أو أيما عابث مبهج يقترحه عليك إحساسك بالفن والكرونولوجيا، وتأبى علينا عمارة القرن الخامس والرابع أن ننسى عظمة الإغريق في العصر الذهبي من تاريخهم الفكري والسياسي، وبوسعك أن تقتفي الهبوط من الرسم الحساس (وإن يكن دائما مثقلا بالتفاصيل)، عبر الرسم الذواق والمكتمل، إلى القسري بغير فاعلية في جرار وزهريات القرن السادس والخامس والرابع والثالث، وفي الرمال والسهول المديدة للواقعية الرومانية يضيع تيار الإلهام الإغريقي إلى الأبد.
قبل وفاة ماركوس أوريليوس كانت أوروبا ضجرة من المادية مثلما كانت إنجلترا قبل وفاة فيكتوريا، ولكن أية قوة قدر لها أن تحطم آلة استعبدت الناس تماما بحيث لم يجرءوا على تصور أي بديل؟ لقد تضخمت هذه الآلة حتى لم يعد بقدرة الإنسان أن يحدق إلى جانبها، لم يعد بقدرته أن يرى سوى كرنكاتها وروافعها، ولا يسمع إلا طنينها، بوسعه أن يلاحظ الحذافات المدومة ويغتر بتأمل الكرات الدوارة. كانت الإبادة هي المهرب الوحيد للمواطن الروماني من الإمبراطورية الرومانية، وبينما كان هادريان في الغرب يخمر الموهبة الإمبراطورية في التوحش إلى نظام وعلم كانت خميرة جديدة في الشرق - في مصر وآسيا الصغرى، أو، على الأرجح، في سوريا أو بين الرافدين أو حتى فارس - كانت تعمل عملها. كانت تلك القوة التي ستحرر العالم في اختمار. كانت الروح الدينية تولد مرة ثانية، هنا وهناك في وجه التناقض التام في الأحوال سيسع واحدا أن يقوم ويؤكد أن الإنسان لا يعيش بالخبز وحده. كانت الأورفية
8
والمثرية
9
والمسيحية - وهي أشكال متعددة لروح واحدة - تشرع في أن تعني شيئا أكثر من الطقوس الدقيقة والفسوق المضمر، كان تغير ما يرين رويدا رويدا على وجه أوروبا.
كان ثمة تغير قبل أن تتبدى علاماته؛ فالتصاوير المسيحية الأولى في مقابر تحت الأرض كلاسيكية خالصة، وإذا كان المسيحيون الأوائل يحسون أي شيء جديد فإنهم لم يستطيعوا التعبير عنه، ولكن لم يكد القرن الثاني ينصرم حتى كان الصناع الأقباط قد شرعوا ينسجون في التصاميم الرومانية الميتة شيئا ما حيويا، لقد انحرفت الأنماط الأكاديمية على نحو غريب وانبسطت إلى أشكال ذات دلالة معينة، كما يمكن أن نحس من جانبنا إذا ذهبنا إلى غرفة النسيج في ساوث كنسينجتون، من المؤكد أن هذه المنسوجات القبطية للقرن الثاني أشبه بالأعمال الفنية من أي شيء أنتج في الإمبراطورية الرومانية لأكثر من أربعمائة سنة، أما التصاوير المصرية للقرن الثالث فتحمل شهادة إيجابية أقل على تلمسات روح جديدة تتحسس طريقها، ولكن في بداية القرن الرابع شيد ديوقليتيانوس
10
قصره في سبالاتو؛ حيث تعلمنا جميعا أن نرى الكلاسيكية والروح الجديدة من الشرق يقتتلان عليها جنبا إلى جنب، وإذا كان لنا أن نثق في
Strzygowski
Bilinmeyen sayfa