التي تحدث بلا سبب معيشي أو جنسي يحدث نفس الشيء ويخرج كل فرد في الجماعة من ذاته الخاصة وتلتقي الحوريات مكونة الذات الكبرى للجماعة؛ لكي تمرح وترقص وتنعم بكل ما يولده شعور الأمن الجماعي من نزوات.
هنا في اللقاء باستطاعة كل فرد أن ينظر في ذاته دون خوف وأن يسخر منها وأن يتحرر من قبضة خوفه الدائب عليها ويصبح أكثر حرية وتبدو له خصال أخرى؛ فيزداد كرمه ورغبته في السخاء على إخوته الآخرين، ويصبح أكثر استعدادا للتضحية وبذل النفس إلى آخره.
هذا التجمع، وتلك الأشكال المسرحية كثيرة الحدوث في حياتنا اليومية في الأفراح والمآتم والمناسبات، في الاحتفالات الكثيرة التي ابتكرها الجنس البشري كحجة (أحيانا مضحكة) للتجمع مثل التجمع للاحتفال بطهور أحد الأولاد، أو الاحتفال بنزول النقطة أو أعياد الحصاد والمناسبات الدينية. أكثر من هذه السهرات اليومية في البيوت بعد انتهاء اليوم والعمل، التجمعات التلقائية في الأسواق وبعد انتهاء البيع والشراء، بل إن الشعوب ابتكرت أماكن ثابتة لتجمعات مستمرة يذهب إليها الفرد استجابة لغريزته الجماعية مثل القهاوي والحانات والنوادي.
هذه كلها لحظات مسرحية، وأشكال مسرحية، كان لا بد بمرور الأزمان أن تتطور ويصبح لكل شكل منها تقاليد وتراث. وقد حدث أن أحدها وهو الصلاة لآلهة الإغريق ظلت تتطور إلى أن أصبحت اليوم ما نسميه بالمسرح، الذي كان إغريقيا ثم أصبح أوروبيا ومن ثم انتشر إلى العالم أجمع. ولكن ليس معنى هذا وليس معنى انتشاره والاعتراف به عالميا أن كل شعب من الشعوب لم يتطور لديه شكل يؤدي نفس الوظيفة الاجتماعية التي خلقت المسرح الإغريقي.
ولست مؤرخا ولا فيلولوجيا ولا عالم تراث أو فولكلور لأعرف على وجه الدقة إن كان المصريون القدماء قد عرفوا المسرح الديني بمعناه الإغريقي، فما أعرفه أن التمثيل في هذا المسرح كان يقوم به الكهنة في حجرات مغلقة، وهو شكل مختلف تماما عن الشكل الإغريقي الذي كانت تقوم به جماعات الإغريق نفسها وفي احتفالات عامة لا سرية فيها ولا غموض. كل ما يمكن الجزم به أن المسرح المصري الديني القديم كان لا بد مختلفا تماما عن المسرح الإغريقي اختلاف الديانة الإغريقية عن الديانة المصرية وزيوس الأسطوري عن فرعون الإله الحي المعبود. الحياة المصرية القديمة كان طابعها التجمع على النطاق الشعبي الواسع والاحتفالات الضخمة التي يشيدها الشعب كله، بعكس الحال في اليونان، حيث لم تكن هناك دولة كبرى، بل تقريبا كل مدينة كانت دولة، وفي المدينة الواحدة كان طابع الحياة هو الاجتماعات المحدودة الكثيرة التي هي أصلح مادة خام لنشأة المسرح؛ لأن المسرح لا بد أن يكون حضوره محدودي العدد.
في مصر على ما أعتقد كان الأمر مختلفا، والشعب كان دائما موحدا واجتماعاته تشهدها الساحات الكبرى التي يحضرها مئات الآلاف؛ لهذا فلا بد أنها كانت اجتماعات شبه رسمية إلى حد بعيد، الجمهور فيها لا يقوم إلا بدور المتفرج على احتفال أعد قبلا. وأمثال هذه الاجتماعات لا تدخل تحت بند المسرح لا بمعناه الحديث ولا بمعناه العام؛ لأن دور الجماعة البشرية فيها سلبي تماما.
الفرق بين الفرجة والتمسرح
التجمعات البشرية المسرحية كانت تحدث بعيدا عن هذا الشكل الرسمي بنفس تلقائية حددتها في أي زمان ومكان، تلقائية سرعان ما ابتكر لها الشعب مناسبات شعبية محضة لا تمت إلى الدين أو الحاكم أو أكل العيش بصلة، ولهذا ظلت سارية مهما تغير شكل الحضارة في مصر أو نوع الحكم أو تغيرت الديانات، بل حتى رغم مقاومة الدين، فالخروج إلى المقابر كثيرا ما قاومه الإسلام وندد به خطباء المساجد، ولكن أحدا لم يستطع منع النساء وقد فرض عليهن الحجاب إلى الخروج إلى المقابر لمزاولة غريزة التجمع. وحفلات الذكر ليست سوى تجمعات الرقص الديني الفرعوني وقد أخذت ثوب الإسلام.
ولكننا لا نزال لم نصل بعد إلى التمسرح أو التجمع الناطق المنقسم إلى ممثلين وجمهور. وأنا لا أستعمل كل هذه الصفات من باب التفاصح؛ لأني حقيقة أريد أن أصف بها المسرح كما نعرفه وكما لا يزال بعضنا يخطئ في فهمه. فالمسرح ليس هو المكان أو الاجتماع الذي «تتفرج» فيه على شيء، إن هذا ابتكر له شعبنا كلمة «فرجة» أو رؤية ومشاهدة. أما المسرح فهو اجتماع لا بد أن يشترك فيه كل فرد من أفراد الحاضرين، مثله مثل الرقص من بدائيته إلى احتفالات قصر الملكة فيكتوريا، لا يسمى رقصا إلا إذا اشترك في الرقص كل الحاضرين، أو الأغنية الجماعية لا تعد جماعية إلا إذا غناها كل الناس معا؛ لأنه في كل تلك الأشكال المسرحية لا بد من توفر عنصرين؛ أولا: الجماعة والحضور الجماعي، وثانيا: قيام الجماعة كلها بعمل ما. وقد نسأل: وماذا إذن عن الأشكال التي نذهب لنتفرج فيها على راقص أو نسمع مغنية تغني أو نشهد فيها فيلما؟ أليست أشكالا مسرحية؟ والجواب لا، ليست أشكالا مسرحية، وليست إلا إشباعا فرديا لا يمكن أن يغني أو يحل محل الإشباع الجماعي. هذه الأشكال ازدهرت فقط في بلادنا بالذات لأسباب لا علاقة لها بالمسرح، ازدهرت لأن الأديان السماوية اعتبرت كافة الاحتفالات الجماعية أشكالا وثنية متخلفة حرمت القيام بها. وهكذا نشأ «تابو» جماعي ضدها وأصبحت مزاولتها مقصورة على الأفراد الساقطين في نظر المجتمع الذين طردهم المجتمع فسقطت عنهم كل تابوهاته ومحرماته، بل أصبحوا هم أنفسهم تابوها مجرما على المجتمع، وبحيث أصبح كل ما يزاولونه لا خطر البتة من تقليده أو تسرب عدواه إلى الأجيال الناشئة. ومعظم هؤلاء الساقطين كانوا لسوء الحظ فنانين، وكانوا يكونون مجتمعا منبوذا كمجتمع الغوازي في سنباط أو العوالم في شارع محمد علي أو مجتمع الجيشا في اليابان.
هؤلاء الأفراد كان يستعملهم المجتمع ليتفرج عليهم وهم يزاولون الأشياء المحرمة عليه، ويحصل بهذه الطريقة المعذبة على إشباع لغريزته المسرحية. تماما مثلما ينشأ دين يحرم التدخين ويشبه واحد ويدخن ولا يصلح في منعه زجر أو سجن ف «يسقطه» المجتمع من أفراده، ولكنه في نفس الوقت وليشبع رغبته في التدخين تلتقي جماعاته «تتفرج» على هذا «الساقط»، وهو يدخن لكي تحصل بمجرد الفرجة على ما تحن إليه حنينا شديدا وهو محرم عليها تحريما أشد.
وإلى عهد غير بعيد كانت الممثلات يعتبرن في نظر المجتمع ساقطات؛ لأن الفنانة منهن كانت لا تجرؤ على الوقوف على خشبة المسرح إلا بعد أن تتخلص من تابوه التحريم بالسقوط وبالتحول إلى كائن محرم لكي يسمح لها المجتمع والدين والتقاليد أن تمثل ما تشاء.
الفنون أصلها جماعية
وهكذا نرى كيف أن الاجتماعات الكبرى للمصريين كانت تسودها الرسميات، ولا يشترك فيها الحضور، والاجتماعات الصغرى في المناسبات جاءت الأديان السماوية وحرمت المساهمة الجماعية فيها، وأصبح حق مزاولة الرقص أو التمثيل أو الغناء مقصورا على الساقطين والساقطات، ولكن لحظات الالتقاء الجماعي لا يمكن كما قلنا أن تنعدم مطلقا، إنها فقط تتراجع وتختفي عن أنظار الأوصياء على التابوهات والتقاليد وحراسها، بل يمكن أن تلجأ إلى السرية التامة، ولكنها أبدا لا تنقطع.
وتراجعت اللقاءات إلى مستوى لقاء الشلة أو الأصحاب وإلى دواوين زمان وصلا بملكات البيوت والجلسات الخاصة، أي التي يحل للفرد فيها أن يقوم بالمساهمة في احتفال جماعي صغير بعيدا عن نظر المجتمع الأكبر. في هذه اللقاءات كان الكل يغنون ويرقصون ويسكرون و... يمثلون. فالتمثيل أيضا، كالضحك، خاصية بشرية لا يمكن إسقاطها عن الإنسان، ولكن التمثيل في هذه الجلسات كان لا يأخذ طابع الروايات، كان يأخذ أشكالا أخرى، مثل أن يروي كل حاضر نكتة، أي يأتي عليه الدور ليؤثر في الحاضرين مثلما تأثر هو بهم، أي يحدث هذا التفاعل الاحتفال الجماعي، بل إنه في مصر بالذات اخترعت المحاورة التي يسمونها «القافية»، وهي شكل مسرحي بدائي جدا، ورغم هذا فرض نفسه على المسرح المصري المنقول فترة طويلة، وكان علي الكسار يقطع المسرحية ليدخل قافية مع أحد الحاضرين.
وليس معنى مشاركة كل إنسان أن يحدث هذا بالتساوي؛ فهي مشاركة ذات درجات، ولكن لا بد من حد أدنى لها؛ ولهذا كان دائما يحدث أن ينبغ بعض الأفراد في ناحية بحيث يبدأ الرقص جماعيا مثلا، ثم لا يلبث الحضور أن يكتفوا بالتفرج على فرد أو أفراد منهم وهم يرقصون، وذلك حين تصل متعة التفرج حدا أكبر من متعة المشاركة، ولكنه اختلاف في الكم فقط وليس في النوع. إننا إذا بدأنا الغناء جميعا وأوجدنا حالة المتعة الجماعية المشتركة نكون قد دخلنا في حالة من «التجلي» تجعل إحساس الفرد بصوته وبغنائه يتلاشى إلى درجة أنه إذا توقف لا يحس؛ لأن أي مغن آخر يكون وكأنما يغني بحنجرته هو. ولعل هذا هو فكرة الكورس الأولى في الغناء الشرقي حين يبدأ احتفال الغناء بغناء الجميع إلى لحظة فقدان الإحساس بالذات حيث يكتفى بغناء فرد واحد، حبذا لو كان أجمل الأصوات، أي أكثرها غنائية أو موسيقية.
ولا بد من ملاحظة ظاهرة هامة في مجال الحديث عن الإحساس بنسيان الذات الفردية أو «خلعها»، إذ المعروف أن جميع هذه اللقاءات والاحتفالات كان يصاحبها شرب الخمر مثلا أو تدخين المخدرات، وهي كلها وسائل «تعجل» بحالة «الأيوفوريا» أو ارتفاع الروح المعنوية والمرح وتسهل عملية الانزلاق من الذات الصغرى إلى الذات الأكبر.
واجتماعات تدخين الحشيش في مصر دائما يسمونها «القعدة»؛ لأنها ليست أولا وأساسا لعملية التخدير أو التدخين، إنها أولا وأساسا للحظتها المسرحية، للسمر، للونس، والحشيش ليس إلا «الشراب» الذي لم يرد تحريمه قاطعا في القرآن، ربما لأنه لم يكن معروفا.
أين المسرح المصري
ونعود إلى السؤال: أين المسرح المصري إذن رغم كل ما قلنا؟
في الريف لا يزال السامر مسرحا شعبيا، لا يعرف أحد متى بدأ، وفي المدينة كاد ينقرض مسرح مماثل، مسرح الحواري، وخيال الظل، والأراجوز، وكل تلك الأشكال المسرحية الصريحة. ولكني لا أعتقد أنها أشكال من احتكار الشعب المصري، ولا يمنع هذا أن شعبنا بمواهبه التمثيلية والتأليفية طورها ونبغ فيها؛ ذلك لأن الشعب المصري حدث له شيء في تاريخه لم يحدث لشعب آخر، شيء قطع تماما كل صلته بتاريخه الطويل الذي يعتبر أطول تاريخ لأي شعب معروف، وأوقف تماما سريان وتوارث التقاليد الحضارية وتراكمها في وجدان الشعب وعقله الباطن والواعي.
فبعد سلسلة من الحكومات الأجنبية التي كانت الحضارة المصرية تبتلعها دائما وتمصرها، جاء الدين المسيحي فآمن به الشعب إيمانا راسخا أقوى بكثير من إيمان أهل روما أو بيزنطة؛ لأنه كلما تقدم الشعب حضاريا أصبح أكثر قابلية لتغيير معتقداته والتعصب لكل ما هو أرقى وأحدث، وتلقف الشعب الراقي هذا الدين الجديد، فآمن به بإخلاص جعله يغير من ذاته تماما ويبتر كل صلة بكل معتقداته السابقة. وفعل هذا لمئات طويلة من السنين، حتى جاء الدين الإسلامي فاعتنقه بإخلاص كامل أيضا وغير من ذات نفسه ليخضعها لتعاليمه.
بالاختصار جاءت كتلة صلبة سمكها مئات السنين من العقيدة المسيحية والإسلامية لتقطع سلسلة التطور الحضاري، فكانت وكأنما قضينا على الحياة المصرية القديمة، وخلقنا حياة جديدة مسيحية أولا، وكأن الشعب تحول كله إلى كهنة وقسس، إسلامية إلى أقصى حد، وكأن الشعب تحول إلى أئمة ووعاظ. إن العبادة، أي إفناء الذات الصغرى في الذات الشاملة الكبرى، كانت دائما علاقة رئيسية من خصال الشعب المصري في قديمه وحديثه، وباستمرار، وكأنه يتحضر ليؤمن بشيء أو ليعبد ويمجد العقيدة أو الفكرة.
هذا الحادث الضخم كان له أثره في حياتنا اليومية، إذ كان علينا بعد الإسلام أن نبدأ في ابتكار حياة اجتماعية إسلامية جديدة، ابتكارات ظلت تتطور حتى وصلت في عهد الفاطميين إلى حد تكاملها الأول، وهو تكامل لم يكن كله من ابتكار الشعب المصري؛ فدولة الإسلام الكبرى التي أصبح جزءا منها قد حملت إليه عادات وابتكارات من أقصى الشرق في الصين إلى أقصى الغرب في الأندلس، ولأن نفس الشيء كان يحدث تقريبا في كل أجزاء الدولة الإسلامية، فقد تقاربت أشكال الحياة اليومية في الممالك الإسلامية إلى حد بعيد.
وفي المسرح بالذات لم يكن هذا هو ما حدث في أوروبا، فالمسرح الإغريقي لم يمت تماما أو اندثر، وإنما بقي في الكتب وبقيت نصوصه. وصحيح أنه كبت بالمسيحية، ولكنه حين خفت قبضتها وتحركت الغريزة الجماعية لتعيده وجد كل شيء معدا لحياته الثانية، ومنها انطلق.
في مصر، حين خف الإيمان المتعصب بالإسلام أيام الفاطميين، لم يكن هناك ليزدهر إلا بعض الأشكال البدائية التي نمت بصعوبة في ظل الإيمان الجديد، فلم يسترجع الشعب عاداته في الرقص، ولكنه استرجع عاداته في تمجيد الموتى، وبدأ العصر الذهبي للعمارة، وأولها إقامة مدافن على شكل مساجد للحكام والأعيان. هناك، وعلى صورة واهية شديدة البهتان كانت ذكريات الحضارة القديمة لا تزال مجرد أحاسيس غامضة، خرجت هذه المرة على شكل إسلامي المظهر والمحتوى، احتفالات رمضان، وحفلات الذكر، ووفاء النيل، وعودة مجالس القصاصين والحكايين، وازدهار خيال الظل والأراجوز، كله إلا أن يمثل الشخص أو يقلد شخصا آخر؛ لأن التحريم الديني كان يمنعه، إذ كان فقهاء ذلك العصر وحتى إلى عهد قريب يعتبرونه نوعا من الاعتراض على الخالق في خلقه، فالإنسان في الدين الإسلامي من صنع الله، وأي انتقاد له يحمل في طياته انتقادا لصانعه. وكذلك ارتداء قناع أو تغيير ملامح الوجه حتى لو كان وجه الشخص نفسه، فهو أيضا تشويه في خلقة الله.
ولكن التمثيل نفسه لم يتوقف، ظل يزاول بأشكاله غير المحددة ودون جرأة على تعريفه أو تحديده أو تطويره، وهكذا نشأت القافية المصرية، وخلقت العبقرية المصرية وطورت من النكتة وإلقاء النكتة، ووضعت فيها كل قدرة الشعب على السخرية وكل طاقته على الإيجار. والنكتة فن مسرحي أو على الأقل نوع من الحضور المسرحي، الذي يقوم فيه شخص بإلقاء أو «تمثيل» موقف واحد متناقض من مواقف الحياة. ولقد ازدهر هذا الفن لاحتوائه على كل الطاقة الدرامية لشعب محروم من إخراج هذه الطاقة على صور أخرى، كما ازدهر فن الزخرفة المصري الإسلامي حيث حرم على الشعب إظهار طاقته الفنية التشكيلية في صور الأشخاص.
نستطيع القول إذن إن محاولة العثور على شكل صريح للمسرح المصري في العصرين المسيحي والإسلامي تعتبر نوعا من الافتراء على الواقع؛ إذ الواقع لم يكن يشتمل إلا على أشكال بدائية، وإن استطاعت أن تكفي إلى حد ما حاجة المصريين إلى التمسرح، فهي أبدا لا يمكن أن تكون قد وجدت بمثل الصراحة والتحديد اللذين وجد بهما المسرح فيما بعد العصور الوسطى من أوروبا المسيحية.
بداية مسرحنا المعاصر
حتى إذا عبرنا تلك الفترة وجئنا إلى بداية العصور الحديثة في مصر بالذات، وجدنا حركة ترجمة نشيطة على يد المهاجرين اللبنانيين لنقل المسرح الفرنسي إلى اللغة العربية، تلك الحركة التي لا تزال سارية في حياتنا المسرحية إلى اليوم، ولا يزال الاقتباس والتعريب والتمصير من العمد الرئيسية التي يقوم عليها مسرحنا.
هذه الحركة التي تعتبر بداية حقيقية لمسرحنا المعاصر، نستطيع أن نسميها بكل ثقة أنها كانت ولادة غير شرعية لذلك المسرح، بحيث نشأ مسرحنا كحفيد ملفق للمسرح الفرنسي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وتطور الأمر من الترجمة الحرفية إلى التعريب والاقتباس. وليس فقط ترجمة واقتباسا للنصوص، وإنما لمدارس التمثيل وللتقاليد المسرحية والتسميات المسرحية مما لا يزال شائعا إلى يومنا هذا، ككلمات الديكور والإكسسوار والجان بريميير والفيديت والفودفيل والدراما وغيرها، وهي ترجمات واقتباسات كانت في أولها ركيكة متهافتة، بحيث كانت ملابس العمل المسرحي الأصلي الداخلية تبدو من تحت رداء الاقتباس أو الترجمة المهلهل، ولكن الوضع لم يستمر هكذا، تطورت الحركة، وبالذات على أيدي عزيز عيد ويوسف وهبي ونجيب الريحاني وعلي الكسار، وأصبح للتمصير أو للتعريب النصيب الأكبر، بحيث إن معالم المسرحية الأصلية كانت في كثير من الأحيان تتوارى عن الأعين، وبحيث أصبح الاقتباس هو مجرد اقتباس «للرواية الجيدة الصنع» أو الهيكل العظمي المسرحي و«معظمه لمسرحيات من ساردو»، وتغطيته بلحم ودم مصري بحت، كما كنا نرى في «كوميديات الريحاني الأخيرة» و«تراجيديات يوسف وهبي في الثلاثينيات»، بل تطور الوضع خطوة أخرى ووجد في أعقاب ثورة 1919 مؤلفون مسرحيون مصريون لا يقتبسون ولا يترجمون ، ولكنهم يؤلفون قطعا مسرحية كانت إلى حد ما تدور في فلك التراث الأوروبي المترجم والمقتبس. ولهذا لم تعش مؤلفاتهم كثيرا وطغى عليها تيار الاقتباس المباشر ممثلا في الريحاني من ناحية ويوسف وهبي من ناحية أخرى، إلى الدرجة التي ذبلت فيها حركة التأليف، بحيث كادت مسرحياتنا كمسرحيات أحمد شوقي الشعرية تولد ميتة، وكاد توفيق الحكيم (وهو واحد من مؤلفي سنة 1919) يتوب عن التأليف المسرحي كلية ويذهب إلى فرنسا حيث يتحول إلى كتابة الرواية، وحيث يفاجأ هناك بالمسرح الفرنسي نفسه قد تطور إلى مدارسه الحديثة التي لم يكن شيء منها قد وصل علمه إلى المقتبسين في مصر، وبهره ما رأى إلى درجة أخذ يؤلف متأثرا بالمسرح الفكري الفرنسي، فأنتج أهل الكهف وشهرزاد.
ولكن درجات النجاح الساحق التي كان يقابل بها ما يقدمه الريحاني ويوسف وهبي وعلي الكسار لم تستطع أن توقف أبدا إلحاح الحاجة إلى المسرح المصري فكرة ودما ولحما، وهكذا حين عاد توفيق الحكيم عاد يكتب للمسرح أيضا، ولكنه لم يشأ أن يدخل برواياته لتتنافس مع البضائع الرائجة في السوق، فوضعها في كتب، وسماها تمييزا لها وارتفاعا بها عن المسرح التجاري الناجح «المسرح المقروء»، وتقريبا وعلى نفس هذا المنوال نسج محمود تيمور وعلي أحمد باكثير وعزيز أباظة.
ومرة أخرى أنبه الأذهان إلى أن هذا العرض ليس تأريخا للحركة المسرحية، ولكنه عرض لهذا التاريخ من خلال وجهة نظر خاصة. فما كادت الحرب تنتهي وتتهيأ بلادنا للثورة العارمة المقبلة حتى كانت منشئات ثورة 19 ومخلفاتها قد بدأت تلهث الأنفاس وتتسرب منها الحياة، فلم تشارك الفرقة القومية التي أنشئت لعرض المسرح المصري المؤلف أساسا مشاعر الشعب ولا بوادر تحركاته الثورية، كانت في واد والشعب في واد، وحتى التأليف المسرحي المصري كان هو الآخر في واد؛ إذ كان توفيق الحكيم قد أصبح همه أن يطور مسرحه الفكري الخاص بطريقة أصبح يبتعد بها عن الحياة وعن الناس بسرعة، وكان تيمور يؤلف عن الجن، وباكثير عن سر الحاكم بأمر الله، وعزيز أباظة عن قيس ولبنى، في الوقت الذي كان الشعب فيه يغلي تحت حكم ملك حاكم بأمر الشيطان. وهكذا حين جاءت ثورة 1952 كان مسرح ما بين الحربين قد مات دون أن يتفضل أحد بمنحه شهادة الوفاة، ولهذا لم يكن غريبا أبدا أن يصل عدد الرواد في إحدى حفلات يوسف وهبي إلى خمسة أشخاص، بطريقة يضطر معها هذا الفنان الكبير إلى إلغاء الحفلة. والفرقة المصرية الحديثة «القومية سابقا» قد استنفدت أغراضها في عرض البخيل وطرطوف ولويس الحادي عشر. وثمة فرقة أخرى، فرقة المسرح الحر، قد خرجت إلى الوجود، ولكنها لا تزال مواهب تمثيلية بغير تأليف مسرحي.
في هذه الفترة بالذات أصبحت الحاجة ماسة إلى مسرح من نوع جديد بمضمون جديد وأبطال جدد. وهكذا جاء تقديم «الناس اللي تحت» لنعمان عاشور، وجمهورية فرحات وملك القطن والصفقة وقهوة الملك والمحروسة والفراشة بمثابة بداية جديدة لمرحلة تطور هامة من مراحل المسرح المصري.
هل خلقت الحركة مسرحنا المصري الحقيقي؟
ولكن هل جاءت تلك المسرحيات لتخلق المسرح المصري البعيد عن الاقتباس والترجمة والتعريب، البعيد عن كوميديات الريحاني وتراجيديات يوسف وهبي؟
لكي نكون صرحاء مع الواقع، يجب أن نقول إن هذه النهضة المسرحية الجديدة لم تكن إلا طورا أرقى من أطوار الاقتباس والتأثر، فهي قد جاءت لتضيف دورا جديدا إلى بناية من أساسها أوروبية فرنسية معربة. كل ما في الأمر أنها هذه المرة نتيجة تأثرات بمدارس مسرحية أوسع، منها المسرح التشيكوفي والأبسني والأمريكي الحديث. التأليف أكثر تماسكا هنا، والشخصيات أكثر مصرية، ولكن القالب والموضوع لا يزالان في حدود القوالب المسرحية الروسية أو الفرنسية أو الأمريكية. إن هناك تشابها كبيرا بين الروح التي أملت كتابة هذه الروايات وتقديمها وبين الروح التي سادت مصر أثناء ثورة 19 وفي أعقابها، والتي أملت على محمد تيمور ومحمود تيمور وبديع خيري ونجيب الريحاني وتوفيق الحكيم كتابة روايات «الثورة المصرية الأولى»، روايات هدفها الانسلاخ بالموضوع وصبغه بصبغة مصرية ثورية، ولكن المشكلة الكبرى أننا فعلنا هذا في الثورة الأولى والثورة الثانية بوسائل وتكنيك ومسرح ليس مسرحنا النابع منا ومن تقاليدنا.
وهنا يبرز السؤال الخالد: هل لم يعد هناك سوى طريق واحد على المسرح المصري أن يمضي فيه، وذلك بقبول الأساس المعرب والمضي في تطويره إلى أن يتلاءم مع طبيعتنا؟
أم لكي نكتشف مسرحنا الحقيقي الخاص بنا علينا أن نسلك طريقا مختلفا تماما، يكاد يكون عكس الطريق الأول، طريقا أشق قليلا؛ لأن علينا فيه أن نكتشف أنفسنا ونكتشفها في نقطة يكتنفها غموض كثير، هي طبيعتنا الدرامية وكنهنا المسرحي؟
تلك هي المشكلة الملحة التي أعتقد أنها أصبحت تواجه جميع المشتغلين بالمسرح المصري والمهتمين به؛ لأنها ليست مشكلة تختص بالتأليف المسرحي وحده، ولكنها تشمل طرق التمثيل والإخراج، وحتى شكل المسرح نفسه وهندسته. مشكلة خطيرة ملحة، ولكني أعتقد أننا قد وصلنا في طريق النضج إلى مستوى أصبح علينا فيه أن نناقش أمثال هذه المشاكل الخطيرة الملحة ونواجهها، بل ويذهب بعضنا إلى حد تقديم النماذج.
ولنبدأ بالسؤال الأول
إنني أعتقد أننا مهما غيرنا وبدلنا وطورنا في المسرح الأوروبي، فستبقى طبيعته أوروبية بعيدة عنا بعد أوروبا عنا، لا تندمج معنا، ولا نندمج معها، مثلنا مثل الماء والزيت، فلكل شعب من الشعوب طبيعته الخاصة التي ينتج فنونه استجابة لها. إن هناك فارقا أساسيا بين العلم والفن، فالعلم ممكن أن يكون قوانين عالمية يتداولها كل البشر ويفيدون منها ويطبقها كل شعب بنفس الروح والعقلية، ولكن حتى هذا العلم الذي يجب أن يكون شاملا وعالميا نجد له أنواعا؛ ففي الهند والصين مثلا توجد ثلاثة أنواع من الطب: الطب الأوروبي التقليدي، والطب التجريبي الهندي الشعبي، والطب العربي اليوناني الذي يستعمل تركيبات المؤلفين العرب واليونانيين القدامى. بل لقد أخبرني الصديق الدكتور أنور المفتي أن نتائج العلاج بالأنواع الثلاثة تكاد تكون متقاربة في درجة فاعليتها، بل أحيانا يتفوق الطب الشعبي التجريبي والطب العربي اليوناني على طب أوروبا نفسه. هذا في العلم، فما بالك في الفن! حيث هو ليس فقط محليا بطبعه، ولكنه ما لم يكن محليا فقد طبعه وطبيعته كفن. إن الفن الذي نسميه عالميا ليس سوى الفن الأوروبي الذي نسميه عالميا من باب التجاوز ، نظرا لدرجة انتشاره الكبرى، ولكنه أولا وأساسا فن أوروبي، بحيث إذا عزلناه عن أوروبا التي أنتجته لفقد تأثيره تماما وفنيته؛ لأن كل فن هو نتاج شعب أو شعوب تحيا في بيئة معينة وذات مزاج وتكوين نفسي معين، بحيث لا بد أن يتطابق الناتج «الفن» مع المنتج «الشعب» أو الفنان النابع من هذا الشعب.
ولهذا أيضا فالمسرح بشكله «العالمي» المزعوم أصبح يهدد المسارح الشعبية الأخرى في كل بلاد الدنيا، إلا في بلاد راسخة التقاليد المسرحية الخاصة كالصين واليابان. وهذا المسرح هو الذي قضى على مسرحنا الخاص بنا، والذي كان محتما أن يظهر إلى الوجود يوما، وهذا المسرح أيضا لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يحل محل مسرحنا الخاص بنا أو يمنع ظهوره، إلا إذا كان باستطاعة اللغة الفرنسية أو الإنجليزية أن تغنينا عن لغتنا العربية وتقضي عليها وتحل محلها، فالفن كاللغة جزء لا يتجزأ من طبيعة الشعب وخصائص وجوده.
والحديث هنا ليس فقط عن المسرح الأوروبي الصريح، ولكنه أيضا عن المسرح «المصري» الناتج عن التأثر بالمسرح الأوروبي، ذلك المسرح الذي يكون معظم بل كل رواياتنا التي ألفت للمسرح إلى الآن وبما فيها المدرسة المصرية الحديثة. إن ازدهار هذا النوع ورواجه لا ينفي أبدا أنه ليس منا وليس من طبيعتنا، بل إنه يؤكد حاجة شعبنا إلى المسرح بشكل عام وأهميته في حياته، بحيث إنه حين لا يجد مسرحه يقبل على المسرح الآخر، و«شيء خير من لا شيء بالمرة».
الفن إذن خاصية من خواص كل شعب، والمسرح أيضا كما رأينا جزء لا يتجزأ من طبيعة كل شعب، والمسرح الأوروبي سيظل أوروبيا بالنسبة لنا، وكذلك كل الأشكال المتفرعة منها والمتأثرة به، وكل مدارسه في التمثيل والإخراج والهندسة المسرحية.
ولا يبقى أمامنا سوى استجلاء الجانب الأشق. أشق جانب، وهو: من أين؟ وكيف يمكن؟ وماذا بالضبط نقصد بمسرحنا المصري الحقيقي النابع منا ومن طبيعتنا والذي لا يمكن أن ينفصل عنها؟
رد على المستوردين وبداية التعرف على ملامحنا
بعد نشر المقالة الأولى من سلسلة «نحو مسرح مصري» ووجهت بعاصفة من المناقشات بعضها يعارض وبعضها يؤيد، عاصفة جعلتني أزداد إيمانا أن الموضوع فعلا يشغل الأذهان، وإذا كانت الكثرة الغالبة لم تستطع أن تكون فيه رأيا قاطعا، إلا أن هذه المناقشات الحية الحامية أقنعتني أن كلا من المهتمين بأمر المسرح يحاول أن يحدد له موقفا في هذا الموضوع الخطير.
ولقد أسفت لبعض المفهومات الخاطئة التي تكونت على أثر هذه الدعوة، وأولها وأخطرها ذلك الذي يدعي أننا نريد أن ننغلق على أنفسنا ونقطع ما بيننا وبين أوروبا من علاقة علمية وفنية، أو كما سماها البعض «شيفونية ثقافية». ولست أدري من أين جاء هؤلاء بهذا المفهوم؟! ما العلاقة بين الدعوة إلى اكتشاف المسرح المصري وتقديمه وبين مقاطعة أوروبا ثقافيا وفنيا؟ وهل إذا قد طالبنا بضرورة أن يكون لنا موسيقانا الخاصة النابعة منا، هل يفهم من هذا أننا نطالب بمقاطعة أوروبا موسيقيا وغلق آذاننا عن أن تسمع روائع شوبان وتشايكوفسكي؟ إن هذا المفهوم يحب البعض أن يدعيه ليقف في وجه كل طموح فني في بلادنا باعتبار أننا مهما فعلنا فلن نصل أبدا بفننا الخاص إلى ما وصلت إليه أوروبا، وسنبقى متخلفين بمئات السنين. ومعنى هذا ببساطة أننا يجب أن نيأس ويجب أن نعتمد كلية في غذائنا الروحي على معاني أوروبا وكتابها. ولو أطلقنا لهذا المنطق العنان لكان علينا أن نتنازل عن لغتنا الأخرى باعتبارها لغة غير أوروبية متخلفة، وننتقي لنا لغة أوروبية حديثة متطورة، نتعلم كيف نتفاهم بها، ذلك أن الفن كاللغة، وكما أننا لا نعتبر أن هناك لغة عالمية ولغة محلية، وإنما هناك لغات واسعة الانتشار وهناك لغات محدودة الانتشار، فأيضا نحن لا نعتبر أن هناك فنا عالميا وفنا محليا، هناك فنون أوروبية واسعة الانتشار وفنون شرقية أو عربية أو صينية محدودة الانتشار، محدودية لا ترجع أبدا إلى أسباب فنية، إنما ترجع إلى أسباب سياسية بحتة، وإلى انتشار اللغات والفنون الأوروبية بسبب نمو الحضارة الأوروبية وطغيانها واستعمارها لمعظم أجزاء العالم، ومحاولة صبغها بالصبغة الأنجلوساكسونية أو الجرمانية أو الأمريكية، لا يضير فننا إذن أو لغتنا أنهما محدودا الانتشار، فهما يعانيان نفس الغلبة على أمرهما كما كنا كشعوب نعاني.
إنني أعجب أحيانا لهؤلاء المثقفين الذين يعقدون الجلسات «الفنية»، ويتحدثون باحترام يقترب من مرتبة التقديس عن السيمفونية وبيتهوفن وموزار، حتى إذا جاءت سيرة فنوننا كانت تنتابهم حالة قيء حادة وقالوا لك باشمئزاز: أين هذه العبقريات كلها من «موالنا» الخائب، أو «على بلد المحبوب وديني»؟! هؤلاء المثقفون ليسوا مثقفين بالمرة، أو على الأقل لا يمكن أن يحتسبوا من مثقفي شعبنا. ممكن اعتبارهم مثقفين أوروبيين أو متأوربين؛ لأن فن أي شعب كلغة أي شعب لا يمكن أن يقارن بفن أي شعب آخر أو لغته أو يميز عليهما. لا يمكن أبدا أن نقول إن الألمانية لغة أفضل من اللغة اليابانية، أو إن الروسية أفضل وأروع ألف مرة من العربية ... وبنفس هذا المنطق لا يمكن أبدا أن نقول إن السيمفونية أروع آلاف المرات من الموال الأحمر ... فإن عظمة كل فن وعظمة أي لغة لا يمكن تحديدها إلا بالنسبة للشعب الذي يتحدث هذه اللغة أو يستوعب هذا الفن.
قضية أساسية
وهذه قضية أساسية لا بد من الوقوف عندها؛ لأنها مهمة للغاية، وفي رأيي تشكل أكبر الخطر على فنوننا وكياننا الروحي، ومن ثم على مستقبلنا. يجب أن نفهم وندرك ونعي أن الفن ظاهرة إنسانية اجتماعية لا بد لإنتاجها من بيئة معينة تتبع شعبا معينا وتنتج من أجل ذلك الشعب: أن ريمسكي كورساكوف لم يكتب موسيقاه لتذاع من إذاعة كولومبيا في أمريكا، وشوقي لم يكتب شعره ليقرأه الشعب الهندي وينتشي به، وبرخت لم يكتب مسرحياته إلا بالألمانية وكتبها أساسا للشعب الألماني، وكذلك كان يفعل إيريا ماريا ريمارك برواياته، صحيح أن أنيسكو كاتب روماني الأصل، ولا يكتب للشعب الروماني، ولكن أنيسكو اتخذ فرنسا وطنه الثاني، ويكتب للشعب الفرنسي، وللحركة الثقافية الفرنسية، وكذلك يفعل بيكيت، وأروين شو لا يكتب مسرحياته للشعب الإنجليزي، ولكنه يكتبها أولا للشعب الأيرلندي، وكذلك آرثر ميللر، وتينيسي ويليامز. إن بعض روايات تينيسي وليامز ليست مكتوبة للشعب الأمريكي كله، ولكنها مكتوبة أساسا للشعب الأمريكي في ولايات الجنوب، تماما كما كان يفعل فولكنر وشتاينبك، ولوركا لم يكتب مسرحياته وشعره وأعماله كلها إلا نابعة من الشعب الأسباني وموجهة إليه.
الفن إذن، أي شكل من أشكال الفن، لا بد أن تكون له أرض ينبت منها ويقف عليها ولا بد أن يكون موجها أساسا إلى سكان هذه الأرض بالذات. كل ما في الأمر أن بعض هذه الأعمال مكتوب بلغات واسعة الانتشار أو ترجم إلى تلك اللغات، فانتشر في أنحاء العالم وأصبح كما يخطئ البعض ويسمونه «أدبا عالميا». في حين أن العالمية في الأدب خرافة، وأي كاتب يحاول أن يكتب أدبا يقرؤه العالم أجمع وينفعل به إنما هو كاتب أو فنان أفاق. ليفانتيني لا يمكن أن يكون صادقا مع نفسه أو مع الشعب الذي أنشأه وزوده بالقدرة والتعليم والمادة التي يكتب منها، لا يمكن أن يحدث لأن الفن والأدب مادتهما الإنسان، ولم يوجد إلى الآن ذلك الإنسان «العالمي» المعلق في أثير الكرة الأرضية غير المرتبط بوطن أو بشعب أو بزمان ومكان. هذه نقطة، والنقطة الثانية أن ليس هناك فن أسمى من فن (ونقصد بالفن هنا أن يكون العمل فعلا قد ارتفع إلى مستوى الفن الحقيقي) فن الكتاب الألمان ليس أروع من فن الكتاب الروس، تماما كما أن الشعب الألماني ليس أروع من الشعب الروسي، تماما كما لا يمكننا أن نقارن تماثيل الفراعنة بتماثيل هنري مور، أو نقارن بين الملوخية كغذاء شعبي يذوب فيه المصريون حبا وبين الكبيبة الشامي التي لا يستسيغها معظم المصريين ويلتهم الشوام أصابعهم وراءها استحسانا.
لا بد أن نسلم لكل شعب من شعوب الأرض - مهما بلغت درجة حضارته أو درجة تخلفه - تكوينه النفسي والروحي وذوقه وأحاسيسه المستمدة من تراثه ومناخه وتاريخه وتقاليده، لا بد أن نسلم أن الإنسان لم يوجد بمفرده أبدا أو بمطلقه، وإنما وجد دائما وسيظل موجودا كجزء من جماعة ذات كيان وإحساس وذوق خاص.
إذا سلمنا بهذا أدركنا على الفور أن اختلاف الفنون والآداب في العالم حقيقة يجب أن يكون مفروغا من أمرها، فبصرف النظر عن أن في اختلافها إثراء للتراث العالمي، فإن اتفاقها جميعا على موضوعات معينة وقواعد محددة وشكل واحد معناه أن شعوب الأرض جميعها لا خلاف بين تكوينها إطلاقا، ولا بين أذواقها وما تفضله وما تستسخفه. وهذا كما نعلم جميعا محض هراء.
الخطوة التالية
من هنا نستطيع أن نخطو خطوة أخرى ونقول إن الأنواع الفنية لا بد أن تختلف من شعب إلى آخر اختلاف الأشكال البشرية والملامح حتى من شعب إلى آخر، فلا يمكن أبدا لشكل المسرح الإغريقي الذي وضع أرسطو قواعده، لا بين أذواقها وما تفضله وما تستخفه، وهذا كما نعلم جميعا محض أن ينطبق انطباقا تاما على المسرح الصيني؛ لأننا حينئذ نقلب الفن من حقيقة نسبية نابعة من الشعب ومرتبطة ارتباطا عضويا بالإنسان ومزاجه وكيانه إلى حقيقة موضوعية كحقائق العلم لا تقبل الجدل.
والعلم وحقائقه مختلف اختلافا جذريا عن الفن؛ لأن العلم موضوعي والفن ذاتي، العلم قوانينه خالدة وثابتة وكوزموبوليتانية، والفن قواعده متغيرة ومختلفة من بلد إلى بلد ومن حضارة إلى حضارة، ومن تركيب نفسي إلى تركيب نفسي، والدليل أمامنا بسيط: إن القواعد التي وضعها أرسطو في كتابه الشعر للمسرح لا تنطبق على المسرح الياباني أو الصيني، فهل معنى هذا أن نخرج هذين المسرحين من دائرة الفنون المسرحية لأنهما لم يتبعا قواعد أرسطو، أو المعقول أكثر أن نقول إن أرسطو وضع قواعد معينة لمسرح إغريقي معين نشأ في شعب معين، يعبد آلهة معينة، وإن للمسرح الصيني قواعده الأخرى التي وضعها أناس غير أرسطو، ولكنهم ليسوا مشهورين شهرته؛ لأن أرسطو وجد الحضارة الأوروبية التي استعمرت العالم وفرضت تراثها ومقاييسها عليه، بينما لم يجد منشئو المسرح الصيني ومقننوه من يفرض أسماءهم وقوانينهم على العالم والتاريخ.
من أجل هذا لا بد أن نفرق تفريقا حادا بين العلم العالمي من جهة، وبين الفن من جهة أخرى. فبقدر ما تكون قوانين العلم عامة وشاملة وتنطبق على أي زمان ومكان، فالفن لا تنبع قيمته إلا من محليته ومن البيئة التي أنتجته. بمعنى أوضح، العلم عالمي بطبعه، والفن محلي بطبعه.
ومسرحنا كما ذكرنا نقل مسطرة - كما يقولون - من المسرح الأوروبي، ورغم كل ما حدث فيه من تعديلات وتغييرات إلا أن أصله الأوروبي لا يزال هو السمة الواضحة التي لا يمكن أن تفلتها عين خبيرة، وكان لا بد لنا إن آجلا أم عاجلا أن نفطن إلى هذه الحقيقة ونحاول بمجهودنا نحن، وبقدر المعرفة التي زودتنا بها أوروبا، أن نكتشف مسرحنا المصري ونقدمه.
والحقيقة أن هذه المشكلة ليست مشكلة مسرحنا وحده، موسيقانا أيضا تعاني من نفس الحالة، فن العمارة عندنا لا يزال أجنبيا مائة في المائة، بعضه طلياني وبعضه فرنسي، والحديث منه أمريكي، كله ما عدا تلك الجهود الذي يبذلها المهندس حسن فتحي لخلق نوع من المعمار المصري الأصيل معتمدا على أحدث تكنيك معماري عالمي وعلى جذوره المصرية الأصيلة.
