وصف الغيوم
الكتابة: موهبة الاحتيال على الصمت
1
أعرف أصدقاء لا أشك في امتلاكهم موهبة الكتابة والقدرة على الإبداع فيها، لكنهم لا يكتبون ولا يعدون أنفسهم كتابا. وأعرف من بدأ خطوات قليلة في رحلة الكتابة، ثم توقف بعدها دون أسباب واضحة. وأعرف من تقل حماسته للبدء مع مرور الوقت؛ لأنه يرى أنه تأخر. ولأني أعرفهم، أفكر أن أسباب عدم إنجازهم في هذا المجال لا تتعلق بنقص في الموهبة على الإطلاق، لكن الأسباب تكمن في مناطق أخرى؛ ربما تتعلق بعادات الكتابة لديهم، أو أفكارهم عنها. وحين أفكر فيهم أتأكد أن الموهبة أو القدرة على الكتابة وحدها ليست كافية للإنجاز فيها؛ الأمر يتطلب أيضا طريقة تفكير خاصة، وعادات عملية تسهل الإنجاز، وتحمس الكاتب.
2
في بداية الكتابة نستكشف ذواتنا، نحاول تطوير بضعة سطور إلى نص (قصة، قصيدة ...) فتواجهنا عقبات ما: البحث عن كلمة مناسبة دون جدوى، عدم الرضا، عدم القدرة على بلورة أفكارنا ... إلخ. لكن من لا تواجهه عقبات في الكتابة - خصوصا في بدايات الكتابة - غالبا ما يكتب بعد ذلك كتابة رديئة. هذه العقبات قد تصيب البعض باليأس أو عدم الرغبة في المواصلة، لكن هذه العقبات تحديدا هي التي تصقل موهبتنا، وتصنع أسلوبنا. حين نحاول نقل أفكارنا إلى قصص نفكر: كيف نحولها إلى نص؟ كيف نخلق إيقاعا قصصيا في هذه الحدوتة الأولية؟ ما الذي ستقوله وما الذي ستغفله؟ وما الذي ستلمح إليه من بعيد، وما الذي ستذكره صراحة؟ ما هي زوايا النظر التي ستستخدمها في رسم نصك؟ وبالمثل في النصوص الشعرية، نختار الشكل الأنسب، ونعدل في الجمل والكلمات والفقرات عدة مرات إلى أن نصل إلى شكل ما يرضينا.
بداية طريق الكتابة الاحترافية يبدأ غالبا من الوعي بالتقنية، والتركيز عليها، ومحاولة امتلاكها والتجريب فيها. لا يعد هذا انحيازا إلى الشكل بقدر ما يكون بمنزلة قوة معادلة تدفعك ككاتب في الاتجاه المضاد لما اعتدته من الانحياز الساحق للمضمون على حساب الشكل. أساسا، التفريق بين الشكل والمضمون كقسمين يمكن دائما التفريق بينهما، غير دقيق، لكنه يظل أحيانا مفيدا للتوضيح.
3
أحيانا يكون العائق الأكبر أمام استمرار الكتابة هو الرضا السريع؛ قد تكون قادرا على الاستمرار في كتابة صفحات عديدة لكنك ترضى بما أنجزته بعد صفحة أو أقل، تسرع في إنهائه كنص، وتبحث عن إعجاب الآخرين كجائزة سريعة. وهكذا لا تفقد فقط بقية ما كان يمكن أن تكتبه في هذه الليلة، بل تفقد كذلك - في الغالب - الأيام التالية التي تظل فيها راضيا عما كتبت في انتظار ردود أفعال الآخرين.
4
Bilinmeyen sayfa