Yüz Yılda İngiliz Felsefesi (Birinci Bölüm)
الفلسفة الإنجليزية في مائة عام (الجزء الأول)
Türler
وقد أثبت مل امتيازه على جميع معاصريه بإبدائه استعداده للتعلم من أي شخص لديه أي شيء يقوله له (باستثناء الفلاسفة الألمان)، ويكاد تفكيره يشف دائما عن تلك الروح التوفيقية التي هي دائما على استعداد للتوسط بين المدارس الفكرية المتعارضة، ولترك الحجج المتناقضة تتفاعل بعضها مع بعض.
ولقد انبثقت فلسفة مل، كما رأينا من قبل، من تربة التراث الإنجليزي، ومن ثم فقد بدأ باستغلال ما آل إليه من ذلك التراث بحكم الأمر الواقع، فاتبع مذهب المنفعة في الأخلاق، وتعاليم أبيه في علم النفس ونظرية المعرفة، ونظريات مالتوس وريكاردو في الاقتصاد السياسي، كما اقتبس، في الميتافيزيقا والدين، تلك اللاأدرية التي كانت حظا مشتركا بينهم جميعا، ثم أتاه من الخارج مذهب الأفكار الجديد الذي تجسد في كولردج وكارليل، ولكن على الرغم من أن هذا المذهب قد هز فلسفته من أعماقها، فإن مل لم يستطع أبدا أن يستوعبه استيعابا كاملا. وهناك مدرسة اتصلت بها فلسفة مل في عهد متأخر نسبيا (حوالي 1840)، هي الوضعية الفرنسية عند سان سيمون وتلميذه العظيم كونت، ولما كانت هذه المدرسة أقرب من السابقة عليها إلى طريقة تفكير مل، فإنه سرعان ما تفهمها واستوعبها، وأدت علاقاته بكونت، التي اتخذت شكلا شخصيا عن طريق تبادل الرسائل، إلى وحدة وثيقة للمذهبين، ومن هذه الوحدة نشأ ارتباط فلسفي مبني على تشابه الهدف والتقارب الباطن بين الآراء، وهكذا انسابت التجريبية الإنجليزية والوضعية الفرنسية، عند مل، في مجرى متسع واحد، ومع ذلك فإن مل قد انصرف مستاء عن المرحلة الأخيرة لتفكير كونت؛ إذ شعر بأن حرية البحث الفلسفي مهددة بالخطر من جمودها شبه الديني، ورأى لزاما عليه أن يرفضها، أما المدرستان الألمانية والاسكتلندية فقد ظل يعارضهما طوال حياته الفكرية.
ولم ينتبه مل إلا قليلا للاختلافات العميقة بين هاتين المدرستين، وكل ما رآه منهما هو معارضتهما المشتركة لمناهجه الخاصة، وهكذا ظهرت كل فلسفة عصره أمام عينيه في صورة واحدة، هي صورة التوتر بين الطرف الألماني - الاسكتلندي وبين الطرف الإنجليزي، أو بين الفلسفة الترتسندنتالية عند كانت، ونظرية الموقف الطبيعي (أو الإدراك المشترك
Common-Sense ) عند ريد، ومذهب هاملتن الذي انبثق عن الجمع بينهما، كل هذا من جهة، وبين المذهب التجريبي من جهة أخرى، وهكذا وجد نفسه في شقاق دائم مع كل ما لا ينبثق عن التجربة، أو ما لا يمكن أن يحقق بالتجربة، ومع الأفكار الفطرية والحقائق الأولية
a priori
واليقينيات الحدسية، سواء في المعرفة وفي الأخلاق وفي أي ميدان آخر، وهو يدرج ضمن هذه الفئة كل ما يفترض أنه ملك مضمون للذهن البشري السليم، وبالتالي كل هذه العناصر الأساسية ومبادئ الطبيعة البشرية التي ألقى تحليل ريد الضوء عليها، فالأولية
apriorism
بجميع مظاهرها ليست في نظره إلا ملاذا للجهل، يحمله مل مسئولية فساد كل علم صحيح وكل بحث فلسفي أمين. ولقد كان مذهب هاملتن في عصره، هو الذي يمثل أقوى قلعة لهذه الفلسفة الحدسية؛ ولذا أعد نفسه لصراع نهائي معه ومع مؤثراته القوية، ومن هنا كان كتاب مل الخلافي ضد هاملتن (1865) هو المرحلة الأخيرة في هذا الصراع الطويل بين مدارس متعارضة في إنجلترا، وبعده دفن هذا الخلاف، الذي انتهى إلى التغلب تماما على الخصم وتأكيد التجريبية الظافرة.
وليس في وسعنا أن نتناول هنا مساهمة مل في مختلف مجالات الفلسفة إلا بإيجاز شديد، وأول ما ينبغي أن نتحدث عنه هو مساهمته في مجال المنطق، لا لأنها هي الأولى بالترتيب الزمني فحسب، بل لأن لها الأهمية الأولى، فإليه - لا إلى أي شخص غيره - يدين المذهب التجريبي بقيام نظريته المنطقية ونموها، أما السابقون عليه فلا تكاد تكون لهم في هذا الميدان جهود تذكر،
11
Bilinmeyen sayfa