ثم إن استقلال القضاء كان في العهد السابق أوسع بمراحل مما في الوقت الحاضر، ويمكن أن يحكم في هذا بالأمر الآتي الذي جاء في إحدى الصحف الكبرى، والقائل - على حسب تقرير وزير العدل مسيو راوول بيره - إنه تلقى في بضعة أشهر 8000 رسالة من رجال البرلمان يلتمسون فيها أوسمة أو ترقيا للقضاة.
ويذكر تحرير الفلاحين كإحدى النتائج الكبرى التي أسفرت عنها الثورة الفرنسية، ولكن مثل هذا التحرير قد تم من قبل حكومات ملكية في البلدان الأخرى، ومن ذلك أن لوحظ بحق كون حكومة فينه الإمبراطورية قد حققت تحرير الفلاحين هذا، وكونها جعلت التجارة والمواصلات عصرية في هنغارية، وفي أيامنا أتت رومانية مثل هذا التطور من غير أن تقع أية حركة ثورية.
وهل يكون للأمة عوض في تعجيل إصلاح، كان يحقق مع الزمن تحقيقا غريزيا، مما تكون قد عانته من عنف وتخريب نتيجة لثورة تهدف إلى إنجاز ذلك الإصلاح بسرعة؟ يتوقف على الجواب عن هذا السؤال ما يمكننا أن نصدر من أحكام حول الثورة الفرنسية وحول عصر الانقلابات التي تعد أصلا لها.
أجل إن الحماسة العمياء السابقة حول ذلك الدور دامت زمنا طويلا، ولكنها ضعفت في أيامنا كما يلوح، وتسوغ روح النقد استنباط معارف كثيرة من هذه الأزمة الكبرى، ولا سيما ما يجب على الأمم الراغبة في اجتناب الثورات من أن تلائم بالتدريج مقتضيات الزمن الجديدة التي تنشأ عن تحولات العالم المتصلة. •••
وتساعد الملاحظات السابقة على بيان مقدار ما تتحول به مبادئ التاريخ القديمة بظهور روح النقد.
فبينا كان مؤرخو الماضي يفسرون الحوادث على حسب مشاعرهم الشخصية ومعتقدات زمانهم، يعتنق مؤرخو الوقت الحاضر بالتدريج مبدأ الضرورات التي تقيد العالم، وسواء أكانت هذه الضرورات حربية أم دينية أم اقتصادية فإنها تختلف باختلاف الزمن، فيقوم عمل المؤرخ على تعيين الضرورات التي تؤثر في الأمم في مختلف مراحل تطورها.
وتمهد مصاعب تلك التفسيرات بعض التمهيد بفضل الوثائق التي تلقي شيئا من اليقين على حوادث الماضي، فالكتب الحجرية كالمباني والتماثيل والخطوط، وكذلك المؤلفات التي يفترض أنها وليدة الخيال الخالص، كالأقاصيص والروايات والأحاديث زاخرة بالمعارف الدقيقة، فقد صدر التاريخ الصحيح عن وثائق لم يبحث عنه فيها.
الباب الثالث
إصلاحات التاريخ العلمية
الفصل الأول
Bilinmeyen sayfa