وكل دين لا يكفل لأصحابه هذا الرجاء فهو دين لا معنى له ولا حاجة إليه، وإن وجوده وعدمه سواء.
وليس المراد من ذلك أن الإيمان بالله قائم على الحاجة إليه، وإنما المراد به أن الإيمان بالله قائم على الإيمان بقدرته وكماله وعدله وسلطانه في الوجود واتصاله بهذا الوجود، فإن لم يكن المعبود كذلك فما هو بأهل للإيمان به، على الاستغناء عنه أو على الحاجة إليه.
وأكثر ما يعترض به المعترضون على حكمة الصلاة أنها لا توافق الإيمان بنظام الكون واطراد حركاته وسكناته على سنة واحدة أو قانون واحد مقدور الأعمال والآثار من أزل الآزال.
وهو اعتراض يقبل على فرض واحد، وذاك أن الصلاة عمل خارج من الكون غير داخل فيه، فهي لا تنبعث من نظامه ولا تؤثر في نظامه، ولا يكون لها شأن حقيق بها غير الشذوذ والإهمال.
فأما إذا كانت الصلاة داخلة في حساب الكون - كما هي في الواقع - فشأنها في الآثار والمؤثرات كشأن جميع الأعمال والحركات، فلا يقال لهم: كفوا عن التعرض لقوانين الطبيعة بالاختراع والصناعة؛ لأنها قوانين مقدورة الأعمال والآثار من أزل الآزال.
ولا مانع مطلقا من تأثير العوامل الروحية في أحداث الكون ولو قصرنا التأثير على النحو الذي نعانيه كل يوم في هذه المحسوسات فضلا عن الغيوب والمعقولات.
قال الإمام الغزالي في تهافت الفلاسفة: «لو لم ير إنسان المغناطيس وجذبه للحديد، وحكي له ذلك، لاستنكره وقال: لا يتصور جذب الحديد إلا بخيط يشد عليه ويجذب به؛ فإنه المشاهد في الجذب، حتى إذا شاهده تعجب منه، وعلم أن علمه قاصر عن عجائب القدرة».
وذلك بعد أن قال عن المؤثرات الروحية: «ذلك يكون بأسباب، ولكن ليس من شرط أن يكون السبب هو هذا المعهود، بل في خزانة المقدورات عجائب وغرائب لم يطلع عليها، ينكرها من يظن أن لا وجود إلا لما شاهده.»
وما يقال عن جذب المغناطيس يقال عن جذب الأجسام ولا سيما جذب الكواكب أو تجاذبها على هذه الأبعاد الشاسعة من السماء؛ فإن انتقال التأثير من الجاذب إلى المجذوب حقيقة لا ريب فيها، ولكنها لا تفسر إلا بالفروض والتخمينات وتقدير الوسائط التي لا يثبتها العيان ولا يقطع بها البرهان.
والعجيب أن أدعياء العلم والعقل يشاهدون هذا وأمثاله ويسمعون تعليله الذي يختلف فرضا بعد فرض، وتخمينا بعد تخمين، فيسكتون ويسلمون أنه معقول ومفهوم، ولكنهم يستكثرون تأثير الروح في الأرواح، وتأثير العقل في العقول؛ لأنهم يريدون أن يلمسوا بأيديهم كيف تؤثر وكيف تتأثر، ولا يقبلون هنا ما يقبلونه في عالم الحس والعيان.
Bilinmeyen sayfa