Yüz Yılda İngiliz Felsefesi (Birinci Bölüm)

Fuat Zakariya d. 1431 AH
69

Yüz Yılda İngiliz Felsefesi (Birinci Bölüm)

الفلسفة الإنجليزية في مائة عام (الجزء الأول)

Türler

وهكذا يدافع هنا عن توحيد اسبينوزا بين الله والطبيعة، ويعلن بحماسة عاطفية أنه هو حل جميع المسائل المختلف عليها في الفلسفة، ولكن رغم أن بكتن يرفض صراحة فكرة إله خالق، ويؤكد أن الكون قد نشأ من ذاته ويكتفي بذاته، فإنه يعلق مع ذلك أهمية كبرى على محاولته إثبات أن عقيدته العالمية تتفق مع الجوهر الحقيقي للديانات التاريخية وضمنها المسيحية، وهكذا يسمى مذهبه «بالمذهب المسيحي في شمول الألوهية

Christian

»، ولا يشعر بأي حرج من التناقض الملموس الذي ينطوي عليه الجمع بين مذهبين على هذا القدر من التنافر.

24

وعلى حين أن التركيب الديني العلوي عند بكتن كان أقرب إلى أن يكون إضافة قصد بها تنميق المذهب وتزويقه أكثر مما كان تعبيرا عن التخلي الفعلي عن المذهب الطبيعي، فإن «كرول» وهو عالم جيولوجي اسكتلندي، يغامر بالمعنى خطوة حاسمة بعد هذه الحدود، فهو بدوره يترك المذهب التطوري في مجموعه دون نقاش، ويأخذ بأهم العناصر في نظريته، ولكنه في الوقت ذاته يحاول أن يهزه من أعماقه ويزعزع نفس الأساس الذي بني عليه. فقانون التطور نفسه ينص على أن المادة والقوة والحركة هي العوامل التي تحدد وتفسر كل عملية كونية وكل تغير يحدث فيها، ومع ذلك فإن أحدا لا يتساءل عما وراء هذه العوامل، وإنما تظل قائمة بوصفها العناصر النهائية لكل وجود وكل صيرورة، ولا تكون هي ذاتها في حاجة إلى تفسير. أما بالنسبة إلى كرول فإن هذا البحث عن مصدر تلك العناصر وأصلها يبدو أمرا له أهمية عظمى، فكون القوة والمادة موجودتين، هو أمر أقل أهمية من مسألة تحديدهما. والمشكلة الأساسية في الفلسفة هي مشكلة تحديد العوامل الأصلية للوجود وتفسيرها، فإذا كانت كل حالة حاضرة للكون تتحدد مقدما بالحالة السابقة عليها، وهذه بدورها تتحدد بما يسبقها، فإنا نواجه عندئذ تسلسلا ممتنعا إلى ما لا نهاية، ولا بد أن تكون هذه السلسلة قد بدأت في وقت ما، ولا بد أن يكون هناك تحديد أول، ومن الواضح في الوقت ذاته أن القوة لا يمكن أن ترد آخر الأمر إلى القوة بوصفها العلة المحددة لها، ولا الحركة إلى الحركة. وهكذا فلا بد أن نستنتج من كون شيء موجودا في اللحظة الحالية أن «شيئا» لا بد قد وجد منذ الأزل. غير أن الاعتقاد بأن «الكون» هو الأزلي محال؛ إذ إنه ينطوي على القول الممتنع بوجود تعاقب لا نهائي للأحداث، وبذلك لا يتبقى إلا افتراض إله أزلي لا متناه، بوصفه المحدد الأول للسلسلة الكونية، أو الروح الخالقة التي هي العلة النهائية لكل الوجود، وبالتالي حافظ العملية التطورية بأسرها. وهكذا فإن التطورية - مع احتفاظها بصحتها الكاملة - لا تعود نظرية مكتفية بنفسها أو قائمة بذاتها، وإنما هي تنتقل في النهاية إلى مذهب للألوهية، وهذا دليل آخر على أنها قد سئمت سفينة المذهب الطبيعي التي تهيم فيها، وأخذت تبحث عن شاطئ تستقر فيه.

25

أما «درموند» فقد قام بمحاولة مستقلة لإيجاد مكان للدين داخل مذهب العلم الطبيعي، وقد أحرز درموند، الذي كان قسيسا ولاهوتيا وباحثا علميا، شهرة مفاجئة بعد النجاح الهائل غير المتوقع، لكتابه «القانون الطبيعي في العالم الروحي

Natural Law in The Spiritual World » وهو الكتاب الذي نشر في 1883، وبيعت منه قبل نهاية القرن 125000 نسخة، وكانت أهم أسباب هذا النجاح، بالإضافة إلى الأسلوب الشعبي في الكتابة، وسهولة فهم محتوياته، هي أنه تضمن بحثا في العلم الجديد قام به شخص لا يشك أحد في تدينه، ولكنه لم يحمل على هذا العلم - كما يفعل غيره من المتدينين عادة - على أنه معاد للدين، وإنما يعرضه على أنه متفق تماما مع تعاليم العقيدة المسيحية. وبفضل هذا الكتاب تم التوفيق، لأول مرة، بين مذهب التطور الجديد وبين الجمهرة الكبيرة من الناس، الذين كانوا يهتمون بالمذهب، ولكن عقيدتهم الدينية تباعد بينهم وبينه. وقد كانت فكرة درموند الأساسية - وهي فكرة غاية في البساطة، ولكنها في بساطتها بناءة إلى حد بعيد - هي أن يمد إلى العالم الروحي تلك القوانين التي تسري على العالم الطبيعي، مثلما مدها سبنسر إلى العالم التاريخي الاجتماعي. وهو يعني بعبارة «العالم الروحي» عالم الدين قبل كل شيء؛ فهذا العالم، في رأيه، يخضع بدقة لنفس مبدأ القانون الذي يخضع له العالم الطبيعي، والمبدآن معا متماثلان من جميع النواحي. وهكذا فإن القانون الأساسي للوجود كله هو قانون الاتصال، وكل درجة وكل مستوى للوجود يخضع لنفس القوانين التي تربط الجميع في وحدة شاملة، ومهمة العلم هي أن يثبت طبيعة ما هو عال على الطبيعة، كما أن مهمة الدين هي أن يثبت أن ما هو طبيعي عال على الطبيعة، ويصبح الروحي طبيعيا بنفس المقدار الذي تصبح به الطبيعة روحية. وعيب هذه الفلسفة هو ذلك الخطأ الأساسي، وأعني به تجاهل الفارق الحاسم بين هذين العالمين، ففيها خلط لا يكاد يحتمل بين مجالي الوجود اللامتجانسين، وإزالة كاملة لكل الحدود بين الطبيعة والروح، فالدين إذ يتنكر في زي العلم يسيء استغلال العلم لأغراضه الخاصة. ويمضي درموند في هذا الخلط إلى حد يكون للمرء معه أن يشك فيما إذا كنا هنا نواجه انحطاطا للعقل إلى مرتبة الطبيعة، أم ارتقاء للطبيعة إلى مرتبة الروح. غير أن الدوافع الباطنة للمذهب تظهر واضحة عندما نجد أن نتيجته النهائية هي القول إن للروح الأولوية على الطبيعة، وإنه ليس للمادة حقيقة في ذاتها، وإنما هي مجرد تجسد للروح، وإن الروح وحدها هي التي تكشف عن ماهية العالم الحقيقي.

وقد أثمرت فلسفة درموند الشعبية كتابا آخر هو «ارتقاء الإنسان

The Ascent of Man »،

Bilinmeyen sayfa