Siyasi Felsefede Temeller
ركائز في فلسفة السياسة
Türler
ولكن حين ننشد تحقيق مثل تلك القيم وتحقيق المجتمع الاشتراكي، لم يعد واردا الآن أن نتبع كارل ماركس الذي رحل عنا منذ أكثر من مائة عام، باعا بباع، ولا تزال هناك تيارات اشتراكية متبصرة تفعل فعلها في واقعنا المعاصر، كالاشتراكية الفابية والاشتراكية الديمقراطية والماركسية المعدلة المتطورة دائما في الصين، إنها تيارات متبصرة واعية لمتغيرات الواقع وأخطاء المثال.
لقد تراجعت الليبرالية المعاصرة عن كثير من تطرفها اليميني، مثلما تراجعت الاشتراكية الآن عن كثير من تطرفها لتصب فيما يعرف الآن بالطريق الثالث، وفي هذا يحق لنا اعتبار فكرة الهندسة الاجتماعية التي طرحها كارل بوبر - كفلسفة للتنظير وللتخطيط السياسي - كانت من الشعاب الممهدة حقا لتؤدي إلى هذا الطريق الثالث.
ولا غرو أن يمهد كارل بوبر الطريق الثالث؛ فهو فيلسوف الليبرالية البارز الذي ما فتئ يؤكد أن القيم الاشتراكية بمعية قيم التنوير هي أنبل ما حملته الفلسفة، وقبل وفاته بعامين قال إنه دائما اشتراكي، بمعنى إحساس العاقلين بالمسئولية تجاه الآخرين الأقل منهم حظا ونصيبا في الحياة، بيد أن البشر للأسف لا تحركهم مثل هذه الدوافع النبيلة، ومع ذلك يظل بوبر من أبرز فلاسفة الديمقراطية الليبرالية في القرن العشرين.
والسؤال الآن كيف تمهد الهندسة الاجتماعية الجزئية ذلك الطريق الثالث.
الهندسة الاجتماعية الجزئية طريق ثالث
لئن كان كارل بوبر (1902-1994م) هو فيلسوف العلم ومناهج البحث الأول، فإنه يشتهر أكثر بوصفه فيلسوف المجتمع المفتوح، الذي يمثل واحدة من أنضر صور الديمقراطية الليبرالية؛ ونظرا لسعة مجال السياسة وشيوع جمهورها، فقد حاز بوبر شهرته أساسا من كتابه «المجتمع المفتوح وخصومه» في جزأين (1945م)، الذي طبق الخافقين وترجم إلى أكثر من عشرين لغة، من بينها العربية، ولقي اهتماما واسع النطاق في مجالات ومستويات مختلفة.
اقترن اسم بوبر بالمجتمع المفتوح وصار عنوانا لفلسفته السياسية والاجتماعية، حيث التمثيل العيني لتطبيق منهج العلم العقلاني النقدي على مشكلات السياسة والاجتماع، حيث ممارسة العقلانية النقدية في الفلسفة السياسية كي تكفل للمجتمع طريقا للتقدم مثلما تكفل للعلم تقدما مطردا. تنعكس إيجابيات المنهج العلمي ها هنا في صورة مجتمع مفتوح للرأي والرأي الآخر، ليفوز الحل الأقدر والرأي الأرجح، ويكون الانتقال من المشكلات إلى حلولها في إطار ديمقراطي، ولا أحد يمكنه الزعم بامتلاك الحقيقة، ليصب المجتمع داخل إطارها ويقود الآخرين كالقطيع. لا بد من إفساح كل مجال للرأي والرأي الآخر، ليتغلب الرأي الأقدر على حل المشكلة، وهذا يستلزم الديمقراطية والتعددية والمناقشات النقدية والعقلانية والتسامح؛ باختصار: المجتمع المفتوح، وينقض كل دعاوى الديكتاتورية والانفراد بالرأي والتعصب والتطرف ويستحيل معه صب المجتمع داخل الإطار الشمولي والنسق الموحد؛ لأن هذا مجاف لمنطق العلم ومنطق الواقع ومنطق التاريخ، سواء أكان هذا النسق الشمولي الموحد هو الماركسية أو سواها.
ويمكن القول إن كتاب «المجتمع المفتوح»، وبشكل خاص الجزء الثاني منه، هو أصلا وفروعا نقد للنظرية الماركسية، واعتبره كثيرون أقوى نقد وجه للماركسية.
وفي هذا نلاحظ أن بوبر في إطار نقده للماركسية وللمجتمع المغلق إجمالا، كانت أهم الجوانب التي حاربها بشراسة هو ما تنطوي عليه الماركسية من نزعة يوتوبية كلية؛ النزعة الكلية تتناقض مع النزعة العلمية تناقضا حادا؛ افترضت الماركسية أنها بضربة واحدة - هي الثورة الدموية - سوف تقلب التطور التاريخي إلى المرحلة اليوتوبية والجنة الموعودة للكادحين؛ وهذا في جوهره مواصلة لمسيرة الفكر اليوتوبي الذي يطرح تخطيطا كليا للمدينة الفاضلة أو جلب السماء إلى الأرض، صارفا الأبصار عن الطابع المرحلي لكل بناء معقد، وعن مشاكله التي يتولد عن حلولها مشاكل أخرى غير متوقعة، كما يعلمنا منهج العلم وأصول التفكير العلمي.
وإذا كان التفكير الرومانتيكي هو نقيض التفكير العلمي، فإن هذا المنزع الكلي نحو عالم أفضل إنما هو نوع من «الرومانتيكية الصريحة، بحث عن المدينة المثالية ككل متكامل في الماضي أو في المستقبل».
Bilinmeyen sayfa