إن مجرى التطور الكوني متعرج متفرع متنوع، وفروعه يعارض بعضها بعضا، وكلما تقدمت في الزمان تواتر تعارضها وتفرعها وتعرجها، الأمر الذي يجعل التطور تحت حكم المصادفات أكثر مما هو تحت حكم التنسيق المتسلسل؛ يجعل النتيجة الواحدة مسببة عن أسباب متعددة مجتمعة ومتقاطعة، لا عن سبب واحد يجعل المجرى ملتويا غير مطرد في خط مستقيم.
إن تفرع مجاري التطور وتنوعها وتعرضها وتقاطعها هي التي تجعل بعض الظاهرات متباينة متعاكسة، كدوران بعض أقمار السيارات عكس دوران الأقمار الأخرى في الاتجاه، وكنشوء جزيئات وذرات في نجوم وأجرام ليس لها وجود في أجرام أخرى، ونحو ذلك.
لو كان سبب التطورات الكونية سجية من سجايا الفوتون لاقتضى أن يكون لكل فوتون سجية خاصة به تختلف عن سجية غيره، والمعلوم أن الفوتونات متماثلة تمام التماثل، فليس سبب تلك التطورات إلا تعدد الفوتونات، وتجمعها في جماعات متعددة بفعل تجاذبها ودورانها، فالفرق بين جماعة وأخرى هو في عدد الفوتونات وكثافتها وسرعة دورانها - بسبب الجاذبية كما علمت. هذه هي أسباب اختلاف جماعاتها في الخواص، وهذا الاختلاف سبب الاختلاف في نتائج تفاعلها - تطوراتها. فالسر في اختلاف أشكال الجماعات وتطوراتها هو في العدد والكثافة والحركة في الحيز؛ هو عدد الفوتونات في جماعة، والحيز الذي تشغله الجماعة بكثافة خاصة بها ، وسرعة حركتها، فبين عدد الفوتونات وحيز كثافتها تلعب الجاذبية أدوارها المختلفة في التطور.
فما هو كائن لم يكن بد من كينونته. (3) سلاسل الأسباب والنتائج
هل النتائج والأسباب سلسلة متصلة بحيث إن لكل نتيجة معينة سببا خاصا لا ينتج غيرها، وهي لا تنتج عن غيره؛ وبالتالي يمكن التنبؤ عن النتائج من معرفة الأسباب؟
السببية طبيعة حتمية في جاذبية الذرات - فوتونات أو مجموعات فوتونات. التجاذب يجمع الذرات، والدوران يفرع تجمعاتها؛ فلذلك لا يمكن أن يحدث حادث إلا من جراء حادث آخر أفضى إليه، لا يمكن أن يحدث حادث من تلقاء نفسه، ولا يمكن أن ينتهي حادث بنفسه؛ لأن القوة لا تفنى، بل لا بد أن يفضي إلى حادث آخر.
فالحوادث سلاسل متصلة، ولما كانت الحركات المادية متعددة ومتنوعة كثيرا، ومتجاورة في الحيز يصادم بعضها بعضا؛ كانت كل حادثة نتيجة لعدة عوامل متصادمة أفضت إليها؛ فلا يمكن أن تعثر على حادثة نتجت من عامل واحد فقط.
لذلك لا نتيجة نتجت من سبب واحد، بل من عدة أسباب تضافرت على إنتاجها، ويندر أن تستطيع الإحاطة علما بجميع الأسباب التي أفضت إليها، بل يكاد يستحيل ذلك. وبقدر ما نعرف من الأسباب للنتيجة الواحدة يمكننا أن نحسن التنبؤ عنها، فالحكم الأرجح في التنبؤ عن النتيجة يتوقف على العدد الأوفر من الأسباب - أو العوامل - التي نعرفها، فإذا استطعنا أن نحيط علما بجميع الأسباب بلا استثناء ظفرنا بمعرفة النتيجة المطلقة. ولكن هذا أمر يكاد يكون مستحيلا؛ يمكن الفلكي أن يقدم لك جدولا عن مواعيد الكسوف الشمسي أو الخسوف القمري لبضع مئات أو ألوف من السنين لا إلى أبد الآبدين، وكلما تمادى في تعيين المواعيد البعيدة قل التطابق بين حدوث الكسوف وميعاده المحسوب. لماذا؟ لأنه لا يستطيع أن يحيط علما بجميع حركات الأفلاك العديدة المتفاوتة في دورياتها
Rithm ، وحاصل القول أنه لا نتيجة واحدة لسبب واحد فقط، وإنما هي نتيجة لمجموعة عوامل متعددة متعارضة غير متساوقة تمام التساوق.
يلزم عن هذا أن النتائج والأسباب ليست سلسلة واحدة متصلة مترامية ماضيا ومستقبلا، بل هي سلاسل لا تحصى متشابكة معقدة بحيث إنك لا تستطيع أن تسلسل حادثا إلى أن تصل راجعا إلى سببه الأول، ففيما أنت تسلسله لا تلبث أن ترى السلسلة متفرعة طردا وعكسا؛ أي: تراها متفرعة إلى أسباب من ناحية ومتفرعة إلى نتائج من ناحية أخرى فتتيه في شبكة الأسباب والنتائج.
Bilinmeyen sayfa