وليست العمارة وحدها. إننا إذا دققنا النظر في كافة مجالات حياتنا، من السينما إلى برامج الإذاعة، إلى الصحف وطريقة صدورها وكتابة أخبارها، إلى التعليم الجامعي، إلى الحياة الاجتماعية التي يحياها الناس - لوجدنا أن الكثير من هذه المجالات يمشي على نسق أوروبي مائة في المائة بلا أي محاولة منا لاكتشاف تقاليدنا نفسها وتطويرها.
خذ الزي مثلا: إن شعبنا لا يزال محتفظا بأزيائه القديمة الخاصة، في حين أن سكان المدن والمثقفين نفضوا يدهم نهائيا من الرداء الشعبي، واستبدلوا به البدلة والكرافتة والقميص، وكأنه بهذا اللباس يريد أن يظهر تحضره، وكأن منتهى التحضر أن تخلع ملابسك أنت التي ابتكرها أجدادك لتلائم أجواءنا ونفسيتنا وتقيد نفسك في بنطلون ضيق وياقة تخنقك وكرافتة لا فائدة منها بالمرة إلا لإظهار أنها واردة من أوروبا ومن أرجانس باريس، وبمثل ما غير ملابسه يريد أيضا أن يغير مخه وأفكاره وأسلوب حياته، بالاختصار يريد أن يفر من بلادنا وشعبنا إلى بلاد أرقى.
وأبادر وأقول إني لا أطالب بالتخلي عن هذا كله، فلا بد لنا كشعب أن نستخدم أحدث وأرقى وسائل الحضارة: أن نركب العربات والطائرات في تنقلنا، أن نستورد أدق أدوات النسيج، أن ندخل السينما، ونشاهد التليفزيون، كل المشكلة أننا لا نريد أن تدفعنا تلك الوسائل الصناعية الحديثة إلى نسيان كياننا النفسي الخاص بنا، إلى أن تنقلب الآية وبدلا من أن تخضع هذه الوسائل لإرادتنا الخاصة، نخضع نحن لتلك الوسائل وننساق وراءها، تماما كالذي يقرأ كتابا ممتعا لألدوس هكسلي، وبدلا من أن يهضم محتوياته ثم يستعملها في إثراء أفكاره وحياته الواقعة، ينسى هذا الكيان وينساق وراء المؤلف الإنجليزي ويدمن تقليده إلى درجة يصبح معها كالذي رقص على السلم، فلا هو قد أصبح إنجليزيا بتقليده لحياة الإنجليز، ولا هو بقي مصريا يحيا في شعب مصري.
إننا نريد إذن أن نفتح الباب على مصراعيه أمام الكتب والحضارة والثقافة الأوروبية، ولكن لا لنتبناها كلية حتى لننسى كياننا الخاص تماما، ولكن لنستوعبها وندرسها ونخرج منها بأفكار وثقافة يمكن أن نستعملها لكي ننمي نحن ثقافة شعبنا الخاصة وفنونه بمختلف أنواعها.
هذه النقطة التي تبدو من فرط بساطتها عديمة الأهمية، هي في نظري حجر الزاوية في مرحلة انتقالنا هذه، مرحلة بناء أنفسنا، وإهمال هذه النقطة يؤدي إلى أسوأ العواقب. ولنأخذ مثلا الفن التشكيلي في مصر: لماذا لا ننفعل الانفعال الذي يهز الجسد ويبلبل الروح إذا نظرنا إلى لوحة من لوحات فنانينا التشكيليين، قد نسعد ونصفق ونكتب مطالبين الجمهور «الجاهل» أن يأتي ليتفرج على هذه الأعمال، ولكن المشكلة أننا نفعل هذا بدون انفعال عميق نابع منا ومما توارثناه عن آبائنا وأجدادنا. ولهذا نجد فنون الرسم والتصوير والنحت لا تزال تدور داخل نطاق ضيق جدا، لا يفهمها أو يقدرها سوى الفنانين زملائهم وسوى بعض النقاد؛ ذلك لأن اللغة التي تستعمل في فنوننا التشكيلية، والألوان والموضوعات كلها، لا تنبع من بلادنا، ولا يفهمها أحد في بلادنا، إنما فقط يفهمها أولئك الذين يعرفون كيف يتكلمون ويرسمون تلك اللغة.
ولهذا أيضا نحن لا زلنا ننتظر الرسام الموهوب الذي يتعلم الرسم ويدرس كافة مدارسه الفنية في العالم كله، ثم ينسى ما درسه تماما ويبدأ بوحي من إيمانه ببلادنا وشعبنا، يختار من الواقع موضوعه ومادته الخام ويرسمه بلغة الناس؛ لغتنا نحن التي نفهمها والتي يتحدث هو بها، ويجعل ألوانها نابعة أيضا من طريقتنا في التلوين وقدرتنا على تذوق بعض الألوان دون البعض الآخر. عشرات المعارض زرتها، وكنت دائما أجد صورها المعروضة كئيبة، باردة، قليلة الضوء؛ لأنهم تعودوا على الرسم الأوروبي حيث الجو الكئيب هناك، وحيث لا توجد شمس متوهجة كشمسنا طول العام، حتى الألوان المستخدمة كلها من مشتقات الرصاص أو غيره من المواد التي لا توجد إلا في أوروبا، ولهذا فهي دائما متقاربة كئيبة لا تثير في النفس سوى الحزن والشجن.
في العمارة، في النحت، في الرسم، في الموسيقى، في السينما، في أثاث المنازل، في عاداتنا الاجتماعية، بدأنا فعلا، بل قطعنا شوطا طويلا ونحن لا نزال عالة على ما تقدمه أوروبا، حتى الموبيليا التي يصنعها نجارو دمياط، يصنعونها طبقا لكتالوجات تنشرها المجلات المختصة في أوروبا وأمريكا. وهذه المواضيع كلها تثير الكثير من الجدل عند بعض المهتمين بمسائلنا العامة. غير أن الجدل يتبلور في النهاية ليحدد بوضوح اتجاهين؛ الاتجاه الأول: أن ننقل كل ما نستطيع نقله عن أوروبا، وبعد أن نستوعبه تماما نبدأ نحن نصنع احتياجاتنا الخاصة، وهي نظرية تشبه تماما ذلك الذي يقول للكاتب الشاب الناشئ عليك أولا أن تقرأ كل الآداب العالمية وتستوعبها، ثم بعد هذا وليس قبله بالمرة تجلس لتكتب، في حين أن الطريقة الوحيدة للكتابة هي أن تقرأ وتكتب في نفس الوقت، وتتعلم وتعلم، وتنتج فنك الخاص وأنت تستعرض فن سابقيك ومعاصريك في كل أنحاء الأرض، تكتب لأنك عن طريق الكتابة، وليس عن أي طريق آخر، تستطيع أن تجد ذاتك وطريقتك وتكتشف مواضيعك، وتقرأ لا لكي تقتبس، أو تحاكي، وإنما لكي تتثقف الثقافة العامة الواجبة التي تمنحك القدرة على رؤية واقعك أكثر واكتشاف ما يصلح فيه ليكون لنا.
أما الاتجاه الثاني: فهو متطرف أيضا، إذ ينادي بأن استيعابنا للثقافة الأوروبية سيؤثر على تكويننا النفسي ويطبعه بطابع أجنبي، بحيث إننا حين نكتب سنجد أنفسنا مضطرين رغما عنا إلى المضي في نفس الطريق الذي مضى فيه الأوروبيون. وهو أيضا اتجاه خاطئ، ومعناه أن نغلق على أنفسنا الأبواب ونحاول أن نبدأ من البداية حتى ننتج الفن المصري الخالص المنقى من كل شائبة أجنبية.
وكلا الاتجاهين خاطئ، فنسيان أنفسنا يماثل تماما الوعي بأنفسنا وعيا مبالغا فيه، بحيث يجعلنا نبتعد عن كل ما أنتجه الآخرون باعتبار أنه ليس من إنتاجنا ولا يمت بصلة إلينا. وهذا الرأي الأخير يثير مشكلة كبرى أيضا لا بد من التعرض لها هنا، فأي شعب في الدنيا لا يمكن أن ينغلق على نفسه تماما وينعزل عن المجتمعات الأخرى. إن الشعوب كالأفراد ليست كتلا حديدية صماء، منفصلة لا يمكن أن يحدث بينها وبين أي كتلة أخرى مماثلة اتصال أو تجاوب، بل إنه حتى الكتل توجد لديها خاصية انجذابها لبعضها البعض. الشعوب كالأفراد في حالة تفاعل مستمر لا يتوقف أبدا، تؤثر في غيرها وتتأثر، وتلتقط من بين عادات هذا الشعب أو ذاك ما يتمشى مع ذوقها ووجدانها. إنها مجموعات هائلة الضخامة من البشر تحيا فوق أرض واحدة، تتزاور وتتفاعل وتتبادل ألوان المعرفة والثقافة، ومن المستحيل أن تتوقف عجلة التبادل أو التفاعل تلك.
لا يمكن إذن أن نعزل أنفسنا عن التيارات المسرحية في العالم، وعن أدب المسرح وتراثه، وأيضا لا يمكن أن يستمر هذا التفاعل من جانب واحد بحيث نظل نحن الآخرين المقلدين والعائشين عالة على شعوب سبقتنا في الحضارة.
ولا يبقى حينئذ سوى حل وحيد، هو أن نفتح أبوابنا على آخرها أمام الثقافات الأجنبية، وندرسها ونتعلمها، ولكننا لا نؤجل ما نستطيع أن نعمله نحن إلى أن تتم عملية الاستيعاب كلها، وإنما علينا أن ننفتح لنطلع على ثقافات غيرنا وفنونه ثم ننغلق وننسى هذه الثقافات تماما وتلك الفنون حين نريد أن نكتب لأنفسنا.
بهذه الطريقة وحدها نضمن مسايرتنا للعالم في أقصى وأحدث درجات تحرره، وفي ذات الوقت نضمن عدم إلغاء شخصيتنا الخاصة واليأس التام من فننا وثقافتنا. وأغرب شيء أن هذه الاتجاهات المتطرفة الخاطئة لا توجد في الحقل الثقافي الفني وحده، ولكنها موجودة أيضا في حقل آخر بعيد عن هذا كله، حقل الصناعة مثلا: إن خطة التصنيع تسير على نفس مبدأ الاعتماد الكامل على المصانع والمعدات الأوروبية، ومع أننا دائما نسمع أن هذا الاعتماد مؤقت جدا، بحيث إننا بدأنا منذ الآن في إجادة بعض مراحل التصنيع الأولى تمهيدا لتصنيع كل معداتنا بأنفسنا في المستقبل، مع هذا فإن أحدا لم يسأل نفسه: وحتى بفرض أننا صنعنا الآلات والمعدات هنا، فماذا تكون النتيجة الحتمية؟ النتيجة أننا سنظل أيضا تلامذة لأوروبا الصناعية، وستظل أوروبا تسبقنا بمراحل عديدة، ولن نتمكن يوما من الأيام أن نسبقها؛ إذ هي قد بدأت قبلنا بعشرات ومئات السنين، وأخضعت شكل معداتها وآلاتها لاحتياجاته الاجتماعية والاقتصادية والصناعية، ونحن نأخذ عنهم الصناعة كما ابتكروها هم وليس كما نحتاجها نحن، وسنظل نأخذها كما ابتكروها. أن ننتج «تراكتور» مصريا شيء جميل، ولكن سنظل بضع سنين إلى أن نستطيع إنتاجه، حيث تكون صناعة التراكتورات في أوروبا قد تطورت بأسرع مما نتصور، وأصبحت تكاليف إنتاج التراكتور هناك أقل بعشرات المرات من إنتاجنا هنا، وصناعته أكثر إتقانا. نفس ما يحدث في المسرح، فنحن مثلا إذا بدأنا إنتاج مسرح اللامعقول الآن على نسق ما يحدث في فرنسا، فإنه بعد عشر سنوات يكون هذا اللون من المسرح قد تطور إلى درجة غير معقولة، بينما نحن كالتلامذة لا نزال في مرحلة القراءة الرشيدة.
لهذا كان من رأي الكثيرين، فوق استيراد المصانع الأوروبية وإقامتها، أن نعنى في نفس الوقت بصناعتنا المحلية التي ننفرد بها ونطورها ونضخم إنتاجها إلى أن تصبح سلعة خاصة بنا تقف على أقدامها في السوق العالمي. لو أننا اتجهنا لتصنيع القطن وحشدنا له كل طاقتنا الصناعية، لو أننا استطعنا أن نحيل إنتاج السجاجيد والأكلمة إلى صناعة ضخمة، لو استطعنا أن نبتكر في صناعة «الحصر» والأسبتة وكل تلك الصناعات التي نتميز بها وننفرد، حينئذ كنا نستطيع أن نتحدث عن صناعة مصرية خالصة نابعة منا ومن ظروفنا ووحيدة من نوعها في العالم وفريدة.
التفاعل بيننا وبين أوروبا إذن تفاعل واجب ومحتم، وليس بيننا وبينها فقط، بل وبين آسيا وأفريقيا وأمريكا وبقية دول العالم، ولكن المشكلة الخطيرة هي أنه يجب أن يكون تفاعلا، أي يعتمد على الأخذ والعطاء والتأثير والتأثر؛ لأن الأخذ فقط والتأثر فقط لا يقودان في النهاية إلا لانعدام شخصيتنا.
لا بد أن تكون لنا إذن شخصيتنا المستقلة في الأدب والفن والعلم وفي كل مجال، شخصية تنمو على طريقين أساسيين؛ أولا: تعميق جذورها في تراثنا وتاريخنا، وثانيا: فتح جميع النوافذ الحضارية عليها. إننا نعود ونؤكد ونقول إنه يجب أن تكون لنا شخصيتنا المستقلة، فإذا لم تكن موجودة فعلينا أن نوجدها.
تلك هي النقطة الأساسية التي دفعتني للكتابة عن المسرح باعتبار أننا لم نجد بعد شخصيتنا المستقلة في المسرح (بصرف النظر عن غياب تلك الشخصية في الموسيقى أو الرسم أو غيرهما، فحديثنا ينصب فقط على المسرح)، ولقد ذكرنا أن هناك مسرحا حاضرا وموجودا، وكان موجودا من زمن طويل، ولكن الأمر الذي يحتمل كثيرا من الشك هو أن يكون ذلك المسرح ممثلا لشخصيتنا المسرحية. وفي رأيي الشخصي أنه لا يمثلها، وأنها لم تخلق بعد، ودون خلقها وزرعها وإنباتها مجهود ضخم متواصل لا بد أن يحصل عبئه كل مهتم بشئون المسرح وكل صديق له.
ورغم هذا فهناك أشياء ستساعدنا كثيرا في مهمتنا، فقط علينا أن ننسى كل مفهوماتنا الأوروبية التي تعلمناها عن أرسطو وشيكسبير وموليير ونقاد المسرح الكبار، وبعين كاشفة وبأفق مفتوح نبحث عن الأشكال المسرحية في حياتنا، إذ تلك هي البذور أو اللبنات الأولى أو مادتنا الخام التي منها سنصوغ الجنين ونضع الأساس.
البذور المسرحية في حياتنا
سبق أن ناقشنا حالات «التمسرح» التي نزاولها كشعب والتي كانت عرضة لتغييرات وتبديلات تبعا لتغير نظام الحكم والعقائد في تاريخنا منذ الفراعنة إلى الآن. ولكننا هنا سنناقش الشكل المسرحي الذي تبلور لدى الغالبية العظمى من جماهير شعبنا في الريف والمدن، وهو السامر. والسامر حفل مسرحي يقام في المناسبات الخاصة، سواء أكانت أفراحا أم موالد، ولكن الملاحظ أن عدد المحترفين فيه قليل جدا، لا يتعدى فرقة الموسيقى وراقصة الفرقة والمغني، أما الممثلون فهم في العادة أشباه محترفين، إذ هم أصحاب حرف يمضون نهارهم في عملهم اليومي المعتاد، حتى إذا جاءت الليلة وجاءت السهرة انقلب هؤلاء إلى فنانين باستطاعتهم إمتاع الألوف وإضحاكها.
والرواية في السامر أو كما يسمونها «الفصل» ليست رواية واحدة، وإنما هي عدة «فصولات» بعضها يعمد إلى الإضحاك وبعضها الآخر يعمد إلى إزجاء الحكم والمواعظ. وهذا النوع الأخير لا يهمنا كثيرا لانخفاض قيمته الفنية؛ إذ إن فنية هذا المسرح على حقيقته لا تتجلى إلا في الروايات المضحكة. هذه الروايات ليس لها نصوص مكتوبة، وإنما لها نصوص أو مواضيع متوارثة، وقبل بداية كل فصل يتفق الممثلون في همسات سريعة على الخطة العامة أو يعدلون فيها. هي ليست بالضبط «الكوميدياي لارتي»؛ لأن الأدوار في هذا النوع توزع توزيعا عادلا بين الممثلين، أما في كوميدياتنا نحن، فالأدوار غير موزعة؛ إذ إن هناك دورا رئيسيا واحدا هو دور «فرفور» أو في روايات وبلاد أخرى «زرزور» هو المحور الرئيسي الذي تدور حوله الرواية، وبمواقفه وآرائه وحركاته يضحك الناس، بحيث يتضح لنا في النهاية أن الأدوار الأخرى ليست سوى مناسبات «تفرش» لفرفور جمل حواره أو سخريته وليست أدوارا تمثيلية بالمعنى المفهوم.
وفرفور أو زرزور مثال صادق للبطل الروائي المصري، الحدق، الذكي، الساخر، الحاوي داخل نفسه كل قدرة علي الزيبق وكل مواهب حمزة البهلوان.
وفرفور هذا أو زرزور ليس ممثلا بالمعنى الذي نفهمه الآن من كلمة ممثل؛ لأنه في حقيقته أيضا وفي حياته العادية فرفور. إنه ظاهرة اجتماعية موجودة في كل زمان ومكان، تستطيع إذا ما فحصت ألفا أو ألفين أن تجده، ذلك الإنسان الساخر بسليقته وبطبعه، ذلك الذي لا يتصيد الانفعال ولا يدعي ما ليس فيه. إنه مضحك ومهرج وحكيم وفيلسوف في نفس الوقت. وعلى أمثال هذا النوع من الناس كان يعتمد التمثيل، زمان، قبل أن يعي الناس بحقيقة التمثيل وأن اسمه مسرح، وحقيقة الممثلين، زمان حين كان الجمهور يدفع بفرافيره فقط إلى الحلبة ويلتهب سعادة وحماسا وضحكا لكل ما يقولون؛ فالفرافير دائما لهم وجهة نظر جديدة وأصيلة وغريبة؛ ولهذا كان لا يجرؤ على الوقوف وسط الجموع المحتشدة إلا فرفور حقيقي يتحدث ويضحك ويهرج بالسليقة، ولا يفتعل؛ إذ هو في حياته أيضا فرفور، والناس تتداول أخباره الخاصة وعلاقاته بزوجته وأولاده وجيرانه وكأنها نوادر جحا. زمان قبل أن يصبح التمثيل «علما» يدرس في المعاهد، و«فنا» في الكتب، يستطيع كل من شاء أن يطلع عليه وينجح في القبول. زمان قبل أن تصبح المسارح بتذاكر وديكورات وحجز وتأليف.
وهؤلاء الفرافير كانوا لا يستطيعون أن يمثلوا إلا أدوار الفرافير؛ لأن التمثيل عندهم وعند الحقيقة ليس حرفة باستطاعة أي ممثل أن يتقمص أي شخصية تخطر للمخرج على بال؛ لأن التمثيل ليس مجرد «فن» التمثيل كما أن الكتابة ليست مجرد «فن» الكتابة؛ إذ إن الكاتب لا يستطيع أن يكتب في أي موضوع وإلا تحولت كتابته إلى نوع من الصنعة الحرفية، وممثل دور فرفور لا يمثل لأنه يمثل بوجهة نظر وبالذات بوجهة نظره الخاصة. إنه مبشر بوجهة نظره الخاصة هذه أكثر منه ممثلا، وهي التي تضحك.
ولكنه أبدا ليس نبيا ولا رسولا، إنه فقط فرفور، يبهر الناس وهو يضحكهم، ثم يضحك عليهم حين يبهرون، يأتيه الناس متسخي الأرواح متعبين، وهو الذي يتولى بقدرة خارقة غسل أرواحهم وتطهيرها بلسانه وبذراعيه وبجسده وبكل الطاقة المحشودة داخله، ينطق فيحسون جميعا أنه يتكلم باسمهم، وأنه ليس صوته وحده ولكن صوتهم جميعا إذا أرادوا التحدث، إنه وحده «كورس» كالكورس الإغريقي تمثل في فرد ليؤدي وجهة نظر الجماعة الساخرة.
قلت إن فرفور هذا ليس نبيا ولا فيلسوفا خاصا، ولكنه مجرد تلميذ من تلامذة الفرفورية الطبيعية التي ليست مذهبا ولا تمت إلى المذاهب بصلة. وتلامذتها لا يدخلونها بإرادتهم أو باختيارهم. إنها هي التي تختار تلاميذها ليتعلموها إلى آخر العمر. إن الفرافير هم ساعات الشعب المضبوطة التي عليها أن تضبط حياتهم، وليسوا أفرادا ممتازين بقدر ما هم ظواهر اجتماعية، وجدوا منذ أن وجد الإنسان، وسيظلون ما ظل المجتمع. إنها الجماعة البشرية حين تنتج من بين آلاف أفرادها فردا وظيفته الأولى وعمله أن يرى حياتها ويراقبها ويتذوقها، إذ الآخرون مشغولون تماما بمزاولة هذه الحياة، لتستطيع الجماعة بعدئذ أن تلتئم وتقضي كل حين ليلة تسمع فيها رأي هذا الذواقة الجريء الذكي الوهاج الصريح صراحة قد تخدش حياء المستحين فيهم، ولسانه يشملهم جميعا، ومن أكبر كبير إلى أصغر صغير، ولا تغضب الجماعة أبدا منه ومن رأيه وإنما تتقبله، ومن فرفور فقط على استعداد لتقبله، وتسلم به، بل وفي معظم الأحيان يعلمها كيف تكون مثله فرافير على حياتها الخاصة وأسرارها التي لا يعرفها سواها، وبهذا يكون فرفور قد حقق هدفه الأعظم بأن ترك في كل منا جزءا فرفوريا يراقب ويتذوق ويضيق ويسخر، وعلى أساس هذا الجزء الساخر، وليس على أساس ضميرنا الجاد، نمتنع عن أشياء وتتفتح آفاقنا على أوضاع ونقبل على الحياة مرة أخرى ونحن أكثر وعيا بأخطائنا وأكثر تواضعا وأكثر حبا للآخرين، فلنسمه إذن الضمير الجماعي الساخر، فلنسمه قرن استشعاره، فلنسم الفرفورية دينا صلاته الضحك، ولكننا أبدا لا يمكن أن نحيطها كلها باسم؛ إذ فاعليتها أكبر وأعظم من أي اسم. تلك هي الشخصية الرئيسية التي يقام حولها السامر من قديم الزمان في بلادنا، ومن ملامحها وملامح السامر نستطيع أن نتعرف على نقط هامة في حياتنا المسرحية. ولكن، هل هذه هي كل الملامح والنقاط؟
ذلك هو السؤال الذي سنحاول الإجابة عنه.
الفرفورية إذن علامة واضحة مميزة من علامات التمسرح على هيئة سامر، ولكونها كذلك فهي سمة أصيلة من سمات الشخصية المسرحية المصرية. ولقد بلغت هذه السمة من القوة حد أنها فرضت نفسها فرضا على كافة الأشكال المسرحية التي وفدت إلى مصر وترعرعت في المدن، مكونة مسارح عماد الدين وروض الفرج، القائمة على الروايات المترجمة والمقتبسة والمعربة، وكانت هي السبب مثلا في خلق مسرح علي الكسار الكوميدي، إذ إن علي الكسار لم يكن يمثل طول حياته إلا دور فرفور غير تلقائي، فرفور متعمد، لا يظهر في حلقة السامر وإنما في مكان محدد، دخوله بثمن، والناس يدفعون الثمن ويؤمونه ليزاولوا حالة التمسرح.
كانت الروايات التي يقدمها مسرح علي الكسار مزيجا من الاقتباس غير المتقن والتأليف الركيك ومحاولات ساذجة لإحياء تراث ألف ليلة وليلة ومعالجة بعض قصصه. ولكن النص على أية حال لم يكن مهما أبدا في روايات الكسار؛ إذ كان هو كفرفور أهم ما في رواياته، وكان الكسار في مسرحه هذا يزاول الفرفرورية نقلا عن تراثها الطويل الخالد في وجدان الشعب ولياليه وحواريه. وكثيرون ممن شاهدوا روايات الكسار، خاصة في فترة ظهوره الأولى، لا بد ما زالوا يذكرون كيف كان يوقف أحيانا أحداث مسرحيته ليلقي بنكتة أو ليدخل «قافية» مع أحد المتفرجين، وكيف ينتهز فرصة كلمة تفلت من لسان متفرج طويل اللسان لينسى الكسار الرواية كلية وينهال بكلماته اللاذعة على المتفرج سيئ الحظ، بل كان أحيانا يضطر، حين لا يتطوع أحد المتفرجين ببدء مشاكسته إلى الاتفاق مع بعض أصدقائه أو معارفه للقيام بأدوار «المتفرجين» هؤلاء.
الفرق بين الفرفورية والأراجوزية
في الناحية المقابلة لفرفور، أو على وجه أدق، على السكة الفنية التالية المؤدية إلى ملامح الكوميديا المصرية نجد «الأراجوز». وإذا كان فرفور مزيجا من السخرية والفلسفة والشيطنة، وسوق «العبط على الهبالة» مقرونة بالذكاء والقدرة على إضحاك الآخرين والضحك عليهم في آن واحد، فالأراجوز هو تطوير ال
Staire
الكائن في فرفور، تطوير يدفع به إلى أن يصبح الناقد الحاد اللاذع ولا شيء سواه.
والأراجوز قطعا لم تخترعه أو تبتكره العقلية المصرية، ومن المحتمل جدا أن يكون قد انتقل لمصر أثناء فترة التفاعل الكبرى بين أرجاء الإمبراطورية الإسلامية في عصرها الذهبي.
ولكن الحاسة الفولكلورية المصرية استطاعت أن تجد في هذا الفن ضالة منشودة وتمصره تمصيرا تكاد تحس معه أنه من هنا نشأ وإلى بقية البلاد انتشر، و«تشعبه» حتى لنحس به نابعا من مكنون الشعب وأعماقه معبرا عن أدق خلجاته ومواطن ألمه الدفين، تلك التي لا يعرفها غير الشعب ذاته. وفي الأراجوز أيضا يقوم نفس الشخص بتأليف المشهد وإدارة حواره وتمثيله وتحريك النماذج، وفن الأراجوز لا يعتمد على الروايات كما يحدث في السامر، إنه فقط يقدم اسكتشات مسرحية تؤلف كلها بحيث تعطي الأراجوز أكبر قدر من الفرصة لينال فيها التناقض الاجتماعي أو الإنساني بعصاته، فالأراجوز لا يستعمل كفرفور لسانه، إنه في مواطن اللسان يستعمل العصا، وكأنما ليقنعك أن هناك موقفا ومشاكل في الحياة لا تحلها قوة اللسان أو القوة العضلية، وإنما لا بد لحسمها وردعها من استعمال قوة الجماد، القوة الغاشمة.
وفرق كبير بين عصاة فرفور التي تصدر الصوت ولا تحدث ألما وبين عصاة الأراجوز التي كلما غورت في الرءوس وطحنتها تعالت ضحكات الناس وضجات استحسانهم؛ ففرفور مثال للفنان الناعم اللاذع في خبث، المؤلم بغير جروح، الجارح بلا دماء، هو فقط بكلامه، بلسانه، بوسيلته الكبرى لإيصال الحقيقة يريد أن يحرك الضمير الجماعي الساخر لدى الناس، بينما الأراجوز أكثر مباشرة وحدة وسرعة، يريد إحداث الأثر، عيني عينك، وعلى مشهد ومرأى الحاضرين، بل يريد هذه الطريقة المباشرة الواضحة أن تنتقل إلى صوته، فصوت الأراجوز لم يختر هكذا عبثا، ليس أبدا لاختيار نوع مشوه من الأصوات أو للسخرية عن طريق النغمة، ولكن الهدف إيجاد نوع متميز من الصوت، ماركة مسجلة تغنيك عن التساؤل وتبدو لك من مجرد سماعها وكأنها الصدى الساخر لصوت البشر، مثلك حين تريد إغاظة شخص فتقلد صوته بطريقة مضحكة، نوع من الصوت يحمل السخرية منه فيه، مقلقا للأعصاب رفيعا حادا وكأنما هو مسنون أو مسقي بالزيت كالكرابيج ليلدغ ويجرح. وهو أخنق قليلا أيضا، ربما لتدل الخناقة فيه على خناقة الحكمة، وتريد أنه لا يقوم بدوره المؤذي حبا في الأذى أو الجرح أو الإحراج، لكن الحكمة غير خافية، حكمة واضحة وضوح الشمس، وضوح العداء الذي كان يكنه رجل الشارع في مصر لرجل البوليس، أو للحماة أو للزوجة القبيحة، وليس من قبيل الصدفة أن هذه كلها بعض النماذج لضحايا عصاة الأراجوز، النماذج التي يختارها ليصب عليها سخريته ونقمته. ولم يكن صدفة أيضا أن كان الأراجوز هو الأب الشرعي لفن المونولوج في بلادنا، فقد جاء المونولوج بعد عصور التحضر على الطريقة الأوروبية ليعبر بالضبط عما كان يعبر عنه الأراجوز، إنما بلغة أكثر «أدبا» وبأسلوب يحل فيه النصح المباشر مكان اللدغ المباشر وتحل فيه الموعظة الحسنة محل العلقة.
وعلى الناحية المقابلة الأخرى للأراجوز، نجد فنا آخر هو فن خيال الظل، وهنا نجد أن الفنان المصري الشعبي قد نحا بهذا الفن وجهة أخرى غير الكوميديا والسخرية، فن خيال الظل هو فن «الفانتازيا» الشعبية، رواية أو حدوتة تقوم على افتراض فانتازيا مثل أن يبلع الحوت إنسانا ويظل حيا داخله أو تظهر للصياد عروس البحر ويعشقها، وغالبا ما تنتهي هذه الفانتازيا بمأساة. هنا يطلق الفنان الشعبي لخياله العنان متناولا مادة الحدوتة الشعبية محيلا إياها إلى دراما ذات فصول تساعد طريقة العرض على تجسيدها وعلى إكسابها - إلى حد ما - شكل الواقع. وباستطاعتنا أن نقول من هذه الزاوية إنه إذا كان الأراجوز يعتمد على التناول المباشر للحياة، والفرفورية وروايات السامر تعتمد على التناول الفني للحياة الواقعة، فخيال الظل يعتمد على التناول الأسطوري لتلك الحياة. والأسطورة في أدبنا الشعبي مرتبطة، ولا ندري لم، ارتباطا وثيقا بالفاجعة
Tragedy ، ولأننا فيما سبق قد حاولنا أن نلخص مفهومنا المصري للشخصية الكوميدية في فرفور والأراجوز، فأعتقد أنه قد آن الأوان لنتناول مفهومنا للشخصية التراجيدية والتراجيدية نفسها.
الفاجعة المصرية
لا شيء يؤكد اختلاف ملامحنا المسرحية المصرية اختلافا جذريا عن الملامح الإغريقية ومن ثم الأوروبية مثل مفهومنا كشعب للمأساة أو الفاجعة. المأساة الإغريقية لون من ألوان المسرح، أراد به الإغريق أن يصوروا بطولة الإنسان وهو يقاوم أو يناضل قدره المحتوم، إنها دائما تبدأ بافتراض أن البطل كان ضحية لعنة أو مقدر إلهي كتب عليه فيه أن يقتل أباه مثلا ويتزوج أمه، هذه نهاية حتمية لا بد أن ينتهي إليها البطل، والمؤلف بعد هذا حر في معالجة ما يحدث قبل هذه النتيجة وما يحدث بعدها، فالمهم أن النتيجة واقعة مهما حاول بطلها الهرب أو الفكاك أو اجتمع أهل الأرض جميعا ليحولوا بينه وبين مصيره المحتوم.
البطل هنا إذن ضحية مغلوبة على أمرها، ضحية بريئة لا ذنب لها أو ذنبها الحقيقي أنها إنسان غير قادر على خط مصيره، وليست إلها قادرا على التحكم في وجوده ومنتهاه، البطل التراجيدي الإغريقي إذن ليس هو البطل الحقيقي للتراجيديا، وإنما البطل هو الذي يقول كلمته سواء كانت خطأ أو صوابا، عبثا أو سخافة، لتستحيل إلى حكم نافذ غير قابل لأي تبديل أو تحريف. وكان هم المؤلفين الإغريق أن يحاولوا قدر طاقتهم أن يجسدوا بطولة الإنسان الخارقة وهو يكافح ويحيا دون أن يدري مصيره المحتوم. كان همهم أن يحظى هذا البطل، هذا الإنسان، بعطف الناس، وحتى عطف الآلهة أو القدر الشرير وإيضاح أن ما يرتكبه الإنسان من شر مسألة لا ذنب له فيها وإنما هو مسوق إليها بفعل قوى خارجة عنه وعن إرادته.
أما بطلنا التراجيدي هنا في مصر، أو البلاد العربية، أو الشرق عامة، فهو مختلف. إنه ليس ضحية لقدر مجرم أو عابث، البطل هنا بطل حقيقي، ليس للأعمال البطولية التي يقوم بها، ولكن لأنه هو الذي يملك مصيره في يده ويتولى تحديد خط حياته، بمعنى أنه هو الذي يتولى الاختيار ويتحدد مصيره نتيجة محتمة لهذا الاختيار. مأساة الإنسان هنا هي مأساة اختياره، هي مأساة القابض على مصيره المالك زمام أمره. إنه هنا ليس ضحية أحد أو قوة خارجة عنه، وإنما هو ضحية نفسه أو ضحية قدرته على الاختيار وإرادته: هو الطماح مثلا الذي يبدأ خط مصيره برغبة عارمة في الاستحواذ على ما لدى الغير إلى أن تؤدي به هذه الرغبة إلى التورط في دوائر مأساوية أوسع وأوسع حتى ينتهي إلى ارتكاب الجريمة الكبرى، القتل أو انتهاك الحرمة أو التضحية بأعز الناس لديه على مذبح شهوته. وحينئذ يقام عليه الحد وينال الجزاء العادل وينتهي مقتولا أو واقعا في نفس الحفرة التي حفرها لأخيه أو ذاهبا إلى النار في يوم القيامة.
وجهتا نظر إلى الحياة الإنسانية مختلفتان تماما؛ فعند الإغريق الإنسان ضحية ونضاله نضال ضحية قد خططت لها الآلهة ورسمت طريق الحياة والمصير، الإنسان بإرادته وعقله وشخصيته ليس سوى أداة تتحقق بها إرادة سكان الأوليمب أو سكان السماء. وعندنا هنا الإنسان هو الذي يصنع حياته ومصيره، ولهذا فهو مسئول عن إجادة هذا الصنع أو تشويهه، مسئولية يحاسب عليها حسابا عسيرا وينال في النهاية ما يستحق من ثواب أو عقاب. عندنا هنا الإنسان حر أن يختار حرية لا حد لها، وفي الوقت نفسه هو مسئول عن ذلك الاختيار مسئولية لا حد لها، بنفس القدر من الحرية تكون المسئولية. أما لدى الإغريق فليست للإنسان ذرة حرية، وبالتالي فهو ليس مسئولا، وأديب ليس مسئولا أبدا أنه قتل أباه وتزوج أمه، فهي جريمة فرضت عليه فرضا ولم يكن في المأساة كلها سوى دمية تحركها أصابع القدر، ومن قال إن الدمية مسئولة؟!
ومن العجيب أن الشرق بعد هذا اتهم بالتواكل والاعتماد على «الله» في كل كبيرة وصغيرة من أموره، أي الاعتماد على القوى الخارجة عنه، وهي إلى حد ما تهمة صحيحة، ولكن ليس سببها أبدا نوعا من التبني لوجهة النظر الإغريقية أو الأوروبية. إن الإنسان الشرقي «يستعين» فقط بهذه القوى الخارجة عنه في تحقيق ما يريده هو وما اختاره بإرادته المطلقة الحرة. إنه هنا ليس «قدريا» يؤمن أن مصيره قد حدد قبل ولادته، ولكنه «مجتهد» فقط، وحر، ولإحساسه بضخامة المسئولية الملقاة على عاتقه، وأية مسئولية أضخم على الإنسان من مسئوليته عن نفسه ومصيره، ثقل الإحساس بتلك المسئولية هو الذي يدفعه للاستعانة عليها بالله وبالناس وبكل ما تستطيع أن تصل إليه يده. إن حياتنا حافلة بكلمات مثل «المكتوب» و«المكتوب على الجبين» و«القدر»، وكل هذه الشعارات التي كان من الطبيعي والمعقول أن تكون هي شعارات الحياة لدى الإغريق والأوروبيين، ولكننا هنا نتحدث عن المفهوم المأساوي أو التراجيدي أي المفهوم الفني، وهناك فارق كبير بين الحياة الواقعة والمفهوم الفني المنعكس منها، فلعل في حياتنا تسليما مطلقا بالقضاء والقدر والنهايات المحتومة، ولهذا جاء فنانونا وأبطالنا التراجيديون يحملون مفهومات مختلفة تماما، ولعل الحياة لدى الإغريق ومن بعدهم الأوروبيين حافلة بشعارات وإحساس حرية المصير والفاعلية المطلقة للإرادة الإنسانية وقدرتها، ولهذا جاءت أساطيرهم ومآسيهم بمفهوم يقلل كثيرا من حدة ذلك الإحساس ويتعمد إظهار الإنسان بمظهر العاجز أمام القوى التي حددت له المنتهى والمصير والتي لا يملك أمام إرادتها إلا الخضوع والعجز والتسليم.
لعل هذا، ولكن المآسي الإغريقية على أية حال لا تستطيع هزمنا من الأعماق أو استدرار دموعنا لإحساسنا أن أعماقنا ترفضها وترفض أصلا أن تصدقها أو تنفعل بها، بل هي لا تبعث عندنا إلا على الضحك؛ فنحن لا نستطيع أن نعقل أو نصدق أن الإنسان منا غير مسئول عن نفسه وعن مصيره من أكثر من سبعة آلاف عام، ونحن نؤمن ونبشر بهذه الحقائق المبدئية من حقائق الوجود الإنساني، ولا تزال الصور والرسوم على جدران مقابر الأقصر تقص قصة الموت وما يحدث للإنسان بعده، قصة الميزان الذي توزن به أعماله والصراط المستقيم الذي عليه أن يسير فوقه، وكل هذا الاختبار وتقدير مدى ما قدمه في حياته من حسنات أو سيئات ليتحدد مصيره بناء على النتيجة. ولكننا نلمح أيضا أن كلمات مثل «عبث الأقدار» و«سحت الأقدار» وكل حديث عن القدر، كلها في أغلب ظني مستوردة، مفهومات معربة عن الحضارة الإغريقية بالذات، سواء بالاحتكاك على المستوى الشعبي أو بالكتب التي قام العرب بترجمتها عن الإغريق.
إن النقاش المشهور في تاريخ العرب حول هل الإنسان مسير أم مخير، ليس وليد الحضارة العربية أبدا، ولكنه نقاش كالنقاش حول مسرح اللامعقول في حركتنا الأدبية الآن، و«عبث» الوجود، نقاش منقول ضمن ما نقلناه أو ننقله عن الحضارة الإغريقية أو الأوروبية. إنها قضية أثيرت ونشأت وأصبح لها مدارس واتجاهات، ليس نتيجة لانبثاقها عن التفكير العربي المحض، ولكن نتيجة لحركة الترجمة الضخمة التي قام بها العرب للتراث الإغريقي واستشراء علوم المنطق والجدل بعد ترجمة أرسطو والسوفسطائيين ونشوء قضية جدلية في شكلها مثل قضية هل الإنسان مخير أو مسير، قدرية في مضمونها لأن الإغريق وحدهم هم الذين خلقوا وابتكروا وتبنوا فكرة أن المصير الإنساني ليس من صنع الإنسان ولكنه من صنع آلهة ظالمة أحيانا، وعادلة في بعض الأحيان.
بمعنى آخر إن المسرح المأساوي عندنا كان لا يمكن أن ينشأ على نفس النمط الذي نشأ عليه المسرح المأساوي الإغريقي، فمفهوم المأساة مختلف تماما. المأساة هنا تنشأ خارج الإنسان والإرادة الإنسانية، وتؤدي إلى تغييرات مأساوية فيه وداخله، بينما المأساة عندنا تنشأ من داخل الإنسان نفسه، من سوء اختياره لحياته أو لصفاته أو لمثله، وتنتهي وقد فلت الزمام من يده وأصبح لهذه المأساة التي نشأت من داخل الإنسان نتائج خارج هذا الإنسان تتصل بالناس من حوله أو بمجتمعه.
المأساة هنا ميتافيزيقية محضة، والمأساة هنا اجتماعية محضة، المأساة هناك تناقش العلاقة بين الإنسان وخالقه أو المتحكم في مصيره، والمأساة هنا تناقش العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان، وجناية الإنسان على الإنسان وليست جناية القدر على الإنسان.
ولهذا فالمأساة هناك تدور خارج نطاق العقل البشري والتفكير والذكاء والإرادة الإنسانية؛ لأنها واقعة مهما كان عقل الضحية أو تفكيره أو ذكاؤه أو إرادته، بينما المأساة هنا تعصف بالعقل والعاطفة معا وبالإرادة وبالذكاء، ولا بد أن يتغير وقعها ونتائجها من إنسان إلى إنسان. المأساة هناك قدر لا يمكن تجنبه، بينما وجهة نظر شعبنا هنا أن لا شيء، حتى الموت، يمكن أن يقال عنه إنه قدر لا يمكن تجنبه، فالمأساة يمكن تجنبها، ويمكن تداركها، ويمكن الحيلولة في الوقت المناسب بينها وبين أن تحدث أصلا. المأساة هناك غريبة عن الحياة البشرية، مفروضة عليها، والمأساة هنا تنبع أساسا من الحياة البشرية وتسير على نفس خطوطها وبنفس منطقها.
هنا، في مصر، لا يمكن أن تخلق عقليتنا المسرحية بطلا كأوديب مكتوبا على جبينه أنه سيقتل أباه ويتزوج أمه، ولكنها تخلق بطلا كعنترة، أو تخلق ابن جارية ليصبح أشجع الشجعان في قبيلته وأشدهم وليسود تلك القبيلة ويحكمها ويقودها ليفتح بها البلاد والأمصار. هنا قدر عنترة في يده، يبدأ ابن جارية وينتهي ملكا عظيما؛ لأنه كان شجاعا وكان شهما، وكان أسود ولكن أخلاقه حر أصيل. أما أوديب فسواء كان شجاعا أم جبانا، عظيما أم حقيرا، غبيا أم ذكيا، فلم يكن ليغير هذا كله من مصيره قيد شعرة، وكان لا بد أن يبدأ ملكا وابن ملك لينتهي شحاذا أعمى تقوده ابنته.
صحيح أننا في قصة عنترة نجد أن فلانا البطل كان مكتوبا في لوحه القدري أن أحدا لا يستطيع قتله سوى فلان الآخر، فهو مثل لا ينقض ما قلناه، بالعكس، إني أراه يدعمه؛ لأن راوي القصة هنا وخالقها لم يلجأ لهذه الحيلة إلا لسبب فني محض في القصة يتصل بالحبكة، أي لجأ إلى هذا المفهوم لجوءا عقليا ابتكاريا محضا.
