أرسطبس وأرسطوطاليس
جاء فيما كتبنا في «الرسول الجديد» (الفصل الثالث) ما يلي:
غير أننا إذ نرى أن شابا من أفذاذ العالم الإنساني - لا من أفذاذ اليونان وحدهم، ومن معاصري أرسطبس - درس نظرياته ومبادئه لا على وجه التعميم، بل على وجه الاختصاص، وأنه ناقش فيها، ونقد بعض الأسس التي تقوم عليها؛ يذهب من روعنا كل شك في أن مذهب أرسطبس ونظرياته قد كتبت وجمعت بين دفتي كتاب أو ضمنت صفحات كتب عديدة، وإن ثقتنا بهذا القول تصبح في موطن اليقين، إذا عرفنا أن ذلك الشاب الذي عاصر فيلسوفنا في أخريات أيامه، هو المعلم الأول أرسطوطاليس لا أحد غيره.
ولقد يجمل بنا أن نذكر أن أرسطبس كان يعلم تلقاء أجر، وأن هذا كان سببا في أن يلحقه أرسطوطاليس بالسفساطئيين، فلما أهمل أرسطوطاليس ذكر أرسطبس في كتابه «الأخلاق إلى نيقوماخس» ولم يذكر من أتباعه إلا أودكسس الهيدوني المتقشف، وذلك عندما شرع ينقد مذهب القورينيين الأخلاقي، ويناقش في مبادئ المذهب تفصيلا وجملة، من غير أن يعير الأشخاص أي التفات، ذهب بعض النقاد ممن ينظرون في تاريخ المذاهب الفلسفية إلى القول بأن أرسطوطاليس لم يذكر أرسطبس بالاسم إلا احتقارا لشأن السفسطائيين، الذين كان يعتقد أن أرسطبس واحد منهم، غير أن عندي بعض تقديرات أخرى يمكن أن يعزى إليها تعمد أرسطوطاليس إهمال ذكر الفيلسوف القوريني العظيم أعددها هنا إتماما لفائدة البحث.
أولا:
أن أرسطوطاليس ناقش في أكثر من مذهب في كتابه «الأخلاق إلى نيقوماخس» فكان أقل المؤلفين ذكرا لأسماء الفلاسفة وأصحاب المذاهب التي ناقش فيها.
ثانيا:
أنه كان يعنى بالفكرات والنظريات دون أصحابها، فإنه على كثرة ما ناقش في مبادئ المذهب القوريني لم يذكر اسم أودكسس إلا عرضا.
ثالثا:
أرجح أن أرسطوطاليس لم يذكر أودكسس في كتابه إلا لأن هذا الفيلسوف كان من القورينيين نسيجا وحده، فإنه كان هيدونيا من أصحاب اللذة، وفي الوقت ذاته متقشف يدعو إلى المثل العليا على نفس القاعدة التى دعا بها أرسطوطاليس.
Bilinmeyen sayfa