Biyoloji Biliminin Felsefesi: Çok Kısa Bir Giriş
فلسفة علم الأحياء: مقدمة قصيرة جدا
Türler
كي نتناول هذه المسألة، نحتاج إلى أن نكون أكثر دقة بشأن ما نعنيه بنظرية التطور. رأينا أن داروين نفسه ناقش ثلاث أطروحات: (1) تطور الأنواع صفات جديدة بمرور الزمن؛ (2) الأنواع الحالية تنحدر من أسلاف مشتركة؛ (3) الانتخاب الطبيعي هو الوسيلة الرئيسية للتعديل التطوري. تختلف الأدلة على النقطتين (1) و(3) إلى حد ما. فلنركز على النقطة (2) ادعاء الانحدار من السلف المشترك، إذ إنها النقطة الأهم التي يسعى معارضو التطور إلى دحضها.
الصيغة الحديثة للأطروحة (2) هي فرضية شجرة الحياة الواحدة التي تقول إنه يمكن تتبع كل الأنواع الحالية إلى سلف مشترك واحد. السبب الرئيسي للاعتقاد بها لم يتغير منذ عصر داروين؛ إذ تفسر تلك الفرضية عددا كبيرا من الحقائق التي لا تفسير لها من دونها، وإلا يتحتم اعتبار هذه الحقائق صدفا بحتة. كان من بين الحقائق التي استشهد بها داروين هي التشابهات التشريحية المذهلة بين الأنواع المختلفة، مثل قوائم الخيول والأبقار. سرعان ما تبدو مثل هذه التشابهات منطقية في ضوء التطور. فالخيول والأبقار تنحدر من سلف مشترك ورثت منه بنيتها رباعية القوائم، وخضعت بعد ذلك لتعديل تطوري. لكن لو كانت الخيول والأبقار لا تنحدر من سلف مشترك بل خلق كل منها مستقلا، لما كنا لنتوقع أن يكون تشريحها متشابها على الإطلاق.
مجموعة أخرى من الحقائق التي تدل على وجود أصل مشترك، والتي لاحظها داروين أيضا، تأتي من علم الأجنة. تأمل حقيقة أن جميع أجنة الفقاريات تتشابه كثيرا في مراحلها الأولى حتى إنه يصعب التمييز بينها. أثناء نمو الجنين، يكتسب الصفات المميزة لمجموعته الفرعية من الفقاريات، كالطيور مثلا، ثم المميزة لنوعه في النهاية. وهذا منطقي في ضوء التطور. ترجع جميع الفقاريات إلى نوع واحد من الأسلاف تطور إلى سلالات مختلفة لكل منها صفاتها المميزة: الأجنحة للطيور، والخياشيم للأسماك، إلى آخره. تنشأ هذه الخصائص بعد أن يكتمل تصميم الجسم الأساسي للكائن الفقاري، حيث إنه من الصعب إحداث تغيير في مراحل النمو الأولى للجنين دون إلحاق آثار ضارة على الكائن ككل. نتيجة لذلك، تتشابه أجنة جميع الفقاريات في مراحلها المبكرة، ثم تظل تتمايز أثناء نموها الجنيني. لو أن كلا من الأنواع الفقارية خلق مستقلا، لما وجد سبب لتوقع هذه التشابهات.
أما السبب الأقوى للإيمان بفرضية شجرة الحياة الواحدة فلم يكن متاحا لداروين. إنه «عالمية الشفرة الجينية». لفهم ما يعنيه ذلك، نحتاج إلى معرفة بعض الأساسيات في علم الوراثة. يمكن اعتبار الجين مجموعة من التعليمات مدونة في الحمض النووي لبناء بروتين واحد. يتكون البروتين من سلسلة طويلة من الأحماض الأمينية المرتبطة بعضها ببعض. المقصود بالشفرة الجينية هو الطريقة التي من خلالها يحدد تسلسل الحمض النووي لجين ما تسلسل الأحماض الأمينية في البروتين المناظر. (بتعبير أدق، تقوم هذه الشفرة بترتيب مجموعة ثلاثية من النيوكليوتيدات لصنع حمض أميني واحد؛ انظر الفصل السادس.) يوجد عدد هائل من الشفرات الجينية الممكنة، تتوافق جميعها مع قوانين الكيمياء. لكن المذهل هو أن جميع الكائنات الحية، من الذباب إلى البشر مرورا بالبكتيريا، «تتماثل» في شفرتها الجينية (أو تكاد تتماثل). هذا منطقي تماما لو أن الكائنات الحية تنحدر من سلف مشترك، وإلا فهي صدفة بعيدة الاحتمال للغاية. إذ سيكون أشبه بتكرر نشأة لغة بشرية واحدة في عدة سياقات منفصلة. إذا اكتشف علماء الأنثروبولوجيا عددا من القبائل المنفصلة تتحدث اللغة نفسها بالضبط، فسيفترضون لا محالة أن هذه القبائل تفرعت من مجتمع لغوي واحد. الافتراض البديل القائل بأن كل قبيلة استحدثت بشكل مستقل اللغة نفسها هو افتراض غير معقول بالمرة باعتبار العدد اللامحدود من اللغات الممكنة. بالمثل، تقدم عالمية الشفرة الجينية في الكائنات في يومنا هذا دليلا دامغا على اشتراكها في أصل واحد.
يقال في بعض الأحيان، لا سيما على لسان المعارضين لعلم الأحياء التطوري، إن التطور «مجرد نظرية». وهي مقولة نحتاج إلى شيء من الحذر عند الخوض في تفسيرها. قطعا توجد نظرية تسمى «نظرية التطور»، وهي مجموعة المبادئ النظرية التي تفسر آلية عمل التطور، والتي سبق أن تطرقنا إلى بعضها. لكن هذه المقولة عادة ما تفسر بأن التطور ليس حقيقة ثابتة بل فرضية تكهنية يمكن لشخص عقلاني أن يطعن في صحتها. وتلك فكرة يجب التصدي لها. لما كنا لا نستطيع رؤية الماضي رأي العين، كان الادعاء القائل بانحدار الأنواع الحالية من أسلاف مشتركة لا يمكن الجزم به إلا بطريق غير مباشر، وهو الاستنباط. لكن ذلك ينطبق على العديد من الافتراضات العلمية. فنحن لا نستطيع رؤية الإلكترونات ولا الحضارات القديمة ولا نواة الشمس مباشرة، لكننا نعلم الكثير عن تلك الأشياء. الأدلة المؤيدة للتطور هائلة إلى حد يجعل التشكيك في صحتها بجدية غير ممكن. فمن يشك في التطور على أساس أنه «مجرد نظرية» فحري به أن يشكك في جميع أطروحات العلم الحديث أيضا إن كان مبدؤه ثابتا.
الفصل الثالث
الوظيفة والتكيف
إحدى السمات اللافتة في العلوم البيولوجية هي كثرة نزوعها إلى مفهوم «الوظيفة». تأمل العبارات التالية. وظيفة قوقعة السلطعون هي حماية أحشائه؛ وظيفة كليتي الإنسان هي تنقية الدم؛ وظيفة رقص ذكر طائر الجنة هي جذب الإناث للتزاوج. إن عبارات من هذا النوع، التي من الممكن أن نسميها «عبارات إسناد الوظيفة»، من الممكن أن نجدها في أي من مراجع علم الأحياء، وعادة ما تمر دون أن نلتفت إليها. وهي في ذلك تتباين تباينا لافتا مع العلوم غير الحيوية التي تكاد تخلو من أي حديث عن الوظيفة. فعلماء الجيولوجيا لا يناقشون وظيفة الأنهار الجليدية؛ وعلماء الفلك لا يناقشون وظيفة الكواكب؛ وعلماء الكيمياء لا يناقشون وظيفة الروابط التساهمية. ولو ناقشوا ذلك فلن يفهم قصدهم بسهولة. فلماذا إذن يكثر حديث علماء الأحياء عن الوظيفة، وما المقصود بها بالتحديد؟
الإجابة السطحية عن هذا السؤال تقول إن الحديث عن وظيفة عنصر بيولوجي ما هي ببساطة ذكر ما يفعله هذا العنصر أو وصف تأثيراته. من هذا المنظور، القول بأن وظيفة قوقعة السلطعون هي حماية أحشائه يعني أن تلك هي وظيفته الوحيدة؛ والقول إن وظيفة رقصة الطائر هي جذب الإناث للتزاوج يعني أن تلك هي وظيفتها الوحيدة؛ وهكذا. ولكن لا يمكن أن يكون هذا صحيحا تماما. ففي النهاية قوقعة السلطعون لها آثار أخرى بجانب حماية الأحشاء، مثل جعل التقاط السلطعون أيسر على الصيادين على سبيل المثال. لكننا لن نصف هذا بأنه وظيفة القوقعة. بالمثل، عندما يؤدي ذكر طائر الجنة رقصته للتودد، كثيرا ما سيجذب إليه الضواري لا الإناث فحسب؛ لكن جذب الضواري ليس وظيفة الرقصة، بل مجرد نتيجة يصادف أن تسببت فيها الرقصة. كما تظهر هذه الأمثلة، ليست كل آثار أي عنصر بيولوجي جزءا من وظيفته؛ أن نعتقد غير ذلك هو عدم إدراك للفارق بين الوظيفة الحقيقية وما يمكن أن نسميه «أثرا جانبيا غير مقصود». يستدعي علماء الأحياء ضمنيا هذا التمايز كلما استخدموا الاصطلاح الوظيفي.
تنشأ معضلة فلسفية عند هذا المنعطف. حيث إنه من السهولة أن يبدو أن للحديث الوظيفي في علم الأحياء بعدا «معياريا» قائما على أحكام قيمية. (في الفلسفة، يختلف المنهج المعياري عن الوصفي؛ إذ يتناول الأول ما يجب أن تكون عليه الأشياء بينما يتناول الثاني الأشياء على حالها الفعلي.) عندما يتحدث عالم أحياء عن وظيفة عنصر بيولوجي ما فهو يبدو وكأنما يتطرق إلى الغرض «المفترض» من هذا العنصر، وليس ما يقوم به هذا العنصر فعليا. ما يشير إليه هذا هو أنه في المواضع التي يكون الحديث عن الوظيفة منطقيا، يكون الحديث عن الخلل الوظيفي منطقيا أيضا. فالقوقعة التي لا تحمي أحشاء السلطعون أو الكلية التي لا تنقي الدم في الجسد، قد فشلتا في القيام بوظيفتيهما أو أصيبتا بخلل وظيفي. لكن هذا مربك نوعا ما. فمن الذي يقرر الغرض من عنصر بيولوجي ما؟ العلوم الطبيعية مختصة بوصف العالم كما هو، وليس إطلاق أحكام عن كيف يجب أن يكون. فهل علم الأحياء فعلا استثناء لهذا المبدأ؟ أو هل هناك سبيل للتغاضي عن البعد المعياري بتفسيره، ربما عن طريق تحويل عبارات إسناد الوظيفة إلى تعبيرات أخرى؟ نعود إلى هذا اللغز في موضع لاحق.
Bilinmeyen sayfa