إن هذا اللجوء لا يدل على إيمان المؤلف بالمكتوب، ولكنه يد على «معرفة» المؤلف بأنه من الممكن أن يكون القدر مكتوبا، معرفة لا بد جاءت من اختلاط الثقافتين وتفاعلهما. في حين أننا حين نتحدث عن المفهوم المأساوي فإننا نتحدث عن هذا الذي أخرجته قرائح المؤلفين الشعبيين دون قصد أو انتباه ودون تداخل من عقولهم المحدودة الواعية، نتحدث عما خلقته العاطفة والوجدان، وليس ما ابتكره العقل وقشرة المعرفة الرفيعة فيه.
قصة أيوب المصري، لو كان مؤلف إغريقي قد عالجها لكان قد صور مرض أيوب على أنه مصير قدري محتم وجعل همه أن يجسد صراع أيوب ضد ذلك المصير، وكيف تخلت عنه الزوجة والأهل والأصدقاء، ذلك الصراع اليائس الذي ينتهي حتما بانتصار المصير المحتوم. المؤلف المصري لم يفعل هذا، لقد جعل أيوب «يختار» أن يصبر على بلواه، وجعل زوجته «تختار» أن تقف بجانب زوجها المريض، وجعل صراعهما طول الوقت موجها إلى المحافظة على الموقف الذي اختاره كل منهما، ولأنهما صمدا ولأنهما ضربا بصمودهما مثلا للبطولة، فقد جاءت النهاية مختلفة تماما، وشفي أيوب.
في قصة بهية ومتولي، اختارت بهية أن تحترف الدعارة، وفي لقائها بأخيها وقد جاء يحاسبها قالت إنه كان مكتوبا عليها أن تفعل ذلك، بمعنى أن المؤلف الشعبي هنا يستعمل فكرة المصير المقدر كحجة تسوقها بهية للتخلص من مسئوليتها عن اختيار ذلك الطريق، حجة لم تفلح في إقناع متولي ولا تفلح في إقناع أحد من المصريين؛ لأننا لا نؤمن في رواياتنا بفكرة ذلك المكتوب، وكان لا بد لبهية أن تنال جزاءها على يد متولي.
أجل، هناك مسرح مصري
من تلك الحقائق المتناثرة التي وردت عبر الخاطر، ومن غيرها من الأدلة والشواهد، من الواقع والحياة، من القوانين الأزلية الأساسية للوجود التي تنص على أنه متى وجد شعب ما فلا بد أن يخلق هذا الشعب فنونا، كافة ألوان وأشكال الفنون، فنونا متميزة عن فنون الشعوب الأخرى ومختلفة اختلاف الحياة عند هذا الشعب وعند ذلك، نستطيع أن نقول إن هناك مسرحا مصريا كائنا في حياتنا وموجودا، ولكننا لا نراه؛ لأننا نريد أن نراه مشابها ومماثلا للمسرح الإغريقي والأوروبي الذي عرفناه وترجمناه واقتبسناه وعربناه ونسجنا على منواله من أواخر القرن التاسع عشر إلى اليوم.
كل ما ينقص هذا المسرح المصري كي يوجد ويأخذ مكانه في حياتنا هو أن نعيد النظر في أنفسنا وفي حياتنا تلك لنفرق بين الأصيل فيها والمكتسب، هو أن نتعلم كيف نحترم ذاتنا وما تفرزه تلك الذات من فنون. إننا شعب كامل متكامل، له أغانيه وموسيقاه ورقصاته ومسرحه، وحمدا لله أننا في عصر بدأنا فيه نبحث عن ذاتنا ونفخر بها ونقدمها. بدأنا نسمع أصواتا تطالب بإيجاد الفن التشكيلي المصري والألوان المصرية وموضوعات التصوير المصرية، بدأنا نحس بالحاجة الملحة إلى رقصنا الشعبي فنكتشفه ونعده ونقدمه على المسارح، بدأت محاولات في الموسيقى لإدخال الميلوديات الشعبية في إطارات السيمفونية والكونسرتو. ولنا عند هذه النقطة بالذات وقفة؛ إذ إن هذه المحاولات في رأيي ليست الاتجاه السليم بالمرة، فإن محاولة إخضاع الموضوع المصري للشكل الأوروبي محاولات لا يملك الإنسان أمامها إلا السخرية والضحك، فإنها أبدا ليست تطويرا لموسيقانا ولا ارتقاء بها، وهي لا تتعدى - كمحاولة لتطوير لغتنا مثلا - كتابتها بالحروف اللاتينية. إن الفن ليس فيه أشكال ومضمون، إن المضمون شكل والشكل مضمون، وهذا المضمون لا يمكن أن يصلح له إلا هذا الشكل بعينه، وذلك الشكل خلق خصيصا من أجل ذلك المضمون. والكونسرتو والسيمفونية ليست مجرد إطارات وبراويز يمكن للإنسان أن يضع فيها أية صورة لتصبح عالمية، إن الكونسرتو والسيمفونية مثلها مثل الأوبريت والأوبرا كوميك، أشكال أوجدتها مواضيع فنية، أوجدتها الموسيقى الأوروبية في مراحل نموها المختلفة، وهي لا تصلح إلا لتلك الموسيقى بعينها، وعلينا نحن إذا أردنا أن نطور موسيقانا أن نبحث لها عن أشكال تعبر عن هذه الموسيقى المتطورة نفسها، أشكال خاصة بنا منتزعة من صميم خيالنا ومفهوماتنا الفنية يفرضها مضمون العمل نفسه.
إنها نفس المشكلة في المسرح، فلا يكفي لإيجاد مسرحنا المصري أن نعثر على الموضوع المسرحي المصري، وإنما يجب أن نخلق لهذا الموضوع الشكل المسرحي النابع منه والملائم له والذي يستطيع إبرازه وتقديمه إلى أبعد وأوسع مدى.
وهذا العمل الذي لم تستغرق كتابته سوى جملة واحدة أو بضعة أسطر قد يستغرق لإنجازه أعمارا بأكملها، فهو عمل ليس سهلا أبدا، إنه في حاجة إلى جهد وعرق وقدرات ضخمة على الخلق والابتكار، في حاجة إلى تكاتف جهود وإضافات و«مهاويس» مسرح، في حاجة إلى تنظيمات مسرحية على هيئة جمعيات صغيرة متآلفة تبحث وتنقب وتجرب. أو قد ينقذنا من هذا المجهود كله ظهور عبقرية مسرحية فذة تختصر الزمن والعمل وتقدم هكذا ببساطة العباقرة الموضوع المسرحي المصري الإنساني العالمي في الشكل المسرحي المصري الذي يصبح علما على إنتاجنا المسرحي ويقف جنبا إلى جنب مع غيره من الأشكال المسرحية الأوروبية والصينية واليابانية.
وإيجاد هذا المسرح واكتشافه وتطويره ليس مهمة على كل أصدقاء المسرح ومؤلفيه والمهتمين به أن يؤدوها كنوع من الواجب أو مدفوعين بالنعرة القومية أو الوطنية، إنه ليس واجبا ولا «عياقة»، إنه ضرورة كضرورة أن نعيش ونتحدث ونغني ونسمع الموسيقى. ضرورة لا يمكن أن يؤديها مجرد الشعور بالواجب أو مجرد الحماس، فهي ضرورة فنية لا بد للتصدي لها من قدرة على خلق الفن وحاسة مرهفة لتمييز الأصيل فيه من المستورد. لا بد من موهبة مسرحية حقيقية، كل المطلوب من نقاد المسرح وأصدقائه أن يخلقوا الجو الملائم للإقدام على هذا العمل، أن يتبنوا الدعوة إلى إيجاد المسرح المصري، أن تعم حركتنا الفنية والأدبية موجة حماس لكل ما هو مصري وأصيل في النصوص المسرحية وفي الديكور المسرحي وفي طريقة الإخراج المصري وطريقة التمثيل، أن تتولد الرغبة المتصلة لتمصير كل هذا أو لإيجاد المقابل المصري له. لا بد أن لنا طرقنا الخاصة في التقمص والتشخيص والتمثيل، ولا بد أن لنا خيالنا الخاص في تصور بيئة النصر المسرحي ونقلها إلى حيز الوجود. لا بد أن لنا ذوقنا الخاص في التنكر، فنحن مثلا نكره الأقنعة ولا نستحب التمثيل بها، فماذا بالضبط نحبه ونفضله، تلك هي واحدة من عشرات المشاكل التي سوف تثيرها في أذهان المهتمين موجة المطالبة بالمسرح المصري.
وفي النهاية
وإذ أقول هذا لا أعني مطلقا أن تتوقف حياتنا المسرحية حتى نحقق لها المسرح المصري، إنه عمل يجب أن يسير جنبا إلى جنب مع حركة سيرنا المسرحية، بل يجب أن نبحث فيما قدمه المسرح المصري من مسرحيات مؤلفة لنعثر على كثير من ملامح مسرحنا الأصيل. حقيقة أن مؤلفي هذا النوع من المسرح قد تأثروا ونقلوا لنا الأشكال والموضوعات المسرحية الأوروبية، ولكنهم رغما عنهم وبحكم طبيعتهم وتكوينهم الحي قد أفرزوا في إنتاجهم هذا مصريتهم، متفرقة أحيانا، مستترة أحيانا أخرى. إن في روايات توفيق الحكيم بالذات ملامح كثيرة من ملامح مصريتنا الفنية، في طريقة إدارته للحوار، في القافية اللغوية المستترة، في ادعاء بعض الشخصيات الغباء أو التغابي، في كثير جدا من المواقف والعلامات المسرحية ستجد أن هذا الكاتب المسرحي الكبير كان كاتبا مسرحيا مصريا، سواء بوعي أو بغير وعي، ونفس الشيء في نعمان عاشور وسعد وهبة ورشاد رشدي. ولكن المشكلة أنها ملامح متفرقة، ساهم الشكل الأوروبي الكلاسيكي الذي نؤلف عليه في تشتيتها وإضاعتها، بحيث يبدو العمل مصريا حقيقة وأبطاله بأسماء مصرية والصراع صراعا مصريا، ولكنا نحس أنه بالضبط ليس هو المسرح المصري كما نريد ونشتهي. فمسرحنا هذا مثلا غارق في الواقع إلى آذانه، من الواقع تنبع مشاكله، وبالواقع تعالج، في حين أن مؤلفنا المسرحي الشعبي لا يهتم بالواقع هذا الاهتمام كله، إنه يستعمل منه بعض اللبنات والكلمات، ولكن التركيبة المسرحية مختلفة تماما عن تركيبة الحياة في الواقع والشخصيات شخصيات مسرحية، بينما الشخصيات في عيلة الدغري مثلا أو السبنسة أو لعبة الحب شخصيات واقعية، والفرق بين الشخصية المسرحية والشخصية الواقعية هو تماما كالفرق بين هاملت وبين بطل سارق الدراجات أو بين ناعسة أيوب المصري وبين زوجة مسعد في مسرحية اللحظة الحرجة. إن الشخصية المسرحية عالم مختلف تماما عن عالم الشخصية الواقعية، إنها كون بذاته، ليس منتزعا من كوننا الواقع، ولكنه يوازيه، بل وأحيانا يتفوق عليه. إن المسرح ليس هو المرآة التي ننظر فيها فنرى أنفسنا. إن هذه هي إحدى مهام المسرح، ولكن مهمته الأكبر والأعم أن نرى أنفسنا من مستوى أعلى، من كون آخر، بعين بطل مسرحي حقيقي.
إنه ليس نقدا أوجهه لمسرحنا المعاصر ولا محاولة لتحسينه، فهو كما هو في أحسن صوره وأشكاله، ولكني أقول إن المسرح المصري والموضوع المسرحي المصري والشخصية والطريقة المسرحية المصرية شيء آخر غير هذا، شيء ليس أحسن أو أبشع، ولكنه ببساطة مختلف، هذا كل ما في الأمر.
وأنا لا يعنيني بهذا الذي أكتبه أن أخاطب كل المهتمين بالمسرح في مصر من مؤلفين ومخرجين ونقاد وممثلين وجمهور، فمثل هذا الافتراض عبث، ليس من ورائه طائل، فأنا أعرف أن معظمهم سيثور بشدة وستتعالى أصوات كثيرة تحتج وتقول: كيف نطالب بمسرح مصري ونحن الآن نزاول ونتردد ونؤلف المسرح المصري؟! أعرف هذا تمام المعرفة، ولكني أخاطب بما كتبته أناسا آخرين، أناسا يحكمهم الإخلاص لشعبنا وفنوننا بحيث لا يقف أمام هذا الإخلاص حائل من مصلحة أو ارتباط ... أخاطب القابلين للإيمان بالفن المصري وبإمكانية وجود واكتشاف وتطوير هذا الفن المصري ليستمتع به شعبنا أولا ويكتفي، ثم ليأخذ مكانه بعد هذا بين فنون بقية شعوب العالم. أنادي بضرورة تحرر فنوننا وعلومنا وآدابنا من التبعية لأوروبا، بأن نعب ما نشاء من التراث الأوروبي، ولكن حين نبدأ العمل أو نخلق علينا أن نعمل لأنفسنا ولشخصيتنا نحن، علينا أن نحقق ذاتنا نحن، علينا أن نكون تلامذة في دراستنا ومصريين في خلق علومنا وفنوننا وآدابنا.
تقديم
من قراءة المقالات الثلاث التي نشرتها في مجلة الكاتب، لا بد أن يحس القارئ أن مهمة خلق مسرح مصري وروايات مصرية أصيلة تتناول حياتنا بالأسلوب المسرحي الشعبي مطورا إلى المستوى الذوقي والجمالي والمفهومات الفنية العالمية - مهمة شاقة. والبحث عن شيء غير موجود وغير معروف أو كائن دائما مهمة شاقة وعسيرة، وهو بحث أضناني على مدى سبع سنوات منذ الفترة التي انتهيت فيها من كتابة مسرحية اللحظة الحرجة وطويت في ذهني بعدها صفحة هذا النوع من المسرح والمسرحيات، مصمما أن لا أعود للكتابة المسرحية إلا إذا عثرت على المسرح والمشكلة المصرية المحلية العالمية الحديثة كما أتصورها.
ولو خيل لي أن نتيجة هذا البحث الدائب الطويل والتفكير المتصل والتأزمات التي استغرقت مني عامين بأكملهما، لو قيل لي إن هذا كله سينتهي فجأة ذات ليلة من ليالي سبتمبر 1963 لما صدقت. كنت قد عدت من إجازة متقطعة قضيتها في مصيف بور سعيد، وشرعت بعد العودة مباشرة في إكمال مسرحية كنت قد بدأتها قبل الذهاب إلى بور سعيد، واحدة أخرى من أربع أو خمس تجارب كاملة لا تزال راقدة في درج مكتبي إلى الآن. أبدأ الواحدة منها وأنا مدرك أنها ليست بالضبط ما أريد، وطريقها ليس هو الطريق، وأنتهي منها لأقبرها بين الأوراق مهما بلغ مستواها ومهما أعجب بها الأصدقاء، فلقد صممت، وكنت غير مستعد أن أساوم نفسي أو أقبل أنصاف الحلول. وذات ليلة وصل مشهد المسرحية إلى نقطة حوار معينة، حوار روحه قريبة الشبه جدا من روح «الفرافير»، ومرة واحدة وجدت الفرافير تخطر لي: الفرافير المسرح، والفرافير المسرحية، هكذا معا في لحظة واحدة. وقضيت أياما محمومة ممتعة أكتب، حتى حين مرضت وأصر الأطباء على دخولي المستشفى لإجراء عملية جراحية، رفضت وأبيت أن أتحرك من حجرة المكتب إلا بعد أن أنتهي تماما من الفرافير.
وقدمتها على الفور للمسرح القومي، ولكني كنت لا أزال غير مستريح تماما إلى وجود الفصل الثالث، معتقدا أني لو غيرت محاكمة فرفور السافرة للفلسفة والفلاسفة وأوردتها ضمن الفصل الثاني على ألسنة أصحاب الأدوار كلها و«المتفرجين»، وقمت بحذف بعض الأجزاء وإضافة أخرى لتكاملت وحدة العمل. ولقد شجعني على هذا الاتجاه أنه كان نفس رأي الصديق الأستاذ أحمد رشدي صالح والأستاذ أحمد عباس صالح، في حين عارض الأستاذ محمد عودة وأصر على إبقاء الفصل الثالث. ولكن المسرحية بحجمها الأول كان تمثيلها يستغرق أكثر من أربع ساعات، وكان لا بد من إجراء التغيير، كل ما في الأمر أني دفعت للمسرح القومي بالنسخ كما هي لتوزيعها على أعضاء لجنة القراءة وحجز مكان لها في الموسم واتخاذ بقية الإجراءات اللازمة لعرضها، وفي نفس الوقت عكفت على إعادة كتابة الجزء الثاني بالطريقة المنشورة هنا، وهي نفس الطريقة التي قدمت بها على المسرح، وقد كان في نيتي لدى نشر المسرحية أن أنشر الطريقتين معا، تاركا للقارئ أن يفصل بينهما خاصة، والأمر ليس بدعة، فبعض الكتاب الأوروبيين يفعلون الشيء نفسه وينشرون المسرحية بأكثر من صورة، ولكن حجم هذا الكتاب لا يكفي، ومن ناحية أخرى أنا أميل إلى تفضيل الشكل المدمج، وهو نفس رأي مخرج العرض الأول الأستاذ كرم مطاوع الذي فضل الطريقة الثانية ونفذها على المسرح.
وهناك شيء آخر أحب أن أنبه إليه، فلقد كتبت الفرافير، ليس فقط على أساس دمج خشبة المسرح بصالة المتفرجين وإحالة المسرح كله إلى وحدة واحدة تضم الممثلين والجمهور معا، واعتبره البعض شيئا غير جديد باعتبار أنه استعمل في المسرح الصيني والياباني وعند بريخت وبيراندللو، ولكن الفرافير مكتوبة على أساس قاعدة أخرى أشرت لها في «نحو مسرح مصري»، وهي قاعدة التمسرح، بمعنى أن حالة التمسرح الكاملة في رأيي لا بد لوجودها أن يساهم ويشترك كل فرد من الجماعة البشرية الموجودة مشاركة شخصية في اللحظة، فلو كانت حالة التمسرح حالة رقص فلا بد أن يبدأ الاحتفال بأن يرقص الجميع، يرقص كل «فرد» حتى تصل «الجماعة» إلى الحد الأدنى من النشوة، تلك التي يستوي لديه عندها أن يرقص هو أو يتفرج على رقص غيره، وقلت إن هذا هو ما يحدث في الغناء الشرقي الذي كان يبدأ بغناء جماعي من الكل حتى يصل الموجودون إلى لحظة الحد الأدنى من الانسجام والنشوة، تلك التي يحس فيها الإنسان أنه قد أصبح على اتصال تام بغيره وبالجماعة والطبيعة والكون، حينئذ وعند هذه اللحظة لا يصبح ضروريا أن يغني المرء بنفسه كي يمضي قدما في طريق متعته الفنية، ولكن لحظتها يستوي عنده أن يغني (أي يرسل) أو يسمع (أي يستقبل). هنا، تسكت في العادة معظم الأصوات وينفرد بالأداء صوت واحد من المستحسن أن يكون أجملها جميعا، بحيث ينتشي صاحبه لأنه يغني لهم ويرسل وينتشي الآخرون لأن متعتهم بالاستقبال قد أصبحت تعادل إن لم تتجاوز متعتهم بالإرسال. وقلت إن هذا في رأيي يعد التفسير الوحيد لظاهرة الكورس في الغناء الشرقي أو المسنداتية أو غيرها.
قصدت إلى أن تحدث نفس حالة التمسرح هذه في الفرافير، بحيث لا بد أن يشعر كل متفرج وممثل وكل حاضر أنه يساهم ويشترك بحرية في إيجاد حالة التمسرح وشمولها، ولهذا فمعظم حوار الأجزاء الأولى من الفرافير - بجانب أدائه لوظيفة النص في المسرحية - يساهم من ناحية أخرى في التمهيد لحالة التمسرح ثم إيجادها ثم تطويرها. وبالنسبة لجمهور مسرح عام المهمة صعبة، فهم مجموعة من الغرباء تلتقي لأول مرة وربما لآخر مرة في مكان كهذا، وقد جاءت لتتفرج على رواية ما. لا بد من إلغاء الرواية الجاهزة التي تعودوا عليها وإشعارهم أن الرواية تؤلف أمامهم وأنهم ممكنهم أن يتدخلوا في تأليفها ويغيروا ويبدلوا منها، لا بد من إلغاء التمثيل والتفرج والممثل والمتفرج، لا بد للجميع أن يخلعوا ذواتهم الخارجية وتخرج طبيعتهم الإنسانية المكنونة لتتجمع كلها، وتكون الذات الجماعية الواحدة التي ستستمتع بالتمسرح.
على هذا الأساس فهناك في النص عدد من الأدوار المكتوبة لمتفرجين، أي مفروض فيهم أنهم متفرجون جالسون في الصالة، ولكنهم سيتدخلون في أوقات معينة ويشتركون في الرواية، والحل الثاني كان أن يقوم بهذه الأدوار متفرجون حقيقيون قياما تلقائيا بلا كلام مكتوب أو توزيع أدوار، ولكنه حل للأسف ولألف اعتبار غير ممكن، ولهذا كتبت هذه الأدوار لممثلين يجلسون في أماكن متفرقة من الصالة ويقومون بأدوار «المتفرجين»، وهؤلاء المتفرجون يتدخلون بكلمات قليلة وتعليقات سريعة أول الأمر، ولكن في لحظة من اللحظات ، تلك التي يفشل عندها فرفور في إيجاد حل ويطلب من الحاضرين أن يشتركوا معه وأن يقترحوا عليه الحلول، في تلك اللحظة ينتقل الحدث المسرحي إلى الصالة، وتصبح هي خشبة مسرح كبيرة تضاء فيها الأنوار بينما تخفت الأضواء على الخشبة الحقيقية كي تستحيل إلى صالة ليس بها غير متفرجين، هما فرفور وسيده، ومن مكانه في هذه الصالة يتولى فرفور مهمة الاشتراك في المؤتمر الكبير الذي ينعقد لاقتراح الحلول ويعلق عليها أو يفندها أو يسخر منها بمثل ما يفعل أي متفرج طويل اللسان.
هذا ما أردته وبنيت النص عليه، ولكن المخرج مع احتفاظه بنفس كلمات النص فعل شيئا آخر، جمع هؤلاء «المتفرجين» في كورس، وآثر أن يجعلهم يصعدوا خشبة المسرح باقتراحاتهم وحلولهم التي آثر أيضا أن يقولوها كمجموعة.
ولقد عارضت في هذا باعتبار أنه يلغي ركنا مهما من أركان حالة التمسرح التي قصدت إليها، ولكن لأني أعتبر الإخراج المسرحي فنا يجب أن تتوفر له وجهة النظر الخاصة، تركت للمخرج حرية أن يطبق وجهة نظره تلك وأن يكون في نفس الوقت مسئولا عنها، وهو ما حدث. وصحيح أن الكورس كان بارعا في أدائه وملفتا للنظر، إلا أن نظرية التمسرح لا تزال باقية جديدة غير مطروقة في انتظار مخرج آخر يدركها ويحسها ويقدمها.
كذلك اقتضت عملية ضغط زمن الرواية اختصار أجزاء من حوار بعض المواقف، اختصارا تم في بعض الأحيان على حساب المعنى العام للرواية، بحيث أساء البعض فهم المضمون وافترضوا أشياء كثيرة حاسبوني عليها، والنص منها بريء، بحيث إني أطلب ممن حضر العرض المسرحي وخرج بمفهوم ما، أي مفهوم، أن يعيد قراءة هذا النص الكامل، فلربما غير من رأيه أو من مفهومه، خاصة وقد اتضح لي أثناء العرض ضرورة إجراء بعض التعديلات الطفيفة التي لا يمكن التنبؤ بها قبل رؤية العمل مجسدا ومعروضا وفي حضرة الجمهور. •••
بقيت كلمة تعتبر في رأيي جزءا لا ينفصل من هذه المسرحية، كلمة لا بد أن أقولها لأصدق مع نفسي ومع الحقيقة، وأنصف جنودا مجهولين، لولاهم ودون أدنى مبالغة لما كان هذا العمل، ولما كنت أنا نفسي. فلقد مرضت أثناء كتابة الفرافير، وبسببها، إلى درجة الموت، وليس فقط الإشراف عليه، حتى إنني كنت أترك كل ليلة لأخي كلمة أقول له فيها ما يجب أن يفعله بالمسرحية إذا مت، وأحيطه علما بالجزء الناقص منها وأحداثه وأسلوب كتابته، وأحدد له اسم الصديق الذي يتولى التنفيذ ويكمل الفرافير. وإذا كنت لا أزال أحيا والحمد لله، وإذا كانت الفرافير قد أنقذت هي الأخرى، فالفضل في هذا لزوجتي رفيقة العمر وزميلة ساعات الرعب، ولأخي أحمد إدريس، الذي ترك حياته كلها وتفرغ لي، وللصديق الكبير الذي طرد شبح الموت من حجرتي ليتربص له في حجرته ويغتاله في طرفة عين، المرحوم الدكتور أنور المفتي، الذي مات قبل أن يراها، إليهم أهدي، بتواضع وخجل من ضآلته، هذا العمل.
المحتويات
الفصل الأول
المكان:
أي مكان.
الزمان:
أي الزمان.
الفصل الثاني
المكان:
نفس المكان.
الزمان:
بعد مرور أي زمن على أحداث الفصل الأول أو حتى قبل حدوثه.
ملحوظة
ورغم هذا فالرواية ممكن أن تعرض عرضا مستمرا من بدايتها إلى نهايتها دون إسدال ستار وتقسيمها إلى أجزاء.
بعض ملحوظات عن تمثيل الرواية
(1) المسرح
هذه الرواية مكتوبة على أساس اشتراك الجمهور مع الممثلين في تقديم العمل المسرحي باعتبارهم وحدة واحدة، ولهذا فالجمهور هنا يعتبر جزءا من الممثلين، والممثلون يعتبرون جزءا من الجمهور. وإذا كان المسرح الإغريقي ومن ثم الأوروبي قد اصطلح على تسميته بالخدعة المتفق عليها، فمسرحنا في رأيي هو الخدعة التي لم يتفق عليها، الخدعة الكاملة المباشرة بلا أي محاولة لتخفيفها أو مواربتها.
المسرح الأمثل في نظري لتمثيل هذه الرواية ليس هو المسرح العادي، حيث الجمهور الذي يواجه الحائط الأول الذي تفرج عنه الستارة، ولكنه المسرح الدائري أو الحلقة التي تتكون نتيجة تجمع أي جماعة من الناس على شرط أن تزود بالإضاءة الكافية، ولا يحتاج الأمر إذن لأبواب دخول وخروج، فباستطاعة الممثل أن يخترق الصفوف في طريقه إلى الدائرة المسرحية في الوسط وهو داخل ثم وهو خارج.
ولكن، نظرا لأن توفر هذا النوع من المسارح التلقائية غير مضمون الحدوث، فيمكن تمثيل الرواية على المسرح العادي، بحيث تتخذ إجراءات ميكانيكية لإلغاء المسافة الكائنة بين خشبة المسرح وجمهور الصالة، وهي المسافة التي تخصص للأوركسترا في الغالب، إذ يمكن تغطيتها، ومد الغطاء إلى مسافة ما في مشاية الصالة الرئيسية بحيث تصبح الصفوف الأولى في متناول مقرعة فرفور، ومن ناحية أخرى ممكن وضع كراسي للمتفرجين العاديين فوق المسرح من الخلف بحيث لا يرى المتفرج ستائر خلف الممثلين وإنما يجد جمهورا أيضا يكون شبه الدائرة المفروضة. بالاختصار لا بد من اقتراب الجمهور من الممثلين واقتراب الممثلين من الجمهور إلى درجة تلغي المسافة النفسية الكائنة بين من يؤدي الدور ومن يشاهده. (2) عن التمثيل
بالنسبة لفرفور بالذات، فقد أفردت له نقطة خاصة. أما بالنسبة لبقية الشخصيات، فإني مع إيماني الشديد بالمواهب الضخمة التي يتمتع بها ممثلونا المسرحيون بمختلف مدارسهم، إلا أني شخصيا أميل إلى الطريقة التي لا تجعل الممثل يندمج اندماجا كاملا في الدور بحيث ينسى جمهوره تحت شعار «الانفعال الحقيقي الصادق»، ولست أيضا من أنصار أن يتحول الممثل إلى خطيب لا عمل له إلا هذا الجمهور. إني من أنصار مدرسة «عين في الجنة وعين في النار»، عين على الدور والموقف والانفعال، وعين على الجمهور؛ ذلك لأن هذه الرواية بالذات والمسرح المصري كما أراه عموما لا يعتمد على مخاطبة الشعور الفردي للكائن وسط الجماعة، ولكنه يعتمد على مخاطبة الشعور الكلي للجماعة المنبعث من بين أفرادها، ولمخاطبة هذا الشعور لا بد من «عين» حدسية وإحساسية للممثل تقيس مدى ودرجة حرارة التجاوب، بحيث بناء على الإشارات الواصلة إليها تتأنى أو تسرع أو تتوقف أو حتى تضيف كلمة ما إلى النص؛ ذلك لأني لا أؤمن أيضا بالدور المرسوم قبلها بالبرجل والمسطرة، لأني أؤمن بالدور الذي يرسم كل ليلة بمسطرة وبرجل مستمدين من جمهور الحاضرين الجدد ومشاعرهم. إن لشعبنا طريقته الخاصة في النظر إلى الأشياء، ومحاولة الممثل أن يرى المواقف، لا بعينيه وحده، ولكن بعيون كل الجمهور المحتشد لمشاهدته تغييرا كبيرا من طريقة التمثيل نفسها، فلا تصبح خطابية رصينة كمونولوجات جورج أبيض المشهورة أو هامسة متهافتة كتلك التي يسمونها الطريقة الحديثة في الإحساس والتمثيل، ولكنها تصبح همسا له وقع الخطب الرنانة، وخطبا رنانة تتلقفها الأذن وكأنها همس. (3) عن الأقنعة
أشار علي أحد الأصدقاء الذين أتيح لهم أن يقرءوا هذه المسرحية أن أوصي باستخدام الأقنعة في تمثيلها، باعتبار أنها أنماط وشخصيات قناعية. ولكني لا أحبذ استعمال الأقنعة هنا، فأنا شخصيا أكره التمثيل بالأقنعة، وشعبنا يكرهها تمثيلا أو حقيقة. وليس لدينا مانع أبدا أن يلعب الماكيير بوجه الممثل كما يشاء، ولكن فكرة القناع نفسها لا تعجبنا إلا في حلقات زورو، فلمسرحنا تقاليد عريقة ربما أعرق من الكورس والقناع وقواعد أرسطو. (4) عن شخصية فرفور
في تصوري للمثل الذي يقوم بدور فرفور قلت أن لا بد أن يكون خفيف الدم أصلا أو معروف عنه أن لسانه لذاع، وكثيرون من الممثلين قد يضايقهم النص على شيء كهذا، فالممثل الأصيل في رأيهم باستطاعته أن يقوم بأي دور يشترط أن يحسه إحساسا كاملا ويهضم الشخصية، ثم إن خفة الدم أو اللسان اللاذع في الحياة العادية قد تختفي تماما على المسرح، بينما الممثل الذي يبدو وقورا في حياته باستطاعته أن ينقلب إلى فرفور حقيقي على المسرح، وهذا كله قد يكون صحيحا إذا نظرنا إلى التمثيل باعتبار أنه فن التمثيل، ولكنني أحس دائما أني ضد هذا الرأي، فالكتابة أيضا فن، ولكن الكاتب لا يستطيع أن يكتب أي موضوع، ولا أن يجيد تصوير أي شخصية، فالكتابة فن وإيمان معا، وكذلك الموسيقى ليس باستطاعته أبدا أن يؤلف أي موسيقى، إنه دائما يختار المواضيع التي توافق حاسته الجمالية ويستطيع بها أن يعبر عن وجهة نظره. لهذا أنا لا أعتقد أن الممثل الموهوب هو الذي باستطاعته أن يمثل أي دور، إنه لا يكون موهوبا حينئذ، ولكنه على أحسن الفروض «صنايعي» أو «حرفي»؛ ذلك لأن التمثيل ليس مجرد فن وموهبة، إنه يحتوي أيضا على مثل وإيمان ورسالة. وقد يكون هذا الرأي مخطئا في كثير من الحالات أو مبالغا فيه، ولكني هنا في شخصية فرفور كما حلمت بها دائما أريد لها ممثلا من ذلك النوع، ممثل لا يمثل ولا يتصيد الانفعال ولا يدعي ما ليس فيه، ممثل بسليقته، فرفور حقيقي. والفرافير موجودون، ولكنهم قليلون، من بين كل ألف أو بضعة آلاف نجد فرفورا، في مدرستك الثانوية، في كليتك، في قريتك أو مصنعك أو مؤسستك، لا بد التقيت يوما بهذا الإنسان الذي لا يكف لسانه عن سلخ الأوضاع والآخرين والأصدقاء والأعداء ونفسه وكل شيء، الناس تضحك وتأخذه على أنه مجرد مضحك ودائما تنتظر تعليقه. ولكن هذا الفرفور نفسه، هل هو مجرد إنسان همه أن يضحك الآخرين؟! إنه قطعا يجد متعة في إضحاك الآخرين، ولكن لماذا هو وحده القادر على هذا؟ ألمجرد كونه سريع البديهة أو قادرا على اصطياد موضع النكتة أو السخرية؟ ولماذا يجد هو في هذا الحدث أو ذاك ما يستطيع أن يسخر منه ولا تجد أنت؟ لا بد أنه إذن إنسان غير عادي، ليس فوق البشر، ولكنه مختلف عن البشر، على الأقل في وجهة نظره. وأهم ما يميزه أنه مؤمن بوجهة النظر هذه أكثر حتى من إيمانه بنفسه؛ إذ كثيرا ما يستعملها للسخرية من نفسه. إنه إذن إنسان له وجهة نظر قد تضحك لفرط غرابتها، ولكن أثرها أبدا لا يزول إذ هي تهدم وتبني في أنفس الناس بينما هم مشغولون بالقهقهات.
إن الممثل اللائق لهذا الدور لا بد أيضا أن يكون ممثلا له وجهة نظر فرفورية أو قريبة منها، فالتمثيل زمان، زمان جدا، كان يعتمد أساسا على الفرافير، زمان قبل أن يعي الناس بحقيقة التمثيل وأن اسمه مسرح وحقيقة الممثلين، زمان حين كان الجمهور نفسه يدفع بفرافيره فقط إلى الحلبة ويلتهب سعادة وحماسة وضحكا لكل ما يقولون، فهم ليسوا ممثلين، إنهم مؤلفون أيضا وحكماء وساخرون ولهم وجهة نظر جديدة دائما وغريبة. كان لا يجرؤ على الوقوف وسط الجموع المحتشدة إلا فرفور حقيقي يتحدث ويضحك ويهرج بالسليقة، ولا يفعل، ولا يفعل، إذ هو في حياته أيضا فرفور، والناس تتداول أخباره وتعليقاته وحكاياته وكأنها نوادر جحا. أما والتمثيل قد أصبح «علما» يدرس في المعاهد، و«فنا» في كتب يستطيع من يشاء أن يطلع عليها وينجح في القبول، وأصبحت المسارح بتذاكر وديكورات وحجز وإخراج وتأليف، أما وقد اتخذ هذا الفن طابع العصر الصناعي وأدخلت عليه كافة التحسينات الميكانيكية من أضواء ومسرح دائري ومؤثرات صوتية، فالوضع أيضا قد شمل الممثلين وأصبحوا يستعملون كقطع الإكسسوار في أي دور وأي رواية؛ لأن الهدف نفسه من التمثيل والمسرح تغير، لم يعد رسالة ووظيفة اجتماعية، وإنما أصبح طريقا إلى الشهرة والمجد والمكانة.
ولقد قرأت كتبا كثيرة عن فن التمثيل، ورأيت الطرق التي تشبه التنويم المغناطيسي التي يلجأ إليها المخرجون حتى الكبار منهم مثل ستانلافسكي في تعليم الممثلين كيفية تقمص الأدوار، أي أدوار، وأي ممثلين، وأي روايات؛ لأن الفرقة كالمعهد قد أصبحت مصنعا لتخريج قطع غيار بالجملة.
إني واثق أني لو سألت أي ممثل عندنا إن كان باستطاعته أن يقوم بدور البطولة، أي بطولة، لأي مسرحية أو فيلم، لصرخ بملء صوته: أجل، حتى قبل أن يقرأ الدور أو يعرفه؛ لأنه الحاوي القادر على كل الألعاب. وهؤلاء في رأيي لا أكن لهم احتراما كثيرا، فالتمثيل فن كبير؛ لأنه فن الوصول رأسا إلى قلوب الناس وعقولهم، فن التغيير الكبير الذي يحدث للنفس حيث تدخل الرواية بوجهة نظر وتخرج بها مبددة مبعثرة لا تصر قبضة ملح. وأن يحدث هذا لا بد من ممثل، ليس فقط مؤمنا بدوره إلى درجة تقمصه تماما، بالعكس مؤمن بالدور إلى الحد الذي لا يتقمص فيه، إلى الحد الذي يصبح الدور المكتوب نفسه كالرداء الضيق على الممثل؛ لأنه هو الممثل، أكبر وأعظم منه لأنه هو الحقيقة، هو الشخصية الحقيقية، هو الذي يقول ما يقول، لا لأنه سيؤثر به على الناس، ولكن لأنه هو أولا وأساسا مؤمن بهذا الذي يقول أو يفعل. وحين أقول الإيمان لا أقصد ذلك النوع المحدود من الإيمان، أقصد به الإيمان المتفتح الواسع، إيمان الفنان أو بتعبير أدق وجهة نظره التي تشمل العالم كله ومستعدة أن تتحمل مسئوليته وتصفح عن خطاياه، إيمان الرسل العظام والأنبياء. (5) مؤهلات فرفور الأخرى
وفرفور ليس نبيا ولا رسولا، إنه فقط فرفور. ولكني أتصوره دائما خارقا للعادة، لا بقوته فقط وإنما بعينيه، عينيه الصغيرتين اللتين كلما لمع بريقهما أحسست أن حدثا يوشك أن يقع؛ لأن فرفور سيفتح فهمه ويتحدث. فرفور ذلك الجسد الضئيل أو النحيف المحشورة فيه طاقة نشاط هائلة، إني أريده في كل مكان على المسرح، بحيث لا تستطيع أن تضبط انتقالاته، وحبذا لو استطاع أن يقفز في الهواء أن يصنع «السومر سولت» حتى يبدو جسده في نفس اشتعال عقله، وتبدو حركته لاذعة مباشرة هي الأخرى كلسانه، أريد أن أحس فيه بشيء غير آدمي ينتمي إلى الجن مثلا والعفاريت، أريد أن يحس الجمهور أنه فعلا ليس ممثلا ذا قدرات خارقة، أريده أن ينفض عن ذهنه كل أمجاد هاملت وعطيل وقيصر وأخلاقياتهم الشاعرية وشجاعتهم التي يجيدون الحديث عنها وأفكارهم التي تأتي مرتبة، وكأنما ينطقها محلل نفسي حكيم؛ لأني أريده بطلا يبهر بشخصيته ووجوده لا أن يفترض الناس مقدما بطولته، أريده أن ينتزع إحساس الناس بأنه غير عادي رغما عنهم، أريده أن يبهرهم وهو يضحكهم ثم يضحك عليهم حين يبهرون، أريد أن يحس أن جمهور المسرح الحاشد أمامه أناس جاءوا متفرقين متعبين متسخي القلوب والأرواح، وأنه وحده الذي سيتمكن من أن يقوم بغسل أرواحهم جميعا: بذراعيه، بلسانه، بجسده، بالطاقة الهائلة المشعة منه يلوك أرواحهم ويعصرها، ويعود يلوكها ويعصرها دون أن يحسوا لحظة واحدة أن شيئا غير عادي يحدث، ودون أن يبدو على فرفور أيضا أنه يقوم بشيء غير عادي. أريد ليس فقط أن يقول ما كتب له من حوار، ولكنه يكون على استعداد لأن يكبح جماح متفرج طويل اللسان، ذا بديهة حاضرة، بحيث يستطيع أن يروض الأنفس الهائجة حتى يدركها السلام. أريده ذا صوت خاص، ليس كالريحاني أو إسماعيل يس أو فؤاد المهندس، لا، صوت طيع، باستطاعته أن يهمس بوضوح، وأن يصرخ أيضا دون أن يفقد وضوحه، أريد للسخرية أن تخرج لا من فمه ولكن من صدره، من قلبه، من أعماقه فعلا لا تشبيها؛ لأنه لن يكون المعبر عن نفسه وحدها، ولكن عما هو أعمق من نفسه، عن نفوس الجماهير المحتشدة لتراه، أريده أن ينطق فيحسون جميعا أنه ليس صوته ولكن صوتهم هم، لا لأنه جميل، ولكن لأنهم يتعرفون فيه على ملامحهم وخصالهم، على صبرهم الطويل الذي لا مبرر له، على سخطهم على طريقتهم في إبداء السخط، طويلا ممدودا بلا ليونة، عريضا أجش حين يشاءون، لاذعا كالكرابيج في اللحظة التي يحبون فيها أن يسمعوا الطرقعات، صوت وكأنما يسمع الدنيا كلها صوته، يخاطب به الأعماق الدفينة للناس، وليس رغباتهم واندفاعاتهم السطحية الشكلية التافهة، صوت ينبع منها كبئر البترول المحفورة لعمق، ويرتد إليها.
باختصار أريده مزيجا من البطل الأرضي السماوي الجني الآدمي، حتى يصبح لكلامه فاعلية لا يستطيعها أي كلام آخر، وحتى يتقبل الناس هذا الكلام كما لا يتقبلون أي كلام آخر.
ترى هل أستطيع أن أجد الفرفور الذي يحقق هذه الصورة؟
كثيرا ما كنت أترك المواقف وأسرح وأسائل نفسي: ترى كيف يعيش الفرفور في حياته العادية؟ ما رأي زوجته فيه أو أصدقائه؟ وما رأيه فيهم؟ وأفعل هذا لإدراكي أن شخصا كفرفور لا يمكن أن يحبه القريبون منه، فنحن نعجب بالخارق للعادة، ولكن لا نحبه إذ نحن لا نحب إلا ما تعودنا حبه، أما فرفور فممكن أن نحيطه بهالة، ونحن به، ولكنا دائما وأبدا سنخافه ونخاف أن نقترب أكثر من اللازم منه. أما من ناحيته فهو أيضا لا يحبنا هذا الحب البسيط المباشر، إذ هو لا يحبنا بطريقتنا في الحب، ولكن بطريقته هو، وطريقته معقدة مركبة عسيرة الفهم، فهو لا يحبنا كما نحن، ولكن يحب لنا أن نكون على صورة أمثل ويضيق بعجزنا عن تحقيق هذه الصورة، ويشفق ويغضب ويزدري ويسخر ويشتم، ومن مجموع هذا كله تتكون عاطفته ناحيتنا، أقصد حبه لنا، وبنفس هذه الطريقة المركبة يبدي لنا هذا الحب، ويشتم ويغضب ويسخر، ولا ندرك نحن أبدا أنه يقول لنا بهذا كله أنه يحبنا.
