Biyoloji Biliminin Felsefesi: Çok Kısa Bir Giriş
فلسفة علم الأحياء: مقدمة قصيرة جدا
Türler
لنأخذ الفراء الأبيض للدب القطبي مثالا آخر. لهذه الصفة عدة آثار، منها عكس ضوء الشمس وتمويه الدب أثناء الصيد، ومنح صغار الدببة القطبية مظهرا محببا يستحسنه رواد حديقة الحيوان. باعتبار ما نعرفه عن البيئة التي تطور فيها الدب القطبي، فمن المرجح جدا أن يكون الأثر الثاني - التمويه - هو السبب الذي أدى بالانتخاب الطبيعي إلى تطور الفراء الأبيض للدب القطبي. فالدب المموه جيدا لديه أفضلية انتخابية واضحة مقارنة بالدب الذي يفتقر إلى التمويه، لذا في المتوسط سيترك ذرية أكثر. لو صح ذلك، فالنظرية السببية تشير إلى أن التمويه هو وظيفة فراء الدب القطبي، بينما عكس ضوء الشمس وإضفاء مظهر محبب للبشر ليسا من وظائف الفراء. هذه هي النتيجة الصحيحة بديهيا، وتتوافق جيدا مع الاستخدام البيولوجي الفعلي.
تفسر النظرية السببية جيدا الكثير من الحديث عن الوظيفة في علم الأحياء، وهي بجانب ذلك لها ميزات أخرى. إذ تقدم أساسا راسخا للتمييز بين الوظيفة والأثر الجانبي، من حيثية سبب تفضيل الانتخاب الطبيعي للصفة. وتعلل الدور التفسيري الذي يلعبه إسناد وظيفة للصفة، لا سيما حقيقة أن الاستشهاد بوظيفة صفة ما يفسر سبب وجودها. تعد النظرية السببية أيضا بأن تنفي البعد المعياري الظاهري للحديث عن الوظائف عن طريق تفسيره. فهي تشير إلى أن الفارق بين الوظيفة والخلل الوظيفي لا يشتمل في الحقيقة على أحكام تقييمية حول الصورة التي «ينبغي» أن تكون عليها الكائنات الحية. فالقول بأن الكلية بها خلل وظيفي، يعني من منظور النظرية السببية ببساطة أن الكلية لم يعد لها الأثر الذي تطورت من أجله في الماضي. بمعنى أن ثمة حقيقة موضوعية حول الوظيفة التي «يفترض» أن تقوم بها الكلى وغيرها من الصفات البيولوجية، وهي حقيقة مستمدة من تاريخها التطوري.
يتعلق أحد التحديات التي تواجه النظرية السببية بفردانية الإسنادات الوظيفية التي تمنحها النظرية. عادة ما يشير علماء الأحياء إلى «وظيفة» الصفة، في إشارة إلى أن للصفة وظيفة واحدة فقط. لكن إذا كانت الوظيفة تعرف بأثر محدد، فغالبا ما سيكون للصفة الواحدة أكثر من وظيفة محتملة. على سبيل المثال، بدلا من أن نقول إن وظيفة الفرو الأبيض للدب القطبي هي التمويه، يمكن أن نقول على حد السواء بأن وظيفته هي السماح للدب بالصيد نهارا، أو تعزيز نجاح الدب في الصيد، أو المساعدة في تجنب تضوره جوعا؛ أو ببساطة زيادة صلاحيته. يؤدي فرو الدب كل هذه الوظائف، وسيكون اختيار أحدها باعتباره «السبب» وراء تفضيل الانتخاب الطبيعي للفرو الأبيض حكما اعتباطيا. على الرغم من صحة ذلك، فإن المشكلة هنا ليست خاصة بالنظرية السببية للوظيفة ولا حتى بعلم الأحياء. إذا وقع تأثير ما في نهاية سلسلة طويلة من الأسباب، فسيكون هناك عدة أسباب كل منها مرشح لأن يكون «السبب» الأصلي. هب أن أحدا سألك عن سبب قيام الحرب العالمية الأولى. الإجابات الممكنة تشمل : الطموحات الإمبريالية للقوى الأوروبية؛ وسباق التسلح اللاحق؛ والطلقة التي أصابت الأرشيدوق فيرديناند؛ وغيرها من الأسباب. إذن كيف نحدد «السبب» الأصلي؟ هذه معضلة فلسفية عامة إلى حد ما، كتبت فيها الكثير من المؤلفات. (أحد الحلول يذهب إلى أن تحديدنا «السبب» الأصلي هو مسألة براجماتية لا حقيقة موضوعية.) أيا ما كان حل هذه المعضلة، فمن المرجح أنه سيكون قابلا للتطبيق على النظرية السببية.
يأتي تحد آخر للنظرية السببية من السمات التي تطورت في الأصل لغرض معين ولكن استحوذ عليها فيما بعد غرض آخر. تظهر هذه الصفات، المعروفة باسم «التكيفات المسبقة»، بشكل متكرر في عملية التطور. على سبيل المثال، تطور ريش الطيور في الأساس بغرض التنظيم الحراري، لكن الانتخاب الطبيعي عدله فيما بعد بغرض تحسين أدائها الديناميكي الهوائي. فما هي إذن وظيفة الريش وفق النظرية السببية؟ الحفاظ على دفء الطيور أم مساعدتها للتحليق بكفاءة، أم كلاهما؟ لا تبدو أن هناك طريقة واضحة للإجابة عن هذا السؤال. لكن هذا لا يمس جوهر النظرية السببية لسببين. أولا، من الممكن تجاوز المشكلة جزئيا من خلال تنقيح إسنادات الوظائف. فريش الطيور لا يمثل فئة متجانسة؛ فبعض أنواع الريش مثل ريش الذيل اختصاصها التحليق، بينما تختص أنواع أخرى مثل الزغب بالحفاظ على الدفء. علاوة على ذلك، كل أنواع الريش لديها جوانب متعددة، كالشكل والملمس والحجم على سبيل المثال؛ بالتركيز على جانب محدد، سيكون من الممكن حصر الوظائف المحتملة. ثانيا، على أي حال لا تتفق آراء علماء الأحياء حول كيفية تناول الحديث عن الوظيفة في حالات التكيفات المسبقة. فكون التحليل الفلسفي لمعنى الحديث عن الوظائف لا يثمر عن إجابة واضحة هو أمر لا يؤخذ عليه.
على الرغم من مميزات النظرية السببية، فهي تشتمل على معنى ضمني يراه الكثيرون مشكلة. إذ تشير النظرية ضمنا إلى أنه حينما يستعمل عالم أحياء تعبيرا لإسناد وظيفة لصفة أو عضو ما، فهو يخبر بشيء ما ولو ضمنيا عن مسار التاريخ التطوري. هذا مقبول في بعض السياقات لكنه غير مستساغ في سياقات أخرى. لنأخذ القلب البشري مثالا. كما يعلم أي تلميذ في المدرسة، كان ويليام هارفي، وهو طبيب من القرن السابع عشر، هو من قال إن وظيفة القلب هي ضخ الدم في الجسد؛ ويجمع علماء الأحياء الجدد على أن هارفي كان محقا في هذا. لكن نظرية التطور لم تكن قد وضعت بعد في القرن السابع عشر، لذا عندما تحدث هارفي عن وظيفة القلب، فإنه من الواضح أنه لم يقصد «الأثر الذي يعزى إليه انتخاب القلب». إذا أصررنا على صحة النظرية السببية، فإذن نحن مجبرون على أن نستنتج أن هارفي لم يفهم ما تعنيه كلماته، أو أنه استخدم كلمة «وظيفة» بمعنى مختلف تماما عن علماء الأحياء الجدد. وكلا الاحتمالين مستبعدان.
هذا المثال متطرف لتوضيح نقطة أعم، وهي أن بعض الإسنادات الوظيفية في علم الأحياء لا يبدو أن لها علاقة بالتطور؛ وإنما تستنتج من دراسة آليات الكائنات الحية في الحاضر. وهذا ينطبق بالأخص على العلوم الطبية الحيوية. على سبيل المثال، عادة ما يحاول الباحثون الدارسون لأسباب مرض ما على المستوى الجزيئي أن يحددوا وظيفة المسار الكيميائي الحيوي الذي أدى إلى هذا المرض. لهذه الغاية، هم يقومون بدراسات تجريبية عن آلية عمل تلك المسارات وتأثيرها على الخلايا والأنسجة. هذا النوع من البحث لا يمت بصلة إلى التطور في ظاهره، لكنه عادة ما يؤدي إلى إسنادات وظيفية موثوق بها. تدعم هذه الملاحظة المنافس الرئيسي لنظرية السببية، ألا وهي نظرية «الدور السببي» للوظيفة.
نظرية «الدور السببي» للوظيفة
إن الفكرة الرئيسية التي تقوم عليها نظرية الدور السببي هي أن الإسنادات الوظيفية عادة ما تتم في سياق نوع معين من البحث العلمي، ألا وهو محاولة فهم كيفية عمل نظام أو عملية بيولوجية معقدة. تأمل التنظيم الحراري في الإنسان على سبيل المثال. فهو يشتمل على نظام تحكم، حيث تراقب منطقة تحت المهاد في الدماغ درجة حرارة الجسم وترسل نبضات لتحفيز الاستجابات العضوية الملائمة كالتعرق. يشتمل النظام على عدد كبير من الأجزاء المتخصصة والأنظمة الفرعية، لكل منها وظيفة محددة. لفهم آلية عمل النظام الكلي ، يجب أن نعرف إسهامات كل جزء منه. هنا يأتي مفهوم الوظيفة بالنسبة إلى نظرية الدور السببي. إن وظيفة جزء ما هي ببساطة إسهامه في عمل النظام الكلي، الذي يمكن النظام من أداء وظيفته. إذن وظيفة المستقبلات الحرارية في منطقة تحت المهاد هي قياس درجة حرارة الدم، بينما وظيفة الغدد العرقية هي إفراز العرق على سطح الجلد. بسبب أداء المستقبلات الحرارية والغدد العرقية هاتين الوظيفتين، يتمكن الجسم من الحفاظ على ثبات درجة حرارته.
لنأخذ الجهاز المناعي التكيفي في الفقاريات الذي يتخلص من مسببات الأمراض في الجسم مثالا آخر. يتكون ذلك النظام أيضا من عدة أجزاء، ألا وهي الخلايا التائية والبائية بمختلف أنواعها، التي يلعب كل منها دورا محددا؛ ويتطلب فهم كيفية عمل الجهاز المناعي معرفة ماهية هذه الأدوار. بالتالي فالخلايا التائية القاتلة تتعرف على الخلايا المصابة بفيروس وتقتلها، بينما الخلايا البائية ترتبط بالمستضدات وتنتج أجساما مضادة. هذه هي إذن وظائف الخلايا التائية والبائية من منظور نظرية الدور السببي، فبسبب أدائها تلك الأدوار يتمكن جهاز المناعة التكيفي من التخلص من مسببات الأمراض. باختصار، إن وظيفة عنصر ما هي مساهمته المحددة، أو دوره السببي، في عمل النظام الكلي؛ بينما الأثر الجانبي لأي عنصر هو ما يؤديه هذا العنصر لكنه لا يقوم بمثل هذه المساهمة.
لقد رأينا أن النظرية السببية تؤكد أن الإسنادات الوظيفية هي عادة ما تكون إجابات للسؤال المطلق «ما سبب وجود ...؟» (ما سبب وجود الشوك في الصبار؟ هو موجود لإبعاد آكلات العشب.) على النقيض، فإن نظرية الدور السببي تلفت الانتباه إلى السؤال المباشر، ألا وهو «كيف يعمل؟» (كيف يتخلص الجهاز المناعي من مسببات الأمراض؟ بواسطة الخلايا التائية والبائية التي تقتل الدخلاء وتنتج أجساما مضادة.) يحتل السؤال الأخير مركزا رئيسيا في العديد من الدراسات البيولوجية، لا سيما في مجالات مثل علم وظائف الأعضاء، وعلمي الأحياء الخلوي والجزيئي. مثل هذه الدراسات عادة ما تستلزم التركيز على بنية أو عملية معقدة، ودراسة التفاعلات السببية بين أجزائها المختلفة، ومحاولة تحديد ماهية المساهمة التي يقوم بها كل جزء. هنا تبرز أهمية الحديث عن الوظيفة، بالنسبة إلى نظرية الدور السببي.
Bilinmeyen sayfa