هذه تأملات خرجت منها بنتائج لا أشك في صحتها، فإن في التاريخ البشري ما يدل على أن شعوبا كالفراعنة وأهل الصين والهند صمدت لأعاصير الزمن بما فيها من الصفات الرسيسة، واحتفظت بكيانها على الدهور فلم تبد ولم تنقرض، ولكنها صالت واستكانت، وتناوبت عليها دورات من الصولة والاستكانة، احتفظت خلالها جميعا بطابع من القوة، ووسمت بسمة من الجلد على مدافعة النوائب، صامدة للشدائد، بعيدة عن أن تذعن لهزيمة، تسلم بها إلى الفناء. فهذه شعوب خالدة تشبه الخالدين من الذوات.
تجد في عالم الفكر نظير هذه الأمم، مذاهب فلسفية تنقلت على مدى الزمان، وظلت منذ ولدت إلى الآن حية فتية، فهذه مذاهب خالدة تشبه في عالم الفكر؛ تلك الأمم في عالم الإنسانية.
هذه الفكرة الأولية تزودنا بقاعدة ننتحيها في كتابة تاريخ الفلسفة من وجهة جديدة، نتخذ فيها هذه المذاهب على أنها أصول الفلسفة وأركان الفكر، وغيرها من المذاهب تفاريع عليها وملحقات بها.
أما مذهب اللذة والألم في فلسفة الأخلاق، فثابت، درج مع القرون، خرج بداءة من قورينة الأفريقية، قائما على فكرات أساسية في مذهب سقراط وبروطاغوراس ولوسيفوس وديمقربطس، ثم عاد إلى اليونان فتشكل في ذهن أبيقور بصورة، ثم في مدرسة الإسكندرية بأخرى، وعند الروافيين بثالثة، وأخذ يتنقل خلال العصور، إلى أن برز في صورة كونها بنتام ومل وأترابهما، فلابسته المنفعة بدل اللذة.
وهذا الكتاب تنفيذ جزئي لهذه الفكرة العملية.
إسماعيل مظهر
أبريل 1936
كلمات جامعة عرضت في فصول هذا الكتاب
إنك لن تقع على شيء تحت الشمس، لا يمت إلى الفكر اليوناني بسبب.
جلبرت مري
Bilinmeyen sayfa