الأدوار
المؤلف كبيرا
فرفور
السيد
المؤلف صغيرا
المتفرجة (زوجة السيد)
صاحبة الدور
زوجة فرفور
متفرج (طالب موته في الجزء الأول، ثم الميت في الجزء الثاني)
الأرملة
متفرجون ومتفرجات
متفرج رقم 1
متفرج 2
متفرج 3
متفرج 4
متفرج 5
متفرج 6
متفرج صبي
متفرجة
عامل الستار
فتوات
مشيعون
فرقة موسيقية
الجزء الأول
(المسرح فارغ تماما، وليس فيه إلا منصة خطابة عليها ميكروفونات ودورق ماء وكوب، وخلف المنصة يقف سيد أنيق جدا تبدو عليه سيماء الثقافة، طويل، على عينيه نظارة تكسبه مهابة، ويرتدي «جاكت» سموكنج بالقميص الخاص والبابيون، حين تبدأ الرواية أو ترتفع الستار يتنحنح فوق ظهر يده ثم يقول):
المؤلف :
سيداتي سادتي، مساء الخير وما تخافوش، أنا مش خطيب ولا حاجة، أنا مؤلف الرواية، واحنا كان ممكن نبتديها على طول ويقعد كل واحد فيكم يتفرج عليها في الضلمة لواحده كأنه في سينما، إنما احنا مش في سينما، إحنا في مسرح، والمسرح احتفال، اجتماع كبير، مهرجان، ناس كتير، ناس، بني آدمين سابوا المشاكل برة وجايين يعيشوا ساعتين تلاتة مع بعض، عيلة إنسانية كبيرة اتقابلت وبتحتفل أولا إنها اتقابلت وثانيا إنها حتقوم في الاحتفال ده بمسرحة وفلسفة ومسخرة نفسيها بكل صراحة ووقاحة وانطلاق. عشان كده مفيش في روايتي ممثلين ولا متفرجين، إنتم تمثلوا شوية والممثلين يتفرجوا شوية، وليه لأ، اللي يعرف يتفرج لازم يعرف يمثل، إنتو ما بتعرفوش تمثلوا؟ بقى دا كلام، ده انتو طول النهار نازلين تمثيل. طيب مين النهاردة ما مثلش على رئيسه علشان ياخد أجازة؟ مين ما ألفشي رواية عشان ياخد سلفة؟ مين ما قامتشي بدور السعيدة ع الآخر قدام جوزها لما جت أمه تزورهم؟ أنهي ممثلة محترفة تقدر تطلع التنهيدة اللي بتطلعها الست فيكم لما تشوف الفستان في الفترينة؟ ده انتو حتى جايين هنا تمثلو دور المتفرجين، وليه ده كله، إحنا قررنا الليلة دي الإفراج عن مواهبكم المكبوتة، وبدال ما سيادتك تمثل دور المتفرج الوقور اللي بيمسح بقه بعد كل ضحكة عشان ما تبنشي قدام حد، عشان إيه ؟ ما تكسفوش من بعض، إحنا كلنا بني آدمين زي بعض، إخوات، خايفين أوي من بعض ليه، متخشبين ليه، بعاد عن بعض أوي كده ليه؟ كتفك في كتف التاني وبينك وبينه ألف كيلو بتاع إيه؟ بص له يا أخي، قول له مساء الخير، اعزم عليه بسيجارة، ده بيتكلم عربي زيك ومالوش ناب والله.
كرم مطاوع مخرج المسرحية يمثل دور «المؤلف».
أنا كمان حالغي المسافة اللي دايما بتبقى بين المؤلف والجمهور وتخوفهم من بعض، اسمحوا لي أقرب منكم، (يغادر المنصة مقتربا من مقدمة المسرح، فيكتشف المتفرجون أنه رغم أناقة نصفه الأعلى يرتدي «شورت» قصيرا جدا يكشف عن ساقيه الطويلتين الرفيعتين، وحذائه الذي يرتديه بلا جورب، وحين يعم الضحك في الصالة لمنظره)
مع تقديري لشعوركم النبيل ده وفرحتكم بأني قربت منكم، أنا مش شايف أي مناسبة للضحك ده، الرواية لسه ما بدأتش (ضحك) ، الله، عمركم ما شفتوا مؤلف من قريب أبدا (ضحك) ، يا اخوانا، يا حضرات، من فضلكم، أنا كل قصدي أننا نلغي المسافات اللي بينا ونرفع الستاير اللي بين كل واحد والتاني ونعيش ساعة يا اخوانا، ساعتين، تلاتة، للصبح إذا حبينا، نمثل على بعض ونألف مع بعض ونتفرج لبعض. (تدق الموسيقى - مزمار بلدي أو موسيقى نحاسية - إشارة الدخول لممثل، فيشير المؤلف ناحيتها بيده.)
استنى عندك يا فرفور محدش يخش دلوقتي، أنا لسه ما خلصتش كلامي، (ثم يعود لمخاطبة الجمهور)
يا إخواني أنا عايز أقدم لكم الليلة أكبر وأعظم وأروع وأهم وأمتن ... (تدق الموسيقى مرة أخرى معلنة إشارة الدخول، فيلتفت المؤلف ناحية باب الدخول في غضب هازا ساقه الرفيعة العارية بطريقة عصبية، ويظل ساكتا برهة يؤنب بغضبه، ثم ما يكاد يلتفت ويفتح فمه ليخاطب الجمهور حتى تدق الموسيقى فيستدير بسرعة إلى الباب ثم يقول في يأس) : خلاص، بلاش شغل، دوروا لكم على مؤلف.
وديني مانا مألف، إنتو بتغيظوني، طب وديني مانا مألف.
أصوات (من الداخل) :
طب خلاص، خلاص، حرمنا، بالله بقا ألف.
المؤلف :
يا إخواني أنا عايز أقدم لكم الليلة أكبر وأعظم وأمتن فرفور ظهر على وجه الأرض، بس قبل ما أقدمه لازم ندور على سيده. (تدق الموسيقى إشارة الدخول، ولكن المؤلف يستمر مصرا على إلقاء كلماته، بينما يدخل فرفور في ضجة وزيطة وزمبليطة يرتدي بدلة قديمة جدا ذات شكل خاص: هي مزيج من رداء البهلوانات والأراجوزات والمهرجين في السيرك، وهو أسمر البشرة أو مائل إلى السمرة، ووجهه مطلي بالدقيق أو بالبودرة البيضاء (أو يرتدي قناعا خاصا بفرفور) وعلى رأسه طربوش قديم أو طرطور على هيئة طربوش، ولا بد لمن يقوم بهذا الدور أن يكون في حياته الخاصة نفسها ذا قدرة على السخرية والإضحاك، يدخل كزوبعة يدور في دائرة المسرح ويحدث هرجا ومرجا بين الصفوف الأولى ليجبرها على التراجع وتوسيع الدائرة مستعينا بمقرعته، وهي قطعة من كرتون أو خشب رقيق مشقوقة بحيث يحدث الخبط بها صوتا ولكنه لا يحدث ألما، يضرب بها بعض متفرجي الصفوف الأولى، ويجد المؤلف لا يزال واقفا يردد كلماته عن أعظم وأروع وأضخم، إلخ إلخ، فيخبطه على رأسه.)
المؤلف :
الله (ملتفتا بحدة)
انت دخلت ازاي يا ولد يا فرفور قبل ما أخلص، مين قال لك تدخل، زي ما دخلت أخرج، ياللا.
فرفور :
لا يا حدق، دا انت اللي تخرج.
المؤلف :
أنا؟
فرفور :
أمال أنا؟ إنت مؤلف تألف برة هناك، إنما أنا فرفور هنا.
المؤلف :
طب مش لما أقدم سيدك الأول للجمهور.
فرفور :
مالكش دعوة أقدمه أنا.
المؤلف :
طب أقدمك انت على الأقل.
فرفور :
يا أخي انت عارف تقدم نفسك لما حتقدمني، ودا إيه ده ياخويا، (ناظرا إلى المؤلف من أعلى إلى أسفل)
دا ماله عامل في روحه كده.
المؤلف :
إيه مش عاجبك فيه إيه؟
فرفور :
بنطلونك يعني، هو بنطلون برضه والله أنا مش شايف؟
المؤلف :
ماله بنطلوني، ماله، بنطلون مؤلف.
فرفور :
والمؤلف يعمل كده؟
المؤلف :
لازم، أمال يبقى مؤلف ازاي؟ مش لازم يألف كل حاجة، أنا ألفت لنفسي اللبس ده ... لبس أوريجينال، فيها إيه؟
فرفور :
لا دا هايل أوي، بس لو تقصره كمان شوية وتعمل له كده فصل م الجنب وكلمتين مقدمة ومفيش مانع مؤخرة كمان يبقى هايل أوي.
المؤلف :
يا ناس يا عالم يا هوه، كمان داخل في غير وقتك وجاي تعطلني، اوعى أما نشوف المهبب سيدك ده راح فين، ده كان في إيدي دلوقتي، (يبحث في جيوبه، ينحني ويبحث تحت أحد الكراسي، ثم يلتفت لفرفور قائلا بحدة)
يا أخي خلي في عينك نظر ودور معايا.
فرفور :
أنا مالي يا عم، هاتلي سيد أشتغل، مفيش سيد، حاشتغل عليك؟
المؤلف :
أصله شكله تاه عن بالي يا فرفور، وانت عارف أنا بانسى كتير، يكونش ده؟ (يقول هذا وقد اختار واحدا من الجالسين في الصفوف الأولى يوقفه ويدخله إلى دائرة المسرح)
هو دا يا فرفور مش كده؟
فرفور :
دا هه، (ينظر إليه باشمئناط ويدور حوله ويرفع جاكتته ويدق على صدره بإصبعه وكأنه يدق ويمتحن لوحا من الخشب، فيرن صدر الرجل وكأنه من الخشب)
إيه ياخويا ده، دا ماله كده! (ويدق على ظهره فيصدر نفس الرنين)
دا باينه جاي م التخشيبة لطع (يضع يده في جيب الرجل ويفتشها فيخرج بها ممسكا بنصف رغيف بلدي ناشف)
الله الله (ويضع يده في الجيب الآخر فيخرج بربع رغيف فينو جاف أيضا، ويمد يده في جيوب بنطلونه وبين طيات سترته ويفتشه كله حتى يخرج كل ما معه من قطع خبز من مختلف الأنواع والأشكال)
انت بتشتغل إيه يا عم؟ اوعى تكون مفتش تموين؟ (يأكل قطعة خبز ولا يلبث أن يبصقها بعيدا)
أقطع دراعي إن العيش ده متاكل قبل كده، وماله؟ خايف كده ليه؟ (الرجل ينظر إليه برعب متزايد، فرفور يضرب الرجل بالمقرعة على جنبه الأيسر فينثني الرجل إلى اليسار، فيضربه فرفور على الجانب الآخر فينثني الرجل إلى الناحية اليمنى)
دا انت سيد ملعب أوي يا وله، (ويضربه من أمام ومن خلف وعلى كل جانب والرجل يتثنى كاللولب)
دا ولا المعجون بمية سيداسيد، إنت يا ...
المؤلف :
أنا مش فاضيلك يا فرفور، أنا مستعجل أوي وعندي شغل ومواعيد.
فرفور :
شغل ولا مش شغل أنا مالي هو أنا اللي ضيعته.
المؤلف :
يا فرفور يا أخي عندي حلقات في الإذاعة لسه والله ما كتبتها، أنا مش فاضي، دور انت عليه.
فرفور :
أدور أنا؟ أنا مالي، أنا قاعد هنا مطرحي حاطط رجل على رجل لغاية ما تجيب لي سيد (يجلس على الهواء وكأنه جالس على كرسي ويضع ساقا فوق ساق) .
المؤلف (ينتقي أحد المتفرجين) :
إيه رأيك في ده، اوعى بقى تقول عليه تلت التلاتة.
فرفور :
يا جدع انت أنا عايز سيد، سيد يعني سيد، سيد كده يملى مخ الواحد ويحب يتفرفرله، حاجة فخمة كده زي حسين رياض لابس روب ومتعنطز ومتأشيك، إنما دا إيه ده هو ماله طويل كده ليه، استنى كده استنى (يجري ناحيته ويرفع يده اليمنى إلى الأمان واليسرى إلى الخلف)
اتبنى بقول أنا شفت الشبه ده فين، صدق الخالق الناطق إيريال التليفزيون.
المؤلف :
بس، لقيته، أهه يا فرفور (يشير إلى السيد وهو يغط في النوم على مقعده) .
فرفور :
وماله كده؟
المؤلف :
نام مني أعمل إيه، ما انت قاعد ترغي، وبقينا أربعة ونص ولسة ما كتبتهاش.
فرفور :
أنا يا استلمه صاحي يا ماليش دعوة.
المؤلف :
أرجوك يا فرفور، أصل الحلقة حتتذاع الساعة تسعة، أنا مستعجل، لو استنيت دقيقة واحدة حتطير، أهه عندك أهه، صحيه واشتغلوا، واوعى يا فرفور، أستأذن أنا بقى.
فرفور :
استنى هنا، طب آدي سيدي وعرفناه، فين ستي؟
المؤلف :
آه ستك، حقه دي.
فرفور :
اوعى تكون نسيتها رخرة لحسن وربنا المعبود ما أخبط في الرواية ولا خبطة، كله إلا ستي دي، ده أنا بافتش عليها م الرواية اللي فاتت تضيعها لي كده أونطة.
المؤلف :
ما ضاعتش ولا حاجة، ده بس أصلي نسيتها.
فرفور :
ما اشتغلش إلا لما تيجي.
المؤلف :
وشرفي يا فرفور حابعتها لك في تاكسي على طول.
فرفور :
شرفك، تاكسي، تاكسي شرفك.
المؤلف :
وشرفي يا فرفور.
فرفور :
إنت حر، حاكم شرف المؤلف زي كبريت اليومين دول، تشطه عشر مرات والآخر ما يولعش ... انت حر.
المؤلف :
عن إذنك بقى.
فرفور :
مع السلامة بس اوعى عسكري يشوفك كده ولا كده لحسن يقتبسك على طول.
المؤلف :
فرفور، الرواية.
فرفور :
ما تخافش، إنت ابعت لي الست بس وأنا ليك علي اعمل اللي ما لا يعمل.
المؤلف :
فرفور، الرواية، أنا عايزها تفرقع.
فرفور :
الفرقعة علي أنا. دا أقلها واحد حيطلع بطريته إنشا الله.
المؤلف :
سمعتني يا فرفور، الجمهور، النقاد، المجد، المشهد السابع في الفصل العاشر ده يا ح يرفعني السما.
فرفور :
يا حيجيبك الأرض بإذن الله. م الجهة دي اطمئن أوي حترسى ع الأرض إنشا الله.
المؤلف :
فرفور، أنا.
فرفور :
ما تخرج بقى (يجري ناحيته منتويا ضربه) .
المؤلف (من الخارج) :
فرفور المشهد.
فرفور :
السابع من الفصل العاشر، فرقعة، جمهور، طربنة، نقاد، إذاعة، مجد، حلقات، (ثم يغير لهجته)
سميط طازة لسه سخن، (ثم ملتفتا إلى الجمهور)
مؤلف قال، هو حد بيألف حاجة، يا عم خليها على الله، (يتجه إلى السيد)
يا عم ما تصحى بقى أهو المؤلف مشي والقعدة حتحلو بقى، قوم. (يعدل رأسه ويتركها تسقط على صدره مرة أخرى، يشخر)
هو من أولها كده شخير، يا عم اصحى، الله، حدش معاه شاكوش، ما تقوم بقى، دهدي (ويضربه بالمقرعة على رأسه) .
السيد (مفزوعا) :
هب هي هم أخ إيه مين فين، إحنا فين.
فرفور :
حد عارف احنا فين (ينظر إلى الجمهور)
ألا احنا فين صحيح.
السيد :
هو انت.
فرفور :
أمال يعني كريستين كيللر.
السيد :
الله يجازيك، ده انت قطعت علي حتة حلم.
فرفور :
حلم إيه بقى إنشا الله؟
السيد (في لهجة حالمة) :
كنت بحلم خير اللهم اجعله خير.
فرفور :
أيوه كنت بتحلم بإيه، لازم كنت بتحلم إنك نايم؟
السيد (بنفس اللهجة) :
لا لا لا، كنت بحلم إني بحلم.
فرفور :
وكنت بتحلم إنك بتحلم بإيه؟
السيد :
كنت بحلم إني بحلم بإني بحلم.
فرفور :
وفي المرة الأخيرة أوي دي، بحلم الأخيرة دي، كنت بتحلم بإيه؟
السيد :
إني بحلم.
فرفور (وقد نفد صبره) :
وكنت بتحلم إنك بتحلم إنك بتحلم بإيه؟
السيد :
كنت بحلم إني بحلم إني بحلم إني بحلم إني بحلم.
فرفور :
أما حتة حلم، لا ، إنشا الله خير، تعرف تفسيره إيه ده يا سيد؟
السيد :
تفسيره إيه.
فرفور :
إنك لسه نايم وإنك مش حتصحى إلا أما واحد زيي كده يصحى على نفسه إنه نفسه إن نفسه كده يديلك حتة دين علقة (وينهال عليه ضربا والسيد يحتج)
أصل الحق مش عليك، الحق على المؤلف أبو ركب اللي عملك سيد وسابك تحلم وأنا البراغيت بره هرت جتتي.
السيد :
بس يا وله يا عيب، إنت مين انت عشان تضربني؟
فرفور :
أنا خدامك فرفور.
السيد :
تقوم تضربني؟!
فرفور :
وفيها إيه، ديمقراطية، وحشة دي؟
السيد :
وتصحيني ليه يا وله؟
فرفور :
الله، عشان نشتغل الفصل الأول.
السيد :
ح نشتغل ازاي؟
فرفور :
إنت سيدي وأنا فرفور، وأنا فرفور وانت سيدي.
السيد :
أنا سيدك؟
فرفور :
أيوه.
السيد :
وفيه سيد حاف كده يا ولد، فين القصر فين الخدم والحشم، فين الجناين فين الخيل فين السنايير فين جناح الحريم فين الأبهة والعظمة فين.
فرفور :
أهه (مشيرا إلى نفسه) ، أنا أبهتك وعظمتك وكله.
السيد :
إنت؟ جربوع زيك؟
فرفور :
لأ، ما هو اعمل حسابك، الرواية لسه ما ابتدتش وأنا ما اندمجتش لسه، لما أندمج وأبقى فرفور ابقى اشتم زي ما انت عايز.
السيد :
طب اندمج لي حالا عشان أوريك، اندمجت؟
فرفور :
لسه شوية.
السيد :
خلاص.
فرفور :
خلاص.
السيد (متفجرا) :
بقى يا فرفور الكلب. (يفاجأ بضربة مقرعة حادة على رأسه فينتابه الذعر)
الله، جرى إيه يا وله؟
فرفور :
معلش حصل خير، أصلي كنت لسه ما اندمجتش أوي.
السيد :
ودلوقتي؟
فرفور :
لأ، خلاص، اتوكل على الله.
السيد :
ما هو اعمل حسابك، أنا المرة اللي فاتت اتخضيت وأنا جسمي مش خالص، اندمجت كويس؟
فرفور :
الله، ما تتوكل على الله أمال.
السيد :
ألسطة.
فرفور :
أوي أوي أوي.
السيد :
إنت فرفور وأنا سيده؟
فرفور :
تمام تمام، إنت فرفور وأنا سيده، أنا فرفور وانت سيده، أنا سيده وانت فرفور، وانت فرفور سيده، كله تمام.
السيد :
طيب ماعكش سيجارة على كده يا وله يا فرفور، أصلي خرمان م الصبح؟
فرفور :
وإيه اللي مانعك إنك تشرب ما دام خرمان؟
السيد :
وإيه بقى يا حدق اللي بيمنع الناس تشرب سجاير لما تكون خرمانة؟
فرفور :
لازم الكحة.
السيد :
أيوه الكحة، ما معكش سيجارة بقى؟
فرفور :
معايا.
السيد :
طب هات سيجارة.
فرفور :
طب هات وأنا أجيبها.
السيد :
تجيبها منين؟
فرفور :
م الدكان.
السيد :
ما انت بتقول معاك.
فرفور :
ما هي معايا في الدكان، بس عايز لها بريزة والله حاجة أجيبها.
السيد :
واللي ما معاهشي فلوس يعمل إيه؟
فرفور :
بقى الليلادي كمان مفيش فلوس، 500 رواية أعملهم معاك كده مفيش مرة تغلط وتعمل سيد بحق وحقيق وتطلع قرش من جيبك تقول خد يا واد يا فرفور روح اتبشرق به. أسياد إيه دول مش عارف.
السيد :
والله ما معايا يا فرفور.
فرفور :
طب طلع لسانك كده.
السيد :
أهه (يخرج لسانه) .
فرفور :
أهو إن كنت كدبت مش حيخش تاني. (يحاول السيد أن يدخل لسانه في فمه مرة أخرى فلا يستطيع، يشير لفرفور وللسانه فيتخلى فرفور عن الموقف تماما.)
فرفور :
أنا مالي، إنت اللي جيبته لروحك، بتكدب ليه. (السيد وقد انتابته نوبة عصبية ويبذل جهدا خارقا لإدخال لسانه ويشير لفرفور.)
فرفور :
أنا مالي يا عم، دي حاجة بينك وبين لسانك ماليش دعوة بيها. (السيد وقد احمر وجهه وازداد احتقانا يكاد يختنق، ويشير لفرفور باستعطاف.)
فرفور :
تحرم؟ (السيد يشير برأسه علامة الموافقة.)
فرفور :
معاك فلوس؟ (السيد يشير برأسه علامة الموافقة.)
فرفور :
كام؟ (السيد يشير لرقم 3 بأصابعه.)
فرفور :
3 جنيه. (السيد يرفض برأسه.)
فرفور :
3 صاغ. (السيد يرفض.)
فرفور :
3 مليم. (السيد يرفض.)
فرفور :
أمال تلاتة إيه بس؟ (السيد يؤكد أنهم ثلاثة بغيظ وغضب واستعطاف.)
فرفور :
ندخلله بقى لسانه نشوفهم تلاتة إيه. خلاص دخل لسانك. (السيد يدخل لسانه ويتحسس وجهه ورأسه ورقبته ويتنفس الصعداء.)
فرفور :
تلاتة إيه بقى؟
السيد :
تلاتة تعريفة.
فرفور :
الله يغمك سيد.
السيد :
ماعكشي سيجارة بقى؟
فرفور :
لأ، سيجارة إيه، اتوزن بقى واتعدل واندمج خلينا نبتدي لحسن يطب علينا المؤلف يلاقينا قاعدين نهنكر كده نروح في داهية.
السيد :
أنا سيد مش كده؟
فرفور :
أيوه افلقنا بقى.
السيد :
طب سيد وعرفناها، إنما أنا، أنا اسمي إيه؟
فرفور :
وأنا إيش عرفني ما تسأل اللي ألفك.
السيد :
أنا ما أعرفش إلا انت، أنا اسمي إيه؟
فرفور :
إنت اسمك سيد وخلاص.
السيد :
لا، لا، لا، هو ده معقول؟ هو فيه سيد من غير اسم؟ اسمع يا وله يا فرفور، سميني يا وله.
فرفور :
اسم النبي حارسك، عايزني أسميك؟
السيد :
أيوه، شوف لي اسم كده يليق بواحد سيد زيي.
فرفور :
ده مش شغلي ده، أنا علي أستلمك متسمي جاهز.
السيد :
يا وله أنا بأمرك تلقالي اسم محترم.
فرفور :
خلاص، نسميك الجحش.
السيد :
إيه قلة الأدب دي يا وله، ده اسم دا يا ولد؟
فرفور :
وأنا جايبه من عندي، ما هو كل أسامي الناس المحترمة كده، وكلهم مش ح يعجبوك.
السيد :
مين قال لك أنهم مش حيعجبوني؟
فرفور :
خلاص نسميك الفار.
السيد :
يا وله.
فرفور :
بلاش ما تزعلش، القط، إيه رأيك، طب الحيوان.
السيد :
يا ولد.
فرفور :
إنت فاكرني بألف، والله الأسامي عندنا كده، العبيط، المغفل، أي والله صاحب البيت بتاعنا اسمه الأستاذ حامد المغفل، كله كده، عيلة الجمل، الناقة، أبو خروف، أبو معزة، غراب، عيلة الأقرع، الأعمى الأعور الأخنف، وتروح بعيد ليه، الأطرش، أبو قفة، أبو طشت، أبو منشة، قصير الديل، أبو فروة، أبو قتب، أبو حشيش. تسمعشي على ممدوح بك اللي كاتب في الكرت بتاعه ممدوح حسن، تعرف بقيت اسمه إيه، ممدوح حسن الحرامي، نقبه كده.
السيد :
ما فيه يا ولا أسامي كويسة؟
فرفور :
زي إيه قول لي.
السيد :
أباظة مثلا.
فرفور :
وتبقى تخين كده وبنظارات وتمشي على دفع، لا يا عم.
السيد :
دوس مثلا، دوس.
فرفور :
وتبقى من أسيوط، لا يا عم.
السيد :
وفودة يا وله.
فرفور :
لا، لا، لا، فودة ولهيطة وعاشور وشعير وأبو سمرة، كلها أسامي ما تنفعكش، خليك كده سيد محترم من غير اسم أحسن.
السيد :
طب الاسم وقلنا بلاش، والشغل؟
فرفور :
ماله؟
السيد :
أنا باشتغل إيه يا فرفور؟
فرفور :
بتشتغل سيدي، عايز أكتر من كده إيه؟!
السيد :
لا، لا، ما دام سيد لازم يكون لي شغلة، اسمع يا وله يا فرفور يا وله، نقيلي شغلة محترمة أوي، حاجة كده مودرن خالص
Up to date .
فرفور :
تشتغل رأسمالية وطنية؟
السيد :
مفيش حاجة أحسن؟
فرفور :
فيه، تشتغل مثقف؟
السيد :
وبيعملوا إيه المثقفين دول عندكم؟
فرفور :
ما بيعملوش حاجة.
السيد :
إزاي ما بيعملوش حاجة؟
فرفور :
أهو دا سؤال يدل على إنك مش مثقف.
السيد :
طب وغيره فيه إيه كمان؟
فرفور :
تشتغل فنان؟
السيد :
فنان إيه! أعمل إيه؟
فرفور :
فنان من غير فن.
السيد :
وهو فيه في الدنيا فنان من غير فن؟
فرفور :
يوهوه، عندنا منهم كتير، دول بيسبحوا ع الواحد (يمد يده داخل ملابسه ويخرجها مقبوضة)
تاخد لك كبشة، طب إيه رأيك تشتغل مطرب؟
السيد :
أعمل إيه يعني؟
فرفور :
تقعد لك ييجي تلاتين أربعين سنة تقول آه.
السيد :
آه بس حاف كده؟
فرفور :
لا، لا، لا، آهات طرب، يعني مرة آه مفتوحة آها ها ها، ومرة مضمونة أو هو هو هو، ومرة مكسورة إيهيه هيهه.
السيد (باشمئزاز) :
وانت ترضى سيدك يعمل كده برضه؟
فرفور :
طب إيه رأيك تألف أغاني؟
السيد :
ودي ازاي دي؟
فرفور :
دي بسيطة أوي، شوف يا سيدي، تروح عند العطار تملا جيب من جيوبك عين الحسود والجيب التاني قول العزال والتالت سهر الليل والرابع جرح الطبيب والخامس السح الدح أمبو، وإن ما لقيتش زي بعضه طبيب من غير جرح، وفي جيبك الصغير شوية رمش عين، وكيلو بحاله سمار، وشوية بياض.
السيد :
وأعمل إيه بده كله؟
فرفور :
تسرح بيهم ع المطربين تنقي تشكيلة لده وده قرطاس وربك يصلح الحال.
السيد :
أعوذ بالله، يا جدع شوف لي شغلة محترمة بقولك.
فرفور :
أقول لك، اشتغل مؤلف زي الراجل بتاعنا كده.
السيد :
يا فرفور!
فرفور :
ما تزعلش، اشتغل محامي.
السيد :
وأعمل إيه يعني؟
فرفور :
تتحامى في عدالة المحكمة أنها تحكملك.
السيد :
وإذا ما حكمتش؟
فرفور :
بيقى كسبنا مقدم الأتعاب.
السيد :
لأ، أنا أفضل أشتغل وكيل نيابة.
فرفور :
الراجل اللي بيعادي الناس ده لله في لله، لا يا عم، اشتغل قاضي أحسن.
السيد :
أعمل إيه يعني يا فرفور؟
فرفور :
تفضل تدرس في القضايا كويس أوي وتجهز لها الحيثيات وبعدين تيجي في المحكمة تأجلها، مش عاجبك، خلاص، اشتغل دكتور.
السيد :
لا يا عم أنا ما بعرفش في الطب.
فرفور :
ويعني هم اللي بيعرفوا.
السيد :
يابني أنا في عرضك.
فرفور :
خلاص اشتغل محاسب. توفر ع الناس الزيادة اللي بتاخدها الضرايب وتاخدها انت.
السيد :
يابني.
فرفور :
بس، لقيتها لك، أما حتة شغلة بقى، اشتغل لعيب كورة.
السيد :
دي عايزة مؤهلات.
فرفور :
مؤهلات إيه يا عم اجري العب في الحارة.
السيد :
حارة إيه يا جدع، إحنا حنلبخ.
فرفور :
ما هي دي المؤهلات والله، تطوح الكتب والكراريس وتروح تلعب لك في الحارة سنتين تلاتة لغاية لما تبقى ستاشر سبعتاشر، شبل يعني، تبص تلاقيهم اكتشفوك وبقيت نجم، كابتن لطيف يبص لك ويقول أما حتة ولد، برافو يا سيدو، المدرجات كلها بتنبح صوتها سيدو، سيدو.
السيد :
لا، لا، دا الكورة دي لعب عيال.
فرفور :
طب وماله ما احنا كلنا عيال، بس فيه عيال كبار وعيال صغار.
السيد :
يعني كل الناس دول عيال؟
فرفور :
عيال كبار وحياتك، قصدي كبار عيال.
السيد :
طب والواحد يعرف العيل الكبير م الصغير ازاي؟
فرفور :
من شنبه، اللي له شنب ...
السيد :
يبقى الكبير.
فرفور :
يبقى الصغير يا عبيط، أصلهم لما بيكبروا بيحلقوا شنباتهم.
السيد :
أمال تعرفهم من بعض ازاي يا وله.
فرفور :
أقول لك أنا، العيل الكبير تعرفه لما تلقى معاه عيلة.
السيد :
عيلة كبير زيه؟
فرفور :
لأ يا عبيط، عيلة صغيرة.
السيد :
اللي أفهمه كبير يعني معاه عيلة كبيرة.
فرفور :
كبير يعني معاه عيلة صغيرة.
السيد :
طب والعيلة الكبيرة؟
فرفور :
تلقاها دايما مع عيل صغير.
السيد :
دي حاجة تلخبط.
فرفور :
دي تضحك وانت الصادق. الصغيرين عايزين يكبروا، والكبار عايزين يصغروا، ودول لما بيكبروا بيصغروا ولما بيصغروا يحبوا يكبروا يقوموا يصغروا أكتر، حاجة تضحك، شايف أنا بضحك ازاي (يمط فمه ويظهر أسنانه في حركة لا ابتسام فيها) ، بس لقيتها لك أما حتة دين شغلة.
السيد :
إيه؟
فرفور :
إيه رأيك تشتغل مذيع؟
السيد :
لا، لا، لا يا عم، عارفه، مش الراجل الرغاي أوي ده، اللي ما يلاقيش حد يرغي معاه يقفل عليه أوضة ويكلم نفسه ويفتكر إن الناس مش سامعاه.
فرفور :
طب إيه رأيك تشتغل عسكري مرور؟
السيد :
بيعمل إيه ده؟
فرفور :
ده راجل زي حالاتنا كده مالوش عربية، إنما طول النهار قاعد يتحكم في اللي عندهم عربيات، ولا أقول لك، اشتغل بواب في هيلتون، أهو بلبسك ده يقبلوك على طول ويدولك بدل لبس كمان.
السيد :
أعمل إيه يعني؟
فرفور :
شحات أفرنجي، تقف وجيه كده ومن غير ما تمد إيدك اللي داخل واللي طالع يديلك.
السيد :
مفيش يا بني شغلانة عندك الواحد ياكل منها عيش بعرق جبينه؟
فرفور :
فيه، اشتغل حرامي.
السيد :
طب أنا مستعد.
فرفور :
تحب بقى تشتغل حرامي كبير ولا متوسط ولا حرامي على قد حاله؟
السيد :
ودي عايزة كلام! حرامي كبير طبعا.
فرفور :
خلاص بقى اشتغل في التصدير والاستيراد والمقاولات.
السيد :
والحرامي المتوسط؟
فرفور :
ابقى افتح لك بقى جمعية تعاونية ولا بوتيك.
السيد :
إلا دي، واللي على قد حاله.
فرفور :
ده الغلبان بقى اللي بيسرق بعرق جبينه، يطلع على مواسير يسطى على بيت، ينشل له محفظة وتطلع فاضية، حاجة زي كده.
السيد :
لأ، أنا حاشتغل تربي.
فرفور :
أف، اخص عليك، حد يشتغل على حرف الدنيا كده، يعني إن فلتت رجله مرة ينزل في الآخرة.
السيد :
مش أحسن م السرقة.
فرفور :
والله، أكبر كلمة، السرقة أحسن.
السيد :
يبقى خلاص بقى أشتغل مخبر.
فرفور :
مش الراجل ده اللي بتبقى كل الناس عارفه أنه مخبر وهو الوحيد اللي مش عارف، أقول لك، اشتغل مهندس أحسن.
السيد :
هو أنا يابني في حيل.
فرفور :
خلاص يبقى حيعملوك باشمهندس (ثم يغير لهجته)
طب إيه رأيك تسيب دا كله وتشتغل موظف حكومة، وآدي انت عندك المؤهلات؟
السيد :
إزاي يعني؟
فرفور :
إنت مش عايز حتة تنام وتفضل تحلم فيها إنك بتحلم إنك بتحلم. عندك من يوم القبضية ليوم القبضية شهر بحاله تحلم فيه.
السيد :
إيه رأيك نفسي أشتغل سواق تاكسي.
فرفور :
إنت بتشوف كويس؟
السيد :
طبعا.
فرفور :
بتعرف شوارع مصر؟
السيد :
حارة حارة.
فرفور :
تعرف تقعد ساعة من غير ما تسب الملة؟
السيد :
أيوه.
فرفور :
وإذا شاور لك راكب والعربية فاضية تقف؟
السيد :
دا لازم أقف.
فرفور :
تبقى ما تنفعشي تشتغل سواق.
السيد :
طب كمساري، والنبي كمساري.
فرفور :
تعرف تعوم؟
السيد :
أعوم فين؟
فرفور :
في عرقك.
السيد :
ودي لازمة دي؟
فرفور :
أوي، إن ما عرفتش تعوم في عرقك لازم تعرف تعوم في عرق غيرك، ما عرفتش كده ولا كده تبقى ما تنفعش.
السيد :
إنت يعني إيه حكايتك بالضبط، إنت يا وله مفيش حاجة عاجباك أبدا، إنت ناقد يا وله، إيه، كل الشغل اللي خلقه ربنا مش عاجبك، أمال الناس دي عايشة ازاي، ما كل واحد زمانه بيشتغل في شغلانة ومبسوط والحمد لله.
فرفور :
ومين قال إنهم مبسوطين، هم لو كانوا مبسوطين كانوا لفوا علينا.
السيد :
ومين قال لك إنهم مش مبسوطين؟
فرفور :
وح تغلبني وأغلبك ليه، أهم قدامك، نسألهم، إنتو يا جماعة ياللي هنا، إنتو يا اخوانا يا عالم يا هوه، اللي مبسوط من شغله يرفع إيده. (ينتظر قليلا)
أهه، شايف بقى يا سي سيد ولا واحد رفع إيده.
السيد :
كداب في أصل وشك، فيه واحد هناك أهه رافع إيده م الصبح.
فرفور :
اللي هناك ده، إنت رافع إيدك يا أخينا، ما تقف كده خلينا نشوفك (ويقف المتفرج وهو لا يزال رافعا يده) ، إنت مبسوط من شغلك؟
المتفرج :
أوي أوي.
فرفور :
وبتشتغل إيه؟
المتفرج :
بدور على شغل.
فرفور :
جالك كلامي!
السيد :
أمال لما ماحدش عاجبه شغله بيشتغلوا ليه؟
فرفور :
من قرفهم بعيد عنك.
السيد :
من قرفهم بيشتغلوا؟
فرفور :
ويعني عاجبك شغلهم أوي، ما هو راخر يقرف.
السيد :
يعني الواحد عشان ينقي له شغلانة كويسة ...
فرفور :
ينقي أقرف شغلانة.
السيد :
يعني أحسن شغلانة هي أقرف شغلانة. خلاص. استبينا. حاشتغل تربي، هه، ياللا بينا.
فرفور :
رايح فين؟
السيد :
رايح أشتغل.
فرفور :
تعمل إيه؟
السيد :
أهه نسلى شوية، نفحر لنا قبر ولا اتنين نفوت النهار.
فرفور :
أما انت حتة سيد إنما سيد صحيح، ده كل شيء في الدنيا بيتعمل جاهز إلا القبور دي لازم تتعمل تفصيل، هو فين الميت ده اللي حتفحر له؟
السيد :
موجود.
فرفور :
فين؟
السيد :
موجود، زمانه دلوقتي بيعدي من شارع مش واخد باله، راكب معدية، سايق عربية لوري وحابس له بنفسين، رايح مستشفى الدمرداش، كلها ساعة وتلاقيهم جايبينه.
فرفور :
يعني انت ضامنه في جيبك؟
السيد :
إلا ضامنه، ده خصوصا الراجل بتاع الدمرداش ده، ده أكيد.
فرفور :
وإشمعنى الدمرداش يعني، والقصر العيني كويس؟
السيد :
لا، أصل القصر العيني مالوش دعوة، ده العيان بيموت قبل ما يخشه.
فرفور :
يعني انت متأكد إن جايلك ميت جايلك ميت؟
السيد :
متأكد أوي، ده مفيش النهاردة أسهل من الموت، ديك النهار واحد أعرفه جه يحلق دقنه مات.
فرفور :
اللي أعرفه أنقح، جه يتولد مات.
السيد :
مسكين ما لحقش يعيش.
فرفور :
قصدك ما لحقش يموت.
السيد :
قصدي يعيش.
فرفور :
ودي عيشة دي اللي الناس تعيشها عشان تموت؟!
السيد :
دي نكتة.
فرفور :
ونكتة بايخة كمان.
السيد :
باينها كده واحنا مش عارفين.
فرفور :
يبقى أحسن حاجة إننا نقبلها.
السيد :
عشان تبقى إيه؟
فرفور :
تبقى نكتة كويسة على الأقل.
السيد :
إزاي؟
فرفور :
بدل ما نعيش عشان نموت، نموت عشان نعيش.
السيد :
إزاي نموت عشان نعيش؟
فرفور :
بقولك تبقى نكتة كويسة، يعني بدال ما ننوي نعيش ونخاف ونتغم م الموت ليطب علينا، ننوي نموت، نقوم كل يوم نعيشه نفرح إننا عشناه، وإذا متنا يبقى ما جبتش من عندها حاجة.
السيد :
ويبقى في الحالة دي أحسن طريقة إن الناس تشتغل تربية.
فرفور :
بس العيب بقى يشتغلوا تربية؟ على مين؟ يدفنوا مين؟
السيد :
يدفنوا بعض.
فرفور :
طيب وجبت إيه من عندك، ما هم طول النهار بيعملوا كده.
السيد :
إنت يا واد يا فرفور بتتكلم كده زي الفلاسفة.
فرفور :
أنا؟ فشر، أنا أعمل زي الجماعة دول، ده أنا ضيعت عمري أقرأ فلسفة وأقعد لك بالسنة أقرأ في كتب عشان قال إيه، يثبتولي فيها في الآخر إني قال إيه موجود.
السيد :
إنت كنت غاوي فلسفة ولا إيه؟
فرفور :
أبدا، أنا كنت بدور لي على شغلة، وبأقرا عشان أشوف أحسن شغلة إيه وأحسن ليه، والنتيجة ضيعت عمري أقرا في كلام دمه تقيل، قال إيه، مأساة الإنسان، والوجود والعدم ولحظة الاختيار، والإرادة الحرة، والدفعة الأولى ... أنا مالي أنا، ومال ده كله، أنا عايز فلسفة تقول لي أشتغل إيه، أنا أنا يا فرفور، يا بني آدم، ياللي بقرصه دلوقتي يحس، أشتغل إيه؟ وأشتغله ليه؟ محدش قال لي، وكانت النتيجة أني أهه بشتغل فرفور.
السيد :
ده انت كمان سطرين بالشكل ده تبقى شاعر.
فرفور :
من الجماعة دول اللي إذا شبعوا يتغزلوا في الجوع وإذا جاعوا يتغزلوا في الشبع، وإذا اتعذبوا يقولوا شعر وإذا اتبسطوا يسموه الضياع، وإذا حبوا يلعنوا الحب وإذا بطلوا يحبوا يلعنوا أبو اللي ما يحب، لا لا يا عم، ابعدني عنهم الله يخليك.
السيد :
وانت تطول، دول بيعبروا عن اللي بيوجع الناس.
فرفور :
ودي جدعنة دي.
السيد :
أمال اللي يصبر على الألم يبقى هو الجدع؟
فرفور :
ولا دي رخرة جدعنة، لا اللي صابر جدع ولا اللي بيزعق جدع.
السيد :
أمال الجدع مين؟
فرفور :
إنت عايز الحق، عايز الجدع، الجدع يعني؟
السيد :
أيوه.
فرفور :
الجدع الجدع؟
السيد :
اللي ينتحر؟
فرفور :
دي هيافة دي.
السيد :
اللي يتصوف؟
فرفور :
دي قلة حيلة.
السيد :
اللي يعيش كده وخلاص؟
فرفور :
ما تبقاش عيشة، دي تبقى موت حي.
السيد :
أمال مين بقى الجدع الجدع؟
فرفور :
ما اعرفش، هيه آديني ضحكت عليك وخدت الحنة من إيديك.
السيد :
تبقى انت الجدع.
فرفور :
أما إنك سيد عبيط صحيح، هو فيه حد النهاردة جدع، ياللا يا أخي نشوف شغلنا دا أحنا يادوبك اخترنا لك الاسم واخترنا لك الشغل، ياللا بقى الوقت بيسرقنا.
السيد :
احنا اخترنا حاجة؟
فرفور :
حانعمل إيه ما هو احنا كده يا جنس آدم ، لما نعجز وما نلقاش قدامنا إلا حل واحد نقول أهو ده الحل اللي اخترناه، ياللا بقى اشتغل خلينا نخلص.
السيد :
أفحر يعني؟
فرفور :
أيوه يا أخي ياللا.
السيد :
من غير ميت؟
فرفور :
الله، مش انت اللي قلت؟
السيد :
حاضر، نشتغل، أمرنا إلى الله نشتغل، بس يكون في علمك، آه، أنا لازم تنطبق علي كل قوانين عقد العمل الفردي، آه، لا فصل تعسفي ولا جزاء بدون تحقيق ولا كلام فارغ من ده.
فرفور :
هو من أولها كده؟
السيد :
أنا حاكم أحب أعرف حقوقي، واحنا لينا حقوقنا، آه، الإيد لوحدها ما تسقفش، مش كده ولا إيه ياخوانا؟ دا احنا اللي بنعرق يبقى لازم احنا اللي ناخد نتيجة عرقنا، كده ولا لأ يا رجاله؟
فرفور :
طب مش تشتغل شوية بس عشان تحلل الكلمتين.
السيد :
لأ، الشرط نور، والشرط عند العمل ينفع ساعة الرفد، وأنا ما أحبش أترازل على حد ولا حد يترازل علي، مفهوم كده ولا مش مفهوم؟
فرفور :
مفهوم.
السيد :
استبينا يعني؟
فرفور :
استبينا.
السيد :
طب آدي الفاس أهه واشتغل انت.
فرفور :
أنا اللي أشتغل؟
السيد :
الله؟ أمال مين اللي يشتغل؟
فرفور :
إنت.
السيد :
لأ أنا سيدك وانت اللي تشتغل لي.
