وكان الانفصال الإصلاحي نتيجة تفسير الكتاب الديني عينه من قبل شعوب مختلفة، فكانت شعوب الشمال تريد النقاش في معتقداتها وتنظيم حياتها بنفسها، وكانت شعوب الجنوب تفضل الخضوع بلا جدال لعقائد تفرضها سلطة عالية.
ويسيطر على جميع تقلبات السياسة لدى الشعوب اللاتينية - ولا سيما الفرنسيون - عنصر بارز من عناصر مزاجهم النفسي الموروث من الأجداد، وهو احتياجهم أن يساعدوا ويوجهوا في أدق أعمالهم من قبل حكومة، فالحكومية هي النظام الوحيد الممكن لدى الأمم اللاتينية وإن اختلفت الأسماء. •••
حقا إن الحوادث التي تظهر كل يوم ليست وليدة الحاضر، بل وليدة ماض طويل، فإذا ما وحدت قرون من المصالح المتماثلة والمعتقدات الواحدة أمة حازت هذه الأمة من المسيرات الوراثية ما يتألف من مجموعه كيان يسمى: الروح القومية، وهذه الروح هي التي تعمل في الأحوال العظيمة التي تهدد وجود العرق، كالغزو مثلا، وهذه الروح القومية أيضا هي التي تجعل جميع أعضاء العرق يبدون أخلاقا مشتركة على الرغم من اختلافاتهم الفردية، ومن ذلك أنك تجد لدى الإنكليز أو البريتون أو الأفرنيين أو البروفنسيين أو اليابانيين، إلخ، من طرز الشعور والتفكير، ومن طرز الاستدلال غالبا ما يجعلك تعرفهم من فورك.
وليست العوامل التي تستطيع أن تمنح الأمة مجموعة من الأخلاق المشتركة الصالحة لتكوين روحها القومية كثيرة، ويكون العقل غريبا عن تكوينها في الغالب، ولها ركن بتوحيد المشاعر الجماعية والدينية، وما كان دينيا منها يعد أقواها، فعبادة رومة في العالم القديم، والنصرانية في القرون الوسطى من أبرز الأمثلة على مثل تلك العوامل. •••
وأشد الأهوال التي يمكن أن تصاب بها الأمة: هو ضياع روحها القومية، فلم تكن غزوات البرابرة المسلحة هي التي قضت على عظمة رومة، بل امتزاجات الشعب الروماني الطويلة بالأجانب.
وكما لاحظنا فيما تقدم: كادت الولايات المتحدة في الوقت الحاضر أن تذهب ضحية مثل هذا القدر، نتيجة لغزو متباين العناصر غزوا تدريجيا، فشعرت بالخطر في الوقت المناسب ، وانتهت إلى إغلاق أبوابها إغلاقا تاما تقريبا دون المهاجرين.
وما كانت أكمل تريبة وأصلح نظم سياسية لتحول بعض العوامل الوراثية، ولو تألف شعب خلاسي من حملة البكلوريا ومن المحامين والدكاترة لغدا عرضة للفوضى، فإلى النظم الدكتاتورية التي تؤدي إليها هذه الفوضى لا ريب.
وتدل أوربة الحديثة مرة أخرى على مقدار ثقل المؤثرات الوراثية في حياة الأمم، وما تلاقيه محاولة تحقيق اتحاد أوربي من مصاعب خارقة للعادة، يثبت ضعف الضرورات النظرية إذا لم تستند إلى بعض المشاعر الوراثية مجتمعة.
وما بين الأحياء من تضامن يستند بحكم الضرورة إلى تضامن بين الأموات الذين تكون الأحياء منهم.
الفصل الثاني
Bilinmeyen sayfa