وإما أسلوب يترك الخاصة لأنفسهم، وينفي العامة عن حظيرة الاعتقاد، وهو لا يحقق الحكمة من العقيدة بحال.
في ذلك الأسلوب لا خسارة على أحد من الخاصة أو العامة وفي هذا الأسلوب لا فائدة للخاصة ولا للعامة؛ لأن الخاصة متروكون لأنفسهم يفهمون ما يفهمون بمعزل عن الوحي والرسالة؛ ولأن العامة محجوبون عن الوحي والرسالة بكل حجاب.
وقد ضلل بعض المغرضين من دعاة الأديان عقولا كثيرة في شتى الأقطار حين زعموا أن الخطاب بالمحسوسات في أمر الجنة والنار مقصور على العقيدة الإسلامية، وأن المؤمنين بالدين لا يؤمنون به إلا إذا كانوا من المؤمنين بالقرآن.
فالأنبياء والقديسون في جميع الأديان الكتابية قد تمثلوا المحسوس في رضوان الله ووضعوه على هذه الصفة في كتب العهد القديم والعهد الجديد، وفي كتب التراتيل والدعوات.
ففي العهد القديم يصغي أشعياء يوم الرضوان في الإصحاح الخامس والعشرين من سفره فيقول: «يضع رب الجنود لجميع الشعوب في هذا الجبل وليمة سمائن: وليمة خمر على دردي سمائن ممخة: دردي مصفى ويفنى في هذا الجبل وجه النقاب. النقاب الذي على كل الشعوب والغطاء المغطى به على كل الأمم، يبلغ الموت إلى الأبد ويمسح السيد الرب الدموع من كل الوجوه.»
وفي العهد الجديد يقول يوحنا الإلهي في الإصحاح الرابع من رؤياه: «بعد هذا نظرت وإذا باب مفتوح في السماء والصوت الأول الذي سمعته كبوق يتكلم معي قائلا: اصعد إلى هنا فأريك ما لا بد أن يصير بعد هذا، وللوقت صرت في الروح وإذا عرش يعرض علي في السماء وعلى العرش جالس، وكان الجالس في المنظر شبه حجر اليشب والعقيق وقوس قزح، حول العرش في المنظر شبه الزمرد، وحول العرش أربعة وعشرون عرشا، ورأيت على العروش أربعة وعشرين شيخا جالسين متسربلين بثياب بيض، وعلى رءوسهم أكاليل من ذهب، ومن العرش يخرج بروق ورعود وأصوات، وأمام العرش سبعة مصابيح، نار متقدة هي سبعة أرواح الله، وقدام العرش بحر زجاج شبه البلور، وفي وسط العرش وحول العرش أربعة حيوانات مملوءة عيونا من قدام ومن وراء، والحيوان الأول شبه الأسد، والحيوان الثاني شبه عجل، والحيوان الثالث له وجه إنسان، والحيوان الرابع شبه نسر طائر ...»
ويقول في الإصحاح العشرين: «متى تمت الألف السنة يحل الشيطان من سجنه ويخرج ليضل الأمم الذين في أربع زوايا الأرض: يأجوج ومأجوج؛ ليجمعهم للحرب، وعددهم مثل رمل البحر ... فنزلت نار من عند الله من السماء وأكلتهم ... وإبليس الذي كان يضلهم طرح في بحيرة النار والكبريت ... وكل من لم يوجد مكتوبا في سفر الحياة في بحيرة النار.»
ويقول في الإصحاح الحادي والعشرين: «ثم رأيت سماء جديدة وأرضا جديدة؛ لأن السماء الأولى، والأرض الأولى مضيتا، والبحر لا يوجد فيما بعد، وأنا يوحنا رأيت المدينة المقدسة أورشليم الجديدة نازلة من السماء من عند الله مهيأة كعروس مزينة لرجلها، وسمعت صوتا عظيما من السماء قائلا: هو ذا مسكن الله مع الناس.»
وكانت آمال النعيم المحسوس تساور قلوب القديسين في صدر المسيحية فضلا عن عامة العباد بين غمار الدهماء، ومن أشهر هؤلاء الأقطاب المعدودين رجل عاش في سورية في القرن الرابع للميلاد وترك بعده تراتيل مقروءة يتغنى بها طلاب النعيم، وهو القديس إفرايم الذي يقول في إحدى هذه التراتيل: «ورأيت مساكن الصالحين، رأيتهم تقطر منهم العطور ويفوح منهم العبير، تزينهم ضفائر الفاكهة والريحان ... وكل من عف عن خمر الدنيا تعطشت إليه خمور الفردوس، وكل من عف عن الشهوات تلقته الحسان في صدر طهور.»
واتفق أحبار المغرب وأحبار المشرق في وصف النعيم بهذه الصفة، فقال القديس أرنيوس
Bilinmeyen sayfa