فرفور :
وعقد العمل والرزالة والرفد وكل ده؟
السيد :
ماشي كله.
فرفور :
علي؟
السيد :
لأ، علي أنا.
فرفور :
وعليك ليه مش أنا اللي حاشتغل!
السيد :
ما أنا راخر حاشتغل برضه.
فرفور :
حاتشتغل إيه؟
السيد :
سيدك.
فرفور :
تعمل إيه يعني؟
السيد :
أسيد عليك.
فرفور :
تسيد علي؟ ودي شغلة دي، لا يا عم يفتح الله، تسيد علي دا إيه، إحنا فين! والله ما أخبط فيها ولا خبطة.
السيد :
ما هو دورك كده يا وله، إنت مش عارفه؟ إنت حتستعبط، إنت مش عارف الرواية كده؟
فرفور :
الرواية يعني أنا أشتغل كل حاجة وانت سيد بس؟
السيد :
استعبط بقى استعبط.
فرفور :
وحد يعمل رواية بايخة بالشكل ده؟ اوعى تكون انت اللي عاملها.
السيد :
إنت الظاهر ما ألفتش قبل كده، يا مؤلف، يا سيد مؤلف (يظهر المؤلف ) .
المؤلف :
فيه إيه؟ جرى إيه؟ اوعوا تكونوا خرجتوا ع النص.
السيد :
سي فرفور خرج يا سيدي، مش عاجبه حكاية أنا سيده دي.
المؤلف :
إزاي ما تعجبوش، هو ده شغله؟ ماله هو ومال الكلام ده، إنت سيد يعني سيد، وانت فرفور يعني فرفور ورجلك فوق رقبتك، سامع ولا لأ؟
فرفور (يرفع رجليه فوق رقبته) :
سامع سامع.
المؤلف :
وتاني مرة حتزعجوني بالشكل ده، على بره على طول، فاهم؟
فرفور :
بس لو ماكنش خلقك ضيق.
المؤلف :
إياك تنطق حرف من عندك، اعمل حاضر، اكلم حاضر، روح حاضر، تعالى حاضر.
فرفور :
حاضر، اتفضل انت بقى من غير مطرود، خلاص، علم. (ثم للسيد)
ويعني كان لزمتها إيه تسمعنا الكلام ده، طيب بس أما يمشي.
المؤلف :
أنا ماشي أهه، وتاني مرة.
فرفور (مقاطعا) :
مفيش تاني خلاص، مفيش، مفيش، تبنا، حرمنا.
المؤلف :
إياك.
فرفور :
إياك انت بس ما تنساش تبعت لنا الست.
المؤلف :
أقسم ...
فرفور :
مفيش داعي، مفيش داعي، مع السلامة. (يخرج المؤلف.)
فرفور (مكملا حديثه) :
طيب يا سيد الأذى انت، إن ما وريتك.
السيد :
ياللا يا وله يا فرفور ما تضيعش وقت، شيل الفاس واشتغل.
فرفور :
أمري إلى الله، نشتغل (يرفع الفأس ويريد أن يهوى بها) .
السيد :
حيلك، ما تفحرش هنا.
فرفور :
أمال فين؟
السيد (مشيرا إلى مكان آخر) :
هنا.
فرفور :
واشمعنى هنا ومش هنا؟
السيد :
لأن ما دام انت عايز تفحر هنا وأنا عايزك تفحر هنا، فيبقى هنا بتعتي أحسن من هنا بتاعتك.
فرفور :
وفي أي كتاب نزلت دي؟
السيد :
ما دام سيدك يبقى رأيي دائما أحسن من رأيك.
فرفور :
حتى لو كان رأيي صح، ورأيك غلط؟
السيد :
وهو فيه يا ولد رأي صح ورأي غلط، الرأي الصح هو رأيي والرأي الغلط هو رأيك.
فرفور :
وأنا بقول غير كده؟
السيد :
تبقى غلطان، كده من غير نقاش غلطان.
فرفور (ناظرا إليه ومتنفسا بصعوبة) :
يعني أفحر هنا؟
السيد :
أنا قلت هنا؟
فرفور :
أمال فين؟
السيد :
هنا يا بجم (مشيرا إلى مكان آخر) .
فرفور :
هنا.
السيد :
وهو هنا زي هنا، أنا بقول هنا.
فرفور :
اللي انت عايزه، حاضر، هنا؟
السيد :
يا باي على الغباء الأزلي ده، يا أخينا قلنا هنا (مشيرا إلى اليمين)
يعني هنا (مشيرا إلى اليسار)
مش فاهم يعني إيه هنا (مشيرا إلى الأمام) .
فرفور (بغباء) :
يعني إيه هنا؟
السيد (مشيرا إلى الخلف) :
يعني هنا.
فرفور :
الحق الحق مش فاهم، فاهم انت؟
السيد :
أنا كل اللي أفهمه كويس أني سيدك وخلاص.
فرفور :
سيدي، إنت يا سيدي، إلا قول لي يا سيدي.
السيد :
عايز إيه؟
فرفور :
إلا انت سيدي ليه؟
السيد :
مش عارف أنا سيدك ليه يا ولد؟
فرفور (مشيرا إلى الفأس المستقرة على الأرض) :
إن شاء الله أنسخط زي اللي نايمة دي ما أعرف.
السيد :
أما انت فرفور مسخة صحيح، ما تعرفش أنا سيدك ليه يا ولد؟
فرفور :
أنا ما أعرفش، تعرف انت؟
السيد :
ما هو من ضمن شغلي يا واد إني ما اعرفش، أمال انت فرفور ليه؟ إنت فرفور بتاعي يبقى لازم تعرف لي.
فرفور :
طب أنا في دي ما اعرفش.
السيد :
وأنا ما اعرفش، فيبقى ما اعرفش بتاعتي تمشي على ما أعرفشي بتاعتك.
فرفور :
وبعدين؟
السيد :
واشمعنى دلوقتي اللي بتسأل، ما بقى لنا ألف رواية مع بعض.
فرفور :
هو السؤال حرم.
السيد :
خلاص، اسأل المؤلف، أنا مالي أنا، هو اللي مألفك يعرف شغله معاك ح تدوشني أنا ليه.
فرفور :
دي مسألة بالعقل، لا عايزة مؤلف ولا حاجة، هو انت يا أخي مش بني آدم زيي بالضبط، حتى إذا مشينا ورا داروين انت اتطورت من قرد وأنا اتطورت من قرد زيك.
السيد :
مين عارف يمكن جدك القرد ده كان قرد فرفور عند جدي.
فرفور :
مفيش في القرود أسياد ولا فرافير أبدا.
السيد :
يبقى خلاص انت معايا بقى إن البني آدمين بس هما اللي بيقدروا يبقوا أسياد وفرافير.
فرفور :
مين قال كده؟
السيد :
والله ده رأيي وإذا ما كنشي عاجبك اسأل المؤلف.
فرفور :
دا مشي من زمان.
السيد :
نادي عليه.
فرفور (مناديا) :
يا أخينا يا مؤلف .
السيد :
يا جدع اتأدب، إنت عارف المؤلفين دول ناس يحبوا إنك تفخمهم وتعظمهم وتنافقهم.
فرفور :
يا سيادة المؤلف، يا سعادة المؤلف، يا أعظم وأكبر وأمتن وأجعص مؤلف. (يدخل المؤلف على هيئة قزم أو صبي صغير طوله نصف طول المؤلف الأول ولا يزال بالبنطلون القصير.)
المؤلف :
عايز إيه يا فرفور؟
فرفور :
هو انت المؤلف؟
المؤلف :
أمال مين يعني؟ إنتو بتشتغلوا مع مؤلف تاني؟
فرفور :
لا، معاذ الله، إحنا مش من دول يا حضرة، بس يعني بيتهيألي إن حضرتك صغرت شوية.
المؤلف :
ما يمكن العكس وتكونوا انتو اللي بتكبروا.
السيد :
لو تكرمت بقى يا سيادة المؤلف تقول لفرفور أنا سيد ليه؟
فرفور :
أيوه ليه.
المؤلف :
ودي عايزة سؤال دي، دي حقيقة زي الشمس، كمان شوية تيجي تقول لي انت المؤلف ليه، مفيش حاجة هنا في روايتي اسمها ليه، فيه نعم وبس، فاهم؟
فرفور :
ليه؟ (ثم مستدركا بسرعة)
نعم.
المؤلف :
أنا عارف ألاعيبك دي يا فرفور، وانت مش حترجع مرة إلا أما تفوق تلاقيك مرمي برة في الشارع. اسمع، ده سيدك من غير ليه ومالهش، وانت فرفور من غير كاني ولا ماني وأي حاجة يقول عليها لازم تعملها، ماذا وإلا (يشير بيده فيخطو داخل دائرة المسرح عملاقان ضخمان رهيبان في نظراتهما توحش وتحد)
أخليهم يرموك بره، سامع.
السيد :
سمعت يا فرفور.
فرفور :
سامعين سامعين واحده له وواحده لك وواحده للجماعة دول وخلصونا بقى مع السلامة. (المؤلف يستدير ليخرج ويخطو بضع خطوات ثم يلتفت ناحية فرفور بنظرة قاسية.)
فرفور :
عارف، المجد، الحلقات، النقاد، المشهد السابع في الفصل العاشر، الفرقعة، الطربنة ... عارف كله، بس اوعى تنسى تبعت لنا الست.
المؤلف :
أقسم ب...
فرفور :
يا عم روح الله يسهل لك. (يخرج المؤلف ويتراجع العملاقان.)
السيد :
سمعت بقى يا فرفور.
فرفور :
سمعت ما سمعتش، اللي حصل، إحنا كنا فين (يرفع الفأس)
نشتغل بقى.
السيد :
لأ، أنا ماعنتش قادر أشتغل، أنا تعبت.
فرفور :
تعبت من إيه؟
السيد :
م الشغل.
فرفور :
الحقيقة الحقيقة كان الله في عونك، دا انت لازم تستريح حالا.
السيد :
أنا مش عايز أستريح.
فرفور :
أمال عايز إيه؟
السيد :
عايز أتجوز.
فرفور :
إيه؟
السيد :
أجوز، مش فاهم يعني إيه أجوز.
فرفور :
طب ما تجوز، حد حاشك، والله يكونش عايز أجوز له كمان.
السيد :
وفيها إيه دي، مش أنا سيدك وانت فرفوري.
فرفور :
لا والنبي يا سيد، قول لي أكسر حجر أكسر، أطحن زلط أطحن، إنما بلاش حكاية الجواز دي.
السيد :
إنت مالك انت يا أخي، إنت حتجوز لك؟ إنت حتجوز لي أنا.
فرفور :
مين عارف، جايز تثبت علي وأروح فيها.
السيد :
يا فرفور اسمع الكلام.
فرفور :
ما بلاش يا سيد، ما انت بصحتك أهه، ومزاجك رايق، إنت غاوي نكد.
السيد :
يا واد الواحد منا ما يقدرشي يستغنى عن الجواز.
فرفور :
يقوم يستغنى عن عمره ويتجوز.
السيد :
يا ولد.
فرفور :
بررررم، أجوز له ده إيه، وأجوز لك مين بقى؟
السيد :
أنا عارف، ده شغلك انت، إنت عايز تدخلني في شغل الفرافير كمان.
فرفور :
يعني أنا أدور على العروسة وألقاها وأشبكها وأخطبها وأكتب كتابي عليها و...
السيد :
وتستنى عندك لغاية هنا وتفرمل.
فرفور :
تسيبلي يعني كل العليق اللي في الدنيا وانت تاخد الورد ع الجاهز، دانت سيد رزل أوي.
السيد :
أهي كل الأسياد كده، ياللا شوف شغلك.
فرفور (هازا رأسه باستسلام) :
أمرنا إلى الله، ندور لك على عروسة، يا حضرات، يا سادة، يا سيدات وآنسات وعوانس، عريس من عيلة ويشغل منصبا هاما ويميل إلى الهدوء ويحب النوم، يطلب زوجة، حدش له غرض، مفيش من عروسة ست بيت ممتازة، ولونها خمري، وتقدس الحياة العائلية وهوايتها نط الحبل، وقراءة قصص الحب، حدش.
السيد :
سكت ليه ما تكمل، ما تتحرك.
فرفور :
أتحرك أروح فين يا أخ، هو الباب خبط!
السيد :
هو ما خبطشي؟
فرفور :
لأ ما خبطشي.
السيد :
طب وبعدين؟
فرفور :
ولا قبلين، أنا موصيه مخصوص حضرة المؤلف ده اللي بس كل شغلته أنه يحمر لي عينه، وقلت له ما ينساش يبعتها، اتفضل، أهو زمانه نسي، مين عارف في أنهي حلقة دلوقتي ولا في أنهي إذاعة، زمانه خلاص وصل الإرسال في أبو زعبل وهو قاعد في بار الأنجلو.
السيد :
هي مش كانت مفروض تخبط دلوقتي؟
فرفور :
ما هو المفروض ده بيمشي علي أنا بس، إنما هو، إنت سمعت حد بيخبط؟
السيد :
اسمع كده.
فرفور (يتسمع بطريقة تضحك) :
دا باينه خبط في دماغك بس يا سيدي.
السيد :
وبعدين؟ يرضيك كده نقف قدام الناس دي مستنينها زي الغسيل المبلول في يوم شتا.
فرفور :
لا ما يرضنيش، إنما أقول لك، عندي فكرة، إيه رأيك تسيبك م المؤلف ده والست بتاعتك ونجوزك حد م الموجودين دول.
السيد :
يا نهارك منيل، دول متفرجين يا وله، دول جايين يتفرجوا مش يتجوزوا.
فرفور :
أهي بتبتدي كده، الواحد يروح يتفرج يلاقي نفسه مكلفت في جوازة، أهم قدامك أهم، نقي يا عم اللي تعجبك.
السيد :
يعني أجمد قلبي يا وله يا فرفور وأختار، توكلنا على الله، (يدور بعينيه في خلال الصالة والجمهور)
إيه رأيك في دي يا فرفور، والله دي، باين عليها مش بطالة أبدا، ولا استنى استنى، إيه رأيك في اللي قاعدة هناك دي، دي جنان خالص.
فرفور :
اللي قاعدة هناك دي؟
السيد :
أيوه.
فرفور (يضربه على رأسه بالمقرعة) :
دي أمي يا وله.
السيد :
طيب وإيه رأيك في دي؟
فرفور :
أنهين؟
السيد :
اللي لفة على رقبتها الإشارب الأحمر ده.
فرفور :
دي؟
السيد :
أيوه دا أنا جنني أوي البتاع الأحمر ده.
فرفور :
دي كرافتة يا جدع، لابسة راجل.
السيد :
طب وإيه رأيك في دي؟
فرفور :
اللي هناك دي، دي متجوزة يا ولد يا سيد.
السيد :
وعرفت منين؟
فرفور :
مش شايف معاها اتنين رجالة.
السيد :
طب وإيه رأيك في اللي لابسة البرنيطة السودا الهايلة دي.
فرفور :
دي؟
السيد :
أيوه.
فرفور :
ده عمك الدكتور مندور جك عمى في عينك.
السيد :
أنا غلب حماري يا فرفور، اختار لي انت.
فرفور :
بس على شرط ...
السيد :
إيه؟
فرفور (مراجعا نفسه) :
ولا بلاش. (يمسح الصالة بسرعة البرق ثم تستقر عيناه عند مقدمة اللوج أو البنوار الأيسر )
بس لقيتها لك.
السيد :
فين؟
فرفور :
اللي قاعدة هناك دي في اللوج اليمين.
السيد :
مش شايفها، هو فين اللوج اليمين ده؟
فرفور :
شايف اللباية اللي بيقزقزها الراجل المحترم اللي قاعد هناك ده؟
السيد :
أيوه شايفها.
فرفور :
أهو تحود بعديها على إيدك اليمين على طول، شفتها؟
السيد :
الحقيقة ما شفتهاش، إنما أنا راضي، أجوزها.
فرفور :
كده من غير ما تشوفها؟
السيد :
كفاية أنها قاطعة لوج يا أخي، لازم متريشة.
فرفور :
سامعين يا بنات ياللي في الصالة، أهه نص ريال فرق أهه، جاب عريس. (ثم يتجه إلى اللوج الأيمن.)
إنتي يا ست ياللي قاعدة في اللوج اللي جنبنا، تسمحي تبصي لنا هنا، هنا.
السيدة :
إنت بتكلمني أنا؟
فرفور :
أنا مالي، أنا بكلم القمر.
السيدة :
يا سم ...
فرفور :
آخد منه ملء يدي تلات مرات يوميا زي أومو عشان عيونك.
السيدة :
إيه الكلام البلدي ده. إنت عايز إيه؟
فرفور :
تتجوزي سيدي يا روح قلب فرفور سيدك.
السيد (متدخلا) :
إيه الكلام ده يا ولا، ده يهربها. اوعى انت، تسمحيلي.
فرفور :
اجري انت بس. اقعد هناك ومالكش دعوه، ده شغلي أنا ده، إنت مش قلت أنا اللي حاشتغل حتعمل لي فرفور دلوقتي، اجري احترم نفسك واعمل سيد. (ثم يعود لمخاطبة السيدة)
تتجوزي سيدي يا روح قلب فرفور سيدك؟
السيدة :
ويطلع إيه سيدك ده؟
فرفور :
يطلع ميت كيلو كده.
السيدة :
وبيشتغل إيه؟
فرفور :
جينا للإحراج بقى، طب تسمحي يعني تيجي لنا هنا شوية.
السيدة :
أنا ما اتنقلشي من مطرحي إلا أما أعرف بيشتغل إيه.
فرفور :
حاجة كده يعني يعني عكس دكتور الولادة.
السيدة :
أنا ما يهمنيش كمان بيشتغل إيه، عنده فلوس؟
فرفور :
زكايب زكايب زكايب.
السيدة :
يبقى مبدئيا آجي. (تتحرك من مكانها وتأتي إلى المسرح.)
واسمه إيه بقى سيدك ده؟
فرفور :
والله من جهة الاسم، سميه على كيفك.
السيدة :
ليه هو من عيلة مين، اوعى يكون اسمه وحش؟
فرفور :
والله هو لا وحش ولا حلو، أصله من عيلة اللي ما يسموش.
السيدة :
بلدي أوي الاسم ده، على العموم أنا مستعدة أديله اسم عيلتي.
فرفور :
وحضرتك من عيلة مين؟
السيدة :
الهايف، دي عيلة مشهورة أوي، ما تسمعشي عليها؟
فرفور :
ما سمعشي ازاي، دا ليها فرع في كل مكان، هو فيه أكثر م الهياف.
السيدة :
اسمع يا ... إنت اسمك إيه؟
فرفور :
فرفور.
السيدة :
اسمع يا جارسون فرفور، أنا يهمني أوي أوي حريتي، أنا ماحبش حد يحجر علي أبدا، هو سيدك ده رجعي؟
فرفور :
مش فاهم رجعي يعني إيه.
السيدة :
إذا كان يخليني أرجع البيت الساعة اتنين أو أكتر يبقى كويس، قبل كده يبقى رجعي.
فرفور :
والله من الجهة دي اطمني أوي، ده بينام نوم.
السيدة :
ويسمح لي أحتفظ بأصدقائي، الرجالة يعني.
فرفور :
والله ما أعرفش، حاكدب عليكي.
السيدة :
ده أنا حتى في الطلب ده متواضعة أوي، دي كاكي قلقاس اشترطت على جوزها أنها تاخد البوي فرند بتاعها يقعد معاهم في شهر العسل.
فرفور :
عندها حق، إيه يعني حتة فرند، ولما يعمل مهما يعمل أهو إيه، حتة بوي، خلاص يا ستي، تجوزي سيدي.
السيدة :
أنا معنديش مانع نتجوز شهر تحت التجربة، ما نفعشي نطلق.
فرفور :
يا ستي دا الموظف بيقعد تلات أشهر تحت التجربة، تتطلقوا ازاي بعد شهر، وإذا كان حصل يعني في الشهر ده حاجة ولا محتاجة.
السيدة :
إيه يعني، أعمل أبنديسيت والله لوز.
فرفور :
دا أنا قصدي ...
السيدة :
ما أنا قصدي كده برضه.
فرفور :
طب وإيه العلاقة بين المصران الأعور واللوز والحاجة اللي بتتكلمي عليها، مش فاهم.
السيدة :
بنسميها واحنا داخلين المستشفى، أبنديسيت، والله أحيانا نقول داخلة تعمل اللوز، أنا دايما أقول كده.
فرفور :
وانتي دايما؟
السيدة :
أعمل إيه، ده مرة نشروا في الجرايد إني عملت أبنديسيت مرتين في شهر واحد.
فرفور :
وبيتنشر في الجرايد كمان؟!
السيدة :
أصل احنا ما نحبش نعمل حاجة في السر، كله كده بالمفتوح.
فرفور :
وعلى كده بقى حضرتك عملتي عملية المصران الأعور كام مرة؟
السيد :
مش فاكرة 7-8 مرات، حاجة كده.
فرفور :
واللوز؟
السيدة :
إياي ما اتعدش، خصوصا آخر مرة.
فرفور :
كان لوز ولا أعور؟
السيدة :
أعور، ده كان عليه جوز عيون خلوني خرجت من هنا ورجعت لهم المستشفى بعد أسبوع.
فرفور (بصوت عال) :
الحق يا سيد، يا سيد، اوعى تكون نمت.
السيد :
إيه، جرى إيه، إحنا فين، إنت مين؟
فرفور :
آدي العروسة أهه يا سيد، حاجة عز الطلب، آخر جمال، من أكبر عيلات مصر، عيلة الهايف، ونضيفة مما جميعه، لا عندها لوز ولا مصران ولا أسنان مسوسة، كله كله شايلاه، وإذا ما عجبتكش، مستعدة تشيله تاني وتالت، إيه رأيك؟
السيد :
يعني عاجباك يا فرفور؟
فرفور :
أنا قدام الناس دي مستعد أبقى لوزة في جزمتها، إنما دي مسألة مزاج.
السيد :
شوف يا فرفور إذا كان مزاجي عاجباه الست دي ولا لأ.
فرفور (يتوجه بالكلام إلى الناحية الأخرى) :
عاجباك يا مزاجه، (ثم يصدر صوتا من بطنه)
أوي أوي أوي، (ثم لسيده)
سمعت بودانك.
السيد :
سمعت، ياللا بقى، جوزنا يا فرفور.
فرفور :
وأنا أشتغل بدل مأذون كمان، ياللا، إيدك يا ستي (ترتجف يده قبل أن يمسك بيدها)
إيدك يا سيدي، هس، إنت يا سيدي ياللي اسمك سيدي تقبل تجوز (صوت خبط على الباب) .
السيد :
إيه ده يا واد يا فرفور؟ (ثم صوت سيدة.)
الصوت :
إنتو يا جماعة، إنتم ياللي عندكم التمثيل.
فرفور :
ارمي، دي باينها الست اللي باعتها المؤلف. (صوت الخبط.)
أفتح ولا أسيبها ترن.
السيد :
إنت عايزها تعمل لنا هللولة، افتح لها افتح.
فرفور :
ودي؟
السيد :
مالكش دعوة، حنفهمها كل حاجة، وكل حاجة تنحل.
فرفور (فرفور يذهب إلى الباب الوهمي، ويمسك بأكرة وهمية ويقول) :
كللم ومستكللم، زيق انفتح الباب. (تدخل السيدة مرتدية بدلة رقص شرقي)
يا وعدي.
السيدة :
إيه ده طرش ما بتسمعوش!
فرفور (مشغولا بالتفرج عليها وإخراج لسانه علامة جريان الريق) :
يا وعدي يا وعدي، وده إيه ده (يحاول شمها) .
السيدة :
ما تتعدل لي أمال، خليني أعرف أكلمك، مش انتو اللي عندكو الرواية (فرفور لا يزال يتأملها بيديه) ، انت عبيط ولا شكلك كده؟
فرفور :
لأ وانتي الصادقة العبيط هو اللي شكله زي كده.
السيدة :
أنا المؤلف بتاعكو قابلني وخد معايا درنك في جروبي، وباعتني بالدور ده ليكو (ثم تكتشف وجود السيدة الأخرى)
نعم نعم نعم! بقى أنا جاية من آخر الدنيا عشان حضرتها تلطش مني الدور.
السيد :
يا ستي أرجوكي، دي واحدة ست كانت بتتفرج ومالهاش دعوة.
صاحبة الدور :
بتتفرج وجاية هنا ع المسرح تعمل إيه، عايزة تتفرج تروح هناك مع اللي بيتفرجوا، إما الحتة دي عشانا احنا، خليها تتفضل تروح مكانها من غير مطرود.
المتفرجة :
أنا ما سبشي مكاني وانتقل عشان واحدة زيك تيجي تمشيني منه.
صاحبة الدور :
أمال حضرتك حتستني تعملي إيه حتمثلي معانا؟
المتفرجة :
ح أستنى جوزي، ده خطبني حالا ولسه أهه كنا حنكتب الكتاب.
صاحبة الدور :
يا نهار اسود ومنيل، أمال أنا جاية أعمل إيه؟ ده دوري أنا ده إني أجوزه، عايزة تلطشيه بسلامتك، ده بعدك، إنتي حتمشي من هنا بالذوق ولا بالروسية؟
المتفرجة :
بقى سايبها تقول لي كده وساكت.
السيد :
أعمل إيه بس، يا مهبب انت يا فرفور، ما تتحرك وتفكر وتشوف لنا حل.
فرفور :
الحل الوحيد يا سيدي، يا سيدي الحل الوحيد، إن دي تجوزك ودي تجوزني، وتبقى الحكاية بصرة.
صاحبة الدور :
أنا أتجوزك انت، ليه؟ قلة شغل، قلة عقل، قلة مقام، أنا دوري أتجوز ده، وما دام دوري كده يبقى حاقوم به واللي حيتعرض لي بالشبشب، وراس بابا بالشبشب.
المتفرجة :
لأ دا حيلك أنا ما هزأشي نفسي وأرجع مكاني بإيد ورا وإيد قدام، عشان واحدة زيك، واعملي حسابك أنا باتمرن كل يوم في النادي ع المصارعة اليابانية يا اسمك إيه انت.
صاحبة الدور (هاجمة عليها فيمنعها فرفور بجسده ويمسكها) :
وأنا بالمصارعة البلدي حاوريكي.
فرفور (لصاحبة الدور) :
بقى واحدة زي الملبن زيك تصارع البتاعة اللي زي عروسة المولد دي؟
المتفرجة :
اسمعي، أنا نرفيز وما بستحملش وأنا جاتلي الجنونة (تهجم عليها فيمنعها السيد بجسده).
صاحبة الدور (محاولة التخلص من قبضة فرفور محاولات تزيد من إطباق فرفور عليها ومن ارتجافه بشدة لإحساسه أنها بجسدها الفائر بين ذراعيه) :
اوعى سيبني عليها بنت الرفضي دي.
فرفور (وهو في حالة عرق وارتجاف شديدة) :
ده اسمه الهايف.
المتفرجة :
ليسيه موا، ليف مي، ليسيه يا سيد، شايف بتقول علي إيه.
السيد (ينظر إلى الخلف بينما يمنعها بمقدم جسده وينادي فرفور الذي يرد عليه مديرا رأسه إلى الخلف أيضا مبقيا جسده على وضعه) :
ما تتلهي تفكر لنا في حاجة.
فرفور :
يا جدع ارحم، أنا بترعش كلي، مخي نفسه بيترعش، أفكر في إيه؟
السيد :
أقول لك (بصوت عال جدا)
اسمعوا أنا حاريحكم خالص خالص، بطلوا خناق واحنا كلنا حنستريح.
صاحبة الدور :
ح تتجوزني؟
المتفرجة :
ح تتجوزني؟
السيد :
أنا حاتجوز أحسن واحدة فيكم، (ثم يلاحظ أن فرفور رغم انتهاء الخناقة لا يزال متشبثا بصاحبة الدور)
بتعمل إيه يا وله، م الخناقة خلصت!
المتفرجة :
طبعا حيتجوزني أنا، أنا الأحسن.
صاحبة الدور :
والنبي ده ضوفر صباع رجلي أحسن منك كلك، إنتي وعيلتك الهايفة.
السيد :
لا لا لا لا، كده مش حينفع، بدال ما تتخانقوا أنا عايز كل واحدة فيكم توريني هي الأحسن ازاي؟ (خبط على الباب)
ودا مين اللي بيخبط ده راخر؟
صاحبة الدور :
دي لازم اللي حتتجوز فرفور، أصل المؤلف بعتها معايا وسبقتها ع الباب ودخلت أتأكد، أقوم ألاقي ست الستات هنا.
فرفور :
اللي حتتجوزني أنا، والله كتر خير المؤلف ده، وواحدة شكلها إيه دي، حلوة زيك كده؟
السيد :
يا ولد يا فرفور مش وقته، (خبط على الباب)
روح افتح لها الأول.
فرفور :
لا ياخويا أنا أنكسف.
السيد :
يا ولد افتح بقول لك.
فرفور :
أنا ماليش دعوة، أنا حافتح وأنا مكسوف ومش حاشيل عيني من ع الأرض. (بخجل مبالغ فيه يذهب فرفور إلى الباب وهو ينظر إلى قدميه، وحين يفتح يدخل رجل طويل رفيع كشفيق نور الدين مثلا يرتدي ثوبا أسود طويلا يجرجر على الأرض ويتعصب بمنديل أسود وطرحة ويضع فوق وجهه برقعا ذا خرزة حمراء.)
اتفضلي يا ستي أهلا وسهلا، (وهو لا يزال خافضا بصره)
اتفضلي.
المرأة (وهي الأخرى في حالة خجل شديد تقول بصوت مكتوم) :
أصلي مكسوفة أتفضل، مش انت بسلامتك فرفور؟
فرفور :
أمال أنا راخر مكسوف ليه، تيجي ما نتكسفش ونبص لبعض واللي يحصل يحصل؟
المرأة :
ياللا (وترفع البرقع من فوق وجهها وتطرحه وراءها وفي الوقت ترفع وجهه ليلتقي بوجه فرفور الذي ارتفع) .
فرفور :
يا نهار اسود (ويجري فورا محاولا الاحتماء بسيده) .
المرأة (متقدمة ناحيته لا تزال في حالة خجل) :
يه، إنت لسه مكسوف يا فرفور، هو انت منهم، ده الراجل قال لي عليك نمرود وأنا أصلي بحب النماردة اللي زيك، تعالى هنا (وتحاول جذبه فيزوغ منها فرفور ويحاورها) .
فرفور :
أنا طنيب النبي يا سيد، ابعد عني الوليه دي.
المرأة :
والله ولا الحكمدار يقدر يبعدك عني، داني حبيتك من أول ما شفتك وكان اللي كان ... بس لو ما تتزفلطشي مني كده.
فرفور (زاعقا في هلع) :
أنا في عرضكم يا ناس.
المرأة :
قول مهما تقول واعمل مهما تعمل، ركك إيدي تتلايم على إيدك.
فرفور :
أقطعها وحياة الحسين أقطعها.
المرأة :
إيه، طيب تعالى بقى (وتطبق عليه وتمسكه) .
فرفور :
يا بوليس، يا فرقة ب، يا فرقة الإنقاذ بتاعة البلدية، يا إسعاف، يا بتوع الصحة، يا د. د. ت (يحاول التملص) .
المرأة :
إنت يعني فكرك تقدر تفلت مني، والله لو شفت قفاك.
فرفور :
أشوفه ولا أشوفكيش (ترغمه على أن يرى وجهها فيغمض عينيه مستغيثا)
يا نهار منيل يا جدعان، أعوذ بالله، إنتي إيه؟
المرأة :
أنا ست يا فرفور وعايقة كمان.
فرفور :
لا والنبي، أنا اللي ست، أنا متبري من جنس الرجالة كلها إذا كانوا الستات زيك كده، أنا عيشة والنبي. (يكون النقاش الحاد - رغم المطاردة مع فرفور - قد انتهى بين السيدتين والسيد إلى رأي يعلنه السيد قائلا):
السيد :
خلاص اتفقنا، اللي فيكو تطلع أحسن من التانية حاتجوزها.
صاحبة الدور :
أنا أوريك أنا أحسن ازاي، رقصني يا ريس. (تدق الموسيقى نغمة شرقية راقصة وترقص السيدة باذلة أقصى جهدها لإثارة السيد ولفت نظره، وكلما حاول فرفور أن ينظر إليها أو يقترب منها ردته «المرأة» بعنف، وحين تنتهي الرقصة يتجه السيد ناحيتها تلقائيا كالمبهور، ولكن المتفرجة تجذبه من يده قائلة):
المتفرجة :
ودا رقص إيه البلدي ده اللي تقعد تتفرج عليه، واحد زيك لازم يرقص كده وهو معايا (ثم بلهجة آمرة)
مايسترو (تنبعث نغمة التويست، وعلى أنغامها تراقص المتفرجة السيد بطريقة مثيرة ينسى معها الإثارة السابقة بحيث حين تنتهي الرقصة يظل مطوقا المتفرجة بذراعيه) .
المرأة :
اوعى الحنجلة دي كلها تهمك يا فرفور، تعالى أنا وانت نلعب تحطيب، (وتبدأ مباراة في التحطيب ينال فيها فرفور بضع ضربات على جانبه وظهره وبطنه، بحيث حين تنتهي وتتجه إليه المرأة يسقط بين ذراعيها مغمى عليه)
شفت بقى دوبتك ازاي؟
فرفور (وهو يلهث) :
دوبان ما دوبتش، وإنما دشدشة اتدشدشت.
صاحبة الدور (جاذبة السيد إليها) :
ما يعجبكش قوامي ده اللي زي غصن البان.
المتفرجة (جاذبة السيد إليها) :
أمال قوامي بقى اللي زي المانيكان.
المرأة :
أنا من الجهادي أمسحهم خالص، أنا البان نفسه.
فرفور :
لازم لبان الدكر.
صاحبة الدور :
وشايف عينيه اللي زي عيون الغزلان.
المتفرجة :
أمال عينيه أنا اللي أحسن من آن شريدان.
المرأة :
ولا يهمك أنا عينيه وسع الفنجال.
فرفور :
أصلها عين جمل يا خاله.
صاحبة الدور :
وشايف بقي اللي زي خاتم سليمان.
المتفرجة :
ده أنا بقي حبة حبة يبقى فتحة زراير القمصان.
المرأة :
أمال أقول إيه أنا اللي بقي قد الكستبان.
فرفور :
كستبان فيل وحياتك.
المتفرجة :
وشايف شعري اللي زي الحرير الناتورال.
صاحبة الدور :
وده ييجي إيه جنب شعري اللي أنعم من ريش النعام.
المرأة :
وشعري ده يا ناس مش بذمتكم جدايل النعمان؟
فرفور :
دا لازم النعمان عاشور.
السيد :
كفاية لحد كده، كفاية، أنا الحقيقة اتلخبطت خالص ومش عارف آخد مين فيكو وآسيب مين، وعشان كده حاتجوزكم انتو الاتنين، إيه رأيكم؟
صاحبة الدور :
رأينا إيه يابو عين زايغة يا بتاع الستات.
المتفرجة :
يا فاجر يا بتاع تعدد الزوجات.
السيد (ملتفتا لصاحبة الدور) :
يعني مش عايزة أتجوزك؟
صاحبة الدور :
حد جاب السيرة دي على لسانه؟
السيد (ملتفتا للمتفرجة) :
وانتي بلاش.
المتفرجة :
مين قال أني أقبل الهزيمة؟
فرفور :
حلال عليك يا عم، هنيالك. (يتأبط السيد كلا منهما في ذراع ويمضي بهما إلى باب الخروج الأيمن، بينما يداهما الملتفة حول رقبته تتناحر من الخلف وتتضارب. فرفور يحاول أن يتسلل من المسرح متسترا بهم، ولكن المرأة تجذبه من قفاه وتعيده إلى حيث كان.)
المرأة :
وانت يا فرفوري، قلت إيه؟
فرفور :
بقول إنا لله وإنا إليه راجعون.
المرأة :
ياخونا كفى الله الشر هو حد ماتلك؟
فرفور :
أنا.
المرأة :
إنت، بعد الشر عليك يا حبيبي، هو طول ما أنا معاك الموت يقدر يقرب لك؟
فرفور :
ما هو انتي الموت.
المرأة :
تعالى لي يا حبيبي تعالى لي (وحين يقاوم ترفعه المرأة على كتفها وتحمله خارجة به من الباب الأيسر) .
فرفور (للجمهور) :
كل من عليها (مشيرا إلى زوجته من خلف ظهرها)
فان، يا جدعان (يدخل السيد من الباب الأيمن وهو كأنما يدلك وجهه بالكلونيا بعد حمام دافئ) .
السيد :
أما الجواز دا ممتع بشكل، دا أحسن م العزوبية مليون مرة (يدخل فرفور من الباب الأيسر وعلى رأسه ضمادة ضخمة فيها بقعة دم كبيرة) .
السيد :
عامل إيه الجواز وياك يا فرفور؟
فرفور :
عمل عشر غرز وحياتك.
السيد :
أصلكوا ناس ما بتفهموش في فن الحياة، ما تعرفشي تسايسها، تداديها، تطبطب عليها، تاخدها في حضنك، تعمل ليها آدي البيضة وآدي اللي شواها، وتهزر معاها.
فرفور :
طب ما هو ده اللي حصل وهزرت معاها.
السيد :
أمال إيه اللي عورك بقى؟
فرفور :
ردت الهزار بهزار بس ناشف شوية فتح نفوخي.
السيد :
أنا مش حاسس بالدنيا من كتر السعادة يا فرفور.
فرفور :
وأنا مش حاسس برضه بس م الورم.
السيد :
الستات دول أجمل حاجة في الدنيا.
فرفور :
مش لما يكونوا ستات.
السيد :
تصور إحساسك بقى إنك حتبقى أبين، النهاردة، أنا حاطير من كتر الفرح.
فرفور :
أبين مرة واحدة.
السيد :
مرة واحدة.
فرفور :
يحق لك يا عم.
السيد :
وانت مش حتخلف يا فرفور؟
فرفور :
أخلف أنا معقول، إنما تخلف هي ده مش معقول أبدا، إنت تتصور برضه إنها زي الستات ممكن تخلف، أنا شخصيا متأكد إن إذا خلفنا أنا اللي حاحبل.
المتفرجة (داخلة حاملة طفلا رضيعا) :
مبروك يا جوزي، ولد، ولد، شوف.
صاحبة الدور (داخلة ومعها طفلة) :
مبروك يا جوجو، بنت، بنت، إنما قمورة.
المرأة (من الخارج) :
مبروك يا وله يا فرفور يا وله، جالك ولد. (ثم تدخل زوجة فرفور حاملة رجلا آخر على كتفها يبكي كالأطفال ويطلب الطعام، فتناوله أمه فحل بصل ورغيفا، فيكسر البصلة على رأسها ويلتهم الرغيف في لقمتين.)
شايف ابنك يا فرفور، ما تهشتكه شوية، والنبي لتهشتكه شوية. (فرفور ممتعضا يحاول هشتكته فيمسك بقدمه فينطره الطفل بعيدا ويوقعه على ظهره.)
المتفرجة :
عن إذنك يا حبيبي لحسن معاد الرضعة بتاع البيبي جه.
صاحبة الدور :
وأنا عايزة أغير لها لحسن اتبلت.
المتفرجة :
بس اوعى تنسى الطلبات اللي قلت لك عليها (تخرج) .
صاحبة الدور :
وافتكر كويس الجنيه اللي قلت لي عليه النهاردة (تخرج) .
المرأة :
اسمع يا فرفور، بسلامته ابني لازم له حجاب لحسن عينين الناس وحشة وهو العين عليه.
فرفور :
عين إيه يا شيخة؟ تحسد فيه إيه ده؟ يا ريته يتحسد شوية.
المرأة :
أنا ماليش دعوة، هو عايز حجاب، والحجاب يتعمل عند الشيخ، والشيخ عايز بريزة، ومن هنا للظهر يا جبت البريزة يا عمرك فرغ (تخرج) .
فرفور :
جك نفاثة تاخد أجلك، عمري فرغ قال، على بريزة تفرغ عمري. هو شوال؟
السيد :
وبعدين يا فرفور؟
فرفور :
ولا قبلين، هي مالها مزنقة أوي كده ليه، بقى لنا كام يوم أهه قاعدين ننش، مفيش ميتين ندفنهم، باين اليومين دول عطلة رسمية ومفيش مستشفيات.
السيد :
ولا يهمك، الموت مافهوش عطلة.
فرفور :
ولا يهمنيش ازاي، دا أنا إن ما كنتش أجيبلها فلوس النهاردة تقتلني، ودي تعملها بجد، شوف لنا طريقة بقى؟
السيد :
أنا اللي أشوف، أمال انت شغلتك إيه؟
فرفور :
يعني عايزين أعمل إيه؟
السيد :
هات لنا ميت نشتغل عليه.
فرفور :
وأجيبه منين دلوقتي؟ حاستلفه يعني، معاكشي ميت سلف يا عم لأول الشهر؟
السيد :
يا ولد يا فرفور، بقول لك شوف لنا ميت.
فرفور (دائرا بعينيه خلال المتفرجين ) :
مفيش، كلهم ولله الحمد صحاح وسلام أربعة وعشرين قيراط.
السيد :
خلاص، حلها بسيط، موت واحد وهاته.
فرفور :
أموت واحد؟ يكنشي الراجل ده اتجنن، بقى أموت واحد عشان ندفنه بخمسين قرش!
السيد :
وبأقل من كده كمان، ولو حصلت أموتك انت حاموتك، إحنا عايزين فلوس، عايزين شغل، يا تموت واحد وتجيبه، يا حاموتك انت.
فرفور :
بقى كده؟
السيد :
كده.
فرفور :
جد يعني؟
السيد :
جد.
فرفور :
مافيناش م الهزار؟
السيد :
بقول لك جد يعني جد.
فرفور :
يخرب بيتك دا باينه ناوي يعملها، لا يا عم، أنا أموت لك واحد أحسن. (صوت من الصالة ينادي: ياللي عايز يموت واحد، يا جدعان يا قتالين القتلة، واحد عايز يموت، حدش له نفس ...)
السيد :
إيه ده يا فرفور؟
فرفور :
والله ما أنا عارف، باينه واحد سارح بروحه.
السيد :
أهو ده عز الطلب، اندهله.
فرفور :
اسمع يا عم، يا عم ياللي بيدور على موتة.
الرجل :
أيوه، حد بينده علي؟
فرفور :
داحنا صوتنا اتنبح، اطلع.
الرجل :
فين، إنت فين؟
فرفور :
في تالت دور.
الرجل :
ما هو اسمح لي بقى ما تطلعنيش لغاية عندك وتنزلني، أنا م الصبح طالع نازل لغاية ما رجلي دابت، إن كان في نيتك تموت صحيح آجي، مش في نيتك دنيا الله واسعة.
فرفور :
دا ماله رزل كده ليه، لا يا عم، النية، موجودة، اطلع.
الرجل :
آديني طلعت ياللا وحياتك أنا مستعجل ما عنديش وقت، تحب أموت لك فين؟ هنا ولا أقعد ع الكرسي ده، ولا أنام ع الأرض؟
فرفور :
دهدي، ما على مهلك شوية.
الرجل :
باقول لك مستعجل، سلاحك جاهز، عندك طبنجة ولا بتحب السكاكين في الحالات دي؟
فرفور :
إيه ده، إيه ده، على مهلك شوية.
الرجل :
ما هو أنا ماحبش شغل التمحيك ده، ناوي تموت ولا مش ناوي؟
فرفور :
ناوي.
الرجل :
ومستني إيه؟
السيد :
الله، مالك يا راجل ملهوف على إيه، هو خلاص، هي الدنيا طارت، بالراحة، بالتفاهم.
الرجل :
عايز نتفاهم في إيه؟
السيد :
دي حاجة تجنن يا هوه، إنت إيه يا راجل، عايز تنتحر ولا إيه؟
الرجل :
أنتحر، مين قال كده؟
السيد :
أمال جاي عايز تموت بسرعة البرق كده ليه؟
الرجل :
الله، وفيها إيه دي، أنا قلبي حامي كده، ولما يكون قدامي شغلة ما أستريحش إلا أما أخلصها.
السيد :
قلبك حامي ع الشغل، إنما ده مش شغل ده مش هزار، ده موت.
الرجل :
ده موت عندك انت، إنما عندي أنا ده شغل.
السيد :
شغل؟
الرجل :
أيوه مش عاجبك؟
السيد :
المسألة مش عاجبني ولا مش عاجبك، المسألة أنا عمري ما سمعت عن شغلة بالشكل ده.
فرفور :
ولا أنا والله وأعدم حبابي عيني.
الرجل :
جايز، إنما أنا شغلي كده.
السيد :
شغلك إنك تموت.
الرجل :
أيوه.
السيد :
عجايب، ودي شغلة إيه دي، حد يرضى يشتغلها.
الرجل :
مليون واحد، ده دكنهار الراجل اللي بنشتغل عنده أعلن أنه عايز موظفين قدم له ييجي ألف واحد وبوسايط كمان.
السيد :
اللي بتشتغلوا عنده.
الرجل :
أصل احنا لامؤاخذة شوية ناس كده بنشتغل عند واحد عليه يأكلنا ويشربنا، وهو لو شوية ناس كده معاديينه، فكل أما ييجوا يموتوه يبعت واحد مننا يموت بداله.
السيد :
والشغل إيه، ماشي كويس يعني.
الرجل :
زي الزفت بعيد عنك، يوم فيه وألف مفيش.
السيد :
لا لا، دي حاجة بايخة فعلا، وليه كده؟
الرجل :
حسب قانون العرض والطلب. احنا كتير، واللي عايزين يموتوا قليلين، تصدق بالله يابن الناس، العيشة بقت نيلة أوي، كلهم بقوا يخافوا يموتوا دلوقتي، اللي يلجأ للمحاكم واللي يجري على مجلس الأمن، بقت زفت لما الواحد قرف.
السيد :
إنت كمان قرفان؟
الرجل :
قرفان أوي، ده أنا من قرفي استقلت.
السيد :
وعشان إيه استقلت؟
الرجل :
أشتغل حر، مش كده، الله، مفيش أحسن م الشغل الحر.
السيد :
حر ازاي؟
الرجل :
يعني أمشي أعرض نفسي كده وألقح جتتي ومين عراف، يمكن يضرب الحظ وألاقي اللي يخلص علي.
السيد :
أما حكاية صحيح دا اللي يشتغل تربي ياما يشوف.
الرجل :
ولا حكاية ولا حاجة، هو احنا بدعة يعني، ولا يعني علشان ما أنا راجل سارح ببضاعة على قد حالي، ما احنا لينا زملا بيسموهم الفرقة الأجنبية ولا المرتزقة ولا ما عرفش إيه، ولا يعني عشان دكهم خواجات واحنا ولاد عرب.
السيد :
بس اسمحلي يعني، مع احترامي لرأيك، أنا شخصيا، لا يمكن أقبل أشتغل الشغلانة دي.
الرجل :
وليه بقى؟
السيد :
ودي شغلة دي، دا انتحار، حد يشتغل طالب موت كده لله في لله.
الرجل :
غلطان، دي أحسن شغلة، شغلة تشتغلها مرة واحدة في حياتك وخلاص، مش كل يوم تقعد تشتغل نفس الشغلة والآخر برضه تموت، أنا عايز أروح اسكندرية وانت عايز تروح، أنا أحب أغمض عيني وأفتحها ألاقي نفسي هناك، إنت بقى عايز تركب جمل، موت يا جمل بقى على بال ما تحصل الرست.
السيد :
اوعى تكون جاي كده عايز تروح اسكندرية من نواحي العباسية كده؟
الرجل :
أنا؟ والله باينك انت اللي من هناك، طب المجنون فينا انهون، اللي يروح اسكندرية بجمل ولا بطيارة؟ اسمع بقى يا سيدنا، أنا مش فاضي لك، وأنا راجل ماحبش كتر الكلام، أنا رقبتي أهه تحت أمرك، وروحي أهه اتفضل خدها وياللا شد حيلك.
السيد :
طب والأجرة، الأجرة يا حضرة، نديها لمين؟
الرجل :
ما تعكرشي دمك وانت قاعد مطرحك بكرة ولا بعد بكرة مراتي حتجيلك ومعاها حكم بالأجرة.
السيد :
أما دي حاجة تجنن صحيح، وافرض ما صدقنيش وحبسوني؟
الرجل :
تبقى كرديا ومعرفتش تتصرف كويس.
فرفور :
يا سيدي ما بلاش الشغلانة دي.
السيد :
اخرس انت، دي مواضيع مش بتاعة فرافير زيك، (ثم للرجل)
طب خلاص، أنا عارف حاتصرف ازاي.
الرجل :
رقبتي أهه.
السيد :
أهو جه دورك بقى يا فرفور دلوقتي تشوف شغلك. سامع، رقبته أهه.
فرفور :
وأنا مالي.
السيد :
أمال مين اللي حيشتغل لي؟
فرفور :
حقه كله إلا الشغل ده، أنا يا عم راجل فرفور ماليش في الحاجات دي.
السيد :
يا فرفور زي ما قلت لك م الصبح، يا حتموته يا حاموتك، مفيش داعي للعصلجة دي.
فرفور :
لأ، في دي أعصلج للصبح واللي معاك اعمله، تجيب لي مؤلف مخرج ما أقتلشي أبدا يا نهار اسود.
السيد :
إنت حر، يا حضرة المؤلف، يا أعظم مؤلف، فرفور حرن تاني.
صوت المؤلف (من الخارج) :
إنت بتتحداني يا فرفور، دانا أنسف بك الأرض، دا أنا أحرقك، أنا حابعت لك الفتوات (ويظهر شبح العملاقين قريبا من الباب) .
فرفور (يردد النظر بين الشبحين والسيد والرجل المصعر رقبته للقطع) :
يا ناس.
السيد :
هيه.
فرفور :
ح نعمل إيه بس؟
الرجل :
ما تخلصونا بقى، دا مش أكل عيش ده اللي حيحوجنا للقرف ده كله.
السيد :
يا ولد يا فرفور يا ولد، شوف شغلك (ويشير بيده علامة أنه يجب أن يقتل الرجل) .
فرفور :
الأمر لله والمؤلف، حاضر، بس أموته ازاي بس يا ناس. أموتك ازاي يا عم، هو ماله عامل كده ليه، إنت بتدور على شلن واقع منك ولا إيه؟! حاموته ازاي يا سيد؟
السيد :
بالفاس دي.
فرفور :
بس دي بتاعة الفحر وأكل العيش.
السيد :
ما هو ده برضه أكل عيش.
فرفور :
يا ناس حرام، يعني الواحد يفحر له رقبة راجل كده ع الصبح أمرنا إلى الله، هيه (يرفع الفأس ويحاول إنزالها على رقبة الرجل ولكنه يرتجف بشدة ويعدل عن المحاولة) .
السيد :
خليك شجاع يا ولد واضرب.
فرفور :
ما تخليك أشجع وتضرب انت.
السيد :
اكرهه واضرب.
فرفور :
أكرهه على إيه بس يا ناس؟ هو عمل لي حاجة؟ هه، يا عم أنا بكرهك، أنا ما باطيقكش، انت فاقع مرارتي هيه (يرفع الفأس ولكنها ترتجف في يده) .
السيد :
لا، لا، لا، مش كده، لازم تكرهه أكتر، دا عدوك، دا ضد أكل عيشك.
فرفور :
هو أكل عيشي ولا ضده الواحد يصدق إيه ولا إيه، إنت يا جدع عدوي، وأبوك عدو أبويا، وجدك عدو جدي، أنا حانتقم منك (يرفع الفأس فترتعش فتنتاب السيد موجة سخط شديدة ويندفع ناحيته يتناول منه الفأس ويدفعه بعيدا) .
السيد :
أصل الفرافير اللي زيك عبيد جبنا، ودي عايزة سيد عشان يعملها، اوعى كده جتك البله.
الرجل :
ما تخلصونا بقى وتموتونا، يا الواحد يروح يدور له على موتة تانية عطلتونا.
السيد :
اسمع يا جدع، أنا حاسهلها عليك، لا فاس ولا حاجة، أنا حاخنقك ومش عايز سريخ ولا استغاثة ولا أي صوت، ماذا وإلا، ما موتكش.
الرجل :
ما تخافشي، ليك علي أموت وعلى فمي ابتسامة ساحرة.
السيد :
غمض عينك دول أصل فيهم نظرة كده مش عجباني.
الرجل :
وآدي عينيه.
السيد :
هيه، توكلنا على الله (يقترب بيديه من رقبة الرجل) .
فرفور :
ارفع إيدك.
السيد (ملتفتا في ذعر) :
إيه دا يا ولد خوفتني، فيه إيه؟
فرفور :
بقى تخاف مني ومش خايف م اللي انت بتعمله ده، مش حرام عليك تموته كده من غير ما تكبر عليه، إنت مش مؤمن يا أخي؟
السيد :
أيوه صحيح عندك حق، نسيت، الله أكبر عليك، هيه (ينقض بيديه على الرجل) .
فرفور (رائحا غاديا في حالة هياج هستيري وذعر وانبساط) :
يا قابيل، لماذا تقتل أخاك؟ الخطيئة الأولى، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.
السيد :
وله، إن ما سكتش حاموتك الأول، ياللا امشي من هنا (ثم يعود للإطباق على الرجل) .
فرفور :
يا ناس، يا عالم، يا إنسانية، يا بشر، ما عندكوش دم، الحقوا يا اخوانا، قاعدين تتفرجوا على أخوكو في الإنسانية والجدع دا بيقتلوا، فين القيم، فين العدالة، فين القانون؟
السيد (يندفع ناحيته فاتحا قبضتيه) :
طب استنى بقى.
فرفور (ينطلق جاريا ومبتعدا) :
الحقونا، الراجل اتوحش.
الرجل (بتذمر شديد) :
دا مش أكل عيش ده، الله يلعن أبو العمل الحر، الجماعة الهواه دول متعبين أوي، كنت رحت لواحد محترف وزمانا خلصنا، ما تخلصونا.
السيد :
حنخلصك ونخلص عليك (يطبق على عنقه، ويعقب هذا مشهد صامت بحيث كلما هم السيد بخنق الرجل تصدر عن فرفور كلمة مثل: «ارجع، يا درس، أو الله حي، الله حي، أو يا بوليس، ويا سيدي عبد الرحيم يا قناوي.» وهو يقول هذا وهو يدور حول السيد المطبق على عنق الرجل، ثم يحدق في وجه الرجل مرة فيجد أن لسانه قد تدلى وجحظت عيناه) .
فرفور :
يا نهار منيل، دا قتله جد، امسكوه، قتال القتلة، اقبضوا عليه.
السيد (مقتربا ناحيته وقد أنام الرجل على الأرض وهو لا يزال في لحظة جنون القتل) :
ح تسكت والا ...
فرفور :
أنا ساكت أهه، أنا مش حانطق، أنا حافضل ساكت على طول، وإذا تكلمت بعد كده حاتكلم وأنا ساكت، يا نهار اسود بقى تقتله كده عيني عينك وعلى رءوس الأشهاد، (حين يرمقه السيد بنفس النظرة)
هس، أنا سكت خلاص كله يسكت لحسن دا الشر باين في عينيه وانسعر خلاص.
السيد (وقد انتهت الموجة) :
اسمع يا وله يا فرفور يا وله. (فرفور لا يرد.)
السيد :
يا ولد يا فرفور.
فرفور :
أنا ساكت.
السيد :
اتكلم.
فرفور :
أنا مالي، أنا سكت وخلاص.
السيد (في غضب) :
ح ترد وإلا ...
فرفور :
أرد وبلاش إلا دي إلا ...
السيد :
اسمع يا وله.
فرفور :
نعم يا سيد.
السيد :
ادفن الراجل ده.
فرفور :
أنا مالي، اللي موته يدفنه.
السيد :
يا تدفنه يا أدفنك.
فرفور :
طب ما تدفنه أسهل، (ثم حين يلمح نظرات السيد وقد بدأت تتغير)
وعلى العموم أنا ما يخلصنيش تعبك، ادفنه هيه (يفحر للرجل ويدفنه) .
السيد :
دفنته خلاص؟
فرفور :
وخليت الملايكة تحاسبه وتطلعه محقوق كمان.
السيد :
برافو عليك، أهو كده الفرافير ولا بلاش، بس أنا زعلان يا وله يا فرفور يا وله.
فرفور :
زعلان مني؟ حقه.
السيد (في غضب) :
مش منك من نفسي، (ثم مغيرا لهجته)
ضميري يا ولد بيأنبني.
فرفور :
وانت يا سيد عندك حاجات م اللي بتأنب دي؟
السيد :
وحساسة أوي يا ولد، أعمل إيه؟
فرفور :
خد شربة.
السيد :
أنا بتكلم جد يا ولد ما بهزرش، على العموم خد الخمسين قرش دي أجرة الراجل دي إديهالهم في البيت يجيبوا بيها خضار ولحمة.
فرفور :
ونجيب لحمة من بره ليه، ما احنا لسه دابحين عجل أهه بدمه، (السيد يناول فرفور ورقة ويأخذها ويذهب بها ناحية الباب ويعطيها للهواء)
خدوا كلوا لحمة، بس اوعوا تكون بايتة، (ثم يعود إلى سيده ليجده لا يزال في حالة الأسى)
ازيك دلوقتي يا سيد؟ لسه الضمير بينقح عليك برضه؟
السيد :
لسه يا فرفور.
فرفور :
لو كنت خدت شربة زي ما قلت لك كان ... إنما دلوقتي حتعمل إيه؟
السيد :
تعرف يا وله يا فرفور يا وله، أنا ضميري ده مش حيريحني إلا أما أعمل إيه؟
فرفور :
إيه؟
السيد :
إلا أما تجيب لي واحد تاني أموته.
فرفور (في زعيق هائل مفاجئ) :
لأ، دا بقى مصاص دم، دا ما عدلوش أمان خالص، دا شوية شوية يقتلني، اسمع يا عم، بلا مؤلف بلا بتاع، أنا سايبك وماشي، بطحجية بطحجية، أنا مآيس على علقة، أنا ماشي.
السيد :
إنت اتجننت يا فرفور، يا ولد أنا بأمرك إنك تستنى.
فرفور :
وبتأمرني ليه؟
السيد :
أنا سيد.
فرفور :
وانت سيد ليه؟ وسيد على إيه؟ وليه انت تبقى سيد ليه؟ أنا لا أعرفك ولا لي أسياد، أنا ماشي خلاص. (ويغادر المسرح مخترقا الجمهور.)
السيد :
يا ولد يا فرفور.
فرفور :
أنا مشيت خلاص.
السيد :
والفصل التاني يا وله.
فرفور :
إنت حر فيه انت واللي عملك سيد، سلام عليكم. (ستار)
الجزء الثاني
عبد السلام محمد (فرفور) سارح في صالة المسرح يجمع الروبابيكيا.
السيد :
وبعدين يا ناس، دي حاجة تنشف الدم، بقى حتة واد فرفور زيه يوقفني كده لوحدي ... أعمل إيه أنا دلوقتي أقول إيه، أجيبه منين، أدور عليه فين. يا أسيادنا حدش شاف فرفور؟ حدش لمحه؟ بقى دي وقفة توقفها لي يا فرفور، يرضيكوا كده؟
فرفور (داخلا من الباب الذي يدخل منه الجمهور إلى الصالة وسائرا في الطرقة الرئيسية بين المقاعد يدفع عربة يد عليها نماذج سريالية تمثل أوروبا وأمريكا وأجزاء من مدافع وطائرات ومشانق) :
روبابيكيا، روبابيكيا، كل حاجة قديمة للبيع، مجد قديم للبيع، عظمة قديمة للبيع، أسياد قديمة للبيع، مدافع قديمة للبيع، قنابل ذرية قديمة للبيع، بيكيا، حدش عنده أيدروجينية، مجلات، كتب فلسفة، جرايد قديمة للبيع، روايات مسارح، مؤلفين قدام للبيع ... بيكيا.
سيدة (من المتفرجين) :
اسم يا عم يا بتاع الروبابيكيا، عندنا طوربيد فسدان، تاخده؟
فرفور :
ده لازم جوزها، لأ يا ستي، ده كان على أيام زمان الكلام ده، دلوقت من أيدروجينية وطالع، عندك، ياللا قبل ما يلعب، كوبلت، ماء ثقيل، أشعة نووية، خيار مخلل ، كل حاجة قديمة للبيع، مجد قديم للبيع، عظمة، أفكار قديمة للبيع ... روبابيكيا.
السيد :
الله، ده باينه هو، ده أكيد هو، ده أنا أعرفه من مليون واحد، ولا يا فرفور يا وله.
فرفور (وقد وصل تقريبا إلى مكان الكوشة التقليدي، ولكنه لا يزال في الصالة) :
ولا يا سيد.
السيد :
إنت فين يا فرفور؟
فرفور :
إنت فين يا سيد؟
السيد :
الحقني يا فرفور.
فرفور :
إيدك يا سيد. (يمد السيد يده ويجذب فرفور من يده إلى المسرح.)
السيد :
بالحضن يا فرفور.
فرفور :
بالحضن يا سيد سيد (يتعانقان ويقبلان بعضهما عدة مرات) .
السيد :
إيه ده يا وله يا فرفور، ألف سنة قاعد أدور عليك، دول مش ألف ده ييجي خمستلاف سنة.
فرفور :
ده لسه فيه داء الكدب الراجل ده، ده احنا ما بقلناش خمس دقايق سايبين بعض قدامكم.
السيد :
وكنت فين يا فرفور، ورحت فين، وعملت إيه؟
فرفور :
في الدنيا الواسعة بقى، أعمل إيه.
السيد :
واشتغلت عند أسياد تانيين؟
فرفور :
كتير أوي أوي، ما اتعدش، وكل واحد أنيل من التاني.
السيد :
وإيه حكاية الروبابيكيا دي؟
فرفور :
أعمل إيه بقى في الراجل سيدي اللي مسرحني.
السيد :
سيدك مين؟
فرفور :
اسمه كده، بتاع كورة باينه جون ولا موش عارف إيه، مسرحني في بلاد الناس ألم له عظمة ومجد سكند هاند لما طهقت خالص، وانت ازاي أحوالك يا سيد؟
السيد :
رضا والحمد لله.
فرفور :
لسه برضه ضميرك بياكلك.
السيد :
لأ، ما البركة في الأولاد.
فرفور :
هم كبروا؟
السيد :
يوه واتجوزوا، وخلفتهم اتجوزت، واللي مات مات، وغيره بييجي.
فرفور :
ده الراجل ده كداب كدب يا جدعان، قال كل ده في خمس دقايق، (ثم للسيد)
يعني انت ماعنتش بتمد إيدك وتدفن حد.
السيد :
البركة في الأولاد باقول لك.
فرفور :
هم ورثوا الصنعة برضه.
السيد :
ورثوها ونبغوا فيها أوي أوي.
فرفور :
نبغوا ازاي؟
السيد :
شوف أنا وانت كنا بنحتار في دفن واحد ازاي، هم الواحد منهم يابني باسم الله ما شاء الله كان يدفن له في اليوم عشرة عشرين ألف ولا يتعبش، عندك ابني الإسكندر دا دفن لوحده ييجي ميت ألف، تحتمس اللي كان أكبر منه شوية ده دفن لوحده عدد شعر راسه.
فرفور :
تحتمس والإسكندر؟ ومال أساميهم كده؟
السيد :
أصلي مسميهم على أسامي أبطال التاريخ، كل واحد باسمه، عندك نابليون مثلا دفن ييجي تلاتة مليون!
فرفور :
أنهي نابليون؟ بتاعك ولا بتاع التاريخ؟
السيد :
ابني يا أخي، ابني، كلهم أولادي.
فرفور :
وكلهم كده تربية من مليون وطالع.
السيد :
أيوه.
فرفور :
لأ، عفارم عليهم، ولاد حلال صحيح.
السيد :
تعرف ابني موسوليني.
فرفور :
كام مليون؟
السيد :
لأ، ده أصله ماكانش يطلع الشغل إلا لما يطلع أخوه الكبير معاه علشان يجمد قلبه.
فرفور :
أخوه مين؟
السيد :
هتلر، وخد عندك بقى، دول مرة في موسم من المواسم طلعوا لهم ييجي ثمانية مليون مدفون.
فرفور :
موسم إيه ده، كان فيه كوليرا ولا إيه؟
السيد :
كوليرة إيه يا جدع، ثمانية مليون بالطريقة إياها. إنت نسيت لما ماكانش فيه ميتين ونقتل الواحد وندفنه.
فرفور :
أيوه بس على كلامك ده، دول كان لازم الموسم بتاعهم يقعد ميت ألف سنة بقى على بال ما يمسكوا ده ويسييبوا ده.
السيد :
لأ، ده انت متأخر خالص، موش باقول لك نبغوا، دول اخترعوا حاجات وماكانوش بيشتغلوا بإيديهم. في ثانية يموتوا ألف.
فرفور :
وافرض في ثانية يموتوا ألف. إنما موش كل واحد عايز يتفحر له ويندفن.
السيد :
برضه لسه متأخر أوي، موش باقول لك نبغوا أوي أوي. دول اخترعوا حاجات تموت وتدفن أوتوماتيكي. كده من غير فحر ولا فاس.
فرفور :
لا والله عرفت تخلف صحيح، دي ذرية صالحة أوي، كله من بركتك، والرك على رضا الوالدين، ده انت زمانك كسبت مكاسب بقى من وراهم ولا مال قارون.
السيد :
كسبت كتير أوي، إنما كنت باصرف كتير. والنتيجة زي ما انت شايف، يا مولاي كما خلقتني، وانت قول لي عملت إيه، مراتك عملت إيه وابنك.
فرفور :
يا أخي قول مراتاتي وأولادي.
السيد :
هم كتير.
فرفور :
ماتعدش، تعرف الهكسوس؟
السيد :
همه؟
فرفور :
تعرف اسبارتاكوس واخواته؟
السيد :
الله، الله، الله، دول ولاد مراتي الرومية شبعوا فيهم دفن.
فرفور :
أهو كل ده تبعي، تعرف كافور الأخشيدي، عنتر بن شداد، أبو زيد، حاقول لك على مين ولا على مين.
السيد :
لا تقول لي ولا أقول لك، سيبك مفيش أحسن من أيام زمان.
فرفور :
موش لما كنت أنا وانت يعني؟
السيد :
أيوه أيوه، أيام لا كان فيه أولاد ولا ستات ولا فلوس ولا زحمة.
فرفور :
إنت واخد بالك.
السيد :
وآديني لقيتك يا فرفور.
فرفور :
وأنا راخر لقيتك يا سيد.
السيد :
إيه رأيك، ما تيجي ننسى اللي حصل كله.
فرفور :
خلاص يا شيخ، ولا كأنه حصل.
السيد :
ونبتدي من أول وجديد.
فرفور :
من أول وجديد، من جديد وأول اللي انت عاوزه.
السيد :
وتندمج؟
فرفور :
وأندمج.
السيد :
خلاص اندمجت.
فرفور :
أتوكل على الله.
السيد :
اسمع يا ولا يا فرفور يا ولا.
فرفور :
إيه، إيه، إيه، بتقول إيه؟
السيد :
باقول اسمع يا وله يا فرفور يا وله، إحنا موش قلنا اندمجنا وحانبتدي؟
فرفور :
حانبتدي إيه؟
السيد :
الرواية، الله.
فرفور :
رواية إيه.
السيد :
الرواية بتاعتنا (ممسكا كتابا ضخما ومشهرا به)
فرفور وسيده، إنت نسيت؟
فرفور :
إذا كان على النسيان ما نسيتش إنما حنبتدي بها ازاي؟
السيد :
زي كل مرة، إنت فرفور وأنا سيد، ياللا ياللا اتوكل على الله، اسمع يا ولا يا فرفور اسمع.
فرفور (بقوة وزعيق) :
عندك، لغاية هنا وعندك.
السيد :
فيه إيه يا وله.
فرفور :
أنا الرواية دي ماليش فيها، فرفور! أعمل فرفور تاني؟! والله لما يقع فيها قتيل، يا أخي ده إيه ده، صح النوم، ده كان زمان.
السيد :
إيه الكلام ده يا فرفور، اوعى تكون اتجننت يا واد ولا حصلك حاجة، هو احنا بنجيب حاجة من عندنا (متناولا الكتاب)
ما الرواية أهه.
فرفور :
بلا رواية بلا كلام فارغ، رواية إيه دي اللي ماسكها لي زلة وكل ما أكلمك تقول لي الرواية الرواية. ملعون أبو دي رواية ألف سنة ميت ألف سنة وانت زاللني بروايتك دي أفحر يا فرفور حاضر، موت يا فرفور حاضر، اطلع يا فرفور، انزل يا فرفور، اردم يا فرفور، ابني يا فرفور، اعيا يا فرفور، اتكسح يا فرفور، اهرش لي ضهري يا فرفور. ملعون أبو الفرافير اللي بالشكل ده.
السيد :
يا ولد احفظ أدبك، عيب تقول كده قدامي.
فرفور :
وملعون أبوك انت كمان.
السيد :
طب أنا أخلي المؤلف ...
فرفور :
وملعون أبو المؤلف راخر، ده مؤلف إيه اللي مألف كل حاجة ضدي، هو أنا كنت قتلت أبوه، ولا أجوزت أمه. ده ولا كأنه صاحب بيت وأنا ساكن عنده، رواية إيه يا عم ومؤلف إيه. لا، لا، لا، بالثلث والرقعة لأ، والإنجليزي والطلياني نو، وبالصعيدي لع.
السيد :
الله، الله، جرى لك إيه يا وله، دا انت مية المية ركبك عفريت. ده انت كنت زي القطة العمية، جرى لك إيه؟
فرفور :
بربشت، بربشت.
السيد :
وبجحت وجحشت وباينك حترفص كمان، إنت شوية شوية تعملني أنا فرفور وانت سيد.
فرفور :
وحيجرى إيه يعني إذا حصل. حتنطبق السما على الأرض؟ حتقوم القيامة؟ حترجع السيجارة بمليم؟
السيد :
تنطبق السما معقول، تقوم القيامة جايز، إنما ترجع السيجارة بمليم ورطل اللحمة بخمسة تعريفة وتبقى انت سيد وأنا فرفور، ده اللي لا يمكن يحصل.
فرفور (مقلدا إياه) :
ده اللي لا يمكن يحصل، (ثم يغضب)
ليه وما يحصلش ليه.
السيد :
تبقى رواية تانية بقى تألفها انت.
فرفور :
أألفها وإيه يعني، إيه يعني يا سيدي أألفها؟ صعبة أوي دي.
السيد :
يا نهارك اسود ومنيل، ما تفوق لنفسك يا وله، إنت موش خايف حد يسمعك، تألف ازاي يا وله؟! بقى انت يا سنكوح يا دودة واقفة على حيلها يا فار ناقصه ديل عايز تألف وتبقى مؤلف؟!
فرفور :
وما أبقاش ليه، إذا كان على البنطلون أقصره، ولا أشمره، ولا إن غلبت فيه أقلعه خالص. وإذا كان على الرواية حيجرى إيه يعني؟ حالبخ؟ مهما لبخت موش حالبخ أكتر من تلبيخ صاحبنا بتاع المشهد الثالث في الفصل العاشر ده، والحلقات ... إلخ، إلخ.
السيد :
أنا ما شفتش بجاحة بالشكل ده. بقى موش عاجبك تأليفه يا وله؟
فرفور :
أنا لوحدي؟ هو يعجب حد؟ طيب نقي لك أي حد من الناس دي واسأله إذا كان فيه مؤلف في الدنيا يعمل عملته دي بزمتكم. يا ناس يا خلق يا هوه، فيه مؤلف يلبخ أكتر من كده، يفرفر واحد كده على طول ويسيد واحد على طول؟ ليه؟ مفيش نظر، مفيش ذوق، مفيش نقاد، ده حتى من باب التغيير، ده الناس تمل، الجدع ده (مشيرا إلى متفرج)
سامعه بوداني بيمل، بقاله ساعة نازل مل.
السيد :
لا حول ولا قوة إلا بالله، بقى موش ده المؤلف اللي كنت مطلعه السما يا فرفور، موش ده اللي كنت بتشوفه تركع، خلاص، ماعادش عاجبك تأليفه، دانت موش فرفور اللي أعرفه أبدا، دا انت اتغيرت خالص، إيه يا واد اللي غيرك كده.
فرفور :
غيرني اللي بيغير الناس.
السيد :
وإيه اللي بيغير الناس؟
فرفور :
الناس.
السيد :
يعني اتغيرت؟
فرفور :
نهائيا.
السيد :
طيب وبعدين؟
فرفور :
ولا قبلين، ولا تلاتة ولا أربعة ينفعوني.
السيد :
ناوي تشتغل ولا موش ناوي؟
فرفور :
إذا كان على الشغل أشتغل للصبح، إنما أشتغل فرفور لأ.
السيد :
ضايقتني بقى يا أخي، دي حاجة تفلق، الله، هو انت بناموسة يابني موش كده، هو كل مرة لازم تعملها وتفرج علينا الناس. ما تهجع بقى وتخليها تفوت على خير.
فرفور :
لأ.
السيد :
يا ابني ده مؤلفنا عصبي، وكلمة والتانية دمه بيفور.
فرفور :
لأ!
السيد :
والفتوات بتوعه صعب أوي، عينك أهه، شوية شوية كانت حتتصفى.
فرفور :
لأ.
السيد :
لأه تلؤك، لأ ليه؟
فرفور :
أنا كده، أنضرب أتهزأ أتبهدل تورم عيني يدشدش نافوخي، إنما لأ.
السيد :
ولزوم العند ده كله إيه؟
فرفور :
موش عندي أنا، عنده هو، أنا لا عاندت ولا اتجائرت ولا اتهببت، أنا بس عايز أفهم.
السيد :
تفهم إيه؟
فرفور :
عايز أفهم أنا فرفور ليه، وانت سيد ليه.
السيد :
إنت بتهزر حضرتك؟
فرفور :
هو فيه جد أكتر من كده، باقول لك عايز أفهم.
السيد :
واحنا بتوع فهم يا ابني، إحنا بتوع تمثيل.
فرفور :
أهو أنا بقى قررت أني ما أمثلش إلا إذا فهمت، لازم أفهم أنا فرفور ليه وانت سيد ليه.
السيد :
أما حاجة تضحك صحيح. ما قال لك المؤلف إن الرواية كده تبقى الرواية كده وخلاص.
فرفور :
خلاص دي ما تنفعنيش، أنا عايز أفهم. رواية على عيني، مؤلف سيدي وتاج راسي، إنما عاوز رواية أفهمها، ومؤلف يقنعني.
السيد :
يقنعك بإيه؟
فرفور :
بكل حاجة، وأول حاجة انت، حضرتك، سيادتك، فخامتك، إنت، إنت، إنت سيد ليه؟ وأنا أنا، وأنا هو أنا، أنا فرفور ليه؟
السيد :
ما قال لك يا ابني، لأن لازم كل سيد يبقى له فرفور.
فرفور :
ولازم ليه.
السيد :
لأن كل فرفور لازم يبقى له سيد.
فرفور :
ويبقى له ليه؟
السيد :
أهو كده، لازم يعني لازم.
فرفور :
في الرواية يعني.
السيد :
الرواية وغير الرواية، كله، كله، لازم كده، كله كده، كل واحد يا تلقاه سيد، يا تلقاه فرفور، وكل فرفور له سيد، وكل سيد له فرفور، واهي ماشية كده.
فرفور :
هي مين اللي ماشية كده؟
السيد :
الرواية.
فرفور :
تبقى غلط.
السيد :
غلط موش غلط، إحنا موش جايين نصحح، إحنا جايين نشتغل، مالناش دعوة بيه، وسببه إيه والمؤلف قال كده ليه وبقى لنا ساعة نلت ونعجن وسايبين الرواية. ماعادش عندنا وقت، إحنا يادوبك لسه بنبتدي وقدامنا كتير، كتير أوي، وكلام اتكلمت ياما، وملاوعة لاوعتني كتير، ناوي تشتغل ولا أندهلك المؤلف يعرف شغله معاك؟
فرفور :
لأ.
السيد :
فرفور.
فرفور :
لأ.
السيد :
ذنبك على جنبك بقى، يا حضرة المؤلف، يا سيدنا يا مؤلف، يا أعظم وأروع وأفخم مؤلف.
أصوات (من الخارج) :
ما تتعبش نفسك، ده مشي من زمان (فرفور يضحك) .
السيد :
مشي؟ مشي راح فين؟
أصوات :
ما نعرفش.
السيد (مشيرا إلى فرفور في غيظ أن يسكت) :
وييجي امتى يا اخوانا؟
الأصوات :
ما نعرفش، يمكن بكرة، يمكن بعده، يمكن بعد سنة، ألف، ما يجيش، ما نعرفش.
السيد :
أمال نعمل احنا إيه؟
أصوات :
دبروا نفسيكم.
السيد :
ندبر نفسنا ازاي؟
أصوات :
ما نعرفش.
فرفور :
اديله، ميت فل على كده.
السيد :
بقى ده اسمه كلام، يعملها فينا كده، بقى يألفنا ويسيبنا ويمشي، طيب نعمل إيه دلوقت؟ (فرفور أثناء هذا الكلام يكون مشغولا بالتنفيس عن فرحه وارتياحه بالقيام باستعراضات والقفز في الهواء والدحرجة على الأرض.)
نتصرف ازاي، ما تنطق يا بجم انت وتقول نتصرف ازاي.
فرفور :
لا، عندك، ده كان زمان يا حبيبي، دلوقت تقول لي بجم، أقول لك ستين ألف مليون بجم، تفتح في، أحط صوابعي في حبابي عينيك.
السيد :
ما كنت بعقلك يا واد وأدبك، جرى لك إيه؟
فرفور :
كنت بخوفي وانت الصادق، إنما دلوقت أنا حر، أنا خلاص أنا موش بني آدم، أنا بني نفسي، الحمد لله، ما عادليش مؤلف، يا سلام يا ولاد، دي حكاية إن الواحد يتألف دي رزلة رزالة، أجمل حاجة في الدنيا إنك تحس كده إنك مؤلف نفسك، إنت تقدر تعملها زي ما انت عايز.
السيد :
لأ، حيلك حيلك، مؤلف نفسك ده إيه، هي فوضى، إذا كان المؤلف مشي فالرواية لسة موجودة، إنت فاهم إيه؟
فرفور :
رواية مين يا عم وبتاع مين، ده كان قبل الحرب الكلام ده، رواية من غير مؤلف وفتوات ولا تساوي عندي حاجة.
السيد :
يا واد عيب بلاش تلبيخ، يعني لما كان هنا كنت ماشي زي الكلب، دلوقت خلاص، آه منك يا جنس فرفور ما يخافش إلا بعنيه، خلاص يعني، راجل مؤلف كبير مشغول، تلقاه راح مشوار كده ولا كده، نقوم احنا خلاص العب يا فار، لا، حيلك، فز، قوم اصلب حيلك خلينا نشوف شغلنا.
فرفور :
قوم انت لوحدك، أنا كده قاعد مستريح أوي.
السيد :
فرفور.
فرفور :
أنا موش فرفور.
السيد :
يا واد عيب، أنا سيد.
فرفور :
ولا انت سيد، أنا دلوقت بني آدم زيي زيك تمام.
السيد :
ما انت بني آدم، بني آدم آه، إنما في الرواية فرفور.
فرفور :
يبقى ماليش فيها، مثلها انت لوحدك.
السيد :
ما هي المصيبة إن ما ينفعش أمثلها لوحدي، هو لو كان كده كنت سألت فيك، المصيبة أن لا بد مننا احنا الاتنين.
فرفور :
ولا بد ليه؟
السيد :
هي كده، وموش هي بس، أي رواية عايزة على الأقل اتنين.
فرفور :
دي الروايات القديمة بتوع زمان، دلوقتي فيه مؤلفين بيعملوا روايات يمثلها واحد لوحده بس، دي حتى فيه أحدث من كده بكتير، بيعملوا دلوقت روايات مافيهاش ولا حد أبدا ... الدنيا اطورت أوي أوي، والناس اتقدمت، وانت بس اللي راكن عند رواية أخينا ده اللي حتى هو نفسه سابها ومشي.
السيد :
قول فيها اللي تقوله، بس لازم تعرف إننا دلوقت ما عندناش غيرها. والناس أهي قاعدة مستنية من الصبح، ولا بد نبتدي نشتغل وإلا انت سيد العارفين يحصل لنا اللي حصل في الإسماعيلية.
فرفور :
لأ، كله إلا الإسماعيلية دي، بلاش والنبي.
السيد :
خلاص، قوم نشتغل.
فرفور :
هو أنا رفضت أشتغل.
السيد :
الحمد لله، يعني خلاص بقى.
فرفور :
خلاص إيه.
السيد :
تندمج بقى ونبتدي الرواية.
فرفور :
وأبقى فرفور برضه؟
السيد :
أمال يعني ست الحسن والجمال!
فرفور :
لا يا عم، يفتح الله.
السيد :
اسمع يا فرفور، أنا فاض بي خلاص، وماعنتش قادر بقى أكلمك كلمة واحدة، أقسم بالله إن هاين علي أخبطك خبطة أجيب أجلك.
فرفور :
تعملها، والله تعملها، مين عارف يمكن تطلع لأولادك وتعملها، والله يمكن تطلع لأولادك وتعملها.
السيد (ينظر إليه بغيظ شديد) :
اسمع، أنا من جهتي حاشتغل وحاقوم بدوري وأرضي ضميري.
فرفور :
تعرف، تعرف يا عم سيد انت عيبك إيه، هم كتير كتير صحيح، إنما عيبك الناطق أوي إنك دايما كده، موش عارف ليه زي اللي عليه ضميره، باين عندك تضخم شوية في ضميرك، ما تشيله يا أخي وتريحنا، وحياة سيدي أبو الريش بيعملوا عمليات في أمريكا دلوقت يستأصلوا بيها الضمير، أصله لقيوه بيقصر العمر.
السيد :
أنا حابتدي الشغل أهه يا فرفور.
فرفور :
الراجل ده موش عارف ليه بيفكرني بخالتي نبوية، كانت تخينة كده وعندها ييجي 18 عيل، وطول النهار عاقدة بوزها، وعليها تكشيرة كنت كل ما أشوفها أموت على نفسي من الضحك، أصلي بقيت أقول في سري منين جد كده ومنين خلفت كبشة العيال دي كلها، ودي كانت بتعمل كده وهي مكشرة برضه وعاقدة بوزها، ومن يومها كل أما ألاقي واحد جد أوي أوي ومكشر، أموت على نفسي من الضحك.
السيد (بجدية وخطورة وتكشيرة) :
اتق غضب الحليم يا فرفور. (فرفور يقهقه من أعماق قلبه.)
السيد :
لآخر مرة يا فرفور، أنا بأقول لك أنا حابتدي أهه، أنا دلوقت قعدت وحطيت رجل على رجل ونفخت صدري. و... اسمع يا وله يا فرفور يا وله.
فرفور (للجمهور مقلدا القطة) :
نو، حد معاه قطة، أنا سامع قطة بتنونو.
السيد :
باقول اسمع يا وله يا فرفور يا وله.
فرفور :
حد فيكو سامع حاجة، أنا شخصيا موش سامع.
السيد (منفجرا) :
إنت عايز تجنني يا وله، عايز تقتلني، عايزني أنشل، ما ترد علي يا وله.
فرفور :
أيوه، أفندم، مالك، عايز إيه؟
السيد :
حتشتغل ولا موش حتشتغل؟
فرفور :
أي حاجة تانية مستعد أشتغل، إنما إذا كان فرفور وسيد مش مستعد.
السيد :
موش مستعد ازاي؟
فرفور :
اعتبرني مضرب، من حقي كده يا أخي، هه، أنا مضرب أهه، أنا مضرب إلى أن تتغير الرواية، وحتى ذلك الحين أرجو لكم أطيب الأوقات والسلام عليكم ورحمة الله.
السيد :
إنت فاهم يعني إنك حتغيظني، طيب ما تضرب، إنت حر، ولا شعرة مني حتنهز، دا أنا كمان غيظة فيك مضرب أنا راخر، يعني لو قلت لي ياللا نشتغل موش حارضى. أما نشوف مين بقى اللي حيتغاظ، إنت عارف كويس أوي إن مفيش شغل يعني مفيش فلوس، والله لأسيبك لما تمد إيدك تشحت، مضرب قال، ما تضرب، بتهددني أنا، ما عنك ما اشتغلت، هو انت بتشتغل لي، إنت حر (فرفور مشغول عنه بالقيام بحركات يحاول بها أن يضع جسده مثل فقراء الهنود في أكثر المواضع تعذيبا وإيلاما) .
السيد :
تنام على حد الفاس، تنام على مسامير، تاكل سحالي، والله لأفضل وراك لما أخليك تعمل زي مجاذيب الحسين، يا أنا يا انت.
فرفور (لنفسه) :
لو موش جعان كنت هريت بدنك. إنما لو ... والله لو حكمت أربط حجر على بطني.
السيد :
ساكت ليه يا فرفور ، جعان ولا خرمان، ولا راكبك الهم من الفلس، تحب أسلفك؟ (يخرج محفظة ضخمة من جيبه)
يا نهار اسود، دا أنا راخر المحفظة مابقاش فيها غير عشرة جنيه ... إنما معلهش، عبال ما أبتدي أنا أحس بالجوع يكون هو بيطلعوا له شهادة الوفاة.
صوت زوجة السيد :
يا حبيبي النهاردة خمسة في الشهر (بصوت مؤدب من خلف الستار)
وما ادتنيش المصاريف، إنت موش عارف إن الشهر ده عندنا كمان فلوس الخياطة، اعمل حسابك، أنا حابتدي أزعل أهو، وإذا ما جبتش الفلوس بكرة، ما أقدرش أقولك بقى أنا حاعمل إيه.
فرفور في حالة إضراب بينما السيد يهدده.
صوت زوجة فرفور :
بقى بذمتك موش مكسوف من روحك، باعت لي نص فرنك مع الواد، أعمل بيه إيه النص فرنك ده، أفكه وأدفع منه أجرة الأودة، وكل ما أكلمك تقول لي بكرة تفرج. والنبي، وحياة الإمام الشافعي، وستنا سكينة، إن جيت بكرة من غير فلوس لموكلاك انت وولادك طين، والنبي لأعملها وبكرة تشوف.
صوت زوجة السيد :
لأ، اسمح لي بقى، ده كلام ماعادش ينفعني: هدوم الشتا وقلنا نأجلها للصيف، إسكندرية وقلنا بلاش، نبقى نروح حمام السباحة في مينا هاوس، إنما توصل لحد إننا ناكل عيش بلدي، ده اللي لا يمكن، أنا عمري ما أعرف العيش البلدي ده، ولا عمري دقته، لأ ... شوف لك طريقة يا جوجو، أنا ما أقدرش أستحمل دقيقة واحدة كمان. (تدخل المسرح ووراءها أربع فتيات، الأولى تحمل طفلة صغيرة، والثانية ترتدي ملابس الخادمة، والثالثة ملابس الفام دي شامبر والرابعة ملابس الممرضة.)
السيدة :
فين الفلوس؟
السيد :
مفيش فلوس.
السيدة :
ليه، بتصرفهم على حد تاني؟
السيد :
ولا تاني ولا تانية، مفيش فلوس علشان مفيش شغل.
السيدة :
ومفيش شغل ليه، الناس بطلت تموت؟ الميكروبات واخدة إجازة؟
السيد :
أبدا، حضرته عامل إضراب.
السيدة :
ليه، إضراب ليه؟
السيد :
موش عاجبه يشتغل فرفور.
السيدة :
وموش عاجبه ليه؟
السيد :
أنا عارف، اسأليه.
السيدة :
أنا باسألك انت، تقوم انت اللي تجاوب، موش عاجبه ليه؟
صوت زوجة فرفور :
هو فين ابن فردة الوطي ده، بقى حصلت إنه يبات برة. (تدخل المسرح ووراءها جيش من الأولاد والصبية الحفاة الممزقي الثياب)
لو راجل ما يعملش كده، كل اللي هو شاطر فيه أنه يعمل لي ديك ويخلف لي في السنة عشرة. لما يجوعوا دول، أوكلهم ازاي؟ هو فين ابن ... (تكتشف أنه راقد)
يه، يه، يا مصيبتك السودة، يا نهارك اللي شبه ليلك، وليلك اللي أسود من وشك، بقى نايم لي هنا ولا على بالك (تفقع بالصوت)
يا خيبتك يا أم الفرافير، يا ميلة بختك، يا وكستك يا بعيدة.
فرفور (مفيقا من حالة الإضراب) :
جرى إيه يا ولية حد مات لك؟
الولية :
إنت.
فرفور :
أنا عايش أهه يا ولية.
الولية :
إنما حاموتك حالا دلوقتي، بقى سايبنا يا راجل كده وجاي تنام هنا.
فرفور :
أنا موش نايم يا ولية، أنا مضرب.
الولية :
إن شا الله والمعين الله تنضرب البعيد في نضرك، مضرب مين، وضاربه ليه، وضربك امتى؟
فرفور :
مضرب عن العمل، ثم بلاش دعاوي أصلك طويلة كده وقريبة م السما وصوتك مسرسع وأسرع م البرق، يمكن دعوتك توصل.
الولية :
مضرب عن العمل ليه؟
فرفور :
علشان الراجل ده عايز يشغلني عنده فرفور على طول.
الولية :
وماله.
فرفور :
بس قبل أي حاجة سرحي الولاد دول من هنا. ياللا يا واد انت وهو يا وله، فضوها خلاص، ياللا، انصراف، مفيش قزازة بوليس نجدة، ياللا يا واد انت وهو، ياخويا مالهم عاملين كده ليه، بقى معقول أنا مخلف الواغش ده كله، والله أنا قلبي بيقولي لي إن تلاتة أربعة من العيال دول داخلين غلط في عيالنا، ياللا، ياللا، بيتك بيتك، اديهم اديهم الأمر يا ولية.
الولية :
أصل دول زي أبوهم، ما يجوش بالذوق، ما تياللا يا ولاد ستين كلب انت وهو. (يجري الصغار مهرولين إلى الخارج.)
فرفور (في سره) :
كلب لما يجرك من زمارة رقبتك.
زوجة فرفور :
بتقول إيه؟
فرفور :
أنا؟ إن شالله يتربط لساني في سقف حلقي إذا كنت قلت حاجة.
زوجة فرفور :
بتقول إنه عاوز يشغلك فرفور، وماله، فيها إيه .
فرفور :
فيه حاجات ما تفهميهاش، فيها يا ستي.
زوجة السيد :
له حق يا أخي.
زوجة فرفور :
هي العين تعلا على الحاجب يا راجل انت.
زوجة السيد :
الكلام ده كان زمان، إيه اللي سيد فرفور.
زوجة فرفور :
ده حتى صوابعك مش زي بعضها.
زوجة السيد :
متى استعبدتم الناس يا جوجو وقد ولدتهم ماماتهم أحرارا، فوق لنفسك بقى.
زوجة فرفور :
فيه ناس أسياد ضروري وناس زيك كده، ما ينفعوش إلا فرافير.
زوجة السيد :
الدنيا اتطورت واتغيرت واتقدمت.
زوجة فرفور :
فيه الرجالة وفيه اللي بيسموهم أبو الرجالة.
زوجة السيد :
ده ملك فرنسا قطعوا رقبته وقالوا حرية وإخاء ومساواة، ما تصحى بقى.
زوجة فرفور :
فيه يا أخي الناس الدهب وفيه النحاس، وفيه ناس صفيح نصهم صدا زيك كده.
زوجة السيد :
ده موش سنة الكون ولا حاجة، ده كلام قالوه زمان، إحنا ولاد النهاردة، ماعادش فيه خيار وممبار، أنا زيك وانت زيي.
زوجة فرفور :
ما التور ولا مؤاخذة أقوى من البني آدم اللي زيك، وبيشتغل أكتر، إنما مين اللي بيشغل التاني، هو.
زوجة السيد :
إنت إنسان وهو إنسان، سيد وفرفور دي مش موجودة إلا في عقول بعض الناس اللي متصورين نفسهم أحسن من الناس وأذكى من الناس.
زوجة فرفور :
إنت صحيح بتشتغل كل الشغل، بس هو كمان بيشغل مخه علشان يشغلك، فاللي بيشغل مخه يبقى سيد، واللي بيشغل جسمه يبقى فرفور.
زوجة السيد :
وحتى لو انت أذكى مني، مين قال إن ده يديك الحق إنك تتحكم في.
زوجة فرفور :
وآدي انت زي ما انت شايف، منين ما تروح حيشغلوك فرفور.
زوجة السيد :
كون إنسان ممتاز زي ما انت عايز، إنما ذنبي إيه أنا ياللي موش ممتاز.
زوجة فرفور :
يبقى في الحالادي السيد اللي تعرفه أحسن من اللي ما تعرفوش، وفرفور حي ياسي فرفور ولا ألف سيد ميت من الجوع.
زوجة السيد :
إنت ما بتعرفش تشتغل يا جوجو، واحنا بناكل من شغله.
زوجة فرفور :
وأهو كله شغل بناكل منه عيش، وإذا ما اشتغلتش حنموت من الجوع .
زوجة السيد :
ياللا قوم صالحه.
زوجة فرفور :
هم ليهم الدنيا يا فرفور، واحنا لينا الآخرة.
زوجة السيد :
شوفه عايز إيه وخليه يعمله، مفيش أدوار، شوفوا رواية تانية.
زوجة فرفور :
في الآخرة حنبقى احنا الأسياد وهم الفرافير، بس المسألة عايزة شوية صبر، موش بيقولوا إن الله مع الصابرين، أهو احنا الصابرين دول، فرافير الدنيا وأسياد الآخرة، اللي صبروا ونالوا، إحنا الكسبانين.
زوجة السيد :
بلاش العند بقى أحسن حيودينا كلنا في داهية، ياللا قوم صالحه ياللا أمال، يادوبك ألحق أنا ميعاد بروفة الخياطة.
زوجة فرفور :
قوم يا فرفور، اعمل لك مروة واتحرحر، ماله كده عامل زي اللي حيسقوه شربة الدود، قوم يا فرفور أمال اخزي الشيطان.
زوجة السيد :
خلاص يا جوجو بقى خليك البادي، ياللا يا ماي سويتي دارلنج.
زوجة فرفور :
إذا كان لك عند الكلب حاجة يا فرفور، تقوله يا إيه، ما تنساش.
السيد (يواجه فرفور) :
أنا موش عارف أقول لك إيه.
فرفور :
وأنا راخر برضه موش عارف.
السيد :
أنا مكسوف يا فرفور.
فرفور :
وأنا مكسوف يا سيد. تيجي ما تنكسفش ونبص لبعض واللي يحصل يحصل؟
السيد وفرفور :
ياللا ...
فرفور (معا وهما يستديران) :
أنا مستعد أعمل كل اللي انت عايزه.
فرفور :
وبعدين بقى دا احنا بالطريقة دي موش حنخلص، اسمع يا ولا يا سيد، إنت مصر يعني إني لازم أشتغل فرفور؟
السيد :
أبدا، أبدا، بلاش فرفور خالص، بلاش الرواية كلها إذا حبيت، على كيفك.
فرفور :
حظك وحش يا سيد.
السيد :
ليه يا فرفور؟
فرفور :
لو كنت استنيت همسة كنت اتنازلت أنا، وقلت لك أنا مستعد أشتغل معاك فرفور العمر كله، إنما دلوقت خلاص يا حلو، إنت اتنازلت لي خلاص وما دام نطقت بها بقى التنازل رسمي.
السيد :
بقى تخليني أدلق كده وتضحك علي، طيب أنا ساحب كلامي.
فرفور :
لأ، لأ، لأ، بقى ده كلام ده، بقى واحد زيك قعد سيد شوف كام ألف سنة على حد قولك، يقوم يسحب كلمته، يصح كده؟
السيد :
موش أحسن ما كلمته تسحب منه السيادة.
فرفور :
إذا سحبتها ضاعت منك السيادة، وإذا خليتها تبقى انت اللي بتتنازل عنها وكيفكان هي رايحة رايحة، فتفضل إنها تضيع ولا إنك تتنازل عنها؟
السيد :
كروتني في دي رخرة كمان، معلهش، كله يتعوض، يعني احنا بقى خلاص، سيبنا الرواية وبقينا لا سيد ولا فرفور.
فرفور :
مع ألف سلامة (ملقيا بالكتاب إلى جانب المسرح)
مع ألف سلامة.
السيد :
ونقف كده من غير رواية؟
فرفور :
مين قال لك من غير رواية.
السيد :
أمال هو فيه رواية تانية؟ عندك رواية؟
فرفور :
لأ، ماعنديش.
السيد :
أمال رواية تانية إيه بقى.
فرفور :
اللي حنألفها احنا.
السيد :
أهو ده عيبك يا فرفور، إنك تيجي ساعة الجد وتهزر، نألفها إيه، هو احنا نعرف نألف جملة واحدة، كلمة حتى، لما عايزنا نألف رواية، وامتى؟ دلوقتي كده واحنا واقفين قدام الناس؟ نألفها كده ونندمج فيها ونمثلها وكل ده في وقت واحد، ليه، كانوا قالوا لك علينا عباقرة.
فرفور :
إنت بتعقدها أوي، دي بسيطة يا شيخ ولا عايزة عبقرية ولا حاجة، دا انت حتلاقيها سهلة بشكل.
السيد :
سهلة إيه بس، وتأليف إيه، هو ده معقول إن اتنين يقعدوا يألفوا كده مع بعض.
فرفور :
لأ، ما احنا حنقسمها.
السيد :
نقسمها ازاي؟
فرفور :
واحد يألف الأدوار، والتاني يختار، تحب بقى تألف انت وأختار أنا، ولا أألف أنا وتختار انت؟
السيد (لنفسه) :
أما عبيط صحيح، طيب أنا أنقي أسهل شغلة بقى ... ألف انت يا سيدي وأنا أختار.
فرفور (لنفسه) :
أما عبيط صحيح، هو موش عارف إن اللي حألفه مافيهش خيرة ولا حاجة ... شوف بقى يا سيدي، لأ، ما تنفعش دي، دي زلة لسان، إحنا من هنا ورايح زي ما اتفقنا لا فيه سيد ولا فرفور، خدت بالك بقى احنا لا حنعمل زي المؤلفين ونسرح ونحلم، ونخرف ولا كلام من ده، إحنا حنبتدي على طول بالحقيقة، بالموجود.
السيد :
والموجود ده إيه؟
فرفور :
أنا وانت.
السيد :
يعني فرفور وسيد.
فرفور :
إنت حتستعبط، أنا راجل وانت راجل، نبقى إيه، راجلين. أدحنا أهه، أنا وانت، وانت وأنا زي بعض تمام.
السيد :
كويس أوي، وبعدين.
فرفور :
وبعدين بقى نشتغل زينا زي بعض تمام، لا انت سيدي ولا أنا سيدك.
السيد :
قصدك يعني نبقى احنا الاتنين فرافير؟
فرفور :
ما بلاش الأسامي القديمة دي، ولا أقول لك يعني انت جيت في جمل، افرض اننا يا سيدي الاتنين فرافير.
السيد :
كويس أوي، ومين بقى حيبقى السيد؟
فرفور :
سيد إيه ده كمان، مفيش أسياد، كل واحد سيد نفسه، فرفور نفسه وسيد نفسه.
السيد :
بس؟
فرفور :
مابسش، ياللا، آدي احنا أهه، من أول وجديد، يا مولاي كما خلقتني، لا مؤلف ولا رواية ولا يحزنون، نشتغل بقى.
السيد :
نشتغل إيه؟
فرفور :
في صنعتنا برضه، تربية، ياللا ضهري في ضهرك وفاسك في إيدك وفاسي في إيدي ... وتوكلنا على الله. (ويرفعان فأسيهما فيصطدمان.)
فرفور :
ده شغل ده يا جدع، ما تشتغل كويس.
السيد :
احنا مش اتفقنا، ماحدش له كلمة على التاني، كل واحد سيد نفسه، اشتغل بقى يا سيد نفسك (يبدآن في العمل، فرفور يترك الفأس ويهم بالحديث، ولكن نظرة من سيده تعيده إلى عمله ... السيد يتوقف فينظر له فرفور بحدة واتهام فيشير له بأنه يريد أن يهرش مكانا في ظهره. يحاول فلا يستطيع، يطلب من فرفور، يرفض فرفور بشدة، فينتهز السيد فرصة تلاقي ظهراهما أثناء الاعتدال ويحك ظهره في ظهر فرفور، فرفور يغتاظ من تكرار العملية فينحني مرة ولا يعتدل بينما السيد قد وقف واعتدل ودفع نفسه إلى الوراء ليحك ظهره بظهر فرفور فيقع على ظهر فرفور الذي يعتدل بها وينتظر أن يغادر ظهره بعد ما وقف، ولكنه يظل ملتصقا به، فينحني فرفور ليفحر ويظل السيد أيضا لاصقا بظهره، يقف فرفور ويبدأ في الانحناء وحين يجد الآخر لا يزال لاصقا بظهره يعود إلى الوقوف ثم يدفع السيد إلى الأمام ليجبره على الانحناء ثم بسرعة وبخفة يعتدل تاركا السيد منحنيا. ينحني هو الآخر ويظل منتظرا أن يعتدل السيد، ويظل السيد منتظرا أن يعتدل فرفور، فرفور ينتهز الفرصة مرة ويعتدل بسرعة فيعتدل الآخر، ولكن فرفور يكون قد عاد إلى الانحناء) .
السيد :
اسمع يا فرفور.
فرفور :
ولا كلمة، اشتغل.
السيد :
عايز أكلمك.
فرفور :
وانت بتشتغل.
السيد (ينظر إليه بغيظ ويعود للعمل) :
وبعدين يا فرفور، حنفضل نشتغل كده؟
فرفور :
أيوه، حنفضل نشتغل كده.
السيد :
عاجبك كده؟
فرفور :
أنا عندي كده أحسن مليون مرة من إني أشتغل لوحدي، وانت تسيد علي.
السيد :
ما احنا يا فرفور ياخويا لازمنا حد يسيد علينا.
فرفور :
لازمنا ليه، مالوش لازمة أبدا.
السيد :
على الأقل يقول لنا نشتغل امتى ونبطل امتى.
عبد الرحمن أبو زهره في دور الميت.
فرفور :
كل واحد يقول لنفسه.
السيد :
طيب أنا أهه، حاقول لنفسي بطلي يا نفسي ... خلاص بطلت.
فرفور :
ودي مرجلة دي، ما تشتغل يا جدع زي الناس.
السيد :
مالكش كلام علي، كل واحد سيد نفسه.
فرفور :
ما هو اعمل حسابك، لو ما اشتغلتش مفيش أكل.
السيد :
وهو فين الأكل، يعني شايف الزباين نازلة ترف، ما هو احنا بقى لنا يوم بطوله عمالين نشتغل على الفاضي.
فرفور :
ولا يهمك، زمانهم جايين في السكة، أنا شايف هللولة جاية من بعيد أهه، وواحدة نازلة صويت، ده لازم ميت سقع، اشتغل بقى ياللا.
السيد :
وحايعرفوا إن احنا هنا ازاي، موش لازم واحد مننا يشتغل والثاني يروح يقابلهم.
فرفور :
مفيش كلام من ده، إحنا الاتنين نشتغل، وعشان يعرفوا مكاننا أهه، نعلق يافطة ... هنا تربية القبور لصاحبيه فرفور وفرفور. (تدخل جنازة مكونة من ثلاثة رجال يحملون ميتا في كفنه بلا خشبة، وإنما اثنان منهم يحملان من ناحية والثالث يحمله من عند قدميه، الميت هو نفس الشخص الذي كان سارحا بنفسه في الفصل الأول، وخلف الجنازة أرملة الفقيد متشحة بالسواد معفرة الوجه معصوبة الرأس بين يديها وشاح أسود تندب به.)
القادمون :
سلامو عليكم يا جماعة.
فرفور : ... سلام ورحمة الله.
السيد : ...
فرفور :
أنا بيتهيألي إننا شفنا الجدع ده قبل كده.
السيد :
يعني حنكون شفناه فين يا أخي.
فرفور :
مش فاكر، إنما بيتهيألي يعني بيتهيألي إن الراجل ده اشتغلنا مرة عليه، مش فاكر الخمسين قرش.
السيد :
أنهي خمسين قرش؟
فرفور :
لما كانت مزنقة أوي مرة.
السيد :
أنهي مرة؟
فرفور :
لما كنا عايزين ميت نشتغل عليه.
السيد :
أنهي ميت؟
فرفور :
عندك حق، ما هم كتير، الواحد حيفتكر إيه ولا إيه.
الميت (يميل برأسه محدثا فرفور وسيده) :
إنتم تربية قبور.
فرفور والسيد :
أيوه يا عم يلزمك خدمة؟
الميت :
عندكم دفنة كويسة؟
فرفور والسيد :
أوي أوي، أحسن دفنة في السوق.
فرفور :
تحب تندفن دور أرضي؟
السيد :
والله بدروم أحسن، كل ما وطيت يكون أحسن.
فرفور :
وتحبها دفنة صيفي كده؟
السيد :
والله ننقي لك الغطا شتوي؟
فرفور :
وتحبها على البحري؟
السيد :
ولا صعيدي قبلي؟
الميت :
إيه ده يا أخويا ده، فين المعلم بتاعكو؟
فرفور والسيد :
احنا الاتنين معلمين.
الميت :
أمال فين الصبيان بتوعكم؟
فرفور والسيد :
ما احنا برضه الصبيان.
الميت :
إيه اللخبطة دي، هي الآخرة برضه ملخبطة زي الدنيا، إنتو يا جماعة انتو، إنتو من أهل الدنيا ولا من أهل الآخرة؟
فرفور والسيد :
بين بين.
الميت :
ما هو أنا ما بينفعنيش الكلام ده، (لحامليه)
نزلوني يا أولاد.
زوجة الميت :
يا حبيب عيني، ماكانش يومك اليوم ده يا سبعي.
الميت :
اسكتي يا ولية انتي رخرة وانتي ملخبطاني كده دنيا وآخرة، استني أما نشوف حكاية الناس دي إيه، إنتو حكايتكم إيه انتم الاتنين صبيان، وانتو الاتنين معلمين، والله ده لا شغل صبيان ولا شغل معلمين.
فرفور والسيد :
أمال شغل إيه؟
الميت :
شغل عيال، ما تشوفوا لي أمال واحد أتكلم معاه.
السيد (لفرفور) :
جالك كلامي، موش قلت لك لازم واحد مننا يفحر والتاني يتفق.
فرفور :
مفيش كلام من ده، نشتغل سوا سوا ونتكلم سوا سوا.
السيد :
أهو عايز واحد بس يتكلم معاه.
فرفور :
واحنا على مزاجه، هو اللي لازم يمشي على مزاجنا.
الميت :
اتفقتوا؟
فرفور والسيد :
أيوه، اتفقنا.
الميت :
أتكلم مع مين فيكم بقى؟
فرفور والسيد :
معانا احنا الاتنين.
الميت :
أنا عايز واحد.
فرفور والسيد :
الاتنين.
الميت :
واحد.
فرفور والسيد :
الاتنين.
الميت :
ما هو يا واحد أكلم معاه يا أسيبكو وأشوف غيركم.
السيد :
شفت بقى .
فرفور :
سيبه يروح مطرح ما يروح.
السيد :
يروح ازاي، وتضيع شغلنا طول النهار على الفاضي.
فرفور :
وبعدين؟
السيد :
نسمع كلامه، وأكلم أنا معاه.
فرفور :
لا يمكن.
السيد :
حايمشي.
فرفور :
يمشي أحسن ما يمشي كلامه علينا.
السيد :
احنا مضطرين.
فرفور :
يبقى نتكلم معاه بالدور، أنا مرة وانت مرة.
الميت :
خلاص اتفقتوا.
فرفور والسيد :
أيوه اتفقنا.
الميت :
حاتكلم مع مين؟
فرفور :
مع اللي ييجي عليه نبطشية الكلام.
الميت :
بقى أنا يا ولية موصيكي ومشدد عليكي تدفنيني في الغفير تقومي تجيبيني في الخانكة، نهايته، وريني بقى ياخويا القبور اللي عندكم.
فرفور :
والله احنا مفصلين حتة قبر، إنما الواحد يحب يدفن فيه بالحيا.
الميت :
مفصلينه لمين بقى؟
السيد :
لواحد باشا محترم أوي من باشوات زمان.
الميت :
وما اندفنش فيه ليه؟
فرفور :
طلع ضيق عليه من الوسط حبتين.
الميت :
نشوفه.
السيد :
اتفضل جربه. (الميت يحاول تجربة القبر.)
الميت :
قبر إيه ده، ده لا يساع باشا ولا دقن الباشا، ده جحر فأر، ده ما يسعش صرصار، دا إيه القرف ده، إنتو شغلكوا يقرف.
فرفور :
ديهدي، ومالك بتشخط كده ليه، إياك فاكرنا بنشتغل عندك.
الميت :
طبعا بتشتغلوا عندي، اللي يفحر لي قبري زي اللي يفصل لي كفني زي اللي يمسح لي جزمتي، يبقى بيشتغل عندي.
فرفور :
لأ احنا مش بنشتغل عندك.
السيد (مقاطعا فرفور) :
دي نبطشيتي دي، لا يا عم، إحنا بنشتغل عند نفسينا.
الميت :
لأ، عند نفسيكم بقى لما تكونوا بتعملوا قبور لنفسيكم، إنما ما دام بتعملوها لي ولغيري تبقوا بتشتغلوا عندي وعند غيري، وسواء كده أو كده صراحة شغلكم يقرف، اسمعوا بقى يا تلقولي واحد أوسع من ده شوية وأقصر نص متر بحاله يا أرفدكوا وأشغل غيركم، قلتوا إيه؟
السيد :
قلت إيه يا لمض؟
فرفور :
بقى راجل معصفر كنا بنشتغل عليه زي ده يشغلنا عنده فرافير على آخر الزمن.
السيد :
ما هو الشغل كده، ما دام تبتدي تشتغل يبقى لازم حتشتغل لغيرك ويصبح غيرك سيدك.
فرفور :
بقى كده.
السيد :
كده.
الميت :
اتفقتم؟
السيد وفرفور :
أيوه اتفقنا.
الميت :
على إيه؟
فرفور والسيد :
حانترفد أحسن.
الميت :
أنا قلبي كان بيقول لي إنكم موش وش نعمة، باين عليكم كده إنكم وش نكد، وش رفد، وشكم مكتوب عليه لا توجد وظائف خالية، شيلوا يا اخواننا (تتحرك الجنازة كما دخلت) .
فرفور :
روح يا شيخ، جاك قبر يلمك.
السيد :
ده نمرة كام ده؟
فرفور :
ده عاشر ميت يرفدنا ويسيبنا ويمشي، ولا باينه نمرة 11، إنما زي بعضه، ولا يهمك، بقى أنا ما أرضاش أشتغل فرفور عندك، يقوم عايزنا احنا الاتنين نشتغل عنده فرافير، حظ إيه النحس ده، ما كنا يا أخي اخترنا شغلة مافيهاش البهدلة دي.
السيد :
أهو كله محصل بعضه.
فرفور :
يبقى نبطل أحسن.
السيد :
نبطل ... (بعد برهة)
تحرم تبقى تعمل جدع وتألف، أهو تأليفك ما نفعش أهه.
فرفور :
ويعني روايتك اللي كانت نافعة ياخي.
السيد :
قال إيه كل واحد فرفور نفسه وسيد نفسه، اتفضل، آديك شفت يا سيد نفسك.
فرفور :
موش أحسن، من قال إيه، إنت فرفور وأنا سيدك، اسمع يا ولد يا فرفور يا وله (ثم فجأة)
اسم يا وله يا سيد يا وله، أنا جاتني فكرة جهنمية.
السيد :
تأليف برضه.
فرفور :
ده إلهام كده من عند ربنا، ده ماحدش يقدر يألفها دي، دي حاجة لوحدها كده، إيه رأيك؟
السيد :
رأيي في إيه، أنا شفت حاجة.
فرفور :
إيه رأيك في الحل ده، آدي انت اشتغلت سيد وأنا فرفور ما نفعناش، وآدي احنا اشتغلنا احنا الاتنين فرافير ما نفعناش، ما تيجي نقلبها.
السيد :
نقلبها ازاي؟
فرفور :
أشتغل أنا السيد وانت فرفور.
السيد :
لأ العب غيرها، وجبت إيه من عندك، ما حيبقى فيه فرفور وسيد برضه.
فرفور :
نجرب، يمكن نلاقي فرق، حد ضامن يعني إن مفيش فرق، نجرب يا أخي، إحنا موش بنجرب، نجرب، اعمل فرفور مرة في حياتك.
السيد :
نجرب، أمري إلى الله، ده بس علشان خاطرك انت بس، أي والله، هه، أمرنا لله.
فرفور :
اندمجت؟
السيد :
اتوكل على الله.
فرفور :
اسمع يا وله يا سيد يا وله (ثم مستدركا )
لأ دي ما تنفعش دي، من تاني ... اندمجت؟
السيد :
اتوكل على الله.
فرفور :
اسمع يا وله يا فرفور يا وله.
فرفور يأخذ دور السيد.
السيد :
نعم.
فرفور :
فيه نعم واقفة كده مرة واحدة، ما تحركها شوية يا وله، نعمها شوية يا وله، صنفرها كده ومعجنها ولونها يا بجم.
السيد :
نعم يا سيدي.
فرفور :
أهو كده، ما تجيش إلا بالشتيمة يعني، حاكم أنا عارف الصنف بتاعكو ده، صنف خسيس نجس، عارفه كويس، عارفه كويس أوي من أيام المرحوم بابا ما كان عايش، وكان عندنا واد فرفور زيك كده شاريهولي دادي علشان أتعلم عليه.
السيد :
تتعلم عليه إيه، المشي؟
فرفور :
أتعلم التسييد يا وله، قبل ما نمشي لازم في عيلتنا نتعلم التسييد.
السيد :
إنت حتألف مذكراتك والله يا سيد، ما تخلينا في الموضوع.
فرفور :
أيوه، خلينا في الموضوع، اسمع يا وله يا فرفور يا وله، أنا باشتغل إيه؟
السيد :
إنت سيدي.
فرفور :
وانت بتشتغل إيه؟
السيد :
تربي.
فرفور :
ماعندكش أنيل من كده؟
السيد :
ماعنديش.
فرفور :
طيب ياللا اشتغل.
السيد :
حاضر، نشتغل (يبدأ في العمل) .
فرفور (صمت) : ... اسمع يا وله يا فرفور، أنا جاتني فكرة، بدل ما تعمل القبور نايمة كده افحرها واقفة يا وله علشان نوفر في الأرض.
السيد :
واقفة؟
فرفور :
أيوه، واقفه كده ... زي قزايز الكازوزة في الصندوق.
السيد :
حاضر.
فرفور :
اسمع يا وله، ولا أقول لك، إنت بتفحر القبور دور واحد بس، لأ لأ افحره دورين وتلاتة، اعملهم ناطحات سحاب تحت الأرض، خليهم ينطحوا المية.
السيد :
حاضر.
فرفور :
اسمع يا وله يا فرفور يا وله.
السيد :
نعم يا سيدي.
فرفور :
أنا جاتني فكرة تقدمية أوي، إيه رأيك أنا عايزك تفحر لي قبر فوق الأرض.
السيد :
وأفحر فوق الأرض ازاي؟
فرفور :
وأنا مالي أنا، أنا علي أديك الأمر وخلاص، أمال انت شغلتك إيه، فكر.
فرفور :
أفكر؟ إنت عايزني أتنازل عن السيادة يا ولد.
السيد :
بس وأفكر ازاي بس، اعمل له إيه ده؟! أفحر قبر فوق الأرض؟ حد يقول الكلام ده؟!
فرفور :
قالوه وعملوه كمان.
السيد :
هم مين؟
فرفور :
خوفو يا مغفل، موش حفروا له قبر فوق الأرض؟
السيد :
أعمل لك هرم يعني؟ ما تقول كده من الصبح وتخلصني.
فرفور :
أقول كده ازاي ونخلص، إن عملت كده ما أبقاش سيد يا وله، السيد السيد صحيح هو اللي لما يعوز هرم يقول لك أنا عايز قبر فوق الأرض، ولما يعوز يرفدك يقول لك أنا رأيي إنك تستريح، ولما يعوز يقول لك عمى في عينك يقول لك ما تفتح عينك كويس، ولما يعوز يقول لك انت حرامي يقول لك احسبها تاني، ولما يعوز يقول لك اخرس يقول لك تسمح لي أكمل كلامي ... أمال، دي سيادة يا ابني موش انت، السيادة دي فن موش زي ما كنت عامل لي سيد كده، أنا عارف انت بقيت سيد ازاي؟ إنت يا ولد بقيت سيد ازاي؟
السيد :
موش حسب رغبتك.
فرفور :
أهي دي شتيمة دي.
السيد :
شتيمة ازاي.
فرفور :
إنت موش عارف إن الفرافير اللي زيك واللي زيي سابقا لهم لغة برضه بيشتموا بيها، لما يكونوا عاوزين يقولوا للسيد إنه غبي يقولوا له يا سلام على الذكاء، وإذا واحد قال لك العفو يبقى معناها اتفوه، وأمرك معناها ده بعمرك، وحاضر معناها موش قادر، وأنا خدامك يعني أنا قدامك ... إلخ، إلخ، ولا انت موش معايا؟
السيد :
أنا تحت أمرك.
فرفور :
ينقصف عمرك انت.
السيد :
العفو يا سيدي.
فرفور :
اتفوه عليك انت وعلى اللي عملك فرفور.
السيد :
أنا خدامك.
فرفور :
يا سلام، أهو الواد اتعلم، أنا ملاحظ إنك اتلحلحت كده وابتديت تتفرفر يا وله.
السيد :
وأنا ملاحظ يا وله يا سيد إنك ابتديت تبقى رخم كده ودمك يتقل.
فرفور (متثائبا وبثقل دم حقيقي) :
لا يا شيخ، دمك خفيف أوي.
السيد :
إلا قول لي يا سيد، ولا يا سيد، إنت سيد ليه؟
فرفور :
سيد ليه، فيه حاجة اسمها ليه، أنا سيدك وخلاص. كل سيد لازم يكون له فرفور، وكل فرفور لازم يبقى له سيد، ولا الدنيا تبوظ والكون يفسد وتحل الفوضى .
السيد :
والله وصلنا يا سي فرفور.
فرفور (مندمجا تمام في الدور) :
فرفور إيه يا ولد، أنا سيد.
السيد :
ولا سيد ولا حاجة، إنت بس مندمج أوي في حكاية سيد وناسي إننا لسه ما وصلناش لحل.
فرفور :
حل إيه، هو فيه حاجة عايزة حل، أنا شخصيا موش شايف حاجة عايزة حل.
السيد :
لك حق، إنت ناسي إنها فكرة جهنمية هبطت عليك من السما كده لوحدها علشان نجربها ... وآدي احنا جربناها أهو وواضح أوي إنها موش نافعة.
فرفور :
طيب ما نستنى شوية، يمكن تنفع.
السيد :
إنت خدت على القعدة، قوم فز قوم.
فرفور :
قامت قيامتك، وانت عامل زي مراتي كده، آديني قايم أهه، بس اعمل حسابك.
السيد :
اعمل حسابك انت، يا حاتلاقيلنا حل تاني يا حانرجع للرواية (مشيرا إلى مكان الكتاب) .
فرفور :
لأ، لأ، لأ، أنا في عرضك، لازم نلاقي حل، لا بد فيه حل، وهو ده معقول يا ناس، أمال إيه الله بيقولوا كل عقدة وليها ألف حلال، أنا عايز حلال واحد، واحد عنده حل ... أنا مخي يا جدعان وقف خلاص، فلتت السنجة بتاعته، وركن (للجمهور)
حدش فيكم مخه شغال، حلال مفيش حلال، مفيش فيكو مؤلف، مخرف حتى. مفيش؟
المتفرج 1 :
أنا عندي حل.
فرفور :
بتقول إيه، عندك حل، ميت فل عليك، أهو كده، أنا برضه كنت متأكد إني حالاقي واحد على الأقل عنده مخ، الحقنا ياخويا بحلك، قول، نعمل إيه، بس اوعى يكون فيها فرفور وسيد، فيها؟
المتفرج 1 :
لأ، مفيش.
فرفور :
أمال حلها إيه بقى يا أخ؟
المتفرج 1 :
إن انتو الاتنين تعملوا أسياد.
السيد :
احنا الاتنين أسياد.
المتفرج 1 :
أيوه.
فرفور :
يعني احنا الاتنين نتسيد كده، وما نشتغلش؟
المتفرج 1 :
أيوه.
السيد :
أمال مين يشتغل؟
المتفرج 1 :
الدولة.
فرفور :
الإيه؟
المتفرج 1 :
الدولة.
فرفور :
دولة إيه، أنا موش فاهم حاجة أبدا، ما تتفضل عندنا هنا تفهمنا، الحقنا ياخويا، الحقنا وفهمنا. (ينتقل المتفرج إلى المسرح.)
المتفرج 1 :
أيوه الدولة، ما هو انتو الاتنين تعملوا دولة، كل واحد فيها سيد نفسه وتسيدوا كده والدولة هي اللي تشتغل.
فرفور :
يا حلاوة يا ولاد، أما حتة حل، دا انت عبقري، دا انت حتة دين عبقرية، حلوة أوي حكاية الدولة دي.
المتفرج 1 :
بس تعرفوا تعملوها؟
فرفور :
أوي أوي، دي بسيطة أوي، ده مفيش أبسط من كده. دا احنا حتى نعملها إمبراطورية كمان، يا دين النبي يا هوه، كان تايه مننا الحل ده فين (للسيد)
قوم بقى يا سيدنا الأفندي، كتر خيرك، وسيب الباقي علينا، كتر ألف خيرك، إنت شرفتنا أوي أوي، ما تنساش تسلم على الجماعة (ثم للسيد)
ياللا بقى يا جدع نعمل الدولة.
السيد :
وهي الدولة يا ولد بتتفبرك كده؟
فرفور :
ده مفيش أسهل من فبركتها، إسرائيل مش فبركوها في ساعة، دي بسيطة أوي أوي.
السيد :
ما هي عايزة اسم يا فرفور.
فرفور :
نسميها.
السيد :
يبقى نسميها على اسمي، نسميها الإمبراطورية السيدية.
فرفور :
سيدية إيه يا جدع، ده ينفع اسم مسمط ده، لأ، لأ، لأ، إحنا نعمل زي تشيكوسلوفاكيا كده ولا ماليزيا، وناخد حتة من اسمك وحتة من اسمي.
السيد :
وتبقى إمبراطورية السفرور.
فرفور :
اسمع يا جدع، إنت مالكش دعوة خالص، إنت ماعندكش خيال بالمرة، مالكش في التأليف أبدا، اسكت انت، إحنا حنسميها إمبراطورية فرفوريا العظمى.
السيد :
وده اسم ده.
فرفور :
ماله فرفوريا، موش بذمتك أحسن من كوريا ومنشوريا.
السيد :
بس مافيهش من اسمي ولا حرف.
فرفور :
أمال الألف اللي في الآخر اللي ممدودة دي للسما بتلعب، موش هي أول حرف من اسمك.
السيد :
بقى تاخد مني ألف لاشي عليها، ومن عندك خمس حروف يعني اسمك كله.
فرفور :
وفيها إيه، إنت عارف الدول عايزة تضحيات، فأنا مضحي أهه بخمسة من عندي قصاد واحد من عندك وموش عاجبك كمان!
السيد :
طيب وبعض التضحيات والاسم؟
فرفور :
يبقى خلاص، بقينا دولة، إمبراطورية بحالها، إمبراطورية فرفوريا العظمى.
السيد :
ومين بقى الإمبراطور؟
فرفور :
لأ، لأ، لأ، دي موضة قديمة أوي حكاية الإمبراطورية يبقى فيها إمبراطور واحد بس، آخر صيحة في عالم الإمبراطوريات إن كل مواطن فيها يبقى إمبراطور، فانت حتبقى إمبراطور وأنا إمبراطور.
السيد (هازا رأسه) :
بس لسه موش حاسس أوي إننا دولة ولا إمبراطورية ولا حاجة.
فرفور :
عندك حق، هو اللي ناقص شوية حاجات تكميلية بس عايزين محطة إذاعة، نعمل إذاعة (يندفع إلى الباب ويحضر بوق جرامافون قديم)
وآدي محطة إذاعة.
السيد :
وفين الصحافة؟
فرفور :
أهه (يخرج من جيبه نسخة من جريدة قديمة) .
السيد :
ده جورنال واحد يا وله.
فرفور :
وماله.
السيد :
وبتاع امتى ده، ده قديم أوي، إحنا عايزين جرايد تطلع كل يوم.
فرفور :
ما هو ده بتاع كل يوم.
السيد :
كل يوم الجورنال هواه.
فرفور :
ونغيره ليه ونتعب نفسنا ونجيب مطابع ومحررين وبياعين يدوشونا، علشان إيه، هو فيه بذمتك حاجات جديدة بتحصل كل يوم تستاهل يطلع علشانها جرنال، أهو اللي حصل إمبارح زي اللي بيحصل النهاردة والنهاردة زي بكرة، يبقى ده جرنال إمبارح والنهاردة وبكرة، وآدي الإذاعة وآدي الصحافة وآدي الاسم، ناقص إيه تاني؟
السيد :
الدستور بقى.
فرفور :
دستورك معاك، والله صحيح كل واحد دستوره معاه، يكتب فيه اللي هو عايزه ويغير فيه زي ما هو عايز، خلاص كله ألسطة.
السيد :
ألسطة.
فرفور :
احنا أسياد أهه واشتغلي بقى يا دولة، نذيع في الإذاعة (يمسك البوق)
ونفتح الجرايد (ويفتح الجريدة)
واحنا أهه، الدولة كلها تحت أمرنا، وكل واحد منا إمبراطور، ياللا بقى، اشتغلي يا دولة (صمت، ينتظران أن يحدث شيء فلا يحدث شيء) .
السيد :
أهه ما اشتغلتش أهه.
فرفور :
استنى بس، لازم فيها حاجة خسرانة (يصلح البوق ويقلب في الجريدة، ويستمع ويتحسس)
موش عارف ما بتشتغلش ليه.
المتفرج 1 :
ما هو لازم حد يشغلها، هي ما تشتغلش لوحدها، لازم حد يشغلها.
السيد :
وأنا متطوع أشغلها لك يا أخي الإمبراطور.
فرفور :
متشكر.
السيد (يمسك بالبوق ويتحدث من خلاله) :
أنا إمبراطورية فرفوريا العظمى تحت أمر أصحاب الدولة رعايها الإمبراطوريين، ومستعدة لأن أقوم لهما بأي خدمات يطلبانها مني.
فرفور :
أهو ده الكلام، أهي دي الحلول العبقرية صحيح مش تقوللي رواية.
السيد :
ولكي أستطيع أن أخدم سادتي الأباطرة على أتم وجه فإن لي طلبا صغيرا أتوجه به إليهما .
فرفور :
صغير كبير، ما دام حتشتغلي لنا احنا موافقين.
السيد :
الطلب الصغير هو أني ألتمس من كل إمبراطور منكم أن يضع نفسه لبعض الوقت تحت تصرف الإمبراطورية.
فرفور :
بسيطة، افتكرتك حتطلبي حاجة جامدة، أنا أهه يا إمبراطوريتي العزيزة تحت تصرفك ... أعمل إيه؟
السيد :
على الإمبراطور فرفور أن يتوجه للمقابر فورا وأن يمسك بالفأس ويحفر.
فرفور :
برضه بسيطة، وأدحنا مسكنا الفاس وياللا نحفر.
السيد :
افحر بسرعة يا إمبراطور فرفور.
فرفور :
بهمة وبسرعة ونشاط وبكل حاجة يا حبيبي.
السيد :
بطل حفر يا إمبراطور فرفور.
فرفور :
نبطل يا إمبراطوريتي.
السيد :
الإمبراطورية في حاجة لمضاعفة جهدك ميت مرة في حفر القبور.
فرفور :
أوي أوي ألف مرة كمان.
السيد :
لأ، ميت مرة يعني ميت مرة بس.
فرفور :
حاضر على عيني ورأسي، ما تزعليش.
السيد :
خفض السرعة إلى قبر واحد في الشهر.
فرفور :
نخفضها.
السيد :
شرف الإمبراطورية يقتضي إنك تفحر بإيد واحدة.
فرفور :
أوي أوي.
السيد :
وكرامتها تقتضي إنك تفحر وانت سايب إيديك.
فرفور :
أوي أوي (ولكنه يستدرك)
بس وأنا سايب إيدي ازاي؟!
السيد :
إنت بتجرؤ على مناقشة إمبراطوريتك.
فرفور :
لا سمح الله أبدا، هه (يمسك الفأس بأسنانه ويضع يديه وراء ظهره ويحفر) .
السيد :
ونظرا لزيادة عدد القبور عن عدد الموتى زيادة مخيفة، فمصلحة الإمبراطورية تقتضي الزيادة في إنتاج الموتى، نريد موتى للقبور الجاهزة بمعدل ألف ميت في الشهر، وإن لم تجده ميتا فموته.
فرفور :
يعني بيتهيألي إن الصوت ده مش غريب علي، أنا سمعته قبل كده، الشرح اللي فيه ده أنا عارفه كويس (يتسلل على أطراف أصابعه ولا يلبث أن ينقض على السيد من الخلف)
ضبطتك يا حدق وانت بتعبث بأجهزة الإمبراطورية.
السيد :
باعبث، أنا كنت باشغلها.
فرفور :
ما اتفقناش على كده، أنا بسلامة نية أروح أشتغل عندها، وانت تروح تشغلها، يعني تشغل الإمبراطورية في تشغيلي عندك.
السيد :
أمال كنت فاكر إيه، ما هي دي الإمبراطورية.
فرفور :
أنا باشتغل عندها موش عندك.
المتفرج 2 (ينتفض واقفا ليتدخل في النقاش، مقتربا من خشبة المسرح) :
يا إمبراطور فرفور ، انت شغلتك إنك تشتغل عندها، وهو شغلته إنه يشغلها.
فرفور :
لأ، حيلك انت وهوه، (لسيده)
انت متفق مع الراجل ده ولا إيه الحكاية، تكونش ساحب لك محامي، حيلك انت وهوه، دا أنا نص الإمبراطورية بحالها، أنا حاستعمل حقي بمقتضى الدستور بتاعي وأرفدك (ملتفتا إلى المتفرج)
وانت كمان ولو إنك لسه ما اتعينتش إنما اعتبر نفسك مرفود برضك.
السيد :
بس أنا دستوري ما يديكش الحق في كده.
فرفور :
دستوري، دستورك، أي واحد يرفدك فيهم حاطبقه.
المتفرج 2 :
إيه اللي مضايقك في الحل ده.
فرفور :
هو ده حل يا راجل، حتحسبه علي حل، قال ودنك منين يا جحا، جيت انت الدولة وأتابيها برضه فرفور وسيد.
المتفرج 2 :
ما هو الشغل علشان يمشي يا سيد فرفور، لازم كده ناس تشتغل وناس تشغل
فرفور :
يبقى علمنا إيه، ما عملناش حاجة أبدا، لسه احنا محلك سر، فيه فرفور وسيده.
المتفرج 2 :
لأ، فرفور ومشغله.
فرفور :
سيده مشغله، كله محصل بعضه، هو مشغلني ده موش يقدر يرفدني؟
المتفرج 2 :
إذا قصرت في شغلك لازم يرفدك.
فرفور :
يبقى سيدي، خدها قاعدة كده، في أي حتة وأي زمن وناس، اللي يقدر يرفدني يبقى سيدي، وأي واحد يتوه منه سيده ويحب يعرفه يسأل نفسه، مين اللي يقدر يرفدني، حيلقاه تسعين في الميه السيد على طول.
المتفرج 2 :
ما هو علشان نعيش، لازم نشتغل، وعلشان نشتغل لازم يبقى فيه ناس يشغلوا وناس يشتغلوا.
فرفور :
فرافير وأسياد.
المتفرج 2 :
فرافير وأسياد، عساكر وشاويشية، جماعة ومسئول، ما دام مفيش استكراد يبقى إيه الضرر في كده، ما بيشغلك لمصلحتك انت يبقى عيبها إيه؟
فرفور :
مفيش ضرر ازاي بس، ما هي المصيبة التقيلة إن احنا بني آدمين، وبني آدم له كرامة، وأي تحكم من بني آدم في بني آدم تاني بيضيع حتة من كرامته، وهو الواحد كرامته كلها قد إيه، علشان تتفتفت بالشكل ده؟!
المتفرج 2 :
كرامتك ولا فلوسك وعرقك؟
فرفور :
كرامتي، كرامتي يا ناس وأتوب، كرامتي هي أنا، لما بتضيع باضيع.
المتفرج 2 :
طيب كرامتك وفلوسك، ولا كرامتك بس؟
فرفور :
إن كان ولا بد يعني، تبقى كرامتي بس، وخلي الفلوس أهي تنفع.
المتفرج 2 :
ده نظام المجتمع يا فرفور، أي مجتمع فيه بني آدمين لازم يبقى كده، قانون الإنسان كده، ولازم كلنا نخضع له، تعرف قانون تاني ممكن يخضع له الإنسان؟
فرفور :
أعرف على الأقل قانون واحد، قانون أساسي يا عالم من قوانين البني آدمين، قانون بسيط أوي والله، قانون إني زيك وإنك زي، وإننا لازم نخلي علاقتنا موش علاقة شغال بمشغل ولا مسئول بجماعة، ولا فرفور بسيد، ولا عالم بجاهل، ولا أوي بضعيف، قانون البشر يا عالم، قانون التسع تشهر واللبن اللي كلنا رضعناه، القانون اللي حكم علينا كلنا واحنا صغيرين إننا نبل فرشتنا، القانون اللي بيخلي الأطفال كلهم اخوات لا فيهم سيد ولا فرفور، قانون الطبيعة، قانون الحيوانات اللي لا أسد فيها مسيد على أسد، ولا غراب فرفور عند غراب.
متفرجة (تصفق بيديها وتهتف) :
برافو عليك يا فرفور، كلامك كله مظبوط عندك حق، (ملتفتة للمتفرج)
إمبراطوريتك دي يا أستاذ فيها تسلط وعبودية، وما تنفعش لبني آدم.
السيد (للسيدة) :
كلامك كله غلط في غلط.
فرفور :
وحتى لو غلط، والله أحسن من مليون صح من أصحاحك، اكلمي والنبي اكلمي، أيوه يا ستي، يا دين النبي يا هوه، بس لو تقربي شوية.
المتفرجة :
لازم أثبت له الأول أنه غلطان.
فرفور :
سيبيكي منه يا شيخة، اثبتي لي أنا، والنبي عايز أقتنع، يا هوه نفسي أقتنع والنبي نفسي أقتنع بك حالا يالا دلوقت.
المتفرجة :
أنا حاقنعك عملي.
فرفور :
وعملي كمان، دي احلوت وليلتك زي الفل يا ولا يا سيد. وإيه العملي ده بقى يا ستي ... بس لو تقربي شوية.
المتفرجة :
أنا عندي حل تاني، إمبراطورية تانية.
فرفور :
لا، لا، لا، سيبينا من الإمبراطوريات وحياتك.
المتفرجة :
استنى علي بس، دي إمبراطورية تانية خالص، كل واحد حر فيها، يعمل اللي هو عايزه، عايز يعمل سيد يعمل فرفور يعمل ...
فرفور :
ما يعملش حاجة.
المتفرجة :
يعمل.
فرفور :
ينصر دينك، أهي دي الإمبراطوريات ولا بلاش، واسمها إيه بقى إمبراطوريتك دي يا ستي؟
المتفرجة :
اسمها الحرية، إمبراطورية الحرية، كل واحد فيها حر، لا دولة تؤمره، ولا حد يتدخل في مزاجه ولا يعتدي على كرامته. (في هذه الأثناء تكون المتفرجة قد صعدت فوق خشبة المسرح وصعدت أيضا فوق كتلة خشبية تشبه قاعدة التمثال، فأصبح لوقفتها شكل تمثال الحرية ووقفته.)
فرفور (يتأملها بتدله شديد) :
يا دين النبي يا هوه، ست، إنتي يا ست، اسم حضرتك إيه؟
المتفرجة :
مدام حرية.
فرفور :
والبيه بتاعك، اسمه إيه، مذكر حرية يبقى إيه يا ناس.
المتفرجة :
لأ، أنا ماليش بيه، أنا موش متجوزة.
فرفور :
مطلقة؟
السيدة :
ولا مطلقة.
فرفور :
أرملة؟
حرية :
ولا أرملة.
فرفور :
أمال مدام ازاي؟ وانتي لا مجوزة ولا مطلقة ولا أرملة؟
حرية :
مدام كده وبس، غريبة يعني، هو لازم علشان الواحدة تكون مدام يا تترمل يا تتطلق يا تتجوز.
فرفور :
لا أبدا، موش لازم أبدا، لزومه إيه، فيه طرق أسهل من كده كتير، طيب اسمعي بقى يا مدام حرية، دا انتي حرية أوي، أوي أوي، يا سلام، تحيا الحرية يا جدعان، أموت في الحرية، أيتها الحرية أنا جسمي بيقشعر لما بافكر فيكي، اسمعي يا مدام حرية، أنا عايز أشتغل عندك، تشغليني؟
حرية :
أشغلك.
فرفور :
يا وعدي، تشغليني إيه؟
حرية :
إنت عايز تشتغل إيه؟
فرفور :
أنا عايز أشتغل إيه؟ هو ضروري يعني أشتغل، أشتغل كده وكده.
حرية :
لأ، بجد، إنت عايز تشتغل إيه؟
فرفور :
أي شغلة مافيهاش سيد، عندك شغلانة مافيهاش سيد؟
حرية :
احنا ما بنسميهوش سيد، بنسميه بص، وكل شغلة عندنا لازم لها بص، فالشطارة بقى إنك تنقي شغلة البص بتاعك فيها يكون كويس.
فرفور :
يعني دي الحرية، إني حر إني اختار البص بتاعي.
حرية :
إنت عايز تنهب.
فرفور :
طيب افرضي إني عايز أشتغل فوق البصات كلها، البص بتاع البصات، عندكم شغلانة كده؟
حرية :
عندنا، بس دي شغلة مالهاش بص واحد، ده لها مجلس بصات بحاله، فيه ألف بص.
فرفور :
يقدروا يرفدوني؟
حرية :
حسب الدستور.
فرفور :
يبقى بلاش، أنا عايزك انتي تبقي البص بتاعي، أشتغل جنبك كده، أطلع أقف وراكي، تعبتي تركني علي شوية، إذا الوقفة طالت أعمل لك كرسي، إيه رأيك؟
حرية :
واحد زيك يقعد جنبي أنا، ده يبقى اعتداء على الحرية يشنقوك فيها، امبارح شنقوا فرفور زيك علشان بص لي، فانت عايز تقف جنبي.
فرفور :
شنقوه علشان بص لك.
حرية :
رأيهم كده يا أخي، إحنا عندنا حرية رأي، هو رأيه إنه يبص لي، وهم رأيهم إنهم يشنقوه على البصة دي، فيها إيه؟
فرفور :
يعني البصة برقبة على طول.
حرية :
موش أحسن من الإمارة والديكتاتورية ومصادرة حرية الرأي.
فرفور :
لأ، أحسن بكتير، بكتير أوي، ياللا بينا يا سيد ياللا بينا ياخويا.
السيد :
على فين؟
فرفور :
نسيب لها الحتة ونمشي.
السيد :
ما تمشي هي.
فرفور :
لأ، نمشي احنا يا سيد، نمشي احنا، نسيب لها بلد الحرية دي ونمشي بلاد الله لخلق الله، لحتة مافيهاش نقطة حرية، موش عايزين، ياللا بينا يا سيد، ياللا نحل الإمبراطورية دي، نبيع الإذاعة في المزاد ونقفل الجرايد (يطبق الجريدة) ، ياللا بينا يا عم، بس أنا مش مأثر في إلا عينيها، عليها جوز عيون، نهايته احنا كنا فين؟
السيد :
اللي كنا فيه رجعنا له، وبعدين يا فرفور ياخويا آدي راخر حل الدولة وفرقع، نعمل إيه بقى؟
فرفور :
نشوف حل تاني.
السيد :
هو عاد فيها حلول، قلنا فرفور وسيده ما عجبكش، عملنا احنا الاتنين فرافير ما نفعش، عملت انت السيد وأنا فرفور رجعنا عود على بدء، عملنا احنا الاتنين أسياد وجربنا كل الإمبراطوريات مفيش حاجة نفعت، باقي إيه بقى؟
فرفور :
إنت بتسألني أنا، ما تسألهم هم، هم بس شاطرين يتفرجوا علينا، واحنا موروطين كده ... مفيش واحد ابن حلال يتمطع كده ويهفنا حل؟
متفرج 3 (يقف ويقول) :
ما تسيبوا بعض، وكل واحد يشتغل لوحده (هنا تتحول صالة المسرح إلى ما يشبه المؤتمر المضاء الأنوار، بينما الأضواء قد خفتت على خشبة المسرح) .
فرفور :
ما عملناها يا حدق في الفصل الأول وما نفعتش، إياك كنت ساعتها نايم.
متفرج صبي :
أنا عندي حل، إيه رأيك إنكم تجيبوا ماكينات تشغلوها فرافير؟
السيد :
فرافير.
الصبي :
أيوه، كل واحد يجيب له ماكينة يشغلها عنده فرفور، وهو يعمل سيد عليها.
السيد :
طيب احنا حنشغل الماكينة، ومين اللي حيشغلنا؟
الصبي :
هو ضروري حد يشغلكم؟
السيد :
كل حاجة بتشتغل يا ابني، لا بد لها حاجة تشغلها.
الصبي :
حتى البني آدمين؟
السيد :
حتى البني آدمين.
متفرج 4 :
خلوها وجودية بقى
متفرج 5 :
ما هو علشان يتوجدوا لازم أولا ياكلوا، وعلشان ياكلوا لازم يشتغلوا، وعلشان يشتغلوا لازم سيد وفرفور.
متفرج 6 :
ده مش معقول ده، وما دام مش معقول يبقى نحلها حل لا معقول، إيه رأيكو؟
متفرجة :
يعني قصدك يعملوا إيه مثلا؟
المتفرج :
حاجة من اتنين، يا نربط كل فرفور في كل سيد، يا نقسم كل فرفور على كل سيد، وكل سيد على كل فرفور، وبكده بدل ما يبقى التفكير لوحده والعمل لوحده، يبقى نحط نص تفكير على نص عمل، ونص عمل على نص تفكير، بس الخوف هنا ليتحكم التفكير للعمل في التفكير في العمل، لأن التفكير للعمل أرقى بكتير جدا من التفكير في العمل، لأن العمل الناتج عن التفكير للعمل أرقى من العمل الناتج عن التفكير في العمل، إيه رأيكم بقى في الحل ده؟
فرفور :
صراحة يعني ده حل معقول أوي.
متفرج 6 :
معقول ازاي يا أخينا، وأنا فالق دماغي من الصبح علشان يبقى لا معقول.
فرفور :
يبقى حل لا معقول يا سيدي ولا تزعلش.
متفرج 6 :
لا معقول ازاي يا أخينا، ما هو اللي ناس بتقول عليه لا معقول هو المعقول اللي بأقصده، واللي قصدهم عليه معقول هو اللامعقول الحقيقي.
فرفور :
ودي مصيبة إيه دي، لا عاجبه معقول، ولا لا معقول، أرد عليه أقول له إيه، أقول له مضبوط، أهو ده معقول اللامعقول، واللي لا معقول المعقول، وإن أحسن ما فيه إنه بيتناقض مع لا معقولية المعقول؛ لأنها هي نفسها معقولية اللامعقول، اللي مختلفة عن المعقول واللامعقول اختلاف اللامعقول عن اللا لا لا معقول، فهمت يا أستاذ؟
متفرج 6 :
كلام واضح، زي الشمس.
فرفور :
حدش عتر على حل يا اخوانا؟
متفرج 5 :
ما تخلوها بالتعادلية.
السيد :
تعادلية ازاي يا حبيبي؟
متفرج 5 :
تعادلية، موش عارف يعني إيه تعادلية؟ اسمح لي بقى ده منتهى الجهل.
السيد :
طب نورنا بعلمك نورك الله.
متفرج 5 :
تعادلية يعني ده يعادل ده، شفت بسيطة ازاي، فانت تعادل فرفور.
السيد :
أعادله ازاي؟
متفرج :
إنتو الاتنين بتشتغلوا تربية مش كده؟ يبقى خلاص، واحد يفحر والتاني يردم.
السيد :
ومين بقى فرفور ومين يبقى اليسد؟
متفرج 5 :
اللي يسبق التاني في الشغل.
السيد :
يبقى السيد؟
متفرج 5 :
يبقى فرفور، يبقى هو اللي بيشتغل أحسن.
السيد :
طب ما هو بالطريقة دي كل واد حيتأخر عن التاني.
متفرج 5 :
يبقى برضه اللي يسبق في التأخر، يعني اللي يتأخر أكتر يبقى ...
السيد (مقاطعا) :
السيد؟
متفرج 5 :
لأ يبقى فرفور؛ لأنه في الحالة يبقى بيتلاكع أحسن، ما هو حاكم أحسن واحد يشتغل تلقاه برضه أحسن واحد يتلاكع.
صوتا زوجة السيد وزوجة فرفور (يختلطان بنفاد صبر) :
أنا خلاص زهقت، زهقت خلاص، والنبي واللي نبى النبي لأفرج عليه اللي يسوى واللي ما يسواش، دول ناس اتجننوا، اتهبلوا لازم، مش حيرد لهم عقلهم إلا الضرب، مفيش غير الضرب، والله ما ينفع إلا الضرب.
زوجة السيد (داخلة) :
إيه ده يا مجنون انت؟
زوجة فرفور (داخلة) :
علي النعمة مانا سايباك.
زوجة السيد :
مش مكسوف من نفسك بذمتك؟ ده كلام ده؟ دي طريقة؟ ده شغل أسياد ده؟
زوجة فرفور :
والله تلاتة بالله لولا الكسوف لكنت سبطتك البعيد قدام الناس دي ع الأرض وما سبتك إلا وبطنك ضهر وضهرك بطن.
السيد :
إيه؟ فيه إيه؟ مالكم؟!
زوجة السيد :
إنتو فاكرين نفسكم إيه، ملايكة عايشين في السما؟ نساك؟ زهاد؟
فرفور :
ليه، حصل إيه؟
زوجة السيد :
حصل إنكم سايبينا ننشال ونتهبد وناكل في بعض وانتو ولا هاممكم، قال إيه قاعدين تدورو لي على حل، حل لإيه؟ ولزومه إيه؟ ومستعجلين عليه ليه؟ حتكون إيه الحكاية اللي محيراكم دي؟ حتتبدى على الأكل والشرب، ع العيشة، ع الحياة؟
فرفور :
وما تتبداش ليه إذا كانت أهم.
زوجة السيد :
هو فيه أهم م الأكل ؟! أهم من إننا نعيش؟
فرفور :
أيوه، أهم من إننا نعيش إننا نعرف عايشين ليه، وأهم من ليه إننا نعرف حنعيشها ازاي.
زوجة السيد :
زي الناس ما هي عايشاها.
فرفور :
وانتي عارفة الناس عايشاها ازاي؟
زوجة السيد :
زي ما طول عمرهم عايشينها.
فرفور :
وعارفة طول عمرهم عايشينها ازاي؟ فوق بعض، بالطول كده، كل واحد شايل التاني، كل سيد فوقه سيد، وكل فرفور تحته فرفور، جوزك السيد ده والله سيدك الجوز فوق سيد، يعني فرفور زيي تمام، وأنا تحتي فرفور، يعني أنا راخر، تصدقي ما تصدقيش سيد، إحنا 3600 مليون بني آدم عاملين عامود بالطول كده، كل واحد شايل واحد، وكل واحد عايز يوقع اللي شايله ويفضل متسمر فوق اللي تحتيه، وحياة خالتي نبوية احنا من يوم ما بقينا شعوب وقبائل، واحنا كده.
زوجة فرفور :
وكدا ماله، ماله كدا؟ عيبه إيه يابو لسان متبري منه؟
فرفور :
عيبه يا ولية إننا مفعوصين وتعبانين وزعلانين ومش عارفين ليه، عيبه إن الواحد منا حاسس إنه مش عايش في الدنيا، إنما عايش وشايل الدنيا كلها فوق أكتافه، عيبه إننا مزمزقين، من أيام حواء وآدم واحنا مزمزقين، اللي متشال عايز يخنق اللي شايله، واللي شايل عايز يقرقش المتشال، عيبه إنه منظر يضحك لو فيه مراية نبص فيها كنا سخسخنا على روحنا من الضحك، إنما فين المراية اللي توري الناس روحهم، فين المراية اللي تورينا احنا الأربعة يدوبك وضعنا الحقيقي، عارفين احنا في الحقيقة ازاي، إحنا عامود، حضرتك يا ست راكبة فوق السيد، والسيد راكب فوقي، واحنا كلنا راكبين فوق الكركوبة دي، ولا هي شايفة ولا احنا شايفين، إنما مضايقين، كفرانين، وأهه نفسها تخلي ضهري بطن وبطني ضهر، حتى حبنا مش طبيعي، حب ما بنتلاقاش فيه، برضه بنركب على بعض فيه، فيه جنس في الدنيا عايش كده إلا جنس آدم؟ كل سيد عايز يبقى سيد حتته، سيد بلده، سيد وطنه، سيد عالمه، سيد التاريخ، تاريخنا نفسه برضه راكب فوق بعضه، دولنا، حضاراتنا، كل دولة عايزة تبقى الست على الدول ، وكل حضارة عايزة تبقى ست الحضارات، والنتيجة خناقات بنبابيت تعلى تبقى ببنادق تعلى تبقى بجيوش وقنابل، ويقع من الطابور عشرة عشرين وتلاتين مليون، ومن تاني يوم تبتدي الخناقات من جديد، ونسميها أسامي تضحك، قال إيه انهيار الحضارة اليونانية وقيام الحضارة الرومانية، قال إيه الحرب الباردة بين الشرق والغرب، قال إيه الصراع بين روسيا والصين وفرنسا وأمريكا، وكله كله فرفور وسيد، مين يبقى سيد ومين فرفور، وأنا فرفور ليه وانت سيد ليه، من يومنا واحنا كده، وفاهمين إن الدنيا كده والناس كده، ما تعرفشي تعيش إلا كده، إنما بذمتكو دي عيشة دي، دي طريقة، وحياة خالتي نبوية أنا متأكد إننا قابلينها لسبب واحد مفيش غيره، إننا مش شايفينها، ولو شفناها لا يمكن نقبلها، وأصل الحق مش علينا، الحق على اللي بيشوفولنا، الفلاسفة بتوعنا والمفكرين، اللي التفكير عندهم لازم يكون تفكير في التفكير والتفكير الحقيقي هو اللي يفكر في اللي بيفكر في اللي بيفكر إنه يفكر، إنما أهه آدي مشكلة حياتنا كلها أهه، حدش يجدعن ويفكر لها في حل؟
زوجة السيد :
إيه السرحان ده يا فرفور، إنت عايز تعيد تنظيم الكون؟ تبقى اجننت.
فرفور :
عندك حق، اللي يحاول ينظم الكون الملخبط يبقى هو المجنون، واللي يسيبه على لخبطته يبقى هو العاقل.
زوجة السيد :
احنا مالنا ومال الكون، ما تخلينا هنا.
فرفور :
ما احنا هنا، والله هنا، في كل مكان في الدنيا، وهنا، في كل لحظة، دلوقتي، الخناقة شغالة مستمرة عمرها ما وقفت ثانية، عندنا هنا وبره، اسمعي، دي مش صفارة أوتوبيس، أهو دلوقتي زمان الكمساري بيقول للسواق ما تبقاش تطلع إلا ما أصفر لك، والسواق بيقول له أنا مش فرفور عندك، أنا باخد ماهية أكتر منك، مفيش من نظام يرصنا جنب بعض بالعرض كده، مفيش؟!
زوجة فرفور :
الأكادة عليك لماضة، إنما قول مهم تقول الولاد بطونها بتصرخ من الجوع، أديهم إيه ياكلوه، كلام؟ أنا دايخة من قلة المعاملة، وانت هفتان من قلة الغذا حتعالج ده بإيه يا فلسفوف؟
زوجة السيد :
أنا عمري ما شفت حد في الدنيا يعمل كده، حد يسيب شغله، يسيب نفسه، يسيب عيلته، ويقعد كده ما يتحركش إلا لما يلاقي لحكاية سيد وفرفور دي حل، طيب وإذا مالقيش الحل وإذا طال ...
زوجة فرفور :
وإذا حرن، وإذا اتهبب على عينه وماجاش، نعمل إيه؟
زوجة السيد :
نموت ونتحنط جنبكم؟
زوجة فرفور :
نمد إيدنا ونشحت؟
زوجة السيد وزوجة فرفور :
تلاقوه ما تلاقهوش عنكم ما لقيتوه، إنما لازم احنا نفضل عايشين.
زوجة السيد :
فكروا زي ما انتم عايزين، بس اشتغلوا وأكلونا.
زوجة فرفور :
وكلوا انتم كمان.
زوجة السيد :
عيشونا وعيشو الأول، وبعدين فكروا زي ما انتم عايزين.
زوجة فرفور :
انجر قدامي على الشغل ياخويا يا بتاع سيد وفرفور.
زوجة السيد :
وانت كمان يا جوجو، الدنيا كلها بتتحرك مفيش واقف إلا انتو، ياللا اتحركوا معاها لتموتوا، الحياة لازم تستمر يا حبيبي.
السيد :
إيه رأيك يا فرفور في الكلام ده؟
فرفور :
رأيي؟! ما هو اللي ودانا في داهية حكاية الحياة لازم تستمر دي، لازم الجاموسة تفضل دايرة في الساقية، وعلشان تدور لازم يغموها، وأكل العيش يا سيد هو الغما بتاعنا، طول ما هو ورانا لا حنشوف نفسينا ولا حنعرف احنا بنلف ليه، عندهم حق الحياة لازم تستمر، الفع حملك وشي يا بهيم، اتغمى ودور، لأن الحياة لازم تستمر، (مادا يده إلى الجمهور)
يا اخوانا الحقونا بحل، بنظام، برواية، بأي حاجة.
السيد :
مفيش فايده يا فرفور، مين فات قديمه تاه، ياللا بينا ع الرواية بتاعتنا (يتناول الرواية) ، إحنا كنا فين؟
فرفور :
طيب استنى شوية، ماله ملحوق كده ليه، إنت خفت من مراتك ولا إيه، مش عيب راجل زيك يخاف من مراته.
السيد :
وهو يخاف من مراته إلا الراجل يا وله، ياللا أمال.
فرفور :
طيب ننادي على المؤلف.
السيد :
يابني انت مش بودانك سمعت إنه خلاص مشي من زمان.
فرفور :
مين عارف يمكن يكون رجع، يا حضرة المؤلف، يا منقذنا، يا أملنا.
أصوات :
إنتو عايزين مين؟
فرفور :
يا مسهل يا رب، عايزين المؤلف بتاعنا، هو رجع.
أصوات :
رجع من شوية.
فرفور :
ياما انت كريم يا رب، ابعتوهولنا والنبي بسرعة.
أصوات :
تعالوا انتو خدوه.
فرفور :
نيجي أوي. (ينطلق فرفور كالسهم إلى الخارج، وكالسهم أيضا يعود حاملا على صدره لفافة كالتي تستخدم لحمل الأطفال الرضع.)
السيد :
هو ده المؤلف؟
فرفور :
وماله؟! يوضع سره في أضعف خلقه.
السيد :
ده اللي حيقول لنا ع الحل، هات (يتناول اللفافة ويفكها فإذا بداخلها لفافة أخرى، يفكها فيجد بداخلها لفافة أخرى) ، أمال فين المؤلف يا وله؟
فرفور :
لازم جوه دي. (يفك السيد اللفافة فإذا بداخلها لفافات أصغر وأصغر يظل يفكها إلى أن تصبح في حجم البندقة ثم صغيرة بدرجة لا يستطيع أحد رؤيتها.)
السيد :
أظن حتقول لي المؤلف جوه دي؟
فرفور :
مين عارف، فكها رخرة.
السيد :
دي ما تتفكش ... دي الذرة.
فرفور :
ما هو لازم نفكها مش المؤلف جواها.
السيد :
جواها إيه يابني، بقى مؤلف كبير زيه يبقى جوه دي؟
فرفور :
مش بعيدة عليه، ده مؤلف يا عم، قادر على كل حاجة، ياللا نفتحها.
السيد :
واحنا نعرف، دي عايزة نقاول أينشتين عليها، وحتى إذا قدرنا على المقاولة وأينشتاين وفتحناها، إنت ضامن إنه جواها؟ ضامن إنك تقدر تلاقيه، ضامن إذا لقيته إنك تقدر تكلمه وتسأله ويقول لنا على حل، دي اللفة دي كلها أصعب م الحل مليون مرة.
فرفور :
أصل الحل مش صعب ده مستحيل.
السيد :
واللي بتقوله ده مستحيل المستحيل، الظاهر إنك ابتديت تخرف، إنت بتخرف يا وله.
فرفور :
أمال أعمل إيه بس، هو عاد قدامنا غير التخريف.
السيد :
ونخرف ليه يابني يا حبيبي، ما الرواية أهه، والكلام مكتوب وكل ده ولسه ما ابتديناش ياللا بقى كفاية عطلة.
فرفور (يدير نظراته بين الجمهور مستعطفة مستغيثة، ثم يمضي مغمض العينين، مستسلما إلى حيث يجلس السيد متخذا وضع السيادة) :
أمري إلى الله.
السيد :
ألسطة يا فرفور؟
فرفور (بصوت خافت يائس مشمئز) :
ألسطة يا سيد.
السيد :
اندمجت؟
فرفور :
اندمجت.
السيد :
اسمع يا ولا يا فرفور يا ولا.
فرفور (ممعنا في نفس النبرة) :
سامع يا سيد.
السيد :
أنا عايزك يا ولا يا فرفور يا ولا تختار لي (فجأة يلقي بالرواية جانبا ويقف)
انت عارف إيه يا واد يا فرفور، ده الرواية ما بقالهاش طعم، أنا شخصيا معدش لي نفس أعمل سيد، انسدت نفسي خلاص.
فرفور :
ومين سمعك والنبي يا ولا يا سيد، بصراحة يعني عايز الصراحة.
السيد :
عارف، عارف حتقول إيه، حتى لو عزنا نرجع للرواية القديمة مش حنعرف، مش قصدك كده برضه؟
فرفور :
بيعجبني فيك إنك ساعات تقلب بني آدم وتفهم.
أصوات الزوجتين (من الخارج) :
احنا مش سامعين شغل، (ثم ناظرتان برأسيهما من فتحة الدخول)
انتو وقفتوا ليه؟
زوجة السيد :
ما هو يا حانسمع شغل حالا دلوقتي يا حا نطربقها على نفوخكم. (فرفور والسيد ينظران ناحيتهما برعب ويتراجعان تلقائيا بعيدا عنهما إلى المقدمة، ويقفزان مرعوبين حين يصرخ المتفرجان.)
المتفرجان 4، 5 :
دي عملة تعملوها.
المتفرج 4 :
بقى تخلقوا لنا المشكلة وتجننونا بها.
المتفرج 5 :
وعايزين تجروا.
المتفرج 4 :
والله ما تتنقلوا إلا أما تشوفولنا حل.
المتفرجون جميعا :
عايزين حل.
الزوجتان :
عايزين شغل.
المتفرجون :
حل.
الزوجتان :
شغل.
المتفرجون :
الحل أبدى
الزوجتان :
الشغل أبدى.
فرفور :
واللي مش قادر على ده ولا ده يعمل إيه؟! يا ناس يا هوه، بقى خمسميت ستميت عقل بكام ألف فكرة في الثانية، مفيش فكرة منهم تخلصنا.
السيد :
ما تضحكش على نفسك يا فرفور، دول زينا كده إيدك منهم والأرض، الناس من يوم ما بقت ناس وهي بتدور على حل، عايز دول في ثانية كده يطلعولك حل من جيوبهم زي الحواة (يندفع من المسرح عامل الستار، ضخم الجثة، أصلع) .
عامل الستار :
جرى إيه يا جدعان، إنتو فاكرينه مسرح أهلي من غير قانون من غير نظام، وقتكم انتهى من زمان، وإيدي حازز فيها حبل الستارة م الصبح لما حيقطعها إنكو تنهوها مفيش فايدة، هو مفيش نظر، مفيش إحساس، أنا بصراحة مراتي بتولد الليلة ولازم أجري ألحقها، على الأقل أعرف جابت إيه، يكون في علمكم أنا الوالدة والمولود أهم عندي ألف ألف مرة من روايتكم المهببة دي ولازم أقفل عليكم الستارة دلوقتي حالا وأجري أشوف حصل إيه.
زوجة فرفور :
يا فرفور.
زوجة السيد :
يا جوجو.
زوجة السيد :
يا حتخلصونا.
زوجة فرفور :
يا احنا اللي حنخلص عليكو.
المتفرجون :
عايزين الحل، أولا الحل.
فرفور :
حاضر، حاضر، طلباتكم كلها كلها مستجابة، (لعامل الستار)
إنت يا عم، تحت أمرك ... تحب نعمل إيه عشان نريحك.
عامل الستار :
انهوها بأي طريقة.
فرفور :
زي إيه في رأيك؟
عامل الستار :
إن ما لقيتوش حل خالص انتحروا، ييجي ميت رواية وأنا أقفل الستارة والبطل بينتحر، انتحروا انتو كمان وخلصونا، حتكونوا أحسن من جولييت ولا كليوباترا ولا يوسف وهبه.
فرفور (بعيون لامعة) :
إيه رأيك يا سيد؟
السيد :
والله فكرة مش بطالة.
فرفور :
دي فكرة جهنمية والله، آدي احنا جربنا كل حاجة وما نفعناش نجرب الموت راخر، إحنا مش عايزين مساواة تامة لا فيها سيد ولا فرفور، الموت هو اللي بيساوي المساواة التامة، والله انت تساوي نص ريال فضة على فكرتك دي يا عم، تاخدوا مني إنشاء الله يوم القيامة الصبح الساعة تمانية.
السيد :
بس ننتحر ازاي يا فرفور؟
فرفور :
لأه، دي بسيطة أوي، هات لنا كرسيين يا عم (يحضر العامل كرسيين، يأخذ السيد أحدهما ويضعه أمام على جانب من المسرح وفرفور وكرسيه على الجانب الآخر للمسرح)
والحبال ... نزل لنا حبلين. (يهبط فوق كل كرسي حبل معقود الطرف على هيئة خية.) (حين يلمح فرفور الحبل.)
يا أمه!
السيد :
وبعدين يا فرفور.
فرفور :
تطلع على الكرسي وتحط رأسك في الخية وتزق الكرسي برجلك توقعه، وكان الله يحب المحسنين.
السيد :
طب ما جايز ننشنق بجد ونموت.
فرفور :
أمال احنا بنهزر، إحنا مش عايزين نجرب الموت.
السيد :
أيوه، بس تجربة كده وكده يعني.
فرفور :
هو فيه في الموت كده وكده، يا موت يا مفيش موت.
السيد :
يبقى يفتح الله يا عمي، يا نهار اسود، أنا أموت روحي بإيدي ده لا يمكن.
فرفور :
يا جدع ما تبقاش خرع أمال، دانا باهزر معاك، موت إيه، إحنا حنمثل إننا بنموت.
السيد :
تمثيل يعني.
فرفور :
أيوه تمثيل.
السيد :
ولو، برضه والله أنا خايف.
فرفور :
وانت عايز الجد، أنا راخر خايف.
السيد :
اطلع انت الأول.
فرفور :
أطلع أوي ما أطلعش ليه (ولكنه حين يلمح الحبل يهبط فورا)
ما تجرب وتطلع انت الأول يا سيد.
السيد :
أنا الأول؟ لأ، عيب، ما يصحش.
فرفور :
وده معقول، هي العين تعلى ع الحاجب.
عامل الستار :
أنا جايب لكم الكراسي تموتوا عليها ولا تقلبوها ندوة.
فرفور :
ده قنف أوي، روح يا شيخ إلهي مراتك تجيب أربعة شرط يكونوا رزلين زيك كده.
السيد :
تيجي نموت على مشنقة واحدة يا فرفور أقله نونس بعض.
فرفور :
والله مخك أهو ابتدى يشتغل ويزهزه، والله الموت ده هايل أوي، ياللا.
السيد :
والله لا يمكن، الفرافير، الفرافير الأول.
فرفور :
والديمقراطية رخرة جايالك ع الآخر (يصعد فرفور، ويصعد السيد، السيد يشير إلى الخية داعيا فرفور إلى إدخال رأسه) .
السيد :
اتفضل.
فرفور :
أهي دي مستحيلة، هنا الأولوية للسادة، أتفضل، الله، الله، الله، يا جدع بطل رعشة كده أمال باقول لك دي موته كده وكده، إيه يا أخويا الأسياد الورق دي.
السيد :
والله الموت موت، ولو كان تمثيل يا فرفور.
فرفور :
يعني عايزنا نقلبها دراما بقى وأودعك الوداع الأخير.
السيد :
نقلبها، حد عارف، حد ضامن، ما يمكن تساهينا هي وتنقلب.
فرفور :
طيب، اللقا بقى يوم اللقا يا سيد، إنت عارف إن سكتك بقى غير سكتي.
السيد :
ليه انت مش جاي الجنة معانا؟
فرفور :
والنبي؟ وحياة هابيل اللي جبت أجله في الحتة اللي ما غيرهاش ربنا دي.
السيد :
ولزومها إيه العكننة دي ع الآخر، ما قلنا نودع بعضنا بكلمتين حلوين.
فرفور :
إيه، دنيا، فاكر أول الرواية يا سيد.
السيد :
وفاكر لما اجوزتلي يا فرفور.
فرفور :
مش بتاعت الإينديسيت، دي كانت أيام.
السيد :
الوداع بقى يا فرفور.
فرفور (معانقا إياه) :
الوداع يا سيد، والنبي حتة غباوتك حتوحشني.
السيد :
ولسانك الزفر ده اللي الواحد خد عليه حالاقيه فين.
فرفور :
دخل دماغك دخل (السيد يدخل رأسه)
وسع لي (فرفور يدخل رأسه)
اتاخر كده شوية، دانت تخين تخن.
السيد :
اسمع يا ولا يا فرفور، يا ولا، أنا مش موافق على إننا نجرب تجربة الموت دي، دي عمرها ما بتبقى تجربة، دي دايما نهاية يا وله واحنا يدوبك بنبتدي الرواية نقوم ننهيها كده، وافرض لقيناه بيساوي المساواة التامة اللي انت عايزها فحل إيه ده اللي يحل وينهي، اللي يساوي ويوقف لا يا عم، الحياة من غير حل أحسن مليون مرة من الموت بحل. دالحياة نفسها حل يا وله، جايز ناقص إنما الشطارة نكمله مش نلغيه.
فرفور :
ما احنا ما عرفناش.
السيد :
مسيرنا نعرف، ما عرفناش احنا بكره ييجي اللي يعرف، طلع دماغك يا وله.
فرفور :
دانت باينك قلبت بني آدم على طول، والنبي انت تساوي بوسة على رأيك ده.
عامل الستار (من الخارج) :
بوسة، هو البوس ينهيها، ذنبكم على جنبكم بقى، أنهيها أنا. (ينطفئ النور تماما.)
السيد :
ده باين حيشنقنا.
فرفور :
اعقل يا أخينا. (أصوات ارتطام أجسام على الأرض وحشرجة.) (يضاء النور بالتدريج.) (فرفور والسيد تضم رقبتهما خية الحبل التي اتسعت بحيث يرقدان ممددين جنبا إلى جنب على الأرض.)
فرفور :
ولا يا سيد.
السيد :
ولا يا فرفور، إحنا فين؟
فرفور :
دي المسألة عايزة احنا فين واحن امين وكنا فين ورايحين فين؟
السيد :
يكونشي الراجل موتنا؟
فرفور :
هو الشر كان باين في عينيه والسلام.
السيد :
عملنا زي النكتة البايخة بتاعتك وجينا نعيش متنا.
فرفور :
إنت حتبتدي تنوح ليه، آدي احنا مش كنا عايزين نجرب الموت، آدينا بنجربه ياك ينفع بس.
السيد :
يعني متنا.
فرفور :
متنا.
السيد :
واندفنا يا ترى ولا لسه.
فرفور :
من شهر فات، وعليك بشارة، سرقوا كفنا كمان.
السيد :
يعني احنا دلوقتي إيه؟ دود؟
فرفور :
أقل شوية.
السيد :
تراب.
فرفور :
أقل شوية، ذرات، أنا ذرة وانت ذرة زي جيرانا دول، وخلاص يا عم انتهى عهد سيادتك إلى الأبد، هنا تلاقي نواة إلكترون نيوترون بونبون، إنما لا سيد ولا فرفور، حتقول لي نهاية وبداية وحياة وموت بإرادتي أو غصب عني أنا ما يهمنيش، المهم أهم حاجة عندي دلوقتي إننا زينا زي بعض تمام.
السيد :
مين قال زينا زي بعض، إنت مش شايف هنا إن كل حاجة بتلف حوالين حاجة، زي هم ما بيلفوا احنا كمان حنلف.
فرفور :
احنا!
السيد :
إنت بالذات اللي حتلف حواليه.
فرفور :
وبالذات أنا ليه، عشان فرفور يعني؟
السيد :
لأ، عشان أخف، القانون هنا إن الأخف يلف حوالين الأتقل، فانت حتلف حواليا.
فرفور :
هو انت منين ما نروح تروح مطلع لي قانون، ده إيه البلاوي دي، إنت بتشتغل عند القوانين دي ولا حكايتك معاها إيه، ما تقول لي تبقى لك إيه القوانين دي؟ مالك ومالها؟ إنت سيد ولا قوانين؟ تكونشي انت شوية قوانين وخلاص، لا يا عم والله ما ألف ولا لفة، بقى ده الحل اللي بنجربه، والله ما ألف ولا لفة.
السيد :
غصب عنك حتلف.
فرفور (وكأن يدا خفية تجذبه وترغمه على الحركة واللف حول السيد) :
الله الله الله، مش كده أمال، طب أنا حألف لوحدي؟! ما تقوم تلف معايا.
السيد :
يا ريت، أنا غصب عني واقف، وانت غصب عنك حتلف.
فرفور :
وحانفضل كده؟
السيد :
طول ما انت كده لازم أفضل كده.
فرفور :
وطول ما انت كده وديني لأفضل كده.
السيد :
وأنا كده.
فرفور :
وأنا كده.
السيد :
لف يا فرفور.
فرفور :
يعني أنا اللي حألف يعني، زي بعضه، ألف لك كام لفة عشان خاطرك.
السيد :
وبرضه في دي طلعت كروديا، دول مش كام لفة، دا انت حتلف على طول.
فرفور :
على طول يعني إيه على طول؟
السيد :
يعني إلى الأبد، من هنا لمليون لألف مليون لمليون مليون سنة جاية، لغاية ما نلاقي حل.
فرفور :
يا نهار اسود، إيه الكلام اللي يرعب ده، دانا موش مصدقك، وبرضه مرعوب.
السيد :
لف يا فرفور.
فرفور :
دي إنسانية مني بس اعمل حسابك، بقوا كام لفة دلوقتي؟
السيد :
ستة.
فرفور :
كله يهون، لما نحصل عشرة ابقى قول لي.
السيد :
ساعتها مش حاقدر أقول لك، ساعتها خلاص حابقى نظام، لا يصد ولا يرد.
فرفور :
نظام إيه؟
السيد :
نظامك.
فرفور :
وجبت إيه من عندك ، ما انت طول عمرك نظامي اللي لا يصد ولا يرد.
السيد :
أنا خلاص يا فرفور (يزدرد صوته بصعوبة)
خلاص، بقيت ... (ويسكت تماما) .
فرفور :
أنا ابتديت أتعب، بقوا كام لفة يا سيد. (السيد لا يرد.)
فرفور :
باقول لك بقوا كام. (السيد لا يرد.)
فرفور :
يا جدع بلاش هزار بايخ بقى ورد (يلف ويلف وشيئا فشيئا تبدأ دقات جوفاء غريبة تقترب وتتضح ذات وقع معين وكأنها دقات الطبلة التي يتحرك عليها الكون، بينما الإضاءة تقل)
بقوا سبعتاشر (الدقات تسرع فيسرع معها)
ما تنطق يا جدع وبلاش البواخة دي، يا نهار منيل ... اوعى تكون سكت بصحيح وبقيت نظام، إنت يا جدع رد، ردت الميه في زورك رد (الدقات تسرع فيزداد إسراعه)
لأ، موش كده لأ، دانا تعبت أوي أوي، طب دقيقة أربط الحزام، يا أخينا انت ياللي واقف زي اللوح بل ريقي بكلمة، ونسني، اتنحنح حتى، كح (يضربه بالمقرعة وهو يلف حوله، وما تكاد المقرعة تلمس السيد حتى يجذب فرفور يده مصعوقا وكأنما كهربها تيار عنيف يقذف بالمقرعة بعيدا ويقذفه هو إلى أعلى وهو يتأوه ممسكا بذراعه، وكل هذا دون أن يتوقف عن الجري أو الدوران)
يا دين النبي ده ولا دشليون فولت (السرعة تزداد)
الله وبعدين، دانا بقيت لافف ييجي ألف مرة، دانا بخاف م الضلمة دا باينه الموت بجد لأ، لأ، موش كده يا عم يا نظام، إلهي ينظمك أكتر وأكتر مش كده، يا حج ما يصحش، أنا طنيب النبي يا هوه أنا تعبت ... يا مؤلف (تزداد السرعة وتزداد الدوائر التي يضعها حول السيد اتساعا)
يا أي مؤلف، يا عم يا بتاع اللامعقول (تنتظم السرعة على معدلها الأقصى من هنا فصاعدا) ، يا عالم، يا فرافير ... الحقوا أخوكم، أنا صوتي ابتدى يتحاش، شوفوا لنا حل، حل يا ناس، حل يا هوه لأفضل كده، لازم فيه حل، لا بد فيه حل، النجدة، أخوكم خلاص فرفر، أنا في عرضكم حل، مش عشاني أنا، عشانكم انتم، دانا بمثل بس (يتهدج صوته)
إنما انتو اللي بتلفوا (ويبكي وتتحشرج الكلمات في فمه فيفتحه ويغلقه دون أن ينطق ويظل يلف صامتا تحت وقع الدقة الكونية، لمدة دقيقة ثم يسدل الستار ببطء وهو لا يزال يلف، وحين يعاد فتحه للتحية يكون فرفور لا يزال يلف، ولكن تحت وقع دقة عالية أخيرة من الطبلة يتوقف ويستدير للتحية) . (ستار النهاية.)
Bilinmeyen sayfa