Ahlak Felsefesi Üzerine Tartışmalar
مباحث في فلسفة الأخلاق
Türler
يبدأ تكون المثل في زمن الطفولة، ولا يزال ينمو بتأثير العوامل المختلفة، دون أن يشعر المرء به حتى يتحدد تماما.
وأهم العوامل لتكوينه هي المنزل والمدرسة والدين، فتربية الناشئ في المنزل، وما يراه ويسمعه من أبويه وإخوته من قصص وحكايات، والنظام الذي يسود البيت، والمدرسة وما يراه فيها ويسمعه من مدرسيه، وما يقرأه في الكتب من قصص الأبطال والعظماء ورجالات التاريخ وما كان لهم من آثار خالدة لم تقو يد الزمان على محوها، والدين وما يوقفنا عليه من سير الرسل والأنبياء ونظام الحياة الأخرى التي أعدت خيراتها للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، كل ذلك وما إليه له أكبر الأثر في تكون المثل الأعلى ونموه شيئا فشيئا حتى يأخذ الصورة التي يراها المرء أكمل الصور وخيرها؛ ولذلك كثيرا ما يحس المرء من نفسه تغيرا في مثله الأعلى، فهذا الطالب مثلا كان يقنع أول أمره أن يكون كأستاذه، فإذا به بعد أن اتسعت أمامه آفاق الحياة لم يرض أن يكون مثله الأعلى إلا أحد الأبطال والزعماء.
وكما ينمو المثل الأعلى حتى يصل للكمال قد يضيق حتى ينعدم، ويشاهد هذا في أمثال العمال الذين يقضون حياتهم في أعمال يدوية محدودة، يذهب الواحد منهم صباحا لمحل عمله يفعل ما فعله بالأمس وما سيفعله في الغد، ثم يعود لداره قانعا بأنه قام بما يسد العوز ويدفع الحاجة، لا يفكر في عيشة غير عيشته الرتيبة، ولا في أمد أعلى يصل إليه في حياته، وفي ضيق المثل الأعلى أو انعدامه خطر عظيم على نشاط الإنسان وسعيه للوصول إلى الكمال؛ لأن المثل الأعلى هو مصدر ذلك كله. (6) القياس الخلقي والمقاييس الخلقية (6-1) معنى القياس
إذا أردنا معرفة مساحة دار أو وزن قطعة من الحديد مثلا عمدنا إلى وحدة المقياس وهي المتر وعرفنا به مساحة الأولى، ووحدة الميزان وهو الرطل وعرفنا به وزن الأخرى، وهكذا في جميع الأشياء المادية. أما الأمور المعنوية، كالأعمال الأدبية التي تصدر منا ومن غيرنا، فماذا نصنع لبيان خيرها من شرها؟ وبأي الوسائل نتعرف قيمتها؟ نتعرف ذلك بالميزان أو المقياس الخلقي، فهو المستوى الذي نتحاكم إليه لتقدير قيم الأعمال الأخلاقية. ومعرفة هذا المقياس، أو هذا المستوى، من أهم مباحث علم الأخلاق، الذي يبحث في أعمال الناس من حيث خيرها وشرها.
وقد اختلف الناس ولا يزالون مختلفين في هذه المقاييس، فكان منهم من يحتكم في أعماله وأعمال سواه إلى العرف والتقاليد للقبيلة أو الجماعة التي يعيش بينها، فيرى خيرا وحسنا ما أقره هذا العرف، وشرا وقبيحا ما خالفه. وكان منهم من يحتكم إلى القانون الوضعي أو السماوي في معرفة حسن الأفعال وقبيحها. وكان منهم من لا يحتكم إلى هذا المقياس أو ذاك، بل لا يحكم إلا رأيه الشخصي فهو عنده المستوى الخلقي، فما وافقه كان خيرا وما لم يوافقه كان شرا. ثم كان منهم من لم يرض لنفسه واحدا من هذه المقاييس، ففكر في مستوى نظري من قاعدة أو مبدأ عام يرى تحقيقه هو الخير الأسمى والمثل الأعلى الذي يجب الوصول إليه، وبذلك جعل هذا المستوى هو الميزان الخلقي الذي نزن به الأعمال جميعها. (6-2) تقسيمها إلى عملية ونظرية
إذا نظرنا للعرف والقانون والرأي الشخصي وجدناها تختلف اختلافا كبيرا حسب الزمان والمكان، فعرف الأمم القديمة في العصر الأولى غير عرفها في العصر الحديثة، بل عرف كل منها في هذه العصر الحديثة يختلف حسب أدوارها التاريخية المختلفة، كذلك القانون يختلف باختلاف الزمان والبلاد والأمم. أما الرأي الشخصي فهو جد مختلف، يرى الإنسان حسنا اليوم ما كان يراه قبيحا بالأمس، وذلك لاختلاف الظروف والملابسات، ولاتساع مداركه وتغير نواحي تفكيره وتقدمه في التربية والتهذيب، من أجل هذا كانت تلك المقاييس خاصة مقيدة محدودة، وهي في الوقت نفسه أمور موجودة يقاس على مثالها؛ لذلك سميت بالمقاييس العملية لأن كلا منها موجود فعلا وحقيقة.
والقياس بالعرف والقانون أشبه الأشياء بعملية القياس في الأحكام الفقهية، فكما يقول الفقيه مثلا تناول الحشيش حرام كالخمر لوجود علة التحريم فيه وهي الإسكار وضياع العقل، كذلك يقول من اتخذ العرف أو القانون مقياسا له؛ هذا الفعل حسن لأن العرف أو القانون استحسن مثله، وذاك قبيح لأن العرف أو القانون عد مثله قبيحا. أما من جعل مقياسه رأيه الخاص فهو شبيه بالمجتهد؛ لأنه لا يأخذ في حكمه إلا برأيه الذي كونه لنفسه، غير مقيد بعرف أو قانون أو مبدأ نظري عام.
بقي من المقاييس التي عددناها المقاييس المثالية، أي القواعد والمبادئ العامة التي لا تختص بزمان أو مكان أو أقوام معينين، بل هي عامة للجميع على السواء، وهي ما تسمى بالمقاييس النظرية؛ لأن منشأها التفكير والنظر اللذان يهديان إلى قاعدة أو قانون عام أو مثل أعلى ذهني غير موجود عمليا تقاس به الأعمال، هذا هو معنى كونها نظرية؛ إذ ليس المراد من وصفها بأنها نظرية أنها لا تطبق في الحياة العملية، بل إنها مستويات عقلية مثالية ولها مع هذا قيمتها العملية في تقدير قيم الأعمال بها.
وهذه المقاييس النظرية مختلفة متعددة أيضا، فمن فلاسفة علم الأخلاق من جعل هذا المستوى النظري الذي يقيس به الأعمال الأدبية هو الواجب، ومنهم من جعله المنفعة، ومنهم من جعله الكمال.
وليس من موضوع دراستنا الآن دراسة المقاييس النظرية، بل المراد بحثه هذا العام هو العرف والقانون من المقاييس العملية. (7) العرف (7-1) تعريفه
Bilinmeyen sayfa