على هذا المنوال يتقطع السديم إلى سديمات وكل سديمة قائمة بنفسها ذات دوران محوري خاص بها، وذات دوران مركزي حول مركز الأم بالاشتراك مع أخواتها، كأنها سيارات حول بقية السديم الأصلي، في حين يتقطع معظم السديم على هذا النحو إلى أن يتبقى منه الشيء القليل حول المركز، فيصبح هذا الشيء القليل تحت تأثير جذب السديمات التي تولدت منه أشد من تأثير جاذبيته الذاتية، فتتنازعه هذه السديمات وتمزقه إلى كتل أخرى مثلها.
في أثناء هذا التطور المتوالي الذي يستغرق ملايين السنين تكون السديمات بنوبتها متقلصة تدريجا تحت فعل العوامل نفسها التي كانت تقلص السديم الأصلي؛ فتتسع الرحاب التي بينها، وبالتالي يضعف تجاذبها نحو مركز السديم الأصلي، وتتغلب قوة الشرود عن المركز، ويستمر تباعدها بعضها عن بعض، كأنها تعود تتوزع على الحيز الذي كانت تملأه حين كانت سديما واحدا لطيفا عظيما، ولكنها تتوزع فيه كرات متقلصة تاركة بينها رحابا فسيحة.
لما كانت سديما واحدا لطيفا كانت ككتلة واحدة تدور على محور واحد، فلما تقطع السديم إليها أصبحت كل واحدة منها تدور على محورها الخاص، وفي الوقت نفسه تدور دورانا مركزيا
2
حول نقطة متوسطة بينها بحكم تجاذبها بعضها إلى بعض، وقد تكون هذه النقطة خالية لا سديمة فيها ولا جرم، وبحسب سنة المسارعة الجاذبية تكون أقربها إلى المنطقة المركزية أسرع سيرا حول هذه المنطقة، وأبعدها أبطأها، كما هي الحال في المجرة وكل نظام دوراني، كالنظام الشمسي والنظام العنقودي الذي سيرد وصفه. •••
بقيت مسألة ذات شأن لا يجوز إغفالها؛ وهي: أن دوران السديمات المركزي حول مركز السديم الأصلي الذي تقسم إليها يقضي بتغلب قوة الشرود عن المركز على قوة الانجذاب إليه، ويفضي إلى تحول مجموعة السديمات من شكلها الكروي الأصلي إلى شكل قرصي بحيث يصبح قطرها المحوري الأصلي أقصر جدا من قطرها القرصي.
إذا كنت قد تصورت بجلاء تطور السديم الكبير وتحوله إلى سديمات كما وصفنا؛ تكون قد رسمت في ذهنك شكل مجرتنا
3
كما هي الآن، أو بالأحرى منذ صارت سديمات حبلى بنجوم وشموس. كانت مجرتنا هذه سديما عظيما كروي الشكل، ثم صارت مجموعة سديمات تشغل حيزا قرصيا محوره نحو خمسي قطره، وهي تدور حول مركز المجرة بسرعات متفاوتة حسب البعد عن المركز، وفي الوقت نفسه كل منها تدور على محورها.
وإذا علمت أن الكون الأعظم كان أوقيانوسا من ذرات المادة أدركت كيف أنه تقطع على نحو ما تقدم وصفه وبنفس العوامل إلى ملايين السدم، كل سديم منها يعد مجرة كمجرتنا، وجميعها تدور في هذا الأوقيانوس حول مركزه الأوحد بسرعات متفاوتة بمقتضى ناموس الجاذبية، وبالوقت نفسه كل سديم منها يدور على نفسه دورة محورية خاصة به. (2) درجات الدورية
Bilinmeyen sayfa