Siyasi Felsefede Temeller
ركائز في فلسفة السياسة
Türler
على هذا يكون التفهم العميق لليبرالية حين نضعها داخل أطرها الأوروبية لننتبه إلى أن ما يميز الليبرالية حقا ليس الحرية والكرامة، بقدر ما يتمثل في أنها - كما رأينا - صيغت أولا كواقع أوروبي، ثم صيغت لاحقا كنظرية، لعل هذا هو مكمن قوتها، فهي بعكس النظريات الاشتراكية والماركسية التي هي صياغة للنظرية أولا ثم بحث عن تطبيقها؛ لذلك قيل إن اليمين الليبرالي هو فلسفة الأمر الواقع، وانتصاره على غريمه الاشتراكي هو نهاية التاريخ؛ وإذا كانت الديمقراطية القائمة على العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكومين هي أهم الإيجابيات، فإنها ليست حكرا على الليبرالية أو صنيعتها بقدر ما كانت اتجاه العصر الذي قامت الليبرالية بالتنظير له. وأهم فلاسفة العقد الاجتماعي جان جاك روسو قد شن حملة شعواء على قدس أقداس الليبرالية: الملكية الخاصة.
كان نمو النظرية الليبرالية، منذ أن بدأت دفاعا عن طبقة صغار الملاك الناشئة حديثا مرورا بليبرالية التجاريين والفيزوقراطيين في فرنسا ورأسمالية عدم التدخل والاقتصاديين الكلاسيكيين، هو ذاته تطور الحضارة الغربية الحديثة منذ انهيار الإقطاع وازدهار الحياة في المدن وظهور البرجوازية «وصولا إلى مرحلة الثورة الصناعية وانفجار المد الاستعماري وما تلاه من صنوف التبعية للغرب». إن الاستعمار هو الوجه القبيح لليبرالية.
لقد كانت الفترة منذ نهاية حروب نابليون بونابرت عام 1815م حتى قيام الحرب العالمية الأولى عام 1914م هي أظهر فترات الحكم الليبرالي خاصة في إنجلترا، وهي ذاتها الفترة التي اجتاح فيها الاستعمار عالمنا الثالث كمهمة اضطلعت بها الدول الليبرالية، إذ أفرزتها آليات الليبرالية؛ وأكدتها أهداف الليبرالية وباركها أقطاب الليبرالية.
وحتى مع جون ستيورات مل وكتابه الرائع «في الحرية» الذي يعد تاج الأدبيات الليبرالية، نجد أن مل نظرا لموقعه الشخصي في شركة الهند الشرقية يندد باحتلال الهند، ومع هذا يفسح صفحات في كتابه المذكور ليدافع عن حق وواجب الدول المتقدمة في احتلال الدول المتخلفة؛ لأنها بمثابة القاصر!
إذ كان من الضروري أن يتجه الفكر الإنجليزي - الليبرالي جدا - بمجامع نفسه لتأكيد المد الاستعماري، طالما أنه يؤمن مصادر المواد الخام للصناعات الغربية وفتح الأسواق لمنتجاتها، والحيلولة دون ظهور صناعات تزاحمها في البلدان المتخلفة التي لا بد وأن تبقى هكذا، لينفتح المجال على مصراعيه - فقط في عالمهم الغربي - للمبادرة الفردية وهامش الربح والتنافس الخلاق ... إلى آخر مثاليات الاقتصاد الليبرالي، الذي تهدف سياساته إلى تأكيد حقوق الإنسان، فقط الغربي أو الأبيض. أما إنسان الدول المحتلة، في الهند أو مصر أو الجزائر ... إلخ، فلم تتوان الدول الليبرالية عن سحب كل حق له - فضلا عن حق وطنه - في الحرية والاستقلال والكرامة، والحياة أحيانا، كما في حالة شهداء حركات وحروب التحرير. وسلاما على عبد الحكم الجراحي طالب جامعة القاهرة - جامعة فؤاد الأول آنذاك - الذي قضى نحبه من التعذيب في سجون الاحتلال الإنجليزي فقط لأنه قاد مظاهرة تنادي بأن تكون مصر حرة مستقلة.
والآن يبدو طبيعيا جدا ومتوقعا أن تنزع الولايات المتحدة الأمريكية اليوم إلى الاضطلاع بالدور الذي قامت به إنجلترا وفرنسا بالأمس، وهو السيطرة على مقدرات العالم وتنظيمه وتوجيهه بما يتفق مع مصالح الغرب، وطبقا لآليات العصر طالما أن أمريكا قد ورثت عن إنجلترا وفرنسا عرش الليبرالية.
وبالمثل حين اندفعت الليبرالية الغربية لتأسيس المشروع العنصري الإسرائيلي، والعمل على تكريس تفوقه وبقائه، فإنه يستوي في تبرير موقفهم هذا أن إسرائيل حاملة لواء الديمقراطية الليبرالية في الشرق الاستبدادي المتخلف، أو أنها أقوى وأبهى إنجازات المشروع الاستعماري وأعلى أشكاله.
فتجلجل الصيحة بحقوق الإنسان في الانتقال والإقامة حيث يريد، ليكتسب أي شخص في العالم - عدا الفلسطينيين المكدسين في مخيمات البؤس - حق الإقامة في فلسطين! طالما انتمى لشراذم اليهود. ولا تقلق حقوق الإنسان الليبرالية قيد أنملة ولا تغير توجهاتها لتكسير عظام الفلسطينيين وتعذيبهم وهدم منازلهم وطردهم من أراضيهم، طالما أن في هذا ما يؤكد الأهداف النهائية للحضارة الغربية ومدها الاستعماري، أي تأكيد هيمنة المشروع الحضاري الغربي كمشروع أوحد، وهو ما بات قاب قوسين أو أدنى مع تصاعد صيحات العولمة. •••
على أية حال يظل التقدم المتوالي خاصة من خصائص الحضارة الإنسانية، وليس اليوم كالأمس أبدا، وبالتالي ليس وضع الاستعمارية الغربية اليوم كما كانت منذ قرنين ماضيين، على الرغم من وجود بعض امتدادات وانعكاسات لها مع الإمبريالية الأمريكية وتصاعدها البشع مع المحافظين الجدد.
لقد كانت نهاية الحرب العالمية الثانية لحظة فارقة في تاريخ المشروع الاستعماري الغربي الأوروبي، لتعلن إفلاسه. وفي أعقاب هذه الحرب وكنتيجة لها خرجت الدولتان الاستعماريتان الكبريان إنجلترا وفرنسا متهالكتين غير قادرتين على مواصلة الزحف الاستعماري. ومن الناحية الأخرى تعاظم شأن حركات التحرير والمد القومي في الدول المحتلة.
Bilinmeyen sayfa