ونكتفي بهذين النوعين من القصائد الغنائية عند الغربيين كدليل على تنوع الصورة والتركيب الموسيقي تنوعا محددا، وهما نشيد النصر والسونتة؛ لنتساءل بعد ذلك لماذا لم تتنوع الصور والتراكيب الموسيقية في شعرنا العربي التقليدي كما تنوعت عند الغربيين، حتى إذا اطلعنا على آداب الغرب وأخذنا ننوع من صور القصيدة وتركيبها الموسيقي عندما هبت الثورات البدائية الفقيرة ضد كل محاولة للتجديد أو للتنويع؟
وفي الحق أننا لا نستطيع أن نجد تفسيرا لرتابة التركيب الموسيقي للقصيدة العربية التقليدية وتحجر صورتها، إلا في أثر البيئة عليها، سواء منها البيئة الطبيعية أو البيئة الاجتماعية.
فالبيئة الطبيعية هي تلك البيئة التي نجدها في بادية العرب؛ أي البيئة الصحراوية المتشابهة المعالم الممتدة الدروب على نسق واحد في أضيق حدود التنوع، فلا غابات ولا جداول وأنهار ولا جبال مورقة، بل في الغالب الأعم صحراوات ممتدة على مدى البصر تعبرها الناقة بخطى وئيدة وإيقاع مطرد هو الذي نجده منعكسا في التركيب الموسيقي للقصيدة العربية، ومن المؤكد أنه لم يكن من قبيل المصادفة تنوع وتغير التركيب الموسيقي للقصيدة العربية في بلاد الأندلس؛ حيث تتنوع مشاهد الطبيعة من جبال مورقة إلى أنهار وجداول رقراقة إلى حقول وجنان منبسطة إلى صخور ووديان، فمنذ القرن الثالث الهجري أخذ يظهر في الأندلس ما نسميه بالموشحات التي يعرفها ابن خلدون بقوله: إنها فن أحدثه أهل الأندلس ينظمونه أسماطا أسماطا، وأغصانا أغصانا ويصدرون فيه عن جميع البحور التقليدية مع تركيب الموشح على أشكال متباينة يعتبر من أكثرها ذيوعا تركيبه من لازمة من بيتين ثم مقطوعة من ثلاثة أبيات، وهكذا إلى أن ينتهي الموشح مثل قول ابن سهل الأندلسي في توشيح له:
هل درى ظبي الحمى أن قد حمى
قلب صب حله من مكنس
فهو في حر وخفق مثلما
لعبت ريح الصبا بالقبس
يا بدورا أشرقت يوم النوى
غررا تسلك بي نهج الغرر
ما لنفسي في الهوى ذنب سوى
Bilinmeyen